الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة له ويدعوه إلى طاعته فلم يردَّ له الداخل جواباً (1)، فلم يكن أمام الخلفاء العباسيين إلا اعتماد أسلوب المؤامرات لتصفية الخصم البعيد، فظهرت نتيجة لذلك محاولتان لاسترجاع الأندلس:
1 - المحاولة الأولى: ثورة العلاء بن المغيث على عبد الرحمن الداخل سنة 147هـ/764 م:
بعث المنصور رسالة إلى واليه على إفريقية محمد بن الأشعث يأخذ رأيه في مدى إمكانية إعادة الأندلس إلى حظيرة الدولة العباسية، ويبدو أن ابن الأشعث كان متفائلاً جداً فقد سارع إلى إبداء الرأي الإيجابي وهوَّن عليه المسألة، ورشَّح لها العلاء بن المغيث الذي حصل من المنصور على دعم مادي كبير، وسِجلٍ بالولاية على الأندلس إذا نجحت ثورته، إضافة إلى لواء الدولة العباسية قائلاً له:«إن كان فيك محمل لمناهضة عبد الرحمن وإلا فأََبعثُ بمن يُعينك» (2).
وكان العلاء بن مغيث قائداً لحامية باجة (3) إلى الجنوب الغربي من الأندلس (البرتغال) وتم هذا الاتصال في سنة 146 هـ/763 م، وبعد عام من الاتصالات في سنة 147هـ، أُعلنت الثورة في لَقَنْت (4) من عمل باجة، حيث ظهر العلاء داعياً للعباسيين ولطاعة أبي جعفر المنصور، وتغلب على غرب الأندلس، وانضم إليه الكثير من المتضررين من حكم عبد الرحمن الداخل، ولكن الثورة فشلت وقُتل قادتها، واختار الداخل رؤوس العلاء وكبار أصحابه وأراد أن يعطي المنصور درساً قاسياً يجعله يفكر كثيراً قبل الإقدام على خطوة مماثلة، فعلَّق في أذن كل
(1) ذكر هذه المحاولة سالم الخلف في رسالته للماجستير العلاقات السياسية والثقافية بين الخلافة العباسية والإمارة الأموية في الأندلس: ص 107 نقلاً عن كتاب في ذكر بلاد الأندلس وصفاتها وأصقاعها لمجهول.
(2)
البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 51 - 52. تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية: ص 25، 57.
(3)
باجة: من المدن الأندلسية القديمة بنيت أيام القياصرة، سقطت سنة 556 هـ/1161 م، وهي اليوم من المدن الكبرى في البرتغال. صفة جزيرة الأندلس، منتخبة من الروض المعطار للحميري: ص 36.
(4)
لَقَنْت: مدينة صغيرة عامرة ولها حصن، وهي منيعة وعالية جداً، في أعلى جبل يصعد إليه بمشقة. انظر: المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، للإدريسي: ص 193. وبينها وبين دانية على الساحل سبعون ميلاً. صفة جزيرة الأندلس، منتخبة من الروض المعطار للحميري: ص 170.
رأس رقعة تحمل اسم صاحبها ومكانه، ووضعها في جواليق (1) وأعطاها إلى من رمى بعضها في سوق القيروان، وألقى رأس العلاء ومعه العلم الأسود وسِجِل المنصور له أمام سرادق المنصور عندما كان يحج في مكة (2).
ثم قام الداخل بالرد على محاولات العباسيين من خلال حلفائه في المغرب (3)، ففي سنة 148 هـ أخذ أبو قرة المغيلي بمناوشة الوالي العباسي الأغلب بن سالم التميمي (148 - 151هـ/765 - 768 م)، ثم شنَّ حرباً ضروساً على والي القيروان عمر بن حفص (151 - 154 هـ/765 - 770 م) المعروف بهزار مرد وقد اشتد أوار الحرب بينهما عندما استطاع أبو قرة أن يجمع المغاربة بمختلف فرقهم ونحلهم في حلف ضم اثني عشر عسكراً، يقدر مجموعهم بنحو سبعين ألف
(1) الجُوالِقُ والجُوالَق، بكسر اللام وفتحها: وِعاء من الأَوعية معروف معرَّب، قال سيبويه: والجمع جَوالِق، بفتح الجيم، وجَواليق. لسان العرب: 10/ 36 مادة: جلق.
(2)
الروض المعطار للحميري: ص 75. أعمال الأعلام لابن الخطيب: 2/ 9. تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية: ص 54 - 55. البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 51، 52، 79. نفح الطيب للمقري: 1/ 332، 4/ 48. الكامل لابن الأثير: 5/ 178، 575. نهاية الأرب للنويري: 23/ 341. أخبار مجموعة لمجهول: ص 102. وانظر: العرب ودورهم السياسي والحضاري في الأندلس في عصر الإمارة رسالة دكتوراه لإلهام الدجاني: ص 118. الأثر السياسي والحضاري، رسالة ماجستير لأحمد الوزان: ص 205، 215. المنصور لجومرد: ص 198. وانظر للاستزادة عن ثورة العلاء ضد الداخل كتاب سياسة الدولة العباسية في عصرها الأول مع الأمويين في الأندلس للسيد سالم.
(3)
العلاقة السياسية بين الدولة الأموية في الأندلس ودول المغرب مرت بعدة مراحل: المرحلة الأولى: وهي عصر الولاة فقد كانت فيه الصلة قوية بين المغرب والأندلس، إذ عبرت خلاله كثير من القبائل المغربية العربية وأسست لوحدة سياسية واجتماعية وأصبحت قرطبة تتبع القيروان إدارياً وسياسياً. وأما المرحلة الثانية: وهي عصر الإمارة الأموية فقد استقل الأمويون بالأندلس عن الخلافة العباسية، وكان الأغالبة والأدارسة يشكلون حاجزاً معادياً بين الأمويين وبين بلاد المغرب، وكانت الدولة الرستمية الخارجية - ومن انضم معها بعد ذلك - المعادية للأغالبة والأدارسة هي الحليف للأمويين في الأندلس، ولم يتجاوز هذا العداء - في الغالب - نطاق الاستفزازات السياسية. أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة الخلافة التي تغيرت فيها سياسة بني أمية وخاصة بعد ظهور قوى كبرى في المغرب مناوئة للبيت الأموي في الأندلس وهي الدولة الفاطمية الشيعية، التي ترتب على قيامها زيادة التوتر السياسي والعسكري في المنطقة. واستطاعت الخلافة الأموية من خلال سياسة اصطناع الحلفاء ودعمهم بكل أشكال الدعم المادي والعسكري والسياسي أن يحدوا من نفوذ الفاطميين في المغرب وحصروا نشاطهم في أفريقية (تونس وما حولها) وظل النفوذ الأموي قائماً في الشمال الأفريقي إلى أن حدثت الفتنة الأندلسية في نهاية القرن الرابع الهجري وسقطت الدولة العامرية وذهبت هيبة الخلافة، وتدخل الحموديون الأدارسة واستولوا على الخلافة وأعلنوا انتهاءها سنة 422 هـ. انظر العلاقات السياسية للفيلالي: ص273 - 276.
مقاتل، تقدَّم أبو قرة بأكثر من نصف هذا العدد نحو مدينة طبنة قاعدة الزاب سنة 154هـ/770 م لمقاتلة عمر بن حفص الذي جاء لتحصين هذه المدينة، ثم تقدمت المجموعة الأخرى وضربوا عليها حصاراً محكماً، لكن دهاء الوالي العباسي وإقدامه حال دون تنفيذ خطة البربر ضده، فقد استطاع أن يُحدِث تصدعاً في هذا الحلف بإغراء أحد قواد المعسكر البربري بمبلغ من المال، فانسحب من الحلف بجنده ثم تبعته جموع أخرى، عند ذلك لم يجد أبو قرة بُداً من الانسحاب والعودة إلى تلمسان دون قتال، ولم يصمد عبد الرحمن بن رستم هو الآخر أمام طلائع عمر بن حفص فانهزم وعاد إلى تاهرت، أما أبو حاتم بن لبيب المغيلي زعيم إباضية طرابلس فتقدم نحو القيروان، وحاصرها مدة زادت على ثمانية أشهر حتى نفد زاد أهل المدينة، ودخلها أخيراً بعد أن حرقها وحطَّم أبوابها وقتل واليها عمر بن حفص سنة 154هـ/770 م.
وكان الخليفة أبو جعفر المنصور قد بعث يزيد بن حاتم إلى أفريقية لنجدة عمر بن حفص ومساعدته ولما وصل إلى نواحي (سرت) تقابل مع أبي حاتم فقتله مع عدد كبير من جنده وعادت بذلك أفريقية من جديد إلى الخلافة العباسية سنة 155هـ/771 م ولم يقدَّر لهذه الجهود الأموية المغربية أن تنجح في القضاء على النفوذ العباسي في المغرب بسبب كثرة الخلافات بين القبائل.
اقتنع المنصور بمحاولته تلك ولم يكررها، وانشغل بمشاكله القريبة منه، ورغم نجاح عبد الرحمن الداخل في إخماد هذه الثورة، وتمتين الصرح الأموي في الأندلس، إلا أنه لم يلجأ إلى تحدي الخلافة العباسية في لقب الخلافة تهيباً من خطورة هذه المبادرة، لأنَّ المجتمع المسلم لم يكن يقبل حتى ذلك الوقت بفكرة تعدد الخلفاء (1).
(1) البيان المغرب لابن عذاري: 1/ 74 - 78. تاريخ ابن خلدون: 6/ 226 و: 7/ 24. الاستقصا للسلاوي: 1/ 58 - 63. شذرات الذهب لابن العماد: 1/ 233. تاريخ أفريقية والمغرب للرقيق القيرواني: ص 143 - 144. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 74 وما بعدها. الدولة العربية في إسبانية للدكتور إبراهيم بيضون: ص 186، 207.