الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهم بهذا يقلدون المعتزلة (1) - كما قال ابن تيمية - وليس هذا من أصول شيوخهم القدماء (2).
ولا يقصد الإمامية بوجوب اللُّطف عليه سبحانه أن أحداً يأمره بذلك، بل معنى الوجوب في ذلك كمعنى الوجوب في قولك إنه «واجب الوجود» (3).
وأما
اللُّطف عند أهل السُّنَّة
(4) فهو نوعان: الأول: لطف عام بالخلق كلهم كما قال عز وجل: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} الشورى/19. والثاني: - وهو المقصود بالبحث - لطف خاص بعباده المؤمنين ولكنه منَّة من الله وتفضل لا واجب عليه عز وجل، قال عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ً} الأحزاب/43، ومعناه: هو ما منَّ الله به على أهل الإيمان فآمَنوا ويسمى أيضاً التوفيق، وهو ما حَرَمَه أهلَ الكفر فلم يؤمنوا، وعكْسُه هو الإضلال الذي ذكره في القرآن بقوله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} الأنعام/ 125. وبقوله عز وجل: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} النساء/88. وقوله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} سورة محمد/22 - 23. وهو المقصود بقوله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} الأنفال/22 - 23.
دليل الشِّيعة على مسألة اللُّطف:
استدل الشِّيعة على مسألة اللُّطف بالمعقول فقالوا: إن الإمام لطف لأنَّ الناس
(1) قال المعتزلة بوجوب اللُّطف على الله لمن علم أنهم يؤمنون، أما من علم أنهم لا يؤمنون فلا يجب عليه اللُّطف بهم. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 101، 196. الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 84. منار الهدى لعلي البحراني: ص 29.
(2)
منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 44. وانظر ترجمة ابن تيمية في فهرس التراجم رقم (5).
(3)
عقائد الإمامية لمظفر: ص 48.
(4)
الفصل في الملل والنحل لابن حزم: 3/ 23، 29 وما بعدها. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 79 - 82. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 168، 169. نيل الأوطار للشوكاني: ص 246، 261، 263. تفسير الطبري: 1/ 56. تفسير القرطبي: 7/ 57. حاشية العدوي على كفاية الطالب: 1/ 26 - 27.
إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب، وينهاهم عن القبيح، كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور، لأن المكلِّف - وهو الله - إذا علم أن المكلَّف لا يطيع إلا باللُّطف وأراد الإطاعة ولم يفعل اللُّطف كان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض قبيح، فعَدَمُ اللُّطف قبيح، وما قَبُحَ عدمُه وجَب وجودُه. وقالوا: لو لم يكن الإمام، يلزم اختلالُ نظام العالم. وبهذا الدليل أثبتوا وجوب النبوة أيضاً فتأمل (1).
وردَّ عليهم ابن تيمية والعضد الإيجي والرازي وغيرهم بالقول: كيف يكون الإمام لطفاً، وهذا المهدي المنتظر - الإمام الثاني عشر - لم يره أحد ولم يُسمع له بخبر، أو يُعرَف شيءٌ من كلامه، فأيُّ فائدة في الإيمان به، وأيُّ لطف يحصل لنا بهذا!! ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه، وأما سائر الإثني عشر سوى علي رضي الله عنه، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين، من جنس تعليم العلم والتحديث والإفتاء ونحو ذلك، وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف، فلم تحصل لواحد منهم، فتبين أن ما ذكروه من اللُّطف والمصلحة بالأئمة تلبيس محض. ومن المعلوم بالضرورة أن حال اللُّطف والمصلحة التي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثلاثة أعظم من اللُّطف والمصلحة الذي كان في خلافة علي رضي الله عنه زمن القتال والفتنة والافتراق، فإذا لم يوجد من يدَّعي الإماميةُ فيه أنَّه معصوم، وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلا علي رضي الله عنه وحده، وكانت مصلحة المكلَّفين واللُّطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان، أقلَّ منه في زمن الخلفاء الثلاثة، علم بالضرورة أن ما يدعونه من اللُّطف والمصلحة الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل قطعاً (2).
فالنبوة والإمامة ليستا واجبتين على الله، بل هما من مِنن الله عز وجل، وهذا هو صريح قوله عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ
(1) وانظر لمعرفة ردود الشِّيعة على الاعتراضات على مسألة اللُّطف: الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد للأردبيلي: 3/ 199. ونقل بعضَ ردودِهم التفتازاني في شرح المقاصد: 5/ 240 - 242. وابنُ تيمية في منهاج السنة النبوية: 4/ 9 - 13.
(2)
منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 64، 82. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 348. شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص 175 - 176. وانظر في الرد على مسألة اللُّطف: الأربعين للرازي: 2/ 257 - 263.
وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٍ} آل عمران/164. والمنُّ هنا يشمل بعثَ الرسول صلى الله عليه وسلم، وكونه منهم، وأنه يتلو عليهم الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
يقول الآمدي: «مذهب أهل الحق أنَّ النُّبوات ليست واجبة أن تكون، ولا ممتنعة أن تكون، بل الكون وعدم الكون سيَّان» (1) أي عقلاً.
وهذه المسألة فرع عن مسألة التحسين والتقبيح العقليين، فالشِّيعة والمعتزلة يقولون بأنَّ الحُسْنَ والقُبْحَ في الأشياء ذاتي، ومن ثم فللعقل أن يحسِّن أو يقبِّح تبعاً لذلك (2)، وأما رأي أهل السُّنَّة في مسألة اللُّطف فَهو كرأيهم في أصلها، أنَّه لا حاكم على الله سبحانه وتعالى، فهو يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، وإبطال الأصل إبطال للفرع، فالحَسَنُ عندهم ما ورد الشرع بالثناء على فاعله، والقبيحُ ما ورد الشرعُ بالذم على فاعله، أو تقبيح العقل له باعتبار أمور خارجية ومعان مفارقة (3)، إذ رُبَّ شيءٍ حكَمَ عليه عقلُ إنسانٍ ما بكونه حسناً لكونه موافقاً لغرضه، أو لما فيه من مصلحته أو دفع مفسدته، أو لكونه جارياً على مقتضى عادته وعادة قومه عرفاً أو شرعاً، وقد يحكم عليه عقل غيره، بكونه قبيحاً لكونه مخالفاً له، فيما وافق غرضه، وذلك كالحكم على ذبح الحيوان بالحُسْنِ والقُبْحِ بالنسبة إلى أهل الشرائع المختلفة، وكالحكم بقبح الكذب الذي لا غرض فيه، وحُسنِه إذا قصد به حقن دم نبيٍّ أو وليٍّ من غاشم يقصد قتله (4).
وأما قولُهم بأن اللُّطف واجب على الله تعالى وأن الوجوب هنا كقولنا عنه سبحانه (واجب الوجود) فليس هذا القول سديدأً؛ لأن قولنا إنه واجب الوجود عقلاً سببه أن كل ما في الكون يدل على ذلك، لاستحالة وجود هذا الكون دون وجوده سبحانه، وهذا ليس مثلَ مسألة (وجوب اللُّطف) في الوضوح، فجائزٌ عقلاً أن
(1) غاية المرام للآمدي: ص 318.
(2)
غاية المرام للآمدي: ص 233. نهاية الإقدام للشهرستاني: ص 371. الأربعين للرازي: 1/ 346. الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 136. الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 113. غاية البيان للرملي: ص 16. وانظر في مسألة الحسن والقبح: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي: ص 210 - 219.
(3)
البحر المحيط للزركشي: 5/ 124 الركن الرابع من أركان القياس: العلة، مسألة (لا بد للحكم من علة). الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 135. غاية المرام للآمدي: ص 233. الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 101. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 281. المواقف للإيجي: 3/ 283. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 195، 348. حاشية خيالي: ص 198. نهاية الإقدام للشهرستاني: ص 370. المسايرة ومعه المسامرة رسالة دبلوم: ص 303. شرح النووي على مسلم: 12/ 205.
(4)
وقد ذكر ابنُ تيمية أنَّ بعضَ أهل السنُّة قال بالتحسين والتقبيح العقليين انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 144. 1/ 448 - 449، 450، 3/ 28 - 29.
يخلق اللهُ سبحانه الخلقََ ولا يرسل لهم رسلاً، وغير جائز البتة أن يُوجدَ الخلقُ ولا موجد لهم، وهذا ما يقوله الشيعة أيضاً (1).
ويُقرِّب المسافة بين الشِّيعة والسُّنَّة بل ينهيها ما قاله أحد الأخوة الشِّيعة بأن اللُّطف واجب منه سبحانه، وليس عليه، كما قال عز وجل:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام/12 (2).
وعبارة الآمدي التالية تُقرِّب المسافة بين الفريقين أيضاً حيث قال: «وإطلاق الأصحاب أن الحسن والقبيح ليس إلا ما حسَّنه الشرع أو قبَّحه، فتوسعٌ في العبارة إذ لا سبيل إلى جحد أن ما وافق الغرض من جهة المعقول وإنْ لم يرد به الشرعُ المنقول أنه يصح تسميته حسناً وذلك كاستحسان ما وافق الأغراض من الجواهر والأعراض وغير ذلك، وليس المراد بإطلاقهم إن الحسن ما حسنَّه الشرع أنه لا يكون حسناً إلا ما أذن فيه أو أخبر بمدح فاعله، وكذا في جانب القبح أيضاً» (3).
(1) كشف المراد للحلي: ص 46 المسألة الحادية والثلاثون في وجوب وجود الممكن المستفاد من الفاعل.
(2)
مباحث في ولاية الفقيه على النت: http://forum.ansaralhusain.net/showthread.php?t=1601084
(3)
غاية المرام للآمدي: ص 233.