الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخاصته، القاضي محمد بن عبد الله بن أبي عيسى سنة 316 هـ/ 928 م محملاً بالهدايا والألطاف والأموال إلى رؤساء القبائل البربرية، وكان محمد بن عبد الله هذا من أصل مغربي كما كان دبلوماسياً حكيماً، عرف كيف يستهوي قلوبهم ويستميل نفوسهم، ويحكم المواصلة بينهم وبين خليفة الأندلس، ويقول في ذلك ابن حيان:«فلم يلبث أن هويت إليه أفئدة كثير منهم ومن زعمائهم بين مصحح في ولايته، مستجيب لدعوته مغتنم لعطيته مستعين بعونه» (1).
الصراع المباشر بين الأمويين والفاطميين في المغرب:
لم يكتف عبد الرحمن الناصر عند حد التحريض والنشاط الدعائي والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للقبائل المغربية ضد العبيديين فحسب، بل تعدى ذلك إلى احتلال بعض الثغور الواقعة على الساحل الغربي المواجهة للشاطئ الأندلسي الجنوبي، ومن أمثلة التدخل الأموي المباشر في المغرب:
- الاستيلاء على مليلة سنة 314/ 926 هـ (2). ثم الاستيلاء على سبتة بعدها بخمس سنوات سنة 319 هـ/931 م، حيث وجَّه عبد الرحمن الناصر أسطولاً بحرياً إليها بقيادة أمية بن إسحاق القرشي عامله على الجزيرة الخضراء فدخلها بدون مقاومة، وتسلم المدينة من صاحبها الرضى بن عصام، ولما علم الأدارسة من بني محمد باحتلال سبتة حاولوا استرجاعها ولكن حاميتها ردُّوهم على أعقابهم ولما أدركوا فشلهم اعتذروا لعبد الرحمن الناصر واعترفوا له بخلافته اعترافاً ضمنياً، بأنه صاحب الحق الشرعي في الخلافة ووراثة عرش أجداده بني أمية فقبل منهم وأظهر تصديقهم، انسجاماً مع سياسة التسامح التي كان يتبعها مع رؤساء الأقاليم (3).
(1) تاريخ ابن خلدون: 7/ 53. انظر عن صلات الأمويين بالأدارسة: المقتبَس لابن حيان: ورقة 106. تاريخ ابن خلدون: 7/ 53. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 145.
(2)
المُغرب للبكري: ص 88 - 89. أخبار مجموعة لمؤلف مجهول: ص 155. المقتبس لابن حيان: 5/ 382. البيان المغرب لابن عذاري: 1/ 199 - 200، 2/ 204. علماء الأندلس لمنيرة الراشد: ص 42 وما بعدها.
(3)
المقتبَس لابن حيان: ورقة 116 - 119 أو: 5/ 382. المغرب للبكري: ص 88، 104. أخبار مجموعة لمؤلف مجهول: ص 155. البيان المغرب لابن عذاري: 1/ 103، 199. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 148 وما بعدها. علماء الأندلس لمنيرة الراشد: ص 42 وما بعدها.
- الاستيلاء على أصيلا سنة 322هـ/934 م: بعد خلع أهل مدينة أصيلا طاعة بني أمية سنة 322هـ/937 م بعد أن كان قد بعثوا بولائهم للناصر سنة 319هـ/931 م، أرسل لهم الناصر أسطوله، وأعادهم إلى الطاعة.
- الاستيلاء على مدينة طنجة سنة 323هـ/935 م: كان أهل طنجة قد بايعوا الناصر بعد استيلائه على سبتة، ولما نقضوا العهد وجه لهم أسطوله في رمضان سنة 323هـ/935 م وأخضعهم.
- الاستيلاء على جزيرة أرشقول سنة 325 هـ: بعد فشل محاولة فتحها سنة 320 هـ، وكانت هذه المحاولة استجابة لطلب حليفه موسى بن أبي العافية الذي لم يستطع فتح هذه الجزيرة فطلب من الناصر المدد، فأرسل له أسطولاً من مائة وعشرين قطعة حربية على متنها نحو من سبعة آلاف جندي بحري منهم خمسة آلاف بحار (1).
ولما علم بذلك عبيد الله المهدي أرسل جيشاً من عشرة آلاف مقاتل بقيادة حميد بن يصل المكناسي صاحب تاهرت وابن أخي مصالة بن حبوس وقد انتهت هذه الحرب بفرار موسى وأصحابه من مدينة فاس ومضوا إلى حصن (عين إسحاق) ببلاد تاسول فتحصنوا به، وبعث موسى إلى الناصر لدين الله يستنجده، فلم يتأخر هذا الأخير وجرَّد إليه قوة كبيرة من الجند بقيادة قاسم بن طلمس فنزلت في مدينة سبتة، ثم كتب الناصر يستنفر القبائل المغربية ضد صاحب الشيعة، ولم يكتف بهذا بل أرسل مرة أخرى وحدة بحرية، قام بتجهيزها على جناح السرعة، إذ أن الأسطول الأندلسي في هذه الفترة كان يقوم بالجهاد في سواحل الفرنجة، واستطاع موسى أن يهزم أعداءه بفضل الإمدادات السريعة، وعاد حميد بن يصل إلى تاهرت مفلولاً (2).
وهكذا استطاع الناصر أن يستولي على معظم الثغور البحرية المغربية مثل
(1) المقتبَس لابن حيان: ورقة 125. المغرب للبكري: ص 78.
(2)
روض القرطاس لابن أبي زرع: ص 56. الاستقصا للسلاوي: ص 83. المقتبَس لابن حيان: ورقة 129 - 131. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 158 وما بعدها. وقد أعلن حميد بن يصل أخيراً ولاءه للأمويين فاستقبله الناصر سنة 336هـ/947 م في قرطبة وأكرمه، وتكرر ذلك في سنة 337هـ/948 م. البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 215. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 173.
سبتة وأصيلا وطنجة وجزيرة أرشقول، وأصبح يتحكم في غرب البحر الأبيض المتوسط (1).
وظهرت آثار سياسة عبد الرحمن الناصر المغربية في الوفود الكثيرة التي كانت ترد بلاطه مزودة بالهدايا المغربية الجميلة، وبالرسائل الرستمية العديدة، التي تتضمن تجديد الولاء والطاعة، والاعتراف بأحقيته في الخلافة دون الفواطم وبني العباس، وتشتمل أيضاً على أخبار مستفيضة عن بلاد المغرب وأحواله، يشرحون فيها سياستهم وأعمالهم إزاء جيرانهم الفواطم، وعما أحرزوه من انتصارات حاسمة على الجيوش الفاطمية (2).
وتكرر الصدام بين الفاطميين والأمويين سنة 344 هـ/955 م في عهد المعز لدين الله الفاطمي عندما كان مركب للناصر يسير نحو الشرق محملاً بالأمتعة بقصد التجارة فلقي في البحر مركباً فيه رسول من صقلية إلى المعز لدين الله الفاطمي
(1) المقتبَس لابن حيان: ورقة 137. أزهار الرياض للمقري: 2/ 257. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 155.
(2)
المقتبَس لابن حيان: 5/ 257. البيان المغرب لابن عذاري: 1/ 194. سياسة الفاطميين الخارجية لمحمد جمال سرور: ص 219. العلاقات السياسية والثقافية لسالم الخلف: ص 213. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 13، 139، 166.
ومن أمثلة الرسائل التي كانت ترد على الناصر رسالة من الزعيم الجزائري محمد بن خزر مجدِداً للناصر البيعة في آخر سنة 317هـ/929 م، وتضمنت هذه الرسالة اعترافه بحق الناصر لدين الله، وأحقيته بالخلافة دون غيره وعلى الرغم من الإغراءات التي كانت تبذل له من قبل الفواطم وكان عبيد الله الشيعي قد أرسل إلى محمد بن خزر كتاباً يدعوه فيه إلى موالاته فرفض، وبني العباس عن طريق أخيه تكين المقيم بمصر، نقتطف من الرسالة ما يلي على سبيل المثال لا الحصر: «والله يا أمير المؤمنين ما أعلم على وجه الأرض أحداً أعرف بما أوجبه الله لك مني، لأني ما قمت بدعوتك إلا تقرباً إلى الله تعالى، وتوصلاً إلى قتال كفار المشارقة (يقصد الفاطميين)
…
وقد حاولوا أن يبطلوا نور الإسلام بما كادوا به أهله، فاستخرت الله في جهادهم، وقمت أدعو إلى ربي في جوف الليل في التوفيق والتسديد
…
وقد تشبث في حبال المسودة من بني العباس واستدعاني أخي المقيمُ عندهم بمصر، وأتتني كتب «تكين» التركي صاحبهم بمصر في أول الأمر واستجلابي نحوه، فعصمني الله من ذلك باتباع الحق، حتى علمت بأمر أمير المؤمنين أنك أحق الناس بالخلافة، إنها بيدك ميراث لا ينازعك فيها إلا من دفع الحق وعصى الله ورسوله، وهربت بنفسي إلى أمير المؤمنين ورجوت أن ينصرني الله على يديه، وأن يصرف الله معشر زناتة بهذه الدعوة الحق المنصورة حتى يرفعنا على جميع الناس بها، فنكون أولياء دعوتك وأنصار دولتك، فإنك يا أمير المؤمنين مولى كل بربري على الأرض. إذ وجدنا الحق في يدك والإجماع من الناس على أنك أولى بالخلافة من كل منتحل اسمها معك، كذلك يتمسك كل من قدم إلينا المشرق من نواحي أفريقية فكلهم يشكر فعلي بأن الحق معي، حتى تكين صاحب مصر قد رضيه وسره وما ساءه». المقتبَس لابن حيان: ورقة 106 - 108. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 142 - 143.
فأخذ ما في المركب وقطع عليه الطريق، فأرسل المعز انتقاماً لذلك أسطولاً إلى المرية وأحرق المراكب التي في مينائها وأخذ ذلك المركب، وكان رد فعل الناصر أن أمر بإطلاق اللعنة على ملوك الشيعة على جميع منابر الأندلس، وجهز أسطولاً إلى بلاد أفريقية اقتتل مع عساكر المعز وعاد إلى الأندلس، وفي السنة التالية (345هـ/956 م) أبحر أسطول كبير من سبعين سفينة وهاجم مدينة الخزر (القالة حالياً) وتوجه إلى مدينة طبرقة غرب مدينة بنزرت التونسية وتعداها إلى مدينة سوسة شمال مدينة المهدية فخربها.
لم يسكت الخليفة الفاطمي المعز عن هذه الغارات فبعث قائده جوهراً الصقلي في سنة 347هـ/958 م إلى المغرب لإخضاع البربر لسلطان الفواطم والقضاء على النفوذ الأموي فيه فاكتسح المغرب الأوسط والأقصى وأخضع البربر، ولكنه لم يستطع أن يحتل القواعد الأموية الساحلية ولم يستطع أن يفتح سبتة، وبعث الناصر صاحب شرطته على رأس أسطول ليؤازر موانيه ضد هجوم جوهر (1).
وكامتداد للصراع بين الفاطميين والأمويين حصلت مواجهة عسكرية مباشرة بين الأدارسة والأمويين بعد ثورة الحسن بن جنون، أيام الحكم المستنصر الذي اضطر إلى التدخل المباشر واستئصال شوكة الأدارسة مخالفاً السياسة التقليدية المتسترة وراء القبائل المغربية فأرسل جيوشه وأساطيله في شوال سنة 361هـ/971 م إلى مدينة سبتة واحتل مدينة تطوان وطنجة وأصيلا، وفرَّ الحسن بن جنون، وعيَّن الحكم المستنصر على المغرب جعفرَ بن علي بن حمدون أحد قادة المعز لدين الله الفاطمي الذي فكر في توليته أفريقية وعدل عن ذلك وولى بني زيري (2).
(1) البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 220. العيون والحدائق في أخبار الحقائق لمؤلف مجهول: 4/القسم الثاني ص 199، 208. مفاخر البربر لمؤلف مجهول: ص 5. تاريخ البحرية الإسلامية لعبد العزيز سالم: ص 65. سياسة الفاطميين الخارجية للدكتور محمد جمال الدين سرور: ص 219 وما يليها. العلاقات السياسية للفيلالي: ص 175 وما بعدها.
(2)
المقتبَس لابن حيان: ص 111. ابن حوقل: ص 100. البيان المغرب لابن عذاري: 2/ 244، 249. أعمال الأعلام لابن الخطيب: القسم الثاني /42. اتعاظ الحنفا للمقريزي: 2/ 158. علماء الأندلس لمنيرة الراشد: ص 44.