الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجبار (1) وابن حزم (2).
وقد انعكس هذا على الواقع فالخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ثمَّ خلفاء بني أميَّة، ثمَّ خلفاء بني العبَّاس بالعراق، ثمَّ خلفاؤهم بالديار المصريَّة، ثم خلفاء الدولة العثمانية، كلهم جارون على نسق واحد يتولى الخلافة منهم الواحد بعد الواحد، إمَّا بالعهد ممن قبله أو بالبيعة من أهل الحلِّ والعقد.
كما كانت هذه هي ممارسات الصَّحابة رضي الله عنهم والتَّابعين ومَنْ بعدهم، فقد رفض محمد بن الحنفيَّة مبايعةَ ابن الزبير وعبد الملك بن مروان في فترة صراعهما وبايع عبدَ الملك بعد مقتل ابن الزبير، ورفض سعيد بن المسيب أن يبايع ابني عبد الملك بن مروان وقال: لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام بعد حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا كانت بيعتان في الإسلام فاقتلوا الأحدث منهما» (3).
4 -
ومن المعقول:
فإن تعدد الأئمة والخلفاء يؤدي إلى التفرق والضعف والشقاق والخلاف، وربما إلى سفك الدماء، وهذا كله منهي عنه، فما يسببه منهي عنه أيضاً، فالطريق إلى الحرام حرام، ولأنَّ التعدد يقتضي لزوم امتثال أحكام متضادة (4).
ثانياً: أدلة من أجاز التعدد:
وقد استند من أجاز التعدد مطلقاً إلى قول الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» ولكن هذا الاقتراح رُفض من الصحابة، وتراجع الأنصار عن ذلك الاقتراح لما قال لهم أبو بكر:«إنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران» (5)، ونقل عن عمر أيضاً أنه قال:«لا يصلح سيفان في غمد واحد» (6). وكان سببَ اقتراح الأنصار ذلك
(1) الإمامة من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي: ص 194.
(2)
مراتب الإجماع لابن حزم: ص 207 - 208.
(3)
رواه الطبراني في المعجم الأوسط 3/ 144 رقم (2743) عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا أبو هلال. حلية الأولياء للأصبهاني: 2/ 170. سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 229، 230.
(4)
أصول الدين للبغدادي: ص 275. الفصل في الملل لابن حزم: 4/ 72 - 73. الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 179. منار الهدى لعلي البحراني: ص 20.
(5)
سبق تخريجه في ص: (212) حاشية (1).
(6)
سبق تخريجه في ص: (212) حاشية (2).
خوفُهم من أن يَليَهم قومٌ قتل الأنصار آباءَهم وأبناءَهم (1).
وقالوا إن تنصيب إمام في كل بلد يجعله أقدر على تحقيق مصالح الرعية ومتابعة شؤونهم، ومراقبة العمال والقضاة والولاة.
واستدل الكرًّامية بأن علياً رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه كانا إمامين (2)، وبأنَّه لمَّا جاز بعثة نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الإمامة أولى ولا يؤدي ذلك إلى إبطال الإمامة. وأجاب القرطبي: أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه لقوله صلى الله عليه وسلم: «فاقتلوا الآخر منهما» ولأنَّ الأمَّة عليه.
وأما الاستدلال بجواز تعدد الأنبياء على جواز تعدد الأئمة فغير صحيح، لأن الأنبياء معصومون عن الخطأ، ومن جوَّز عليهم السهو لم يُجِزْ الإقرار عليه بل يُنهون في الوقت فيُؤمن من وقوع الفتنة، والأئمة غير معصومين ولا نأمن من وقوع الفتنة بتعددهم (3).
كما استدل من قال بالتعدد عند الضرورة على نظرية الضرورة نفسها، وهذا واضح من اعتمادهم على الحجج المبنية على الضرورة والحاجة العامة مثل: أن تكون الحاجة تدعو لذلك، أو إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع النوى، أو يكون بين الصقعين حاجز من بحر أو عدو لا يطاق، ولم يقدر أهل كل من الصقعين على نصرة أهل الصقع الآخر (4).
وأما معاوية رضي الله عنه فلم يدَّعِ الإمامة لنفسه (5) وإنَّما ادَّعى ولاية الشام بتولية مَنْ قَبْلَهُ من الأئمة، ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما، ولم يقل أحدهما: إني إمام ومخالفي إمام (6).
(1) سيرة ابن هشام: 2/ 656 - 660. الطبقات الكبرى لابن سعد: 3/ 182. تاريخ الطبري: 3/ 201 - 202. الفائق في غريب الحديث: 3/ 166.
(2)
الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 113. فتاوى ابن تيمية: 4/ 438.
(3)
الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري: ص 179.
(4)
الإرشاد للجويني: ص 425. روضة الطالبين للنووي: 10/ 47 كتاب الإمامة وقتال البغاة. الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي: ص 341. حاشية الدسوقي: 4/ 135 واقتصر عليه ابن عرفة إذا كان لا يمكن النيابة. الفواكه الدواني للنفراوي: 1/ 106. الموسوعة الفقهية 6/ 226: (الإمامة الكبرى: شروط صحة ولاية العهد).
(5)
مغني المحتاج للخطيب الشربيني: 4/ 124 حيث ذكر أن علياً رضي الله عنه قاتل أهل صفين قبل أن ينصبوا إماماً لهم. قلت: لأنهم بايعوا معاوية رضي الله عنه بالخلافة بعد حادثة التحكيم.
(6)
تفسير القرطبي: 1/ 274. وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية: 4/ 437 - 438. منهاج السنة النبوية لابن = = تيمية: 1/ 537 - 538.