المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

6982 - عمرُ: لمَّا كانَ يومُ بدرٍ وأخذ ـ يعني - جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد - جـ ٣

[الروداني، محمد بن سليمان المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌غزوة أحد

- ‌من ذكر في مجمع الزوائد من شهداء أحد

- ‌غزوة الرجيع، وغزوة بئر معونة، وغزوة فزارة

- ‌غزوة الخندق وغزوة بنى قريظة

- ‌غزوة ذات الرّقاع وغزوة بنى المصطلق وغزوة أنمار

- ‌غزوة الحديبية

- ‌غزوة ذي قرد وغزوة خيبر وعمرة القضاء

- ‌غزوة مؤتة من أرض الشام، وبعث أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

- ‌غزوة الفتح

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة أوطاس، وغزوة الطائف

- ‌بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، وسرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصار

- ‌بعثُُ أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، وبعث علي وخالد إلى اليمن وهما قبل حجة الوداع

- ‌غزوة ذي الخلصة وغزوة ذات السلاسل وغزوة تبوك

- ‌سرية بني الملوح وسرية زغبة السحيمي وغيرها

- ‌قتال أهل الردة

- ‌كتاب التفسير

- ‌فضل القرآن وفضل سور وآيات مخصوصة

- ‌من تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة

- ‌سورة آلِ عمران

- ‌سورة النِّسَاء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف وسورة الأنفال

- ‌سورة براءة

- ‌سورة يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم

- ‌سورة الحجر والنحل والإسراء

- ‌سورة الكهف ومريم

- ‌سورة طه والأنبياء والحج والمؤمنون

- ‌سورة النّور

- ‌سورةُ الفرقان والشعراء والنمل والقصص والعنكبوت

- ‌سورة الرّوم ولقمان والسجدة والأحزاب

- ‌سورة سبأ وفاطر ويس والصّافات وص والزمر

- ‌سورة المؤمن وحم السجدة والشورى والزخرف والدّخان

- ‌سورة الأحقاف والفتح والحجرات وق والذّاريات

- ‌سورة الطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد

- ‌سورة المجادلة والحشر والممتحنة والصف الجمعة والمنافقون

- ‌سورة التغابن والطلاق والتحريم

- ‌سورة نون ونوح والجن والمزمل والمدثر

- ‌من سورة القيامة إلى آخر القرآن

- ‌الحث على تلاوة القرآن وآداب التلاوة وتحزيب القرآن وغير ذلك

- ‌جواز اختلاف القراءات، وما جاء مفصلاُ، وترتيب القرآن، وتأليفه

- ‌كتاب تعبير الرؤيا

- ‌كتاب الطب وما يقرب منه

- ‌الرُّقى والتمائمُ والعينُ ونحو ذلك

- ‌النجوم والسحر والكهانة

- ‌كتاب القدر وفيه محاجة آدم لموسى وحكم الأطفال وذم القدرية وغير ذلك

- ‌كتاب الآداب والسلام والجواب والمصافحة وتقبيل اليد والقيام للداخل

- ‌الاستئذان

- ‌العطاس والتثاؤب والمجالسة وآداب المجلس وهيئة النوم والقعود

- ‌التعاضد بين المسلمين بالنصرة والحلف والإخاء والشفاعة وغير ذلك

- ‌التوادد وكتمان السر وصلاح ذات البين والاحترام وحسن الخلق والحياء وغيرها من الآداب

- ‌الثناء والشكر والمدح والرفق

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح والمشورة

- ‌النّية والإخلاص والوعد والصدق والكذب

- ‌السخاء والكرم والبخل وذم المال والدنيا

- ‌الغضب والغيبة والنميمة والغناء

- ‌اللهو واللعب واللعن والسب

- ‌الحسد والظن والهجران وتتبع العورة

- ‌الكبر والرياء والكبائرُ

- ‌النفاق والمزاح والمراء

- ‌الأسماء والكنى

- ‌الشّعر

- ‌كتابُ البرِِّ والصلة

- ‌برُّ الوالدين

- ‌برّ الأولاد والأقارب، وبرّ اليتيم، وإماطة الأذى، وغير ذلك

- ‌صلة الرحم، وحق الجار

- ‌الرحمة، والضيافة، والزّيارة

- ‌كتاب المناقب

- ‌ما ورد في ذكر بعض الأنبياء ومناقبهم

- ‌من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم غير ما تفرق في الكتاب

- ‌من صفاته، وشعره، وخاتم النبوة، ومشيه، وكلامه، وعرقه، وشجاعته، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وشرفه، وكرمه، ومجده، وعظمته

- ‌من علاماته صلى الله عليه وسلم غير ما تفرق في الكتاب

- ‌الإسراء

- ‌من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات

- ‌من كلام الحيوانات والجمادات له صلى الله عليه وسلم

- ‌من زيادة الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم

- ‌من إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم وكف الأعداء عنه

- ‌مما سأله عنه أهل الكتاب صدقوه في جوابه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معجزات متنوعة له وذكر عمره وأولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌من فضائل الصحابة المشتركة التي لا تخص واحدًا منهم رضي الله عنهم أجمعين

- ‌مناقب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

- ‌مناقب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه

- ‌مناقب عثمان بن عفّان رضي الله عنه

- ‌مناقب الإمام على رضي الله عنه

- ‌مناقب بقية العشرة

- ‌مناقبُ العباس وجعفرٍ والحسنُ والحسين رضي الله عنهم

- ‌مناقب زيد بن حارثة وابنه أسامة وعمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبى ذر الغفاري رضي الله عنهم

- ‌مناقب حذيفة بن اليمان، وسعد بن معاذ، وابن عباس، وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم

- ‌مناقب سلمان وأبي موسى، وعبد الله بن سلام، وابنه يوسف، وجرير، وجابر بن عبد الله، وأبيه، وأنس والبراء ابني مالك رضي الله عنهم

- ‌مناقب ثابت بن قيس وأبي هريرة وحاطب بن أبي بلتعة وجليبيب رضي الله عنهم

- ‌مناقب حارثة بن سراقة وقيس بن سعد بن عبادة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية رضي الله عنهم

- ‌مناقب سنين أبو جميلة وعباد وضماد وعدي بن حاتم وثمامة بن أثال وعمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنهم

- ‌مناقب حمزة بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وأبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم

- ‌مناقب خباب بن الأرت وسالم مولى أبي حذيفة وعامر بن فهيرة وعامر بن ربيعة وعبد الله بن جحش وصهيب رضي الله عنهم

- ‌مناقب عثمان بن مظعون ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وحارثة بن النعمان وبشر بن البراء وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي اليسر وعبد الله بن عبد الله بن أبيّ، وقتادة بن النعمان وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت وأبي أيوب رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي الدحداح وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبي الدرداء وزاهر بن حرام وعبد الله ذي البجادين رضي الله عنهم

- ‌مناقب عبد الله بن الأرقم وعثمان بن أبي العاص ووائل بن حجر والعلاء بن الحضرمي وأبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي أمامة وزيد بن صوحان وفروة بن هبيرة وعبد الله بن بسر والهرماس بن زياد والسائب بن يزيد رضي الله عنهم

- ‌مناقب حرملة بن زيد وحمزة بن عمرو وورقة بن نوفل والأحنف بن قيس رضي الله عنهم

- ‌مناقب خديجة بنت خويلد، وفاطمة وعائشة، وصفية، وسودة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم حرام، وأم سليم، وهند بنت عتبة رضي الله تعالى عنهن

- ‌مناقب زينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم،وأم سلمة وغيرهن من النساء، رضي الله عنهن

الفصل: 6982 - عمرُ: لمَّا كانَ يومُ بدرٍ وأخذ ـ يعني

6982 -

عمرُ: لمَّا كانَ يومُ بدرٍ وأخذ ـ يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ـ الفداءَ، فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ - إلى قوله- لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67 - 68] ثمَّ أحلَّ لهم الغنائمَ (1).

(1) أبو داود (2690)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2339): حسن صحيح. وهو عند مسلم مطولا

ص: 135

6983 -

ابنُ عباس: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} [الأنفال: 72] وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] كان الأعرابي لا يرثُ المهاجر ولا يرثهُ المهاجرُ، فنسخت، فقال:{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]. هما لأبي داود (1).

(1) أبو داود (2924)،والدارمي (6747)،وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2537).

ص: 135

‌سورة براءة

ص: 135

6984 -

حذيفةُ: قال التي تسمونها سورة التوبة هي سورةُ العذابِ، وما تقرءونَ منها مما كنا نقرأُ إلا ربُعها. للأوسط (1).

(1) الطبراني في ((الأوسط)) 2/ 85 (1330). قال الهيثمي (7/ 31): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

ص: 135

6985 -

ابنُ عباس: قلتُ لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني؟ وإلى براءة وهي من المئينِ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطرَ بسمِ الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبعِ الطوالِ، ما حملكُم على ذلك؟

قال عثمانُ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمانُ وهو تنزلُ عليه السورُ ذواتُ العددِ، وكان إذا نزل عليه شيءٌ دعا بعض من كان يكتبُ فيقول:((ضعوا هؤلاء الآيات في السورةِ التي يُذكر فيها كذا وكذا)) فإذا نزلت عليهِ الآياتُ، فيقولُ:((ضعوا هذه الآية في السورة التي يُذكرُ فيها كذا وكذا))، وكانتِ الأنفالُ من أوائل ما نزلَ بالمدينةِ، وكانت براءةُ من آخرِ القرآنِ نزولاً، وكانت قصتُها شبيهةً بقصتها، فقبض صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجلِ ذلك قرنتُ بينهما، ولم أكتب سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتُها في السبعِ الطوالِ. للترمذي وأبي داود (1).

(1) الترمذي (3086)، أبو داود (786). قال الألباني في ضعيف الترمذي (599): ضعيف.

ص: 135

6986 -

ابنُ جبير: قلتُ لابنِ عباسٍ سورة التوبةِ: قالَ بل هي الفاضحةُ، ما زالت تقولُ: ومنهُم ومنهم، حتى ظنوا أن لا يبقى أحدٌ إلا ذُكرَ فيها، قلتُ سورةُ الأنفالِ: قال: نزلت في بدرٍ، قلتُ: سورةُ الحشرِ: قال: نزلت في بني النضيرِ. للشيخين (1).

(1) مسلم (3031)، والبخاري (4882).

ص: 136

6987 -

أبو هريرة: أنَّ أبا بكرٍ بعثهُ في الحجةِ التي أمرهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل حجةِ الوداع في رهطٍ يؤذنون في الناس يومَ النحرِ، أن لا يحج بعد العامِ مشركٌ ولا يطوفُ بالبيت عريانٌ (1).

(1) البخاري (4655)، مسلم (1347)، أبو داود (1946)، النسائي (5/ 234).

ص: 136

6988 -

وفي رواية: ثمَّ أردفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعليّ، فأمرهُ أن يؤذنَ ببراءةَ، فأذن معنا في أهل مني ببراءة، أن لا يحجَ بعد العامِ مشركٌ، ولا يطوفَ بالبيتِ عريانٌ (1).

(1) البخاري (369)، (3177)، مسلم (1347).

ص: 136

6989 -

وفي أخرى: ويوم الحجِ الأكبرِ يومُ النحرِ، والحجُ الأكبرُ الحجُ، وإنما قيل الحجُ الأكبرُ منِ أجلِ قولِ الناسِ: العمرة الحجُ الأصغرُ، قال فنبذ أبو بكرٍ إلى الناسِ في ذلك العامِ، فلم يحجَّ في العامِ القابلِ الذي حجَّ فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حجةَ الوداعِ مشركٌ، وأنزلَ الله في العامِ الذي نبذ فيهِ أبو بكرٍ إلى المشركين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} الآية [التوبة: 28]، وكان المشركون يوافون بالتجارةِ فينتفعُ بها المسلمونُ، فلمَّا حرَّم الله على المشركين أن يقربوا المسجدَ الحرامَ، وجد المسلمون في أنفسهم مما قُطعَ عليهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، فقال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة: 28] ثمَّ أحلَّ في الآية التي تتبُعها الجزية، ولم تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضًا مما منعهُم من موافاةِ المشركين بتجاراتهم، فقال:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية [التوبة: 29]، فلمَّا أحلَّ الله ذلك للمسلمينَ عرفُوا أنهُ قد عاضهُم أفضلَ مما خافُوا، ووجدوا عليهِ مما كان المشركون يوافون به من التجارةِ. للشيخين وأبى داود والنسائي (1).

(1) البخاري (3177)، مسلم (1347).

ص: 136

6990 -

على: وقد سُئلَ بأيِّ شيءٍ بُعثت في الحجةِ؟ قال: ((بعثتُ بأربعٍ: لا يطوفنَ بالبيتِ عريانٌ، ومن كان بينه وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم عهدٌ فهو إلى مدتهِ، ومن لم يكُن لهُ عهدٌ فأجلُه أربعة أشهرٍ، ولا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يجتمع المشركون والمؤمنون بعد عامهم هذا)). للترمذي (1).

(1) الترمذي (871)، قال الترمذي: حديث علي حديث حسن، قال الألباني: صحيح.

ص: 137

6991 -

جابر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرةِ الجعرانةِ بعث أبا بكرٍ على الحجِ فأقبلنا معهُ، حتى إذا كنَّا بالعرجِ ثوب للصبح ثم استوى ليكبرَ، فسمع الرغوةَ خلفَ ظهرهِ، فوقف عن التكبير، فقال: هذه رغوةُ ناقةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الجدعاءَ، لقد بدا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم قفي الحجِ، فلعلهُ يكونُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنصلي معه، فإذا عليٌّ عليها، فقال لهُ أبو بكرٍ: أميرٌ أم رسولُ؟

قال: لا بل رسولٌ، أرسلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببراءةَ أقرؤها على الناس في مواقف الحجِ، فقدمنا مكة، فلمَّا كان قبل الترويةِ بيومٍ، قام أبو بكرٍ فخطبَ الناسُ، فحدثهُم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ، قام عليٌّ فقرأ على الناسِ براءةَ حتى ختمها، ثمَّ كان يومُ النحرِ، فأفضنا، فلمَّا رجع أبو بكرٍ خطب الناسَ فحدثُهم عن إفاضتهم، وعن نحرهم، وعن مناسكهم، فلمَّا فرغ قام عليٌّ فقرأ على الناسِ براءة، حتى ختمها، فلمَّا كان يومُ النفرِ الأولِ، قام أبو بكرٍ فخطبَ الناسَ، فحدثهُمْ كيف ينفرون، وكيف يرمونَ، يعلمهُم مناسكهم، فلمَّا فرغ قام عليٌّ فقرأ على الناسِ براءة، حتى ختمها. للنسائي (1).

(1) النسائي 5/ 247،248وضعفه، والدارمي (1951)، قال الألباني في ضعيف النسائي (195): ضعيف الإسناد.

ص: 137

6992 -

حذيفةُ: قال ما بقى من أصحاب هذه الآيةِ، يعني:{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] إلا ثلاثةٌ، ولا بقى من المنافقين إلا أربعةٌ، فقال أعرابيّ: إنكم أصحابُ محمدٍ تخبرون أخبارًا لا ندري ما هي، تزعمون أن لا منافق إلا أربعةً، فما بالُ هؤلاء

⦗ص: 138⦘

الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟

قال: أولئك الفُسَّاقُ، أجل لم يبق منهم إلا أربعةٌ، أحدهم شيخٌ كبيرٌ لو شرب الماء البارد لما وجد بردهُ. للبخاري (1).

(1) البخاري (4658).

ص: 137

6993 -

النعمانُ بنُ بشير: كنتُ عند منبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رجلٌ: ما أبالي أن لا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخرُ: ما أبالي أن لا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجدَ الحرامَ، وقال آخرُ: الجهادُ في سبيل الله أفضلُ مما قلتُم، فزجرُهم عمرُ وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يومُ جمعةٍ، ولكن إذا صليتُ الجمعةَ دخلتُ فاستفتيتُهُ فيما اختلفتم فيهِ، فنزل:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِالله} [التوبة: 19] إلى آخرها. لمسلم (1).

(1) مسلم (1879).

ص: 138

6994 -

عديُّ بنُ حاتمٍ: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال يا عديّ: اطرح عنك هذا الوثنَ، وسمعتُهُ يقولُ:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله} [التوبة: 31] قال: ((إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانُوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُوهُ، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموهُ)). للترمذي (1).

(1) الترمذي (3095)، قال الألباني: حسن ((صحيح الترمذي)) (2471).

ص: 138

6995 -

زيدُ بنُ وهبٍ: مررتُ بالربذة فإذا بأبي ذرٍ، فقلتُ لهُ: ما أنزلك منزلك هذا؟

قال: كنتُ بالشامِ فاختلفتُ أنا ومعاوية في هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} [التوبة: 34] فقال معاويةُ: نزلتْ في أهلِ الكتابِ، فقلتُ: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلامٌ، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلىَّ عثمانُ أن أقدم المدينةَ، فقدمتُها، فكثر علىَّ الناسُ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرتُ ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيتَ وكنتَ قريبًا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّروُا علىَّ حبشيًا لسمعتُ وأطعتُ. للبخاري (1).

(1) البخاري (1406).

ص: 138

6996 -

ابنُ عباسٍ: لمَّا نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] كبر ذلك على المسلمين، فقال عمرُ: أنا أفرجُ عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله إنُه كبر على أًصحابكَ هذه الآيةُ، فقال:((إنَّ الله لم يفرض الزكاةَ إلَاّ لطيِّب ما بقى من أموالكُم، وإنما فرض المواريث، وذكر كلمةً لتكون لمن بعدكم))، فكبر عمرُ ثمَّ قال لهُ:((ألا أخبرك بخير ما يكنزُ المرءُ؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرتهُ، وإذا أمرها أطاعتْهُ، وإذا غاب عنها حفظتهُ)). لأبي داود (1).

(1) أبو داود (1664). وقال الألباني في ضعيف أبي داود (363): ضعيف.

ص: 139

6997 -

ابنُ عمرو بن العاص: كانت العربُ يحلون عامًا شهرًا وعامًا شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كلِّ ستةٍ وعشرين سنةً مرةً، وهو النسيءُ الذي ذكرهُ الله تعالى في كتابهِ، فلمَّا كان عامُ حج أبو بكرٍ بالناسِ، وافق ذلك العامُ الحجَ، فسماهُ الله الحجُ الأكبرُ، ثم حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من العامِ المقبلِ، فاستقبل الناسُ الأهلةَ، فقال صلى الله عليه وسلم:((إنَّ الزمان قد استدار كهيئتهِ يوم خلق الله السمواتِ والأرض)). للأوسط (1).

قلتُ لعلهُ إلا في كلِّ ستةٍ وثلاثين سنةً، لأن الباعث لهم على الإِنساءِ وهو أن يأتي الحجُّ كلَّ عامٍ في زمن الثمار ليجلبها عليهمُ الحجاج، إنما يقتضي أن يستدير الحجُ في تسع ذي الحجةِ في كلِ ستٍ وثلاثين تقريبًا، فلو أحلُّوا محرمًا في عامٍ ومحرمًا وصفر في الثاني، ومحرمًا فقط في الثالث وحجوا في تاسع الحجة في الأعوامِ الثلاثة، ثم أحلُّوا صفر وربيع في الرابع وصفر فقط في الخامس، وصفر وربيع في السادس، وحجُّوا في تاسعِ المحرم في هذه الثلاثة، وهكذا في بقيتها، فإنَّ عود الحجِ إلى تاسعِ ذي القعدة إنما يكونُ في تلك المدةِ، وبهذه يكونُ للحديث معنى صحيحٌ. والله أعلم.

(1) رواه الطبراني في الأوسط (2909). قال الهيثمي (7/ 32): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

ص: 139

6998 -

ابنُ عباسٍ: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية [التوبة: 44]، فنسختها التي في النورِ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ - إلى غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 62]. لأبي داود (1).

(1) أخرجه أبو داود (2771). قال الألباني: حسن ((صحيح أبي داود)) (2409).

ص: 139

6999 -

أبو مسعودٍ البدريّ لمَّا نزلت آيةُ الصدقةِ كنَّا نُحاملُ على ظهورنا، فجاء رجلٌ فتصدقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا مراءٍ، وجاء رجلٌ فتصدق بصاعٍ، فقالوا: إنَّ الله لغنيُّ عن صاعِ هذا، فنزلت:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79](1). الآية.

(1) البخاري (1415)، ومسلم (1018).

ص: 140

7000 -

ابن عمر: لمَّا تُوفى عبدُ الله- يعني ابن أبي بن سلول- جاء ابنه عبدُ الله إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسألهُ أن يعطيهُ قميصهُ يكفِّنُ فيهِ أباهُ، فأعطاهُ، ثم سألهُ أن يُصلِّي عليهِ، فقام ليصلي عليهِ، فقام عمرُ فأخذ بثوبه صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: تُصلي عليه وقد نهاك ربك أن تُصلي عليه؟

فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما خيرني الله تعالى قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة} [التوبة: 80] وسأزيد على السبعين)) قال: إنهُ منافقٌ، فصلى عليهِ صلى الله عليه وسلم فنزل:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً - إلى فَاسِقُونَ} (1). هما للشيخين والنسائي.

(1) البخاري (4670)، ومسلم (2400).

ص: 140

7001 -

ولهُ وللبخاري والترمذي عن عمر نحوهُ وفيه: أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا؟

أعدد عليه قولهُ، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال:((أخِّر عني يا عمرُ))، فلمَّا أكثرتُ عليهِ، قال:((أما إنِّي خيرتُ)) بنحوه.

وفيه: فعجبتُ بعدُ من جرأتي على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، والله ورسولهُ أعلمُ (1).

(1) البخاري (1366)، والترمذي (3097).

ص: 141

7002 -

ابنُ عباسٍ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ - عَظِيمٍ} [التوبة: 101] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعةِ خطيبًا، فقال:((قُم يا فلانُ فاخرج فإنك منافقٌ، اخرج يا فلانُ فإنك منافقٌ، وأخرجهم بأسمائهم ففضحُهم، ولم يكن عمرُ شهد تلك الجمعة لحاجةٍ كانت لهُ، فلقيهم عمرُ وهم يخرجون من المسجدِ فاختبأ منهم استحياءً أنهُ لم يشهد الجمعة، وظنَّ أن الناس قد انصرفوا واختبئُوا هم من عمر، وظنوا أنهُ قد علم بأمرهم، فدخل عمرُ المسجد، فإذ الناسُ لم ينصرفوا، فقال له رجلٌ أبشر يا عمر: فقد فضح الله المنافقين اليوم، فهذا يومُ العذابِ الأولِ، والعذابِ الثاني عذابُ القبرِ)) (1). للأوسط بضعيف.

(1) الطبراني في ((الأوسط)) 1/ 241 - 242 (792). وقال الهيثمي 7/ 34 وفيه: الحسين بن عمرو بن محمد العنقري، وهو ضعيف.

ص: 141

7003 -

على: سمعتُ رجلاً يستغفرُ لأبويه وهما مشركانِ، فقلتُ لهُ: أتستغفرُ لأبويك وهما مشركان؟

فقال استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشركٌ، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113](1). للترمذي والنسائي.

(1) الترمذي (3101)، والنسائي (4/ 91). وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2477).

ص: 141

7004 -

كعبُ بنُ مالكٍ:

⦗ص: 142⦘

لم أتخلَّفْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوة تبوكٍ، غير أني قد تخلَّفتُ في غزوة بدرٍ ولم يُعاتب أحدٌ تخلف عنها، إنما خرج يريدُ عير قريشٍ حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعادٍ، ولقد شهدتُ ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبُ أنَّ لي بها مشهد بدرٍ، وإن كانت بدرٌ أذكرُ في الناس منها، وكان من خيري حين تخلفت من غزوة تبوكٍ أني لم أكن قطُّ أقوى ولا أيسر مني حينَ تخلفتُ، والله ما جمعتُ راحلتين قطُّ حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يريدُ غزوةً إلا ورَّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوةُ، فغزاها صلى الله عليه وسلم في حرٍ شديدٍ، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا، واستقبل عدوًا كثيرًا، فجلى للمسلمين أمرهُم ليتأهبُوا أهبةَ غزوهم، وأخبرهُم بوجههِ الذي يريدُ، والمسلمون معه صلى الله عليه وسلم كثيرٌ لا يجمعُهم كتابٌ حافظ، فقلَّ رجلٌ يريدُ أن يتغيب إلا ظنَّ أنَّ ذلك سيخفي ما لم ينزل فيه وحيٌ، وغزا صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابتِ الثمارُ والظلالُ، فأنا إليها أصعرُ، فتجهز صلى الله عليه وسلم والمسلمون معهُ، وطفقتُ أغدوا لكيّ أتجهز معُهم فأرجع ولم أقض شيئًا، وأقولُ في نفسي أنا قادرٌ على ذلك إذا أردتُ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمرَ بالناس الجدُّ، فأصبح صلى الله عليه وسلم غاديًا ولم أقض من جهازي شيئًا، ثم غدوتُ فرجعت ولم أقضِ شيئًا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعُوا وتفارط الغزو، فهممتُ أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلتُ، ثم لم يُقدَّر ذلك لي، وطفقتُ إذا خرجتُ في الناسٍ بعد خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم يحزنني أن لا أرى لي أسوةً إلا رجلاً مغموصًا عليه في النفاقِ، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاءِ، ولم يذكرني النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بلغَ تبوكَ، فقالَ وهو جالسٌ في

القوم بتبوك: ((ما فعلَ كعبُ بنُ مالكٍ)) فقال رجلٌ من بني سلمة: يا رسول الله حبسهُ برداهُ والنظر في عطفيهِ، فقال له معاذُ بنُ جبلٍ:

⦗ص: 143⦘

بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت صلى الله عليه وسلم، فبينا هو على ذلك رأى رجلاً مبيضًا يزول به السرابُ، فقال صلى الله عليه وسلم ((كُن أبا خيثمة)) فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدَّق بصاع التمر حين لمزهُ المنافقون، فلمَّا بلغني أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثِّي، فطفقتُ أتذكرُ الكذب وأقولُ بم أخرجُ من سخطهِ غدًا، وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلمَّا قيل إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد ظلَّ قادمًا، زاحَ عني الباطلَ حتى عرفتُ أنني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعتُ صدقهُ، وأصبحَ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قدم من سفرٍ بدأ بالمسجدِ فركع فيه ركعتينِ، ثم جلس للناس، فلمَّا فعل ذلك جاءه المخلَّفُون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً، فقبل منهم علانيتهم وبايعهُم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئتُ، فلمَّا سلمتُ تبسَّم تبسُّمَ المغضب، ثم قال:((تعال)) فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديهِ، فقال لي:((ما خلفكَ، ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟)) قلتُ يا رسول الله: إني والله لو جلستُ عند غيركَ من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطه بعذرٍ، ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني والله لقد علمتُ أني لئن حدثتك اليوم حديث كذبٍ ترضى بهِ عني، ليوشكنَّ الله أن يُسخطك علىَّ، ولئن حدثتك حديثَ صدقٍ تجدُ علىَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي من عذرٍ، والله ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلفتُ عنك، فقال صلى الله عليه وسلم:((أمَّا هذا قد صدقَ، فقم حتى يقضي الله فيكَ))، فقمتُ وثار رجالٌ من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي والله ما علمناك

أذنبتَ ذنبًا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلَّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفارُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لك، فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردتُ أن أرجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأكذِّبَ نفسي، ثم قلتُ لهم: هل لقى هذا معي من أحدٌ؟

قالوا: نعم، لقيهُ معك رجلانِ، قالا: مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قلتُ: من هما؟

قالوا: مرارةُ بن الربيع العامري وهلالُ بن أمية الواقفىُّ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوةٌ، فمضيتُ حين ذكروهما لي، ونهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثةُ من بين من تخلَّف عنهُ، فاجتنبنا الناسُ، أو قال تغيروا لنا، حتى تنكَّرت لي في نفسي الأرضُ فما هي بالأرض التي أعرفُ، فلبثنا

⦗ص: 144⦘

على ذلك خمسين ليلةً، فأمَّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشبَّ القومِ وأجلدَهُمْ، فكنتُ أخرجُ فأشهد الصلاة وأطوفُ في الأسواقِ، فلا يكلمُني أحدٌ، وآتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسلمُ عليه وهو في مجلسهِ بعد الصلاةِ فأقولُ في نفسي: هل حرَّك شفتيه بردِّ السلامِ أم لا؟

ثمَّ أصلي قريبًا منهُ وأسارقُهُ النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلىَّ فإذا التفتُ نحوهُ أعرض عني حتى إذا طالَ علىَّ ذلك من جفوةِ المسلمين، مشيتُ حتى تسورتُ جدار حائطِ أبي قتادةَ، وهو ابنُ عمي، وأحبُّ الناسِ إلىّ، فسلمتُ عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ السلامَ، فقلت له يا أبا قتادةَ: أنشدك بالله هل تُعلمني أني أحبُّ الله ورسولهُ؟

فسكتَ، فعدتُ فناشدتُهُ، فسكت، فعدتُ فناشدتُهُ، فقال: الله ورسولهُ أعلمُ، ففاضت عيناي، وتوليتُ حتى تسورتُ الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينةِ إذا نبطىٌّ من نبط أهلِ الشامِ ممن قدمَ بطعامٍ يبيعُهُ بالمدينة، يقولُ: من يدلُّ على كعبِ بنِ مالكٍ؟

فطفق الناسُ يشيرون له إلىَّ حتى جاءني، فدفع إلىَّ كتابا من ملكِ غسانَ، وكنتُ كاتبًا فقرأتُهُ، فإذا فيه أمَّا بعدُ: فإنه قد بلغنا أنَّ صاحبكَ قد جفاك، ولم يجعلك الله بدارِ هوانٍ ولا مضيعةٍ، فالحق بنا نواسك، فقلتُ حين قرأتُها: وهذه أيضًا من البلاء، فتيممتُ بها التنورَ فسجرُتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحيُ، وإذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال إنهُ صلى الله عليه وسلم يأمركَ أن تعتزل امرأتكَ، فقلتُ: أطلقهَا أم ماذا؟

قال: لا بل اعتزلها فلا تقربها، وأرسل إلى صاحبيَّ بمثلِ ذلك: فقلتُ لامرأتي: الحقي بأهلكِ وكوني عندُهم حتى يقضي الله في هذا الأمرِ، فجاءتِ امرأةُ هلالٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ هلالاً ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تكره أن أخدمهُ؟

قال: ((لا، ولكن لا يقربنَّك)) فقالت: إنهُ والله ما بهِ حركةٌ إلى شيءٍ، ووالله ما زال يبكي منذُ كان من أمرهِ ما كانَ، إلى يومِهِ هذا، فقال: لي بعضُ أهلي: لو استأذنتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في امرأتكَ، فقد أذن لامرأةِ هلالٍ أن تخدمهُ، فقلتُ: لا أستأذنُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني (ما)(1)

يقولُ إذا استأذنتُهُ، وأنا رجلٌ شابٌ، فلبثتُ بذلك عشرَ ليالٍ، فكمل لنا

⦗ص: 145⦘

خمسونَ ليلةً مِن حين نهى عن كلامنا، فلما صليتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خمسينَ ليلةً على ظهرِ بيتٍ من بيوتنا، فبينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكر الله منا، قد ضاقت علىَّ نفسي، وضاقت علىَّ الأرضُ بما رحُبت، سمعتُ صوت صارخٍ أوفى على سلعٍ، يقولُ بأعلى صوتِهِ: يا كعبَ بن مالكٍ أبشر، فخررتُ ساجدًا، وعلمتُ أنه قد جاء فرجٌ، وآذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ الله علينا، حين صلى صلاةَ الفجرِ، فذهب الناسُ يبشروننا، فذهب قبل صاحبيَّ مبشرونَ، وركضَ رجلٌ إلىَّ فرسًا، وسعى ساعِ من أسلم قبلي فأوفىَ على الجبلِ، فكان الصوتُ أسرع من الفرسِ، فلمَّا جاءني الذي سمعتُ صوتهُ يبشرني، نزعتُ له ثوبيَّ فكسوتهما إياهُ ببشارتِهِ، والله ما أملكُ غيرهُما يومئذٍ، واستعرتُ ثوبينِ فلبستُهما وانطلقتُ أتأمم النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناسُ فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة، ويقولون لتهنك توبةُ الله عليك، حتى دخلنا المسجد، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولهُ الناسُ، فقام طلحة بن عبيد الله يهرولُ حتى صافحني وهناني، والله ما قام رجلٌ من المهاجرين غيره، فكان كعبٌ لا ينساها لطلحةَ، وقال: فلمَّا سلمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرقُ وجههُ منَ السرور:((أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذُ ولدتك أمُّك))، فقلتُ: أمن عندك يا رسول الله أم من عندِ الله؟

فقال: ((بل من عندِ الله))، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجههُ حتى كأنَّ وجهَهُ قطعة قمرٍ، وكنَّا نعرفُ ذلك، فلمَّا جلستُ بين يديه قلتُ: يا رسول الله إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسولهِ، فقال:((أمسك بعض مالك فهو خيرٌ لك))، فقلتُ: فإني أمسكُ سهمي الذي بخيبر، وقلتُ: يا رسولَ الله إنما نجاني الله بالصدقِ وإنَّ من توبتي أن لا أحدِّثَ إلا صدقًا ما بقيتُ، فوالله ما علمتُ أحدًا من المسلمين أبلاهُ في صدقِ الحديث منذُ ذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله، والله ما تعمدتُ كذبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقى، فأنزل الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ

⦗ص: 146⦘

وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ - إلى- رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} - إلى - {مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 118: 119] والله ما أنعمَ الله علىَّ من نعمةٍ قطُّ بعد إذ هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبتُهُ فأهلكَ كما هلك الذين كذبوا، إنَّ الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال:{سَيَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} - إلى - {الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95: 69] كُنَّا خلفنا أيُّها الثلاثةُ عن أمر أولئك الذين قبل منهم صلى الله عليه وسلم حين حلفوا لهُ، فبايعهُم واستغفر لهم، وأرجأ صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى فيه الله بذلك، قال تعالى:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفهُ إيانا وإرجاؤه أمرنا عمَّن حلف له واعتذر إليه فقبل منهُ (2).

(1) في الأصل: لنا، والمثتب من البخاري ..

(2)

البخاري (4418).

ص: 141

7005 -

وفي روايةٍ: قال ما من شيءٍ أهمًُّ إلىَّ من أن أموت فلا يُصلي علىَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناسِ بتلك المنزلةِ لا يُكلمني أحدٌ منهم ولا يُسلِّمُ علىَّ ولا يصلي علىَّ، وأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقى الثلثُ الآخرُ من الليل، وهو عند أمِّ سلمة، وكانت مُحسنةٌ في شأني، مُعينةٌ بأمري، فقال صلى الله عليه وسلم يا أمَّ سلمة:((تيب على كعبٍ))، قالت: أفلا أرسلُ إليهِ فأبشرهُ؟

قالَ: ((إذًا يحطمكم الناسُ فيمنعونكم النوم سائر الليلِ)) (1).

(1) البخاري (4677).

ص: 146

7006 -

وفي أخرى: قال كعبٌ أو أبو لبابة أو من شاء الله: إنَّ من توبتي أن أهجر دار قومي الذي أصبتُ فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كلِّهِ صدقةً، قال:((يجزئ عنكَ الثلثُ)) (1). للستة إلا مالكًا.

(1) البخاري (2757)، ومسلم (2769)، وأبو داود (3319).

ص: 146

7007 -

ابنُ عباسٍ: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} {مَا كَانَ لِأَهْلِ

⦗ص: 147⦘

الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ الله} [التوبة: 39 - 120] نسختُهما: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122](1).

(1) أبو داود (2505)، وقال الألباني: حسن ((صحيح أبي داود)) (2187).

ص: 146

7008 -

وعنه: وسألهُ نجدةُ بنُ لقيعٍ عن {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} قال فأمسك عنهم المطر، فكان عذابهم (1). هما لأبي داود.

(1) أبو داود (2506)، وقال الألباني: ضعيف ((ضعيف أبي داود)) (539).

ص: 147

7009 -

عبدُ الله بن الزبير: أتى الحارثُ بن خزيمةَ بهاتين الآيتينِ من آخر سورة براءة {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إلى عمرَ، فقال من معكَ على هذه؟

قال لا أدري، والله إني أشهدُ لسمعتُهما من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ووعيتُهما وحفظتُهما، فقال عمرُ: وأنا أشهدُ لسمعتُهما من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالَ: لو كانت ثلاثَ آياتٍ لجعلتها سورةً على حدة، فانظروا سورةً من القرآن فضعوها فيها، فوضعناها في آخر براءة. لأحمد بتدليس ابن إسحاق (1).

(1) أحمد 1/ 199 من حديث الحارث بن خزمة. وقال الهيثمي 7/ 35: وفيه: ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.

ص: 147

7010 -

أبي: آخرُ آيةٍ نزلت: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128](1). لابن أحمد والكبير بلين.

(1) عبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) 5/ 117، والطبراني 1/ 199 (533). وقال الهيثمي 7/ 36 وفيه: على بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات.

ص: 147

7011 -

وعنه: أنهم جمعُوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكرٍ، وكان رجالٌ يكتبون ويُملي عليهم أبي، فلمَّا انتهوا إلى {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127] فظنَّوا أنَّ هذه آخرُ ما نزل من القرآن، فقال لهم أبي: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ - الْعَظِيمِ} [التوبة: 128: 129] قال: هذا آخرُ ما نزل من القرآن، فختم بما فتح به الله الذي لا إله إلا هو، وهو قولهُ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا

⦗ص: 148⦘

فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25](1). لابن أحمد

(1) أحمد 5/ 134، وقال الهيثمي 7/ 38 وفيه: محمد بن جابر الأنصاري، وهو ضعيف. كذا قال الهيثمي، ولم أجده من طريق محمد بن جابر هذا.

ص: 147