الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية بين يزيد وابن الزبير والتي انتهت بالفشل ورجوع الجيش إلى دمشق (1).
بويع لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بعدها بالخلافة في مكة والمدينة واليمن والعراق وخراسان ومصر، وبويع له أيضاً بحمص وقنسرين من الشام وكاد أن يتم له الأمر بجملته، لولا أن خرج عليه مروان بن الحكم فغلب على الشام ثم مصر، ثم غلب من بعده ابنه عبد الملك على العراق والحجاز كما سيأتي، وقد استمرت خلافة ابن الزبير حوالي تسع سنين، وكانت صورة أخرى لتعدد الخلفاء (2).
تحليل الأحداث:
انقسم الناس في تفسير دوافع ابن الزبير رضي الله عنه في خروجه على يزيد بن معاوية:
فقال الذهبي وابن كثير وغيرهما: كان قيامه لله وهدفه هو إعادة نظام الشورى ورفض مبدأ توريث الخلافة، وقد شاركه عدد من الصحابة كالمسور بن مخرمة وعبد الله بن صفوان ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم من فضلاء عصرهم، وقام أهل المدينة بوجه يزيد وأيَّدوه وبايعوه، لِما شاع من فسق يزيد، وهيهات أن يكون خروج هؤلاء على يزيد لأجل الدنيا (3)، وابن الزبير إن أخطأ في هذا فإنه مجتهد مأجور بلا أدنى شك، وذلك لتعارض الأدلة الناهية عن الخروج على الحكام، مع الأدلة الآمرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فامتناع ابن الزبير - وكذا الحسين بن علي رضي الله عنهم عن بيعة يزيد بن معاوية لا يمكن تسميته بغياً، فهما لم يعتبرا يزيد إماماً، ولم يبدآه بقتال، ويمكن تسمية ما
(1) الكامل لابن الأثير: 3/ 364. الإمامة والسياسة المنسوب للدينوري: ص 165 - 167. مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 116.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 243، 4/ 38. تاريخ الإسلام للذهبي: 5/ 35. تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 209. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 11/ 415 - 416، 28/ 203. مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 123. الإمامة والسياسة المنسوب للدينوري: ص 167. تطور الفكر ليوجه سوي: ص 50. فتنة عبد الله بن الزبير لرودلف زلهايم في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مجلد 49 ج 4 أيلول 1974: ص 831 - 842. أشعة الكوكب في حياة الخليفة ابن الزبير وأخيه المصعب لمحمد عبد الحميد مرداد: ص 6.
(3)
سير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 38. تاريخ دمشق لابن عساكر: 11/ 416. وقال ابن كثير في البداية والنهاية 8/ 374: قيامه - أي ابن الزبير- في الإمارة إنما كان لله عز وجل ثم هو كان الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الآفاق وانتظم له الأمر، وسماه ابن حزم أمير المؤمنين كما في البداية والنهاية: 8/ 262. وانظر: مواقف المعارضة للشيباني: ص 630 وما بعدها. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 11/ 415 - 416، 28/ 207.
حصل بينهما من جهة، وبين يزيد من جهة أخرى، فتنة، لأنه قتال بين المسلمين لا نفع من ورائه ولا خير (1).
بينما كان يرى بعض الصحابة أنَّ خروجه كان للدنيا ليثنوا الناس عن متابعته لما كانوا يرون في ذلك من الفتن وسفك الدماء.
فعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يحذر الناس أن خروج ابن الزبير رضي الله عنه إنما هو لأجل الملك فقط، بل وكان ينظر إلى جميع المتصارعين على الخلافة في تلك الفترة نفس النظرة (2)، ويمثِّل يزيد بن معاوية في نظره رضي الله عنه الخليفة الشرعيّ للمسلمين، وأنه قد أعطاه البيعة ولا يجوز الخروج عليه (3)، وكان ينظر لابن الزبير ومن معه على أنهم بغاة، وتمنى مقاتلتهم لبغيهم على بني أمية (4).
وكذلك رفض محمد بن الحنفية الخروج على يزيد بن معاوية لما خلعه أهل المدينة ولم يخرج لا هو ولا ابن عباس مع الحسين بن علي رضي الله عنهم على يزيد (5).
(1) ممن سمَّى ما حصل بين ابن الزبير وبين بني أمية فتنة القاضي شريح عندما رفض أن يقضي بزمن الفتنة، كما ذكر الطبري في تاريخه: 2/ 555. وكذا النووي في شرحه على مسلم: 12/ 192. ونقل الذهبي في سير أعلام النبلاء: 3/ 264 عن بعض العلماء تسميتهم زمن ابن الزبير بزمن الفرقة. وانظر: صحيح مسلم: 5/ 197 كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم رقم (4787) و (4791) عن ابن عباس. تاريخ دمشق لابن عساكر: ترجمة عبد الله بن الزبير 28/ 141 وما بعدها، و: 28/ 204، 28/ 212. وهذا شبيه بتفسير القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما عند ابن تيمية بأنه فتنة، انظره ففيه تفريق دقيق بين البغي والفتنة. انظر فتاوى ابن تيمية: 4/ 443 فصل في أعداء الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين. وكذلك سمى ابن سيرين والزهري تللك الفترة بالفتنة، انظر: مصنف عبد الرزاق: 11/ 357 رقم (20735) عن ابن سيرين. ومصنف ابن أبي شيبة: 6/ 439 كتاب الديات، باب فيما يصاب في الفتن من الدماء رقم (206). وسنن البيهقي الكبرى: 8/ 174 - 175 كتاب قتال أهل البغي، باب من قال لا تباعة في الجراح والدماء. السنة للخلال: 1/ 151 رقم (123) عن الزهري، وقال محقق الكتاب:«في إسناده ضعيف لأن فيه يحيى بن اليمان صدوق يخطئ وقد تغير» .
(2)
طبقات ابن سعد: 4/ 171 - 172.
(3)
صحيح البخاري: 6/ 2603 كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه رقم (6694) عن ابن عمر. مسند أحمد: 9/ 105 رقم (5088) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. مصنف ابن أبي شيبة: 7/ 255 رقم (42). طبقات ابن سعد: 4/ 182 - 183.
(4)
تاريخ الإسلام للذهبي: 5/ 465. وهذا مخصوص بحياة يزيد بن معاوية، وأما بعد موته فابن الزبير كان هو الخليفة الشرعي.
(5)
البداية والنهاية لابن كثير: 8/ 255، 256. سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 40. تاريخ الإسلام للذهبي: 4/ 150. تاريخ دمشق لابن عساكر: 65/ 397. تاريخ الطبري: 4/ 253.
وكان ابن عباس وابن الحنفية يفضلان حكم بني أمية على حكم ابن الزبير (1)، ورفض ابن عمر وابن عباس وابن الحنفية وسعيد بن المسيب أن يبايعوا لابن الزبير حتى يجتمع الناس، ثم بايعوا رضي الله عنهم عبد الملك بن مروان بعد موت ابن الزبير (2).
وكذلك كان أبو برزة الأسلمي وجندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم يرون أن الجميع كانوا يقتتلون على الدنيا (3).
وقال ابن خلدون عن عهد يزيد: «ولم يبق في المخالفة لهذا العهد - الذي اتفق عليه الجمهور - إلا ابن الزبير رضي الله عنه، وندور المخالف معروف» (4).
وعلى كلٍ فإن هذا الخلاف في تفسير خروج ابن الزبير رضي الله عنه كان في حياة يزيد، أما بعد موته، وموت معاوية بن يزيد بعده بقليل، فقد بايع الناسُ ابنَ الزبير بيعة شرعية، وهو إن كان في نظر كثير ممن بقي من الصحابة في المدينة هو الأولى بالخلافة من يزيد في حياته، فإن خلافته اكتسبت شرعيتها الكاملة عند الجميع بعد وفاة يزيد وابنه معاوية بن يزيد (5).
(1) مصنف عبد الرزاق: 11/ 453 (برقم 20985) بسند صحيح. الآحاد والمثاني للشيباني: 1/ 422. وانظر مواقف المعارضة للشيباني: ص 625. سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 40، 124.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 229، 230. تاريخ الإسلام للذهبي: 5/ 35. طبقات ابن سعد: 4/ 171، 4/ 152، 5/ 100. البدء والتاريخ للمقدسي: 6/ 20، 26 - 27. تاريخ اليعقوبي: 2/ 247. الإمامة والسياسة المنسوب للدينوري: ص 169. تاريخ خليفة بن خياط: ص 214. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 28/ 203. صحيح البخاري: 6/ 2654 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، رقم (6844)، و: 6/ 2634 كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس رقم (6777) كلاهما عن ابن عمر. كما رفض ابن عمر أن يبايع ليزيد - أيضاً - لمَّا كان الخلاف بينه وبين ابن الزبير انظر: 4/ 254.
(3)
صحيح البخاري: 6/ 2603 كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه، رقم (6695) عن أبي برزة. مصنف ابن أبي شيبة: 8/ 594 - 595 عن أبي برزة. مصنف عبد الرزاق: 10/ 26 - 27 باب ملء كف من دم رقم (18250) عن جندب بن عبد الله. المعجم الكبير للطبراني: 2/ 159 رقم (1660) عن جندب. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 297 - 280: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. طبقات ابن سعد: 4/ 171 - 172. مسند أحمد: 33/ 42 عن أبي برزة، قال محقق الكتاب: «إسناده قوي، سكين بن عبد العزيز صدوق لا بأس به». وانظر مواقف المعارضة للشيباني: ص 624.
(4)
مقدمة ابن خلدون: ص 211. مواقف المعارضة في خلافة يزيد للشيباني: ص 578، 638.
(5)
الفصل في الملل لابن حزم: 1/ 131. البدء والتاريخ للمقدسي: 6/ 18. طبقات ابن سعد: 4/ 39. وانظر مدح ابن عمر لابن الزبير بعد مقتله في صحيح مسلم: 7/ 190 كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها رقم (6660).