الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدعا عثمان رضي الله عنه زياد بن لبيد فنهاه وشذبه، فجعل الناس هذه الحادثة من ضمن ما لاموا عثمان رضي الله عنه عليه.
وإنَّما لم يقتص عثمان رضي الله عنه من عبيد الله بالهرمزان للشبهة؛ فقد تأول عبيدُ الله واعتقد حل قتله لشبهة اشتراكه بقتل أبيه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:«ادرؤوا الحدود ما استطعتم» (1) وهذا أمر يخضع للاجتهاد ولا يلام عليه.
على أن الطبري روى أن عثمان رضي الله عنه قد أمر بالقصاص من عبيد الله وأنه سلَّمه لابن الهرمزان ليقتص منه ولكنه عفا عنه (2).
الانتقاد الثاني:
ومما أنكره الناس على عثمان أنه كان يحابي أقرباءه من بني أمية ويولِّيهم المناصب، وإنما كان يفعل ذلك من باب صلة الرحم اجتهاداً منه رضي الله عنه (3) والأمثلة على ذلك كثيرة:
1 -
فمن ذلك توليته للوليد بن عقبة بن أبي معيط - وهو صحابي، وأخوه لأمه (4) - الكوفةَ بدل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أحد أهل الشورى ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وقد كان عثمان رضي الله عنه ولى سعداً الكوفة تنفيذاً لوصية عمر رضي الله عنه، أن يستعين به الخليفة الذي سينُتخب بعده عندما قال:«فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة» (5)، فلما اشتكى أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص إلى عثمان حتى قالوا:
(1) رواه الترمذي في سننه: 4/ 33 كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود رقم (1424) عن عائشة.
(2)
ذكر الطبري في تاريخه: 2/ 590. وجاء مثله في المحلى لابن حزم: 11/ 115. وفي التمهيد والبيان للمالقي: ص 41 أن عثمان إنما دفع الدية بعد أن عفا القماذبان بن الهرمزان عن عبيد الله بعد أن أمكنه عثمان من القصاص منه، فإن صحت الرواية فلا يصح القول أن عثمان رضي الله عنه قد عطل الحد، والله أعلم.
(3)
تاريخ اليعقوبي: 2/ 173 - 174. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: مج 3/ 114. العواصم من القواصم لابن العربي: ص 76 - 77.
(4)
فتح الباري لابن حجر: 7/ 55. شذرات الذهب لابن العماد: 1/ 35.
(5)
كان عزل عمر رضي الله عنه لسعد رضي الله عنه سنة 20 أو 21 هـ كما في فتح الباري لابن حجر: 2/ 237. وكان عزل عثمان رضي الله عنه لسعد رضي الله عنه سنة 25 هـ؛ وسببه أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه استقرض من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من بيت المال مالاً فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه فارتفع بينهما الكلام، فغضب عليهما عثمان رضي الله عنه وانتزع الإمارة من سعد وعزله، واستعمل الوليدَ بنَ عقبة وكان عاملاً لعمر رضي الله عنه على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة وكان أحب الناس إلى الناس وأرفقهم بهم فكان كذلك خمس سنين. انظر: فتح الباري لابن حجر: 7/ 55 - 56. وتاريخ الطبري: 2/ 595. والتمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 50. وشذرات الذهب لابن العماد: 1/ 35. والأثر رواه البخاري في صحيحه: 3/ 1353 وما بعدها كتاب المناقب، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان رقم (3497) عن عمرو بن ميمون. وذكره ابن عساكر في تاريخه: 20/ 287. والمالقي في التمهيد والبيان: ص 25. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ص 135.
إنه لا يحسن الصلاة. عزله وولى الوليد، وقد ظهر من الوليد فيما بعد ما أنكره الناس عليه من شرب الخمر؛ فقد صلَّى بالناس الصبح أربعاً وقال لهم: أزيدكم؟ - وقد كان سكراناً - (1) فلما تبيَّن ذلك لعثمان عزله بعد تريث حتى ثبتت عنده الواقعة وشهد عليها الشهود، فجلده أربعين جلدة، وولى سعيد بن العاص، هذا التريث لم يفهمه بعض الناس على وجهه وظنُّوا أن عثمان رضي الله عنه يحابي أخاه لأمه (2).
وقد دافع سيدُنا علي رضي الله عنه أثناء خلافته عن عثمان رضي الله عنه في هذه الحادثة؛ فقد ذكر المالقي عن عطية عن أبي العريف ويزيد الفقعسي قالا: كان الناس في الوليد فرقتين، العامَّة معه والخاصَّة عليه (أي ممن حقد عليه لأسباب معروفة)، فما زال عليهم من ذلك خشوع حتى كانت صفين، فولي معاويةُ فجعلوا يقولون عيبَ عثمان بالباطل، (أي استخدموا ذلك كوسيلة للنيل من معاوية رضي الله عنه ومن معه) فقال لهم علي رضي الله عنه:«إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل ردفه وما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقولكم وعزَلَه!» (3).
2 -
ومن ذلك أنه أعطى مروان بن الحكم خُمس أفريقية، فبعد أن عزل عمرَو بن العاص عن خراج مصر سنة (26) أو (27) واستعمل عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح (4) - وكان أخا عثمان رضي الله عنه من الرضاعة - فلما ولاه عثمان رضي الله عنه
(1) سبق تخريجه في: ص (82) حاشية (2).
(2)
سبب التريث أنه بعد مرور خمس سنين على إمارة الوليد تمالأ قوم على رجل من خزاعة فقتلوه، فكتب الوليد بشأنهم إلى عثمان فأمره بقتلهم، فقتلهم فحقد عليه أولياؤهم وصاروا يكيدون له المرة تلو الأخرى حتى اتهموه بشرب الخمر، وذكروا ذلك لابن مسعود، ثم لعثمان، فأراد رضي الله عنه التثبت من الواقعة حتى يشهد الشهود، فشهد عليه هؤلاء فجلده وعزله، وهو ينكر ذلك. انظر: التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 50 - 54. وفتح الباري لابن حجر: 7/ 69. وقد روى مسلم هذه الواقعة في صحيحه: 3/ 1331 كتاب الحدود، باب حد الخمر رقم (1707) عن علي رضي الله عنه بلفظٍ أوله: «شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان
…
الخ». شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: مج 1/ 308.
(3)
انظر التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 57.
(4)
انظر معجم البلدان: 1/ 188. وكان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أن يُقتل فاستجار له عثمان رضي الله عنه، ثم كان عبد الله بن سعد بعد ذلك محموداً، وولي لعمر رضي الله عنه على الصعيد، ثم ولاه عثمان رضي الله عنه مصر كلها. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 34. ولكن ذكر السيوطي أن أهل مصر جاؤوا إلى عثمان في آخر خلافته يشتكون من ابن أبي سرح، وكانت هذه القصة هي التي أدت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه. انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 157.
على مصر سار عبد الله إلى أفريقية ففتحها بعد قتال شديد وحمل خُمُسَها (1) إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان رضي الله عنه (2).
(1) اختلف الفقهاء في حكم الخمس الخاص برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته والذي ذكره الله عز وجل في الأنفال/الآية 41
…
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ} فقال مالك والشافعي والثوري: هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده فيأخذ منه تقديراً ويعطي منه القرابة باجتهاده ويصرف الباقي في مصالح المسلمين وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا. انظر: العواصم من القواصم لابن العربي: ص 112. تفسير القرطبي: 8/ 11. فتح القدير لابن الهمام: 13/ 33 كتاب السير باب الغنائم وقسمتها. أحكام القرآن للجصاص: 3/ 79 وما بعدها، سورة الأنفال، باب قسمة الخمس. بداية المجتهد لابن رشد: 1/ 285. التمهيد لابن عبد البر: 20/ 45. إذاً فتصرف عثمان بالخمس كان تصرفاً في حقه وفيما يملكه، ولا يلام عليه. وكان هذا رأي الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة كما روى عنه الطبري في تفسيره: 10/ 7. ولكن علياً جعله في سبيل الله اقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهم. انظر: شرح معاني الآثار: 3/ 234. واحتج من رأى أن سهم النبي صلى الله عليه وسلم للإمام بعده بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده» رواه أحمد في مسنده: 1/ 191 رقم (14) من مسند أبي بكر رضي الله عنه قال محقق الكتاب: «إسناده حسن ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الوليد بن جميع فمن رجال مسلم وفيه كلام يحطه عن رتبة الصحيح». سنن البيهقي الكبرى: 6/ 303 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب بيان مصرف خمس الخمس، بدون رقم، عن أبي بكر رضي الله عنه. قال القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج ص 21:«كان الخمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم: لله وللرسول سهم، ولذي القربى سهم، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم، وسقط سهم الرسول وسهم ذوي القربى وقسم على الثلاثة الباقي، ثم قسمه علي على ما قسمه عليه أبو بكر وعمر وعثمان» .
(2)
لم يكن مروان هو الوحيد الذي اشترى من عثمان رضي الله عنه ما كان يأتي من الفيء، فقد كانت هذه سياسة عامة من عثمان رضي الله عنه، فقد كان يبيع الفيء لصعوبة نقله إلى المدينة، أو لأنه كان عقارات لا يمكن نقلها، وقد اشترى كثيرون منه رضي الله عنه كطلحة بن عبيد الله والأشعث بن قيس، ولكن الناس إنما ذكروا ما اشتراه مروان وضخموه. ولابد من التنبيه إلى أن المال كان قد فاض بشكل كبير، وجاءت الغنائم من كل مكان، وتوسع كثير من الصحابة في معاشهم، فامتلاك الأموال الكثيرة كان شيئاً طبيعياً. انظر التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 47، 61. والاستقصا للسلاوي: 1/ 33، 34. هذا وقد نفى الباقلاني أن يكون عثمان رضي الله عنه قد أعطى مروان شيئاً من الخمس انظر التمهيد في الرد على الملحدة للباقلاني: ص 224. وانظر أيضاً كمثال على سياسة عثمان بالمال ما رواه الطبري في تاريخه: 3/ 147 عن ذهل بن الحارث (وكان يريد مصقلةُ بن هبيرة عاملُ عليٍ على أردشير خره أن يبعثه إلى معقلِ ابن قيس قائدِ الجيش الذي بعثه علي رضي الله عنه لقتال الخوارج) قال: دعاني مصقلة بن هبيرة إلى رَحْله فقُدم عشاؤه فطعمنا منه ثم قال: والله إن أمير المؤمنين - يعني علياً رضي الله عنه يسألني هذا المال (الذي اشترى به الأسرى النصارى من سيدنا علي رضي الله عنه بعد المعركة التي قتل فيها الخارجي الخريت بن راشد وكانوا قد اشتركوا مع الخارجي بالقتال فلما هُزموا ساقهم معقل إلى علي ولما مروا بمصقلة ارتفع فيهم العويل والبكاء فرقَّ لهم وفداهم بالمال) ولا أقدر عليه. فقلت: والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال. فقال: والله ما كنت لأحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: «أما والله لو أن ابن هند (أي معاوية رضي الله عنه) هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة. فقلت له: إن هذا (يعني الإمام علياً رضي الله عنه) لا يرى هذا الرأي لا والله ما هو بباذل شيئاً كنتَ أخذتَه. فسكت ساعة وسكتُّ عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية» .
3 -
ومن ذلك أيضاً أنه وسَّع لمعاوية رضي الله عنه ولايته، فإنَّ عمير بن سعد استعفى عثمان رضي الله عنه واستأذنه في الرجوع إلى أهله، فأذن له وضمَّ حمص وقنسرين إلى معاوية رضي الله عنه (1)، وكان معاوية أهلاً للولاية فقد استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل عثمان رضي الله عنه.
وبالمختصر فقد كان عثمان رضي الله عنه يفعل ذلك من باب صلة الرحم (2) ويقول: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم (3). ويقول: «إن عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله، وإني أعطي أهلي وأقربائي ابتغاء وجه الله» (4). وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه ولم يكن أولَ خليفة يجتهد، ولا يستحق أن يقتل لأجله، ويكفينا استدلالاً على ذلك قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه:«يقتل هذا مظلوماً» (5)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر؟» قالوا: فنصنع ماذا يا نبي الله؟ قال: «عليكم بهذا وأصحابه» قال فأسرعت حتى عطفت على الرجل فقلت: هذا يا نبي الله؟ قال: «هذا» . فإذا هو عثمان (6).
(1) انظر التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 43.
(2)
كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: 7/ 200. وانظر: تاريخ الطبري: 2/ 650. التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 28. طبقات ابن سعد: 3/ 64.
(3)
مسند أحمد: 1/ 492 رقم (439) قال محقق الكتاب: إسناده ضعيف لانقطاعه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 227 و 9/ 293: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أنه منقطع» . والانقطاع حاصلٌ بين سالم بن أبي الجعد وبين عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال ابنُ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: 3/ 373 رقم (799)، وكذا ابنُ كيكلدي في جامع التحصيل: 1/ 179 رقم (218) قالا: «قال أبو زرعة: سالم بن أبي الجعد عن عثمان مرسل» . ورواه من نفس الطريق ابنُ كثير في البداية والنهاية: 7/ 200.
(4)
تاريخ الطبري: 3/ 291. تاريخ الرسل والملوك للطبري: 2/ 418. الاستقصا للسلاوي: 1/ 36
(5)
الحديث رواه أحمد في مسنده: 10/ 168 عن ابن عمر برقم (5953) قال محقق الكتاب: صحيح لغيره، وهذا إسناد محتمل للتحسين. ورواه الترمذي في سننه: 5/ 630 بنفس السند نازلاً رتبة في كتاب المناقب، باب في مناقب عثمان، رقم (3708) عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنةً فقال: «يقتل فيها هذا مظلوماً» لعثمان. وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وكون عثمان قتل مظلوماً هو اعتقاد أهل السنة. انظر الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 187. حاشية العدوي على كفاية الطالب: 1/ 128 والعزو هنا لمتن كفاية الطالب.
(6)
مسند أحمد: 33/ 462 رقم (20352) و (20353) و: 33/ 476 رقم (20372) عن مرة البهزي وقال محقق الكتاب: حديث صحيح. مصنف ابن أبي شيبة: 7/ 440 - 441 عن مرة البهزي رقم (37078).