الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة
سأبحث تحت هذا العنوان ما يجب أن يتوفر في الخليفة من شروط، وما هو من صفات الأولويَّة والتفضيل له على غيره، وإن لم يشترطها كثير من المذاهب.
لقد تباينت الآراء والمذاهب الإسلامية في تحديد هذه الشروط، وسبب ذلك - كما قال الغزالي (1) - أنه لم يَرِد النصُ من شرائط الإمامة في شيءٍ إلا في النسب، إذ قال صلى الله عليه وسلم:«الأئمة من قريش» (2)، فأمَّا ما عداه فإنَّما أُخِذَ من الضرورة والحاجة الماسة في مقصود الإمامة إليها، كما شرطنا العقلَ والحرية وسلامةَ الحواس والنجدة والورع، فإنَّ هذه الأمور لو قُدِّر عدمُها لم ينتظم أمرُ الإمامة.
وعلى كلٍ فقد جعل ابنُ خلدون والبغدادي (3) هذه الشروط ...................................
(1) فضائح الباطنية للغزالي: ص 187، 191.
(2)
رواه أحمد في مسنده: 20/ 249 رقم (12900) قال محقق الكتاب: الحديث صحيح بطرقه وشواهده. وروي هذا الحديث بألفاظ قريبة عن عدد من الصحابة كأنس بن مالك في سنن البيهقي الكبرى: 8/ 144 كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش بلفظ:«الأئمة من قريش إذا ما حكموا فعدلوا وإذا عاهدوا وفوا وإذا استرحموا رحموا» . وعن أبي هريرة في موارد الظمآن: 1/ 369 كتاب الإمارة، باب الخلافة، بلفظ قريب. السنن الكبرى للنسائي: 3/ 467 رقم (5942) عن أنس بن مالك وفيه زيادة: «إن لهم عليكم حقاً .. » . والطبراني في المعجم الكبير: 1/ 252 رقم (725) عن أنس بن مالك بلفظ: «الأئمة من قريش ولهم حق ولي حق ما فعلوا ثلاثاً إن حكموا عدلوا وإن عاهدوا وفوا وإن استرحموا رحموا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» . وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 4/ 42: «جمعتُ طرق حديث (الأئمة من قريش) في جزء مفرد عن نحو أربعين صحابياً» . ورواه البخاري في صحيحه: 3/ 1289 كتاب المناقب، باب مناقب قريش رقم (3309) بلفظ:«إن هذا الأمر في قريش» عن معاوية، وفي: 6/ 2611 كتاب الأحكام، باب الأمراء من قريش رقم (6720) عن معاوية. وأحمد في مسنده: 28/ 64 - 65 عن معاوية رقم (16852). والدارمي في سننه: 2/ 315 كتاب السير، باب الإمارة في قريش رقم (2521) عن معاوية. وعن بكير بن وهب الحريري في مجمع الزوائد 5/ 191 - 192 باب الخلافة في قريش والناس تبع لهم بلفظ:«الأئمة من قريش إن لي عليكم حقاً وإن لهم عليكم حقاً مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا وإن عاهدوا وفوا وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وقال الهيثمي: «رواه أحمد (انظر التخريج أعلى الحاشية) وأبو يعلى {في: 6/ 321 رقم (3644) عن أنس} والطبراني في الأوسط أتم منهما (في: 4/ 26 رقم 3521 عن علي) والبزار (في مسنده: 2/ 345) إلا أنه قال: (الملك في قريش) ورجال أحمد ثقات» . وغيرهم. وروي بلفظ: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» عند البخاري في صحيحه: 3/ 1290 كتاب المناقب، باب مناقب قريش رقم (3310) عن ابن عمر. صحيح مسلم: 3/ 1452 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش رقم (1820) عن ابن عمر. وغيرهما.
(3)
انظر ترجمة البغدادي في فهرس التراجم رقم (35).
أربعة (1)، وجعلها الباقلاني خمسة (2)، وجعلها الماوردي سبعة (3)، وذكر الآمدي أن المتفق عليه منها ثمانية (4)، ومنهم من اشترط أكثر من ذلك (5)، وإن انحصر الخلاف الجوهري والأساس بين السُّنَّة والشِّيعة، وأهم ما اختلف فيه الشِّيعة عن غيرهم قولهم بالنصِّ على الإمام والعصمة، بينما قال غيرهم بالاختيار والبيعة (6).
وبالمجمل فإنَّ هناك شروطاً اتفق عليها الجميع بلا استثناء (7)، كما أن هناك شروطاً اختُلِف فيها، ودليل الخلاف ضعيف لا يُعتمد عليه، وشروطاً اختُلِف فيها، والخلاف مبني على الدليل، وسأُبيِّن كلاً منها بحول الله تعالى وعونه.
هذا يعني أن البحث سيكون مقسَّماً إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: الشروط المتفق عليها بإطلاق، والثاني: الشروط المختلف فيها، وأساس الخلاف يستند إلى دليل غير قوي أو لا دليل له إطلاقاً، مما يجعله قريباً من القسم الأول، والثالث: الشروط المختلف فيها بناءً على أدلة لها قوتُها.
- أما المتفق عليه بإطلاق من الشروط فهي شرطان: أن يكون مسلماً عاقلاً.
(1) مقدمة ابن خلدون: ص 193. أصول الدين للبغدادي: ص 277.
(2)
التمهيد للباقلاني: ص 181 - 182. الإنصاف للباقلاني: ص 69. وانظر ترجمة الباقلاني في فهرس الأعلام رقم (34).
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي: ص 6. وانظر على الإنترنت: www.khilafah.net/subdustur.php.
(4)
الإمامة للآمدي: ص 176.
(5)
غياث الأمم للجويني: ص 54 - 59. وهي سلامة الحواس والأعضاء والنسب والذكورة والحرية والعقل والبلوغ والشجاعة والعلم والورع وتوقد الرأي في عظائم الأمور.
(6)
الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي: ص 340. الإرشاد للجويني: ص 419. شرح العقيدة الطحاوية: 2/ 699. غاية المرام للآمدي: ص 376. الصواعق المحرقة للهيتمي: 1/ 69. شرح المقاصد للتفتازاني: 5/ 258. المسايرة ومعه المسامرة رسالة دبلوم لحسن عبيد: ص 304. أوائل المقالات للشيخ المفيد: ص 37، 40. شرح النووي على صحيح مسلم: 12/ 205. المعتمد في أصول الدين للفرَّاء: ص 222. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 321. الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 180.
(7)
ولا أعني بالاتفاق هنا ما قاله بعضُ الطوائف، إذْ حصل أنْ أشار بعضُ العلماء إلى بعض الشروط على أنَّها محل اتفاق، ولكن لدى البحث تبين أنها ليست كذلك، أو لِنَقُلْ: إِنَّ فيها تفصيلات وتفريعات، فمثلاً ذكر الآمدي في الإمامة: ص 176، وغيره أنَّ من ضِمنِ الشروط المتفق عليها «أنْ يكونَ الخليفةُ مجتهداً في الأحكام الشرعية بحيث يستقل بالفتوى في النوازل وإثبات أحكام الوقائع نصاً واستنباطاً وقال: لا يمكن أن يقال باكتفائه بمراجعة غيره، إذ هو خلاف الإجماع». بينما في الحقيقة أنَّ هذا الشرط مما وقع فيه الخلاف، وسيأتي بيانُه عند الحديث عنه بشيءٍ من التفصيل، وكذا الأمر بالنسبة إلى شرط النسب القرشي، وشرط العدالة.