الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة في الدولة الإسلامية، فهو اسم لمتولي أمر الدولة الإسلامية لكونه يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما استُخلف خليفة إلا له بطانتان؛ بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم من عصم اللهُ» (1).
ولا يعني هذا عدم جواز استبدال كلمة (رئيس الدولة) أو نحوها بكلمة (خليفة) مع بقاء مضمونها الذي لا يمكن بحال من الأحوال التنازل عنه، وهذا ما رضي به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ناداه الصحابةُ بأمير المؤمنين (2).
و
هل يشترط فيمن يخلف شخصاً آخر أن يستخلَفه الأولُ حتى يطلق عليه اسم خليفة أو لا
؟
ميَّز ابن حزم بين أصل وضع الكلمة في اللغة وبين الاستعمال الشرعي لها:
- أما في اللغة فقال رحمه الله: «الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يَخْلُفُه دون أن يستخلفه هو، لا يجوز غير هذا البتَّة في اللغة بلا خلاف، نقول: استخلف فلان فلاناً يستخلفه فهو خليفة فإن قام مكانه دون أن يستخلفه لم يُقل إلا: خلف فلان فلاناً يخلفه فهو خالف» (3). وقد ذُكر في اللغة فرق آخر بين الخالف والخليفة، بأن الخالف هو الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، وأما الخليفة فهو من يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّه (4).
- وأما في الاستعمال الشرعي فقال: «الخليفة هو كل من يخْلُف شخصاً آخر، وإنْ كان لم يستخلِفه، وعزاه إلى الجمهور ورجَّحه بقوله: إنَّ الاستعمال
(1) روي عن أبي سعيد الخدري في: صحيح البخاري: 6/ 2438 كتاب القدر، باب المعصوم من عصم الله رقم (6237). وسنن النسائي الكبرى: 5/ 230 كتاب البيعة، باب بطانة الإمام رقم (4201). ومسند أحمد: 17/ 441 - 442 رقم (11342) وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط الشيخين. و: 18/ 348 رقم (11834) وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن إسحاق وهو السلمي المروزي فمن رجال الترمذي، وهو ثقة.
(2)
تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 23، 138. تاريخ الطبري: 2/ 569. مقدمة ابن خلدون: ص 227 الفصل الثاني والثلاثون. البداية والنهاية لابن كثير: 7/ 154.
(3)
الفصل في الملل لابن حزم: 4/ 88. منهاج السنة النبوية لابن تيمية ناقلاً عن ابن حزم: 1/ 308.
(4)
الفائق في غريب الحديث للزمخشري: 1/ 391. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 2/ 69. لسان العرب لابن منظور: 9/ 89 مادة (خلف). ومآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 14.
الموجود في الكتاب والسُّنَّة يدل على أنَّ هذا الاسم يتناول كل من خَلَفَ غيره، سواء استخلفه أو لم يستخلفه، فقوله عز وجل:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يونس/14. وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الأنعام/165، وقوله عز وجل: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} الزخرف/60. وغيرها، يدل على الخلافة دون استخلافٍ ممن قبله. وقوله عز وجل:{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} الأعراف/142، يدل على الاستخلاف. وإن كان الغالب في الاستعمال للكلمة هو من كان خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه، ومعلوم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلِف واحداً معيناً، وكان عمر رضي الله عنهم يقول:«إنْ أستخلفْ فقد استخلَف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» (1). وكان - رغم عدم استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، فعُلم أنَّ الاسم عامٌ فيمن خَلَفَ غيرَه. اهـ (2). وهذا هو رأي ابنُ تيمية (3)، ولكن الأمثلة التي ضربها رحمه الله للدلالة على أنَّ كلمة (خليفة) تطلق على من كان خليفة دون استخلاف، إنَّما هي أمثلة لا تَدلُّ على ما استَدَل عليه منها، لأنَّ هذه الآيات كلَّها تنطق بأنَّ الله هو الذي جعلهم خلائفَ إذاً فهو المستخلِف، ولم يَخْلُفوا دون استخلاف، ولئن لم يظهر لنا كيف استخلَفهم الله فلأنَّ هذا من شؤون التدبير والقدرة الإلهية، ومظهرُها اتفاقُ الناس على خليفة (4).
(1) صحيح البخاري: 6/ 2638 كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، رقم الحديث (6792) عن ابن عمر. صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وترْكُه، رقم الحديث (1823) عن ابن عمر. المستدرك: 3/ 101 رقم (4526) عن ابن عمر، ولم يعلق عليه الذهبي. والترمذي في سننه: 4/ 502 كتاب الفتن باب ما جاء في الخلافة رقم (2225) عن ابن عمر. وسنن أبي داود: 3/ 133 كتاب الخراج، باب في الخليفة يستخلف رقم (2939) عن ابن عمر. ومسند أحمد: 1/ 393 في مسند عمر بن الخطاب رقم (299) قال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وسنن البيهقي الكبرى: 8/ 148 كتاب قتال أهل البغي، باب الاستخلاف، عن عمر بن الخطاب، بدون رقم. ومسند أبي يعلى: 1/ 182 رقم (206) عن ابن عمر.
(2)
المحيط في اللغة لابن عباد: 4/ 346 مادة (خلف). معجم متن اللغة لأحمد رضا: 2/ 323 مادة (خلف). لسان العرب لابن منظور: 9/ 82 - 83 مادة (خلف). الصحاح للجوهري: 1/ 365 مادة (خلف). منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 3/ 10، 520، 521. وانظر: الإمامة من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار: ص 172. والموسوعة الفقهية: 6/ 216 وما بعدها (الإمامة الكبرى).
(3)
انظر ترجمة ابن تيمية في فهرس الأعلام: رقم (5).
(4)
مما يدل صراحة أن الله هو المستخلف ما رواه البخاري في صحيحه: 3/ 1405 كتاب المناقب، باب هجرة = = الحبشة رقم (3583) عن عثمان رضي الله عنه وفيه:«ثم استخلف الله أبا بكر» .
وقال الشِّيعة وابن حزم: الخليفة هو من استخلفه غيره (1).
وجمع الفراهيدي المعنيين معاً فقال: الخليفة هو من استُخلف مكان مَن قبلَه، ويقوم مقامه. أي بغض النظر عن المستخلف (2).
ولم يبين في محيط المحيط هل يشترط الاستخلاف أو لا فقال: «الخلافة هي الإمارة والنيابة عن الغير إما لغيبة المناب عنه، أو لموته، أو لعجزه، أو لتشريف المستخلف، وعلى هذا - أي التشريف- استخلف الله عباده في الأرض» (3).
وإنني إذ أُثْبِتُ أنَّه لا بدَّ من الاستخلاف، لا أتبنى رؤية الأخوة الشِّيعة في أنَّه لا بد أن يكون الاستخلاف من صاحب الشرع مباشرة، لأنني أقول بأنَّ المستخلِف للخليفة هو الشرع ولكن بطريقٍ غير مباشر أي عن طريق الأمَّة، فالله شَرَع للأمة الإسلامية أن تستخلفَ خليفة لها بالشورى أو بالطرق الأخرى للاستخلاف والانتخاب، وبعبارة صريحة: الله هو المستخلف حقيقة (4)، ولكنْ ظهر ذلك في قلوب العباد وإرادتهم واجتماع رأيهم على هذا الخليفةَ أو ذاك. قال عز وجل:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} آل عمران/26 وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّه عز وجل رضي لَكُمْ ثَلاثاً، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً: رَضِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَنْصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» (5) فذكر صلى الله عليه وسلم أن الله هو
(1) الألفين للحِلِّي: ص 44 - 45. منار الهدى لعلي البحراني: ص 22. الفصل في الملل لابن حزم: 4/ 88. الأربعين للرازي: 2/ 269. وانظر ترجمة الشيعة في فهرس الفرق: رقم (14).
(2)
كتاب العين للخليل أحمد الفراهيدي: 4/ 267 مادة خلف.
(3)
محيط المحيط للبستاني: ص 250 مادة (خلف).
(4)
ورد التصريح باستخلاف الله للخليفة في قوله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري في صحيحه: 6/ 2632 كتاب الأحكام، باب بطانة الإمام وأهل مشورته رقم (6773) عن أبي سعيد الخدري ولفظه: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان
…
». ويقول الجرجاني في شرح المواقف: 8/ 351: «البيعة عندنا ليست مثبتة للإمامة بل هي علامة مظهرة لها كالأقيسة والإجماعات» .
(5)
صحيح مسلم: 3/ 1340 كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل، رقم (1715) عن أبي هريرة بلفظ قريب. مسند أحمد: 14/ 335 رقم (8718) بلفظه عن أبي هريرة و: 14/ 78 رقم (8334) عن أبي هريرة، قال محقق الكتاب فيهما: إسناده صحيح على شرط مسلم. موطأ مالك: 2/ 990 كتاب الكلام، باب ما جاء في إضاعة المال رقم (1796) عن أبي هريرة. صحيح ابن حبان: 8/ 182 باب المسألة بعد أن أغناه الله جل وعلا عنها رقم (3388) عن أبي هريرة. و: 10/ 423 باب طاعة الأمراء رقم (4560) عن أبي هريرة.
الذي يولي الولاة على المسلمين. ومثله ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: «مَنْ وَلاهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَرَادَ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ فَإِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» (1).
ويساعدنا على فهم هذا المعنى ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم مما يرويه أنس بن مالك قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنُوا عَلَيْهَا خَيْراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ» ثم مَرُّوا بِأخرى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شَراً فقال: «وَجَبَتْ» . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟. قال:
…
فحُسْنُ الثناء وضدُّه علامةٌ على ما عند الله تعالى للعبد، وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل، ولأنَّ اجتماع الأمة على رجلٍ ما معصومٌ من الخطأ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تجتمع أمتي على ضلالة» (3) واستدلالاً بكل الأدلة التي تفيد عصمة الأمة بمجموعها عن الخطأ.
ومعنى كلمة (الخليفة) الواردة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» (4) فاللفظ - وإن جاء خبراً في الجملة
(1) مسند أحمد: 40/ 476 رقم (24414) عن عائشة قال محقق الكتاب: صحيح وإسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد وهو الزنجي وعبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي وبقية رجاله ثقات. وانظر بمعناه ما رواه البيهقي في سننه الكبرى: 4/ 115 كتاب الزكاة، باب الاختيار في دفعها إلى الوالي، بدون رقم، عن ابن عمر:«ادفعوا صدقات أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن برَّ فلنفسه ومن أثم فعليها» .
(2)
صحيح البخاري: 1/ 460 كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، عن أنس بن مالك رقم (1301)، واللفظ له. ومسلم: 2/ 655 كتاب الجنائز، باب من يثنى عليه خير أو شر من الموتى رقم (949) عن أنس.
(3)
رواه الترمذي في سننه: كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة رقم (2167) عن ابن عمر. وأبو داود في سننه: 4/ 98 كتاب الفتن، باب ذكر الفتن رقم (4253) عن أبي مالك الأشعري. وابن ماجه في سننه: 2/ 1303 كتاب الفتن، باب السواد الأعظم رقم (3950) عن أنس بن مالك. ورواه الطبراني في مسند الشاميين: 2/ 442 رقم (1663) عن أبي مالك الأشعري. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد في 5/ 218:
…
«رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى طلحة وهو ثقة» .
(4)
صحيح مسلم: 2/ 978 كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره رقم (1342) عن ابن = = عمر. سنن أبي داود: 3/ 33 كتاب الجهاد، باب ما يقول الرجل إذا سافر رقم (2598) عن أبي هريرة. والنسائي في سننه الكبرى: 4/ 460 كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من كآبة المنقلب حديث رقم (7938) عن أبي هريرة. وسنن النسائي: 8/ 273 كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من كآبة المنظر رقم (5501) عن أبي هريرة. والترمذي في سننه: 5/ 497 كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافراً رقم (3438) عن أبي هريرة وقال: حسن غريب من حديث أبي هريرة. ورقم (3439) عن عبد الله بن سرجس وقال: حديث حسن صحيح. والدارمي في سننه: 2/ 373 كتاب الاستئذان، باب في الدعاء إذا سافر رقم (2673) عن ابن عمر. ومالك في الموطأ: 2/ 977 كتاب الاستئذان، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر رقم (1762). وأحمد في المسند: 4/ 156 رقم (2311) عن ابن عباس، قال محقق الكتاب: حديث حسن كما قال الحافظ ابن حجر ورجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن رواية سماك - وهو ابن حرب - عن عكرمة فيها اضطراب، و: 1/ 455 رقم (2723) عن ابن عباس وغيرهم.