الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله: «خلافته صحيحة، وقال بعض العلماء: بايعه ستون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن عمر رضي الله عنه، وأما محبته: فمن أحبه فلا ينكر عليه، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم محبتهم إكراماً لصحبتهم، وليس ثَمَّ أمرٌ يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين، كعبد الملك وبنيه، وإنما يمنع من التعرضِ للوقوع فيه، خوفاً من التسلق إلى أبيه، وسداً لباب الفتنة» (3).
2 - عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم
(4):
(1) مقالات الإسلاميين للأشعري: ص 471.
(2)
فتاوى ابن تيمية: 4/ 483 فَصْل: افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق. ويؤيد عدم الحكم على يزيد بالكفر الحديثان الواردان قبل قليل في الحاشية (3) من الصحيفة (229)، فقد جاء في الأول:(ولن يستحل هذا البيت إلا أهله)، وجاء في الثاني:(واختلفت الأخوان).
(3)
ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: ص 196.
(4)
انظر ترجمة مروان بن الحكم في فهرس تراجم الأعلام رقم (107).
كانت وفاة يزيد بن معاوية بمثابة نكسة مؤقتة لحكم الأمويين، فبوفاته أعلن عبد الله بن الزبير - كما مر - نفسه خليفة في ربيع الثاني عام 64 هـ (1)، وكانت سنُّه تزيد على ستين سنة، فزادت قوة الحجاز ودان له اليمن، ونجح في السيطرة على المدينة وبايعه أهلها، وطرد الجالية الأموية التي كانت تقيم فيها وعلى رأسها مروان بن الحكم وولداه عبد الملك وعبد العزيز، وعين عليها أخاه عبيد الله بن الزبير.
وقامت في مصر معركة محدودة لنصرة ابن الزبير رضي الله عنه انتهت بإعلان بيعته بالخلافة، فعيَّن لها ابنُ الزبير عبد الرحمن بن جحدم الفهري.
وأما العراق وما وراءها فقد كان عبيد الله بن زياد يقبض على الأمور بيد من حديد، فارتقى منبر البصرة -عقب وفاة يزيد وتنازلِ معاوية الثاني- وخطب الناس يخيرهم في أمرهم ويُعرِّض لهم بنفسه فبايعوه بالخلافة، وطالب الكوفة بالبيعة فرفضوا، ولم تلبث البصرة أن ثارت عليه كذلك وولى البصريون واحداً منهم، وكاتبوا ابن الزبير يبايعونه بالخلافة، وفعلت الكوفة مثل ذلك، فقبل ابن الزبير منهم وأرسل إليهم عمالاً من قبله.
أما الشام معقل الأمويين فلم تكن أكثر من غيرها ولاء للأمويين، إذ خرج معظم جهاتها عن طاعة الأمويين، ذلك أن الشام كانت موزعة بين أربع ولايات - بالإضافة إلى دمشق عاصمة الدولة - وهي: إقليم الثغور ويشمل شمالي الجزيرة العراقية أيضاً وعاصمته قنسرين، ثم ولاية حمص، وفي الجنوب ولايتا الأردن وفلسطين، فأما قنسرين وحمص فقد أعلنتا طاعتهما لابن الزبير مبايعتين بالخلافة، وأما فلسطين فقد تركها واليها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي خال معاوية الثاني (2) وذهب إلى الأردن وأعلن تمسكه بخلافة الأمويين، وانضمت فلسطين بعد أن
(1) جاء في مآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 123 أن البيعة لابن الزبير ولمروان كانتا في رجب. وهو غير صحيح فابن الزبير بويع في ربيع الثاني سنة 64 هـ، وكان مروان لا يزال بالمدينة لم يخرج بعد إلى دمشق التي بويع فيها بعد مؤتمر الجابية في الثالث من ذي القعدة سنة 64 هـ. انظر: الكامل لابن الأثير: 3/ 480. وصحيح ابن حبان: 15/ 34 حيث قال: «فاستوى الأمر لمروان يوم الأربعاء لثلاث ليال خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين». طبقات ابن سعد: 5/ 41.
(2)
انظر ترجمة حسان بن مالك في فهرس التراجم رقم (50).
هجرها حسان ابن مالك إلى طاعة ابن الزبير كذلك، وبقيت دمشق بزعامة الضحاك بن قيس الفهري فترة غير واضحة الميول ثم بايعت ابن الزبير، ولم يبقَ للأمويين من نصر إلا ما يجدونه في طاعة الكلبيين بالأردن والقبائل اليمنية (1)، حتى كان من رأي مروان أن يسير إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة، فقدم ابن زياد من العراق وبلغه ما يريد مروان أن يفعل، فقال له: قد استحييت لك من ذلك أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب فتبايعه! - يعني ابن الزبير - فقال: ما فات شيء بعد (2).
ويمكن تلخيص التيارات المتصارعة على الخلافة بعد موت يزيد وابنه معاوية بن يزيد بثلاثة تيَّارات سياسيَّة: الأول: التيَّار الإسلامي ويمثِّله ابن الزبير، والثَّاني: التيَّار القبلي ويمثِّله مروان بن الحكم، والثَّالث: التيَّار الوراثي الذي مثَّله خالد بن يزيد، ولكن لم يلبث أن سلَّم التيارُ الوراثي لمروان وبقي الصراع محصوراً بين التيارين الأول والثاني.
وإنَّما كان تيار ابن الزبير تيَّاراً إسلامياً لأنَّه بويع بالخلافة - بعد موت يزيد بن معاوية وابنه - بناء على الشورى لا بالقوة كما فعل مروان بن الحكم، وقد كان اختيار مروان بن الحكم انتصاراً للمبدأ القبلي، الذي وقف حاجزاً أساسياً أمام نجاح المبدأ الإسلامي بالإضافة لصفات ابن الزبير التي كانت وراء انصراف النَّاس عنه بعد أن كانوا يؤيِّدونه كما سيأتي ذكره (3).
وهكذا أصبح ابن الزبير - بعد موت يزيد وتنازل معاوية بن يزيد عن
(1) وسرُّ هذا أن معاوية الأول وابنه يزيد تزوجا من قبيلة كلب اليمنية، وكان لحسان بن مالك الذي تزوج يزيد أخته فولدت له معاوية الثاني مكانة واضحة زمن هذين الخليفتين، وحسان هذا هو الذي تزعم الكلبيين بولاية الأردن في محاولتهم الاحتفاظ بالخلافة في بيت معاوية وفي أولاد يزيد بالذات فنادوا بعد تنازل معاوية الثاني بأن تكون الخلافة لأخيه خالد بن يزيد، ثم حدث تطور جديد في الأردن بين الكلبيين وحلفائهم، إذ ظهرت فكرة تعترض على اختيار خالد بن يزيد للخلافة وهو شاب حدث صغير لا يستطيع منازعة ابن الزبير، فرجح تحالفُ مروان بن الحكم مع عبيد الله بن زياد طريد العراق كفةَ مروان فبايعه بنو أمية. الخلافة والدولة لحلمي: ص 108.
(2)
الكامل لابن الأثير: 3/ 477. كما حضه عمرو بن سعيد بن العاص وابنه عبد الملك على طلب الخلافة. انظر عبد الملك بن مروان لعمر أبو النصر: ص 17. طبقات ابن سعد: 5/ 40.
(3)
تاريخ اليعقوبي: 2/ 304 2/ 255. تاريخ الطبري: 4/ 412. التنبيه والإشراف للمسعودي: ص 113.
الخلافة - خليفةً شرعياً، فناهضه مروان بن الحكم مخالفاً بذلك حكماً شرعياً!! (1) فقد كان أمر الخلافة خاضعاً للشوكة فقط، فمن كان قوياً وفرض نفسه بالقوة كانت له الخلافة، وقد عبَّر عن هذا الواقع مروانُ بن الحكم بعد موت يزيد فقال:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها
…
والمُلْكُ بعد أبي ليلى لمن غلبا (2)
وكانت بداية ظهور أمر مروان بن الحكم - بعد إشارة عبيد الله بن زياد عليه بأن يرشح نفسه للخلافة - عندما عقد بنو أمية مؤتمراً في بلدة الجابية بايعوا فيه لمروان بن الحكم بعد أن رفضوا أن تنتقل الخلافة إلى أهل الحجاز (3)، وأيَّده بقية الأمراء حفاظاً على سلطان بني أمية، وبايعوا مروان بن الحكم، وبقي عليهم ليدخلوا دمشق أن يقاتلوا الضحاك بن قيس الفهري الذي كان يعسكر في مرج راهط (4) بعدما رفض الذهاب إلى مؤتمر الجابية، ومعه جيش قوامه ستون ألفاً أو مائة ألف على خلاف، فاقتتلوا ومروان يومئذ في جيش صغير من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام قُدِّر بثلاثة عشر ألفاً، وقتل الضحاك بن قيس وانصدع الجيش، ودخل مروان بن الحكم دمشق ظافراً ونزل دار الإمارة، بعد أن بقيت الشام بعد معاوية بن يزيد دون خليفة أو حكومة نحو ستة أشهر، ثم تتابعت انتصارات مروان، فانضمت فلسطين إلى دمشق بعد هروب أميرها ناتل بن قيس
(1) وقد وثب المختار بن أبي عبيد على العراق أيضاً قبل أن يقاتله ابن الزبير ويقتله.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 216، 227. وأبو ليلى هو معاوية بن يزيد بن معاوية. انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 210 - 211. طبقات ابن سعد: 4/ 169. وانظر المعجم الكبير للطبراني: 1/ 290 رقم
…
(852).
(3)
انظر عن تفاصيل مؤتمر الجابية الذي كان يمثل السند السياسي لمروان بن الحكم والذي دعا بعده لمقاومة الضحاك بن قيس ممثل ابن الزبير في دمشق: الكامل لابن الأثير: 3/ 477 وما بعدها. مؤتمر الجابية لإبراهيم بيضون: 1/ 149. تطور الفكر السياسي ليوجه سوي: ص 51. الإمامة والسياسة المنسوب للدينوري: ص 136، 137. مروج الذهب للمسعودي: 1/ 385. البداية والنهاية: 8/ 263 وما بعدها. الكامل لابن الأثير: 3/ 477 وما بعدها. وانظر عبد الملك بن مروان والدولة الأموية للدكتور ضياء الدين الريس: ص 25. عبد الملك بن مروان لعمر أبو النصر: ص 18 - 19.
(4)
مرج راهط: بكسر الهاء وبالطاء المهملة معروف بالشام على أميال من دمشق. معجم ما استعجم للبكري: 2/ 630. وانظر الإمامة والسياسة المنسوب للدينوري: ص 168. مروج الذهب للمسعودي: 1/ 386. البدء والتاريخ للمقدسي: 6/ 19. تكوين الاتجاهات السياسية في الإسلام الأول للدكتور إبراهيم بيضون: ص 211 وما بعدها.