الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصلت إلى هذه الدرجة كانت إيذاناً بذهابِها عن بني أمية، فانتقلت إلى العباسيين، وتكرر الأمر عندهم فقد كانت في بدايتها خلافةً مبنيةً على العصبية، ولكنها تخدم أغراض الدين، ثم تدرَّجت إلى أن أصبحت مُلكاً خالصاً، ثم خرجت عن العرب لمَّا ضعفت عصبيتهم وتلاشت (1).
هذه هي خلاصة فكرة ابن خلدون في انقلاب الخلافة إلى ملك، والتي غابت عن بعضِ المعاصرين (2) حين فَهِمَ أنَّ ابنَ خلدون يقول إن الخلافة ليست ضربةَ لازبٍ على المسلمين في كل حال، فهي لا تقوم في الناس إلا حين تتهيأ لها النفوس التي تتسع لها، والعزمات التي تطيق حملها، وأما إذا دخلت الدنيا على دينهم، وأَجْلَتْهُ من نفوسهم فإن سياسةَ الملك بجميع صوره أولى بهم وأجدى عليهم، فابنُ خلدون يرصدُ حركةَ الخلافة وتغيراتِها ويفسر سبب انقلابِها إلى ملك، ولكنَّه لا يقول بعدم وجوبها، فهو يقول: نصب الإمام واجب، عُرِف وجوبُه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين (3).
دليل من لم يقل بوجوب الخلافة:
1 -
استند الخوارج إلى أدلة عقلية فقط فقالوا: إنَّ للإمامة شروطاً قلما توجد في كل عصر، وعند ذلك فإن أقام الناس فاقدَها لم يأتوا بالواجب عليهم بل بغيره، وإن لم يقيموا الفاقدَ فقد تركوا الواجب، فوجوب نصب الإمام يستلزم أحد الأمرين الممتنعين فيكون ممتنعاً.
يقول الإيجي في المواقف مجيباً: «إن تركهم لنصبه لتعذره وعدمِ شرط الإمامة ليس تركاً للواجب، إذ لا وجوب ثمة عليهم على ذلك التقدير، إنما الوجوب إذا وجد الجامع لشرائطها، فلا محذور في ذلك الترك» (4). ومعنى قوله: إذ لا وجوب. أي على الناس لا في الشرع.
2 -
واحتجوا أيضاً بأن الناس ترعى مصالحها الدنيوية بنفسها دون حاجة
(1) مقدمة ابن خلدون: ص 202 الفصل الثامن والعشرون في انقلاب الخلافة إلى ملك.
(2)
كما في الخلافة والإمامة للخطيب: ص 238 وما بعدها.
(3)
مقدمة ابن خلدون: ص 191.
(4)
المواقف للإيجي: 3/ 583. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 348.
لإمام يحكم عليهم، كما هو حال العربان في البوادي البعيدين عن حكم السلطان، ففي نصب الإمام إثارة للفتنة، لأن الأهواء متخالفة فيميل كل حزب إلى واحد، وتقوم الحروب، وما كان هذا شأنه لا يجب، بل كان ينبغي أن لا يجوز، إلا أن احتمال الاتفاق على الواحد أو ترجحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز (1).
ومن أحسن ما يُقال لهم رداً عليهم إضافة - لما سبق - أنَّ رأيهم جاء بعد خلافة سيدنا علي رضي الله عنه أي بعد انعقاد الإجماع، ونقض الإجماع بعد انعقاده لا يجوز.
وقد كان الإمام علي رضي الله عنه يرى أنَّ أمر الأمَّة لا ينتظم إلا بوجود أمير مهما يكن هذا الأمير؛ فقد قال لما سمع قوماً يقولون لا حكم إلا لله: «نعم لا حكم إلا لله ولكن لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل فيه المؤمن ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله فيها الأجل» (3)، ونُقِلَ نحوه عن أبي بكر رضي الله عنه (4).
(1) شرح المقاصد للتفتازاني: 5/ 243. المواقف للإيجي: 3/ 581 - 582. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 347.
(2)
المواقف للإيجي: 3/ 582. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 347 - 348. والحديث مروي من قول عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه؛ أما قول عمر رضي الله عنه فيرويه ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «لَمَا يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن» . انظر تاريخ بغداد: 4/ 107. وأما قول عثمان فذكره القرطبي في تفسيره: 6/ 325 فقال: كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن». وانظر التمهيد لابن عبد البر: 1/ 118.
(3)
سنن البيهقي الكبرى: 8/ 184 كتاب قتال أهل البغي، باب القوم يظهرون رأي الخوارج، بدون رقم. مجموع فتاوى ابن تيمية: 28/ 297. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 339. كنز العمال: 6/ 39 رقم (14755). المعجم الكبير للطبراني: 10/ 132 رقم (10210) عن ابن مسعود.
(4)
الإمامة للآمدي: ص 72. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 346. وانظر خصائص التشريع للدريني: ص 326.