الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - طريقة انتخاب عثمان رضي الله عنه للخلافة:
ذكر الطبري في تاريخه (1) «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طُعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفتَ، فقال: ما أريد أن أتحملَّها حيَّاً وميتاً، عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم من أهل الجنة؛ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم، ولست مدخلَه، ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام حواري رسول الله وابن عمته، وطلحة الخير بن عبيد الله، فليختاروا منهم رجلاً (2) فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام ولْيُصَلِّ بالناس صهيب (3) ولا يأتينَّ اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإن قَدِم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه، فاقضوا أمركم، وما أظن أن يلي إلا أحد هذين الرجلين علي أو عثمان، وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعزَّ الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت، حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف
(1) تاريخ الطبري: 2/ 580 - 586 بتصرف. الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2/ 461. تاريخ المدينة لابن شبة: 3/ 925. وانظر أيضاً: منهاج السنة النبوية لابن تيمية: 1/ 331. التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 25 وما بعدها. طبقات ابن سعد: 3/ 61. نيل الأوطار للشوكاني: 6/ 158 وما بعدها كتاب الوصايا، باب وصية من لا يعيش مثله. وقد ذكر البخاري في صحيحه قصة مقتل عمر رضي الله عنه كاملة في: 3/ 1353 كتاب المناقب، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان في حديث طويل جداً رقم (3424) عن عمرو بن ميمون. وهو في المصنف لابن أبي شيبة: 7/ 434 كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب.
(2)
ذكر في التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان للمالقي: ص 29 أنَّ عمر إنما جعل الشورى في هؤلاء الستة بعد أن شاور الناس.
(3)
علل عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختياره لصهيب بأنَّه رجل من الموالي لا ينازعهم أمرهم، لأنَّه علِم أنَّ من يصلي بالناس في هذا الوقت سيشار إليه بالبنان وكأنه سيخلُفُ مَنْ قَبْلَهُ، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً على بلد، كان هو الذي يصلَّى بهم ويقيم الحدود، وكذلك إذا استعمل رجلاً على غزوة، كان أمير الحرب هو الذي يصلي بالناس، ولهذا استدل المسلمون بتقديمه أبا بكر في الصلاة على أنَّه قدَّمه في الإمامة العامة. انظر: السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 35. الرياض النضرة للطبري: 2/ 176 رقم (649) ذكر ما روي عن عمر في هذا الباب. شرح المواقف للجرجاني: 8/ 365. الصواعق المحرقة للهيتمي: 1/ 61. الإنصاف للباقلاني: ص 65. وكان هذا فهم الفقهاء أيضاً. انظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 40.
وطلحة - إن قَدِمَ - وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له من الأمر، وقُم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة، ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثةٌ رجلاً منهم، وثلاثةٌ رجلاً منهم فحكِّموا عبد الله بن عمر فأيَّ الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين، إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس.
فلما دفن عمر رضي الله عنه جمع المقدادُ أهلَ الشورى، وهم خمسة معهم ابن عمر، وطلحة غائب، وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم، فقال عبد الرحمن:«أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟» فلم يجبه أحد (1) فقال: «فأنا أنخلع منها» (2) فقال عثمان رضي الله عنه: أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمين في الأرض أمين في السماء» (3)، فقال القوم: قد رضينا - وعلي رضي الله عنه ساكت - فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقاً لَتُؤثِرنَّ الحقَ ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة (4). فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدَّل وغيَّر، وأن ترضوا من اخترت لكم، عليَّ ميثاقُ الله ألا أخص ذا رحم لرَحِمِه ولا آلو المسلمين. فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله. فقال لعلي رضي الله عنه: إنك تقول إني أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في
(1) ما جاء عند الطبري يُفهم منه أن سبب سكوتهم هو التنافس على الخلافة، ولكن ما جاء في التمهيد والبيان للمالقي: ص 29 يُظهر أنَّ سببه هو الضيق من تولي مسؤولية اختيار الخليفة وليس الحرص عليها.
(2)
في رواية أخرى عند الطبري في تاريخه: 2/ 585 قال: فإني أخرج نفسي وابن عمي. وانظر: التمهيد والبيان للمالقي: ص 26، و: ص 29. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 135. ونيل الأوطار للشوكاني: 6/ 158 وما بعدها كتاب الوصايا، باب وصية من لا يعيش مثله.
(3)
المستدرك على الصحيحين: 3/ 350 رقم (5354) عن علي رضي الله عنه بلفظ: «عن علي رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وانتقل منها فقال علي رضي الله عنه: أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أنت أمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض» قال الحافظ الذهبي في التلخيص: أبو المعلى هو فرات بن السائب تركوه. ومسند البزار: 2/ 113 رقم (466) عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك أمين في السماء أمين في الأرض» وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه وأبو المعلى اسمه فرات بن السائب. السنة لابن أبي عاصم: 2/ 616 رقم (1415) بلفظ قريب من سابقه وفيه أبو المعلى.
(4)
قال علي رضي الله عنه هذا لأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صهر عثمان رضي الله عنه. كما ذكر الطبري في نفس الموضع.
الدين ، ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنتَ ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال: تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله وابن عمه لي سابقة وفضل، ولم تبعد، فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأيَّ هؤلاء الرهط تراه أحق به؟ قال: علي. ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثم خلا بسعد فكلمه فقال: عثمان. ودارَ عبدُ الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يُستكمَلُ في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثيرَ غمض، انطلقْ فادع الزبير وسعداً فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلِّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، فقال: نصيبي لعلي (1). وقال لسعد: أنا وأنت كلالة (2) فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترتَ نفسك فنعم (3)، وإن اخترتَ عثمان فعليٌّ أحب إلي (4)، وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسورَ بن مخرمة إلى علي رضي الله عنه فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر ثم نهض، وأرسل المسورَ إلى عثمان فكانا في نجيِّهما حتى فرَّق بينهما أذان الصبح، فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التجَّ المسجد بأهله، فقال: أيها الناس إنَّ الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا مَن أميرُهم، فتكلم بنو هاشم يريدون علياً، وتكلم بنو أمية
(1) اختلفت الرواية عن الزبير فقد ذُكر عنه أنه اختار عثمان (كما ذكر الطبري في تاريخه: 2/ 585)، وذكر عنه أنه اختار علياً رضي الله عنه (كما في مجموع فتاوى ابن تيمية: 4/ 427. ومآثر الإنافة للقلقشندي: 1/ 54)، وذكر عنه أنه اختارهما معاً (كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي: 1/ 154).
(2)
الكلالة في المواريث: من لا والد له ولا ولد، أي يرثه الناس الأبعد، وقد يقع اسم الكلالة على بعض الوارثين، انظر: أحكام القرآن للجصاص: 2/ 109 سورة النساء، باب الكلالة. والمقصود هنا أنهما يعتبران في موضوع الخلافة الطرفَ الأبعد مقارنة بعلي رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه.
(3)
لعل هذا كان قبل أن يخرج عبد الرحمن رضي الله عنه نفسَه منها.
(4)
مرَّ قبل قليل أنه اختار عثمان رضي الله عنه، وكذا عند السيوطي في تاريخ الخلفاء 1/ 154 ذكر أنه اختار عثمان رضي الله عنه، ولعل هذا سببه تقارب مكانتي عثمان وعلي.
يريدون عثمان، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس. فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلُن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملَنَّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. فأرسل يده ثم دعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي فقال: نعم. فبايعه. وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له: بايعْ عثمان. فقال: أَكُلُّ قريش راض به؟ قيل: نعم. فأتى عثمان فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك إن أبيتَ رددتُها. قال: أتردُّها؟ قال: نعم. قال: أَكُلُّ الناس بايعوك؟ قال: نعم. قال: قد رضيت لا أغرب عما قد أجمعوا عليه وبايعه». اهـ
هذه الآلية التي وضعها عمر رضي الله عنه جنَّبت الأمة الفرقة والاختلاف في اختيارهم خليفة لهم، ولكنها حرَّكت - بشكل غير مباشر - تنافساً قديماً بين بني أمية وبني هاشم (1)، انعكس تنافساً على تولي الخلافة بين عثمان رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه، مما ألقى بظلاله على خلافة عثمان رضي الله عنه، وعلى الأحداث التي حصلت بعد مقتله رضي الله عنه، ولئن كان طموح سيدنا علي رضي الله عنه إلى الخلافة قد ظهر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فإن مكانة أبي بكر وعمر العالية في الإسلام حسمت الأمر بسرعة، بينما تقارب مكانة عثمان وعلي رضي الله عنهم أظهر هذا الطموح ثانية.
(1) لقد كان بنو أمية وبنو هاشم قبل الإسلام كفرسي رهان في الزعامة على قريش وفي التجارة وتملك الأموال، ثم رقَّت حال بني هاشم، وازداد بنو أمية غنى وقوي نفوذهم، واتجه بنو هاشم إلى الزعامة الدينية فكانت فيهم حجابة البيت وسقاية الحاج. ولعل هذا سبب تأخر أبي سفيان وكثير من بني أمية عن الاستجابة لرسالة الإسلام في بداية عهدها لئلا يفقدوا ميزاتهم في الزعامة. ولعل هذا أيضاً - بالإضافة إلى سابقته في الإسلام وبلائه فيه- كان وراء شعور سيدنا علي بحقه في الخلافة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم استمراراً لدور بني هاشم في الزعامة الدينية في مجتمع لا زالت الأعراف القبلية حاضرة فيه بقوة. وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور: 2/ 568 استمرار هذا التنافس إلى ما بعد ذلك فقال: أخرج الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات) عن ابن عباس أن معاوية قال: يا بني هاشم إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحقيتم النبوة، ولا يجتمعان لأحد وتزعمون أن لكم ملكاً. فقال له ابن عباس: أما قولك أنا نستحق الخلافة بالنبوة فإن لم نستحقها بالنبوة فبم نستحقها؟! وأما قولك أن النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله: «فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً» فالكتاب: النبوة، والحكمة: السنَّة، والمُلك: الخلافة، نحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة لنا ولهم جارية، وأما قولك زعمنا أن لنا ملكاً فالزعم في كتاب الله شك وكلٌّ يشهد أن لنا ملكاً، لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ولا حولاً إلا ملكنا حولين.