الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصحَّ لنا من بعده لأنَّنا مأمورون بالاقتداء به، فحتى لو قلنا: إنَّ الخلافة هي خلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، آلَ الأمرُ عند التحقيق إلى خلافة عن الله تعالى، فما الرسول إلا رسول الله، وهو لا يُمثِّل نفسَه بل يُمثِّل ربَه تبارك وتعالى، ويُبَلِّغُ عنه شرعه.
ثم إنَّ الخلافة لو كانت خلافةً عن رسول الله، لكان كلُّ مَنْ يلي أمرَ المسلمين خليفةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمَاَ دُعي عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه في بداية عهده بخليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). ثمَّ إن قول أبي بكر: لست خليفةَ الله، ولكنِّي خليفة رسول الله، لا يصحُّ دليلاً على رأي الجمهور، لأنَّه ورد عنه رضي الله عنه أنَّه قد رفض أن يسمى حتى خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى نفسَه الخالفة، وأقواله هذه يُفهم منها تواضعه رضي الله عنه لا أكثر (2).
وأما
الرأي الثالث: القائل إن الخلافة هي عن الله ورسوله معاً:
فهو رأي التفتازاني (3) والشيعة (4) وإنْ انطلق كلٌ منهما من منطلق يختلف عن الآخر.
وأما
الرأي الرابع: القائل إنَّ الخلافة هي خلافة عن الأمة:
فقال به القرطبي (5) وبعض المعاصرين كيوجه سوي ولؤي صافي وبسيوني وصاحب كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) والخالدي. وهو رأي تبنَّته الموسوعة الفقهية (6). وقال الماوردي: «الإمامة من الحقوق العامة المشتركة بين حق الله وحقوق الآدميين» (7).
(1) تاريخ الطبري: 2/ 569. الطبقات الكبرى لابن سعد: 3/ 281. مقدمة ابن خلدون: ص 227 الفصل الثاني والثلاثون. البداية والنهاية لابن كثير: 7/ 154. وفيات الأعيان لابن خلكان: 6/ 105. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي: 4/ 135.
(2)
انظر: ص (16) فقد سبق إيراد قوله هذا هناك.
(3)
قال التفتازاني في شرح المقاصد: من يختاره الناس يكون خليفة الله ورسوله: 5/ 253، 256.
(4)
الألفين للحلي: ص 57. الكافي للكليني: 1/ 200 في حديث طويل. كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 675 - 677 حديث رقم (31). طوالع الأنوار للبيضاوي: ص 238. الأربعين للرازي: 2/ 269. والمواقف للإيجي: 3/ 592 عند الحديث عن أدلة الشِّيعة على النص على الإمام. شرح المقاصد للتفتازاني: 5/ 256.
(5)
تفسير القرطبي: 1/ 272.
(6)
فَصَلَ أصحابُ موقع الخلافة على الإنترنت بين السيادة التي جعلوها للشرع وبين السلطان الذي جعلوه للخليفة نيابة عن الأمة. انظر موقع الخلافة على الإنترنت: www.khilafah.net/subdustur.php. الموسوعة الفقهية: 10/ 311.
(7)
الأحكام السلطانية للماوردي: ص 9.
أما (يوجه سوي) صاحب كتاب (تطور الفكر السياسي) فقال: «تدل ممارسة فترة الخلفاء الراشدين على أنَّ الأمة اعتبرت مصدر شرعيَّة الخليفة، أمَّا الدين فهو الأساس الذي تقوم عليه الأمَّة والسلطة، ويُستنتج من الممارسات نفسها أنَّ الخلافة هي مؤسسة اتفقت الجماعة على إقامتها ليدافع الخليفة عن الأمة» (1).
وأما بسيوني فقال في كتابه (الفكر السياسي عند الماوردي): إنَّ الخليفة لم يكن يستمد سلطته من الله، وإنَّما يستمدُّها من الأمَّة، ومن حق الأمَّة عزله إن وجد ما يوجب العزل، كما هو الأمر بالنِّسبة للموكِّل مع وكيله النَّائب عنه (2).
وأمَّا لؤي صافي فقال: القائد الذي تختاره الأمَّة لتولي السلطة السياسية هو نائب عن الأمَّة في تدبير شؤونها السياسية، لأنَّ اعتبار رئيس الدولة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الذي حددته النظريَّة الاتِّباعية والمتعلق بحفظ الدين وسياسة الدنيا، يؤدي إلى إعطاء منصب الخلافة مهمات وصلاحيات فوق ما يحتمل (3).
أما صاحب كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) الذي صدر عقب إلغاء الخلافة العثمانيَّة ليبرر هذا الإلغاء فيقول: يطلق الفقهاء (الولاية العامة) على القوة الموجودة عند الخليفة وعلى صلاحيَّة التصرُّف العام على الخلق، والخليفة يأخذ هذه القوة من الأمة رأساًَ، وهذه القوة وهذه السلطة هي حق الأمَّة نفسها، وهي تفوضها الخليفة بالبيعة، كما أنَّ الموكِّل يفوِّض وكيله حقَّ تصرفاته في أشغاله بعقد الوكالة (4).
ويقول الدكتور الخالدي في كتابه (معالم الخلافة): إنَّ أبا بكر رضي الله عنه لم يكن نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه من استقراء الواقع لا نجد أنَّ شيئاً من ذلك حدث، ولا الرسولُ صلى الله عليه وسلم نصَّ على تعيينه نائباً في كافة شؤون المسلمين، والأمَّة لا تملك تعيين شخص
(1) انظر: تطور الفكر السياسي لِيوجَه سوي: ص 104. وهو يعزو أفكاره هذه إلى سيرة ابن هشام: 2/ 661. والأخبار الموفقيات لابن بكَّار: ص 579.
(2)
الفكر السياسي عند الماوردي لبسيوني: ص 186 وما بعدها. وانظر الإنصاف للمرداوي: 10/ 311 كتاب الديات، باب قتال أهل البغي، حيث لم يجوِّز عزلَ الإمام دون طلب منه.
(3)
انظر العقيدة والسياسة لِلؤي صافي: ص 112.
(4)
الخلافة وسلطة الأمة: ص 113 تحت عنوان: الولاية العامة وسلطة الأمة.