الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لدين الله الفاطمي، وعظم الإرجاف بمسير القرامطة إلى مصر، وتواترت الأخبار بمجيء عساكر المعز من المغرب، إلى أن دخلت سنة 358 هـ ودخل القائد جوهر بعساكر الإمام المعز لدين الله " (1).
وبدأ المعز يعد العدة للغزو، فجمع كل ما استطاع جمعه من مال حتى قيل إنه صرف على إعداد الجيش أربعة وعشرين مليوناً من الدنانير عدا ما حمله ألف جمل من صناديق الذهب للصرف منها على الحملة، وحشد في الجيش كل من استطاع حشده من جنده، حتى قيل إنه كان يزيد على مائة ألف جندي، وحتى وصفه أحد المصريين عند رؤيته بأنه «مثل جمع عرفات كثرة وعدة»
واختار المعز لقيادة هذا الجيش قائده القدير «جوهر الصقلي» الذي مهَّد له ملك شمال أفريقيا كله، فقد كان يتفاءل به ويؤمن بمقدرته الحربية حتى قال مرة لزعماء المغرب:«والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر» .
وخرج جوهر بجيشه في 14 ربيع الثاني سنة 358 هـ، وسار في نفس الطريق الذي سلكه فيما بعد رومل في الحرب العالمية الثانية، ولأنه كان يعلم مبلغ ما سيعانيه الجيش من صعاب وعقبات عند عبوره هذه الصحراء الممتدة الجدباء، فقد عَبَّد الطرق وحفر الآبار، وبنى المنازل للاستراحة على طول الطريق من تونس إلى مصر، فوصل الإسكندرية ودخلها دون قتال، ودخل الفسطاط صلحاً (2).
وهكذا نجحت هذه الحملة في القضاء على الحكم العباسي بمصر وتحويل هذا الإقليم المهم إلى ولاية فاطمية تدين بالولاء للخليفة الشيعي المقيم في المغرب، وستظل مصر كذلك مدة أربعة أعوام، أصبحت بعدها مقرّاً ومركزاً للحكم الفاطمي حيث انتقل إليها الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بشكل نهائي سنة 362 هـ.
أسباب نجاح الفاطميين في فتح مصر:
لا شك أن نجاح الحملة الفاطمية الرابعة في الاستيلاء على مصر له أسبابه الموضوعية التي يمكن إجمالها بشكل موجز فيما يلي:
(1) إغاثة الأمة بكشف الغمة المقريزي: ص 12 - 13.
(2)
اتعاظ الحنفا للمقريزي: 1/ 96 وما بعدها. تاريخ مصر الإسلامية للدكتور جمال الدين الشيال: 1/ 139.
1 -
استقرار الحكم الفاطمي في بلاد المغرب، بعد المغامرة العسكرية الكبيرة التي قام بها الخليفة المعز لدين الله، ليضمن ولاء الشمال الأفريقي كله قبل التوجه لغزو مصر، وقد عهد المعز بمهمة توطيد أركان الحكم الفاطمي في المغرب الأقصى لقائده الفذ جوهر الصقلي، ففي سنة 347 هـ قاد جوهر حملة عسكرية ناجحة ضد قبائل البربر المناهضين للخلافة الفاطمية، ولا سيما في إقليمي سلجماسة وتاهرت، فتمكن من إخضاع مراكز المقاومة البربرية للحكم الفاطمي حتى إنه أسر ابن واسول أمير سجلماسة الذي كان يدين بالولاء للخلافة العباسية ويخطب لخلفائها (1). وفي سنة 357 هـ قام جوهر بحملة مماثلة بغرض فرض النظام في المغرب الأقصى (2).
2 -
أحسن الخليفة المعز لدين الله تنظيم جيوشه وإعدادها، وهي جيوش جرارة تجاوزت المائة ألف، وفتح خزائنه لقائده جوهر، وأمره أن يأخذ منها ما يكفيه (3).
3 -
فساد الأحوال السياسية واضطراب الأوضاع الاقتصادية في مصر قبيل الغزو الفاطمي، الأمر الذي جعل الشعب المصري يستسلم بسهولة ودون مقاومة تذكر عندما جاءه الجيش الفاطمي (4).
4 -
ضعف الدولة العباسية وتمزقها داخليّاً، واستبداد بني بويه الشيعة بالحكم فيها، بحيث لم يعد للخليفة العباسي الشرعي معهم سوى السلطة الدينية وذكر اسمه في الخطبة ونقشه على السكة (5).
ولذلك فقد كانت الخلافة العباسية مشغولة بأوضاعها السيئة عن دفع الخطر الفاطمي الشيعي عن مصر، الأمر الذي سهَّل مهمة الفاطميين وأعطاهم المبرر
(1) المجالس والمسايرات للقاضي النعمان ص: 214، 411، 412، 412. الكامل لابن الأثير: 8/ 524 - 525. تاريخ ابن خلدون: 4/ 46 - 47. اتعاظ الحنفا للمقريزي: 1/ 93 - 94.
(2)
المقفَّى الكبير للمقريزي: 3/ 329. وراجع: الدولة الفاطمية للدكتور أيمن سيد: ص 13.
(3)
الدولة الفاطمية للدكتور عبد الله جمال الدين: ص 131 - 132.
(4)
الدولة الفاطمية للدكتور عبد الله جمال الدين: ص 132.
(5)
الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية للدكتور الريس: ص 472.