الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة أذكر التفاصيل التالية:
سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية:
لم يكن قيام الدولة العباسية على أنقاض دولة بني أمية حدثاً عابراً من أحداث التاريخ الإسلامي انتهى بمجرد تغيير للأسرة الحاكمة، بل كان في واقع الأمر ثورة جذرية على النظام القديم، تهيأ لها النجاح بفضل دعوة منظمة وتنظيم سري دقيق يعبر - على حد تعبير أحد المستشرقين- عن سخط عناصرَ مهمة من الأمة العربية الإسلامية على الحكم الأموي وعن رغبة مشتركة في إسقاطه (1).
وكان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد نجح في انتزاع الخلافة بعد صراع طويل مع الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يكن هناك من ينافسه على الخلافة، ولا سيما بعد أن تنازل له عنها الحسن بن علي رضي الله عنهما سنة 41 هـ فيما عرف بعام الجماعة.
بَيْدَ أنَّ هذا الاجتماع حول معاوية رضي الله عنه كان بمثابة هدنة مؤقتة، تحمل في طيَّاتها عوامل الاضطراب والعداوة، وأسباب الثورة والصراع (2)؛ إذ كان ثمة من المسلمين من ينكر على معاوية استيلاءه على الخلافة وافتئاته على حق آل البيت أولى الناس بهذا المنصب من وجهة نظرهم، ومن هؤلاء تكوَّن حزب الشيعة؛ فهم أنصار آل البيت المتحمسون للدفاع عن حقوقهم في الحكم والخلافة، ولا سيما حق علي رضي الله عنه.
وهناك كذلك الخوارج وهم الذين يقولون باختيار الخلفاء من بين الأكفاء أنَّى كانت الطبقة التي كانوا ينتمون إليها، كما كانوا يرون عزل الخليفة منذ اللحظة التي يفقد فيها ثقة الأغلبية (3).
وكانت نقطة البداية في معارضة حكم الأمويين حين أخذ معاوية رضي الله عنه البيعة لابنه يزيد من بعده، فكان بذلك أول من سنَّ سنة التوريث من خلفاء بني أمية، وهو ما أثار في نفوس عدد غير قليل من المسلمين شعوراً عارماً بالسخط وعدم الرضا؛ لأن معاوية خالف بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده في اختيار الخليفة،
(1) العرب في التاريخ لبرنارد لويس: ص 113.
(2)
الخلافة والدولة في العصر العباسي للدكتور محمد حلمي محمد: ص 31.
(3)
تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: 2/ 7.
فقد كان اختيار الخليفة يتم بالشورى والانتخاب، فينتخبه أهل الحل والعقد، ثم تزكي الأمة في مجموعها هذا الانتخاب فيما عرف بالبيعة العامة، أو باستخلاف الإمام السابق للخليفة الذي بعده فيختار - كما فعل أبو بكر رضي الله عنه للأمة أفضل وأكفأ مَن فيها، ويعهد إليه بالأمر بعد أن يستشير الناس ويأخذ مواقفهم، فالعهد للابن لا يخلو من دافع العاطفة وحب الولد والتحيز للأسرة، ثم لا يُضمن - دائماً- أن الولد أو القريب من الكفاءة والفضل بحيث يكون أهلاً لهذا المنصب الخطير (1)، فكان مبدأ التوريث الذي سنَّه معاوية، والتزمه خلفاء بني أمية بعده أحد الاعتراضات الأساسية التي وجهتها المعارضة السياسية إلى الدولة الأموية (2). ولكنَّ هذا الاعتراض لم تسلم منه دولة الخلافة العباسية نفسها، ولا مَن جاء بعدها، حتى سقوط الخلافة العثمانية، ثم في كثير من البلاد الإسلامية بعد ذلك.
وقد تركزت المعارضة السياسية المناوئة لبني أمية في حزبين أساسيين هما: آل البيت أو بنو هاشم من العلويين والعباسيين، والخوارج.
ويعنينا في هذا السياق النشاط السياسي للحزب الأول، وهو النشاط الذي توَّجَهُ العباسيون بإسقاط دولة بني أمية، وبناء دولتهم التي عُمِّرت ما يربو على خمسة قرون «132 - 656هـ» ، كانت خلافتهم خلالها هي الخلافة الشرعية للمسلمين.
والحقُّ أن العلويين كانوا أسبق في المطالبة بالخلافة من العباسيين الذين تأخرت مشاركتهم السياسية الفاعلة إلى مطلع القرن الثاني الهجري، ففي أعقاب وفاة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومبايعة ابنه يزيد بالخلافة ظهرت ثلاث حركات ثورية من طراز واحد، وإن اختلف القائمون بها طبيعة وميولاً، أولها حركة الحسين بن علي رضي الله عنه التي انتهت باستشهاده في كربلاء بالكوفة سنة 61هـ، ثم ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي دعا إلى حق محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن الحنفية في الخلافة، وفي مكة تجمع الهاشميون بعامة حول
(1) النظريات السياسة الإسلامية للدكتور محمد ضياء الدين الريس: ص 190.
(2)
بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي للدكتور عبد الحليم عويس: ص 22. وما بعدها. الخلافة والدولة في العصر العباسي للدكتور محمد حلمي محمد: ص 31 - 32.
ثائرٍ ثالث - إن صح التعبير- على بني أمية هو عبد الله بن الزبير، الذي نجح في إعلان نفسه خليفة، وانضمت إليه مصر والعراق، وأغلب بلاد الشام إلى أن انقلبت الأمور عليه.
أما أبناء الأسرة العباسية فظلوا بمنأى عن النشاط السياسي والتطلعات نحو الخلافة حتى عهد عمر بن عبد العزيز (100 - 101هـ)، وكانت صِلاتهم بالأمويين في مجموعها صِلات طيبة، تقوم على إظهار الطاعة والخضوع من جانب العباسيين، والاحترام والتكريم من جانب الخلفاء الأمويين (1)، ولعل من أبرز مظاهر هذا التكريم ما فعله عبد الملك بن مروان «65 - 86هـ» مع علي بن عبد الله بن عباس؛ حيث أقطعه قرية الحميمة (2) بمنطقة البلقاء في بلاد الشام، وهي القرية التي شهدت بداية انطلاق الدعوة العباسية. وذلك في الوقت الذي أثار فيه مقتل الحسين حماسة المسلمين؛ فتوحدت صفوف الشيعة وزادت الدعوة لآل علي قوة، واشتد العداء بين الأمويين والعلويين الذين أثاروا الفتن والثورات في الولايات الإسلامية (3).
إذ انتشر التشيع منذ ذلك التاريخ لآل البيت، ونادى فريق من الشيعة بعلي زين العابدين بن الحسين بن علي إماماً، وعُرف هؤلاء بـ «الشيعة الإمامية» ، في حين قام فريق آخر بالدعوة لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بـ «ابن الحنفية» ؛ نسبة إلى قبيلة أمه خولة بنت قيس بن جعفر الحنفي، وهي قبيلة بني حنيفة، وكان يتزعم هذا الفريق المختار بن عبيد الثقفي، وقائد حرسه أبو عمرو كيسان؛ ولذلك عرفت هذه الدعوة بالمختارية أو الكيسانية، ونسبت في بعض الأحيان إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، فقيل لها: الهاشمية.
على أن محمد بن الحنفية كان زاهداً في الخلافة؛ ولذلك بايع - كما مر -عبدَ الملك بنَ مروان بعد نجاحه في القضاء على فتنة ابن الزبير؛ كذلك فقد تبرأ محمد بن الحنفية من الآراء المنحرفة التي نادى بها كيسان وما تضمنته من أباطيل
(1) العصر العباسي الأول: للدكتور فهمي عبد الجليل محمود: ص 1.
(2)
بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام، وأيضاً قرية ببطن مر من نواحي مكة. معجم البلدان: 2/ 307.
(3)
الكامل لابن الأثير: 5/ 198، 199. تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: 2/ 10.
ذات لون شعوبي (1).
وبعد وفاة محمد بن الحنفية التفَّ الشيعة حول ولده أبي هاشم عبد الله ونادوا بحقه في الإمامة، وقد جعل أبو هاشم يعيد ترتيب الدعوة إلى آل البيت، ويعمل على تنظيمها تنظيماً جديداً يمتاز بالسرية والإحكام، حتى يتمكن من إدراك هدفه وتحقيق غايته، ويبدو أن سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي «96 - 93هـ» قد أوجس خيفة من نشاطه والتفاف الناس حوله، فاستدعاه إلى دمشق، فلما التقى به وتحدث إليه، لمس فيه الذكاء المتقد والعلم الواسع والقدرة على الإقناع والتأثير في الناس، فدسَّ له من وضع له السم في شرابه في طريق عودته من الشام، فلما أحس بالسمِّ يسري في جسده توجه إلى علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد بالحميمة، فتنازل عن حقه في الخلافة لبني عباس، وأعلم محمداً أن الخلافة صائرة إلى ولده، وأفضى له بأسرار دعوته، وبيَّن له الأسلوب الأمثل الذي يجب أن يتبعه في الدعوة، أو كما يقول ابن الأثير:«وأعلمه كيف يصنع» (2).
وعلى أساس هذه الوصية، ورث محمد بن علي العباسي حق الكيسانية في الإمامة، فما كاد أبو هاشم يموت حتى قصده الشيعة وبايعوه، ثم عادوا إلى مراكزهم، وبدأوا في نشر الدعوة لمحمد بن علي العباسي عن طريق الدعاة» (3).
والحق أن الروايات التاريخية التي أشارت إلى وصية أبي هاشم لبني عباس بالخلافة من بعده تعاني شيئاً غير قليل من النقص والاضطراب، فهي لا تبين على وجه اليقين هل كانت تلك الوصية شفهية أم كانت مكتوبة، وكذلك فثمة خلاف فيمن دُفعت إليه: هل هو علي بن عبد الله أم ابنه محمد الذي قيل إنه كان صغيراً آنذاك (4).
ولذلك فإن نفراً من المؤرخين المحدثين يردون على هذه الرواية القائلة بتنازل أبي هاشم عن حقه في الخلافة إلى محمد بن علي العباسي، ويستندون في ردهم إلى أن الدعوة العباسية شقت طريقها بعد ذلك باسم الدعوة لآل البيت أو الرضا من
(1) الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 147. العصر العباسي الأول للدكتور السيد عبد العزيز سالم: ص 18، 19.
(2)
الكامل لابن الأثير: 5/ 44.
(3)
العصر العباسي الأول للدكتور السيد عبد العزيز سالم: ص 20.
(4)
الكامل لابن الأثير: 5/ 44. مروج الذهب للمسعودي: 3/ 238، 239.
آل محمد، وهو تعبير عام يشمل العلويين والعباسيين جميعاً؛ تمويهاً على الشيعة بوجه خاص، الأمر الذي يسقط رواية الوصية، فلو أن الإمامة انتقلت حقّاً من أبي هاشم إلى محمد بن علي لكان صرح بذلك، ولكانت الدعوة وجهت لآل العباس في ذلك الحين (1).
وكذلك يستند من يرفضون الرواية القائلة بالوصية إلى أن العباسيين بعد استئثارهم بمنصب الخلافة، عمدوا إلى تدعيم موقفهم أمام دعاوى الشيعة، فاستندوا إلى أن حق الوراثة في التشريع الإسلامي يتيح لهم وراثة النبي صلى الله عليه وسلم لأن التشريع يقدم العم في الميراث على ابن البنت؛ ولذلك فإن العباسيين بوصفهم من نسل عم النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالخلافة من نسل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وفي المقابل يؤكد فريق آخر من الباحثين على أن رواية الوصية لا تمثل شيئاً بالنسبة لطموح العباسيين إلى الخلافة، وهو طموح موجود بالفعل، لا يقلل من شأنه نفي رواية الوصية أو التشكيك في صحتها، ومع ذلك فإنهم يرجحون صحة هذه الرواية لعدة أسباب منها:
1 -
إن الدعوة السياسية خرجت إلى دائرة النور مباشرة بعد موت أبي هاشم.
2 -
الشيعة الكيسانية - وهي شيعة أبي هاشم - أطاعت للعباسيين بالفعل، مع أن دعوتها كانت سرية وباطنة منذ مقتل الحسين رضي الله عنه، أو على الأقل منها خرجت فرقة العباسية، التي تثبت الإمامة في ولد العباس.
3 -
إن صلة العباسيين بالكيسانية ليست جديدة، فقد كانت قائمة قبل وصية أبي هاشم، فابن عباس كان مؤيداً لحركة المختار في الثأر لآل البيت.
ومع ذلك فثمة مسألة جديرة بالملاحظة، وهي أن تنازل أبي هاشم بن محمد ابن الحنفية لا يمكن أن يعد تنازلاً من العلويين جميعاً؛ لأن فريقاً كبيراً منهم ظل متمسكاً بعقائد الشيعة الإمامية، بدليل قيامهم في وجه العباسيين بعد قيام دولتهم (3).
(1) العصر العباسي الأول للسيد عبد العزيز سالم: ص 20.
(2)
انظر الكتاب الذي وجهه أبو جعفر المنصور إلى محمد النفس الزكية ردّاً على كتابه في: الكامل لابن الأثير: 5/ 538.
(3)
تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: 2/ 11.
وكانت بداية دعوة العباسيين سنة مائة من الهجرة كما يقول ابن الأثير:
…
وهكذا فإن شعار الدعوة العباسية (الدعوة للرضا من آل محمد) جعل البيت الهاشمي كله يقف نداً للبيت الأموي (2)، ونحن لا يعنينا أن نعرف تفاصيل الدعوة العباسية والأساليب التي استخدموها للوصول إلى نجاح دعوتهم، ولا تفاصيل الحروب التي خاضوها ولكن يهمنا أن نعرف أنها أصبحت بعد انهيار الخلافة الأموية هي الخلافة الشرعية - ولو بناءً على حكم الضرورة - وأنها حكمت الناس بشرع الله، فها هو داود بن علي العباس يخاطب أهل الكوفة بعد استيلائه عليها وانتصاره على محمد بن خالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة للأمويين قائلاً:
…
«
…
لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة العباس رحمه الله أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل فيكم بكتاب الله، ونسير في العامة والخاصة منكم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).
وبويع أبو العباس بالخلافة في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 132هـ، فخطب خطبة افتتحها بمدح آل النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن في أهل الضلال من السبئية الذين نادوا بالخلافة للعلويين، ثم سبَّ الأمويين الذين ابتزوا الخلافة واستأثروا بها وظلموا أهلها (4).
وكانت هذه الخطبة نفسها تحمل في طياتها بذور تعدد الخلفاء، وتبين طبيعة الصراع الذي كان سائداً في ذلك الوقت وترسم ملامح الفترة المقبلة فسياسة العباسيين مع الأمويين والعلويين - كما سيأتي- كانت سبباً في نشوء الخلافة الأموية في الأندلس، وفي نشوء الدولة الفاطمية في المغرب وأفريقية.
وبموت مروان بن محمد سقطت الخلافة الأموية بعد أن حكمت العالم الإسلامي تسعين عاماً «41 - 132 هـ/661 - 750 م» وأعلن أبو العباس قيام
(1) الكامل لابن الأثير: 5/ 53 - 54. والفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية: ص 143.
(2)
العصر العباسي الأول للدكتور السيد عبد العزيز سالم: ص 22.
(3)
تاريخ الطبري: 7/ 427.
(4)
تاريخ الطبري: 7/ 425 وما بعدها.