المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سورة التغابن والطلاق والتحريم - جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد - جـ ٣

[الروداني، محمد بن سليمان المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌غزوة أحد

- ‌من ذكر في مجمع الزوائد من شهداء أحد

- ‌غزوة الرجيع، وغزوة بئر معونة، وغزوة فزارة

- ‌غزوة الخندق وغزوة بنى قريظة

- ‌غزوة ذات الرّقاع وغزوة بنى المصطلق وغزوة أنمار

- ‌غزوة الحديبية

- ‌غزوة ذي قرد وغزوة خيبر وعمرة القضاء

- ‌غزوة مؤتة من أرض الشام، وبعث أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

- ‌غزوة الفتح

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة أوطاس، وغزوة الطائف

- ‌بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، وسرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصار

- ‌بعثُُ أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، وبعث علي وخالد إلى اليمن وهما قبل حجة الوداع

- ‌غزوة ذي الخلصة وغزوة ذات السلاسل وغزوة تبوك

- ‌سرية بني الملوح وسرية زغبة السحيمي وغيرها

- ‌قتال أهل الردة

- ‌كتاب التفسير

- ‌فضل القرآن وفضل سور وآيات مخصوصة

- ‌من تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة

- ‌سورة آلِ عمران

- ‌سورة النِّسَاء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف وسورة الأنفال

- ‌سورة براءة

- ‌سورة يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم

- ‌سورة الحجر والنحل والإسراء

- ‌سورة الكهف ومريم

- ‌سورة طه والأنبياء والحج والمؤمنون

- ‌سورة النّور

- ‌سورةُ الفرقان والشعراء والنمل والقصص والعنكبوت

- ‌سورة الرّوم ولقمان والسجدة والأحزاب

- ‌سورة سبأ وفاطر ويس والصّافات وص والزمر

- ‌سورة المؤمن وحم السجدة والشورى والزخرف والدّخان

- ‌سورة الأحقاف والفتح والحجرات وق والذّاريات

- ‌سورة الطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والحديد

- ‌سورة المجادلة والحشر والممتحنة والصف الجمعة والمنافقون

- ‌سورة التغابن والطلاق والتحريم

- ‌سورة نون ونوح والجن والمزمل والمدثر

- ‌من سورة القيامة إلى آخر القرآن

- ‌الحث على تلاوة القرآن وآداب التلاوة وتحزيب القرآن وغير ذلك

- ‌جواز اختلاف القراءات، وما جاء مفصلاُ، وترتيب القرآن، وتأليفه

- ‌كتاب تعبير الرؤيا

- ‌كتاب الطب وما يقرب منه

- ‌الرُّقى والتمائمُ والعينُ ونحو ذلك

- ‌النجوم والسحر والكهانة

- ‌كتاب القدر وفيه محاجة آدم لموسى وحكم الأطفال وذم القدرية وغير ذلك

- ‌كتاب الآداب والسلام والجواب والمصافحة وتقبيل اليد والقيام للداخل

- ‌الاستئذان

- ‌العطاس والتثاؤب والمجالسة وآداب المجلس وهيئة النوم والقعود

- ‌التعاضد بين المسلمين بالنصرة والحلف والإخاء والشفاعة وغير ذلك

- ‌التوادد وكتمان السر وصلاح ذات البين والاحترام وحسن الخلق والحياء وغيرها من الآداب

- ‌الثناء والشكر والمدح والرفق

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح والمشورة

- ‌النّية والإخلاص والوعد والصدق والكذب

- ‌السخاء والكرم والبخل وذم المال والدنيا

- ‌الغضب والغيبة والنميمة والغناء

- ‌اللهو واللعب واللعن والسب

- ‌الحسد والظن والهجران وتتبع العورة

- ‌الكبر والرياء والكبائرُ

- ‌النفاق والمزاح والمراء

- ‌الأسماء والكنى

- ‌الشّعر

- ‌كتابُ البرِِّ والصلة

- ‌برُّ الوالدين

- ‌برّ الأولاد والأقارب، وبرّ اليتيم، وإماطة الأذى، وغير ذلك

- ‌صلة الرحم، وحق الجار

- ‌الرحمة، والضيافة، والزّيارة

- ‌كتاب المناقب

- ‌ما ورد في ذكر بعض الأنبياء ومناقبهم

- ‌من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم غير ما تفرق في الكتاب

- ‌من صفاته، وشعره، وخاتم النبوة، ومشيه، وكلامه، وعرقه، وشجاعته، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وشرفه، وكرمه، ومجده، وعظمته

- ‌من علاماته صلى الله عليه وسلم غير ما تفرق في الكتاب

- ‌الإسراء

- ‌من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات

- ‌من كلام الحيوانات والجمادات له صلى الله عليه وسلم

- ‌من زيادة الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم

- ‌من إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم وكف الأعداء عنه

- ‌مما سأله عنه أهل الكتاب صدقوه في جوابه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معجزات متنوعة له وذكر عمره وأولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌من فضائل الصحابة المشتركة التي لا تخص واحدًا منهم رضي الله عنهم أجمعين

- ‌مناقب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

- ‌مناقب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه

- ‌مناقب عثمان بن عفّان رضي الله عنه

- ‌مناقب الإمام على رضي الله عنه

- ‌مناقب بقية العشرة

- ‌مناقبُ العباس وجعفرٍ والحسنُ والحسين رضي الله عنهم

- ‌مناقب زيد بن حارثة وابنه أسامة وعمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبى ذر الغفاري رضي الله عنهم

- ‌مناقب حذيفة بن اليمان، وسعد بن معاذ، وابن عباس، وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم

- ‌مناقب سلمان وأبي موسى، وعبد الله بن سلام، وابنه يوسف، وجرير، وجابر بن عبد الله، وأبيه، وأنس والبراء ابني مالك رضي الله عنهم

- ‌مناقب ثابت بن قيس وأبي هريرة وحاطب بن أبي بلتعة وجليبيب رضي الله عنهم

- ‌مناقب حارثة بن سراقة وقيس بن سعد بن عبادة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية رضي الله عنهم

- ‌مناقب سنين أبو جميلة وعباد وضماد وعدي بن حاتم وثمامة بن أثال وعمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنهم

- ‌مناقب حمزة بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وأبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم

- ‌مناقب خباب بن الأرت وسالم مولى أبي حذيفة وعامر بن فهيرة وعامر بن ربيعة وعبد الله بن جحش وصهيب رضي الله عنهم

- ‌مناقب عثمان بن مظعون ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وحارثة بن النعمان وبشر بن البراء وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي اليسر وعبد الله بن عبد الله بن أبيّ، وقتادة بن النعمان وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت وأبي أيوب رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي الدحداح وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبي الدرداء وزاهر بن حرام وعبد الله ذي البجادين رضي الله عنهم

- ‌مناقب عبد الله بن الأرقم وعثمان بن أبي العاص ووائل بن حجر والعلاء بن الحضرمي وأبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنهم

- ‌مناقب أبي أمامة وزيد بن صوحان وفروة بن هبيرة وعبد الله بن بسر والهرماس بن زياد والسائب بن يزيد رضي الله عنهم

- ‌مناقب حرملة بن زيد وحمزة بن عمرو وورقة بن نوفل والأحنف بن قيس رضي الله عنهم

- ‌مناقب خديجة بنت خويلد، وفاطمة وعائشة، وصفية، وسودة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم حرام، وأم سليم، وهند بنت عتبة رضي الله تعالى عنهن

- ‌مناقب زينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم،وأم سلمة وغيرهن من النساء، رضي الله عنهن

الفصل: ‌سورة التغابن والطلاق والتحريم

‌سورة التغابن والطلاق والتحريم

ص: 212

7279 -

ابنُ مسعود: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] قال: هي المصيباتُ تصيبُ الرجل، فيعلمُ أنَّها من عندِ الله، فيُسلِّمُ ويرضى (1). للبخاريِّ.

(1) البخاري معلقًا بعد حديث (4907)، كتاب التفسير- سورة التغابن.

ص: 212

7280 -

ابنُ عباس: سئل عن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14] قال: هؤلاء رجالٌ أسلمُوا من أهلِ مكة، وأرادُوا أن يأتُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهُم، وأولادُهُم، أن يدعُوهُم، فلمَّا أتوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأوا الناسَ قد فقهُوا في الدينِ، همُّوا أن يعاقبوهُم، فنزلَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} الآية (1). للترمذيِّ.

(1) الترمذي (3317)،وقال: حسن صحيح. وقال الألباني في صحيح الترمذي (2642): حسن.

ص: 212

7281 -

ابنُ عمر: قرأ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُن} [الطلاق: 1] لقبلِ عدتهنَّ. لمالكٍ، وقالَ: يعني بذلك أن يطلقَ في كلِّ طهرٍ مرةً (1).

(1) مالك 2/ 459.

ص: 212

7282 -

معاذ رفعهُ: ((يا أيُّها الناسُ اتخذُوا تقوى الله تجارةً، يأتكُمُ الرزقُ بلا بضاعةٍ ولا تجارةٍ))، ثمَّ قرأ {وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] (1). للكبيرِ بضعفٍ.

(1) الطبراني 20/ 97، وقال الهيثمي 7/ 125: وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف.

ص: 212

7283 -

عائشة: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمكثُ عند زينب بنتِ جحشٍ، فيشربُ عندها عسلاً، فتواصينا أنا وحفصةُ: أنَّا أيَّتنا ما دخل عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلتقل: إنِّي أجدُ منكَ ريحَ مغافير؟ أكلتَ مغافيرَ، فدخل على إحداهُما، فقالتْ ذلك لهُ، فقال:((بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحشٍ، ولنْ أعودَ لهُ))، فنزلَ {

⦗ص: 213⦘

لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَك -إلى -إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله} [التحريم: 1: 4] لعائشة وحفصةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} [التحريم: 3] لقوله: ((بل شربتُ عسلاً، ولن أعود لهُ، وقد حلفتُ ولا تخبري بذلك أحدًا)) (1). للشيخين وأبي داود والنسائي.

(1) البخاري (5267)، ومسلم (1474).

ص: 212

7284 -

ابنُ عباس: لم أزل حريصًا على أن أسألَ عمر عن المرأتين من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله {إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حتَّى حجَّ عمرُ، وحججتُ معهُ، فلمَّا كانَ ببعضِ الطريقِ، عدلَ عمرُ، وعدلتُ معه بالإداوةِ، فتبرزَ، ثمَّ أتاني فسكبتُ على يديهِ فتوضَّأ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، من المرأتانِ من أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللتانِ قال الله:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]؟ فقالَ عمرُ: واعجبًا لك يا ابن عباسٍ، قال الزهريِّ: كره والله ما سألهُ عنه ولم يكتمهُ، قال: هُما عائشةُ وحفصةُ، ثمَّ أخذ يسوقُ الحديثَ، قالَ: كنَّا معشر قريشٍ قومًا نغلبُ النساءَ فلمَّا قدمنَا المدينةَ وجدنا قومًا تغلبهُمُ نساؤُهم، فطفقِ نساؤنا يتعلمنَ من نسائهم، وكان منزلي في بني أمية بن زيدٍ بالعوالي، فتغضبتُ يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعُني فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنهُ، وتهجرُهُ إحداهُنَّ اليومَ إلى الليلِ فانطلقتُ، فدخلتُ على حفصةَ، فقلتُ: أتراجعنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلتُ: أتهجرهُ إحداكُنَّ اليوم إلى الليلِ؟ قالت: نعم، قلتُ: قد خاب من فعل ذلك منكُنَّ وخسرتْ، أفتأمنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ الله عليها لغضبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئًا واسأليني ما بدا لكِ، ولا يغرنَّكِ أن كانت جارتُك هي أوسم وأحبَّ إلى رسولِ الله منكِ، يريدُ - عائشةَ- فكانَ لي جارٌ من الأنصارِ، فكنَّا نتناوبُ النزولُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينزلُ يومًا وأنزلُ يومًا، ويأتيني بخبر الوحي وغيرهِ وآتيهِ بمثل ذلك، وكنَّا نتحدثُ أنَّ غسانَ

تنعلُ الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي ثمَّ أتاني عشاءً فضربَ بابي، ثُمَّ ناداني، فخرجتُ إليهِ، فقال: حدث أمرٌ

⦗ص: 214⦘

عظيمٌ فقلتُ: ماذا؟ جاءت غسانُ؟ قالَ: لا بل أعظمُ من ذلك وأهولُ، طلقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، فقلتُ قد خابت حفصةُ وخسرت، قد كنت أظنُّ هذا يوشكُ أن يكونَ، حتَّى إذا صليتُ الصبحَ، شددتُ على ثيابي، ثُمَّ نزلتُ، فدخلتُ على حفصةَ وهي تبكي، فقلتُ: أطلقكُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، هُو ذا معتزلٍ في هذهِ المشربةِ، فأتيتُ غلامًا له أسودَ، فقلتُ: استأذن لعمرَ، فدخلَ، ثمَّ خرجَ إليَّ، فقال: قد ذكرتُك له فصمتَ، فانطلقتُ حتَّى أتيتُ المنبرَ، فإذا عندهُ رهطٌ جلوسٌ، يبكي بعضهم، فجلستُ قليلاً، ثمَّ غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذن لعمرَ، فدخلَ، ثمَّ خرجَ إليَّ، فقال: قد ذكرتُك لهُ فصمتَ، فخرجتُ، فجلستُ إلى المنبر، ثُمَّ غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذن لعمرَ، فدخل، ثُمَّ خرج، فقال: قد ذكرتُك له، فصمتَ، فوليتُ مدبرًا، فإذا الغلامُ يدعُوني، فقال: ادخل، قد أذن لك، فدخلتُ: فسلمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمالِ حصيرٍ قد أثَّر في جنبهِ، فقلتُ: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسهُ إلىَّ، فقالَ:((لا))، فقلتُ: الله أكبرُ، لو رأيتنا يا رسولَ الله وكنَّا معشرَ قريشٍ نغلبُ النساءَ، فلمَّا قدمنا المدينةَ وجدنا قومًا تغلبُهُم نساؤهُمْ، فطفقَ نساؤُنا يتعلمنَ من نسائهم، فتغضبتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تراجعني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله إنَّ أزواج رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنهُ، وتهجرُهُ إحداهُنَّ اليومَ إلى الليلِ، فقلتُ: قد خابَ من فعل ذلك منهنَّ وخسرَ، أفتأمنُ إحداهُنَّ أن يغضبَ الله عليها لغضبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هلكت، فتبسَّم - صلى

الله عليه وسلم -، فقلتُ: يا رسول الله، فدخلتُ على حفصة، فقلتُ: لا يغرنكِ إن كانت جارتُك هي أوسم وأحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منكِ، فتبسمَ أخرى، فقلتُ: أستأنسُ يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، فجلستُ فرفعتُ رأسي في البيتِ، فوالله ما رأيتُ فيه شيئًا يردُّ البصرَ إلا أهبةً ثلاثة، فقلتُ: يا رسولَ الله ادعُ الله أن يوسعَ على أمتكَ، فقد وسعَ على فارسَ والروم، وهُم لا يعبدُون الله، فاستوى جالسًا، ثم قال: ((أفي شكٍ أنت يا ابن الخطابِ؟ أولئك قومٌ عجلت لهم

⦗ص: 215⦘

طيباتُهُم في الحياةِ الدنيا))، فقلتُ: استغفر لي يا رسولَ الله، وكان أقسمَ أن لا يدخل عليهنَّ شهرًا من أجلِ ذلك الحديث، حين أفشتهُ حفصةُ: إلى عائشةَ من شدةِ موجدتِهِ عليهنَّ حتَّى عاتبهُ الله (1).

(1) البخاري (5191).

ص: 213

7285 -

قال: قالَ الزهريُّ: فأخبرني عروةُ عن عائشةَ لما مضت تسعٌ وعشرونَ، دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ بي، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنَّكَ أقسمتَ أنْ لا تدخلُ علينا شهرًا، وأنك دخلتَ مع تسعٍ وعشرين، أعدُّهن، قال:((إنَّ الشهرَ تسعٌ وعشرون)).

زاد في روايةٍ: ((وكان ذلك الشهرُ تسعًا وعشرين ليلةً))، ثمَّ قالَ:((يا عائشة، إنِّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليكِ أن لا تعجلي حتَّى تستأمري أبويك))، ثُمَّ قرأ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا- حتى بلغَ- عَظِيماً [الأحزاب: 28: 29] قالتْ: قدْ عَلِمَ والله أنَّ أبويَّ لم يكُونا ليأمراني بفراقِهِ، فقلتُ: أفي هذا أستأمرُ أبويَّ؟ فإنِّي أريدُ الله ورسولَهُ والدارَ الآخرةَ (1).

(1) مسلم (1475).

ص: 215

7286 -

وفي روايةٍ: أنَّ عائشةَ قالت له: لا تخبر نساءك أنِّي اخترتُكَ، فقال لها صلى الله عليه وسلم:((إنَّ الله أرسلني مبلغًا ولم يرسلني متعنتًا)) (1).

(1) البخاري (4785)، ومسلم (1478).

ص: 215

7287 -

ومن رواياتِهِ: وذلك قبل أن يؤمرن بالحجابِ. وفيه: دخولُ عمرَ على عائشةَ وحفصةَ ولومهُ لهما، وقولُهُ لحفصة: والله لقد علمت أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يحبُّك، ولولا أنا لطلقك.

وفيهِ: قولُ عمر: يا رباحُ استأذن لي، فإنِّي أظنُّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ظنَّ أنِّي جئتُ من أجلِ حفصةَ، والله، لئن أمرني

⦗ص: 216⦘

أن أضربَ عنقها لأضربنَّ عنقها، قال: ورفعتُ صوتي، وأنَّهُ أذن له عند ذلك، وأنَّهُ استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أن يخبر الناس أنَّهُ لم يطلق نساءهُ، فأذنَ لهُ وأنَّهُ قال على بابِ المسجد فنادى بأعلى صوتهِ: لم يطلق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، وأنَّهُ قال لهُ وهو يرى الغضبَ في وجههِ: يا رسول الله، ما يشق عليك من أمر النساءِ، فإن كنت طلقتهنَّ، فإنَّ الله معك وملائكتُهُ وجبريلٌ وميكائيلُ وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنونَ معك، قالَ: وقلَّما تكلمتُ وأحمدُ الله بكلامِ إلا رجوتُ أنَّ الله يصدقُ قولي فنزلت هذهِ الآيةُ، وآيةُ التخييرِ، {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} [التحريم: 5].

وفيهِ: أنَّهُ قال: فلم أزل أحدثُهُ حتَّى تحسرَ الغضبُ عن وجههِ، وحتَّى كشر فضحكَ، وكانَ من أحسنِ الناسِ ثغرًا، قال: ونزلتُ أتشبثُ بالجذْعِ، وهُو جذعٌ يرقأ عليه صلى الله عليه وسلم وينحدرُ، ونزلَ صلى الله عليه وسلم كأنَّما يمشي على الأرض ما يمسُّهُ بيدهِ، فقلتُ: يا رسولَ الله إنَّما كنتُ في الغرفةِ تسعًا وعشرين، فقال:((إنَّ الشهر يكونُ تسعًا وعشرين))، قال: ونزلت هذه الآيةٌ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى

⦗ص: 217⦘

أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] قالَ: فكنتُ أنا الذي استنبطتُ ذلك الأمرَ، فنزلت آيةُ التخييرِ (1).

(1) مسلم (1479).

ص: 215

7288 -

ومنها: مكثتُ سنةً أريدُ أن أسألَ عمر عن آيةٍ: فما أستطيعُ أن أسألهُ، هيبةً لهُ، حتَّى خرج حاجًّا فخرجتُ معهُ، فلمَّا رجعنا وكنَّا ببعضِ الطريقِ، عدلَ إلى الأراكِ لحاجةٍ لهُ، فوقفتُ لهُ، حتَّى فرغَ، ثُمَّ سرتُ معهُ، فقلتُ: يا أمير المؤمنينَ: من اللتانِ تظاهرتا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أزواجِهِ؟

فقال: تلك حفصةُ وعائشةُ، فقلتُ: والله، إن كنتُ لأريدُ أن أسألك عن هذا منذُ سنةٍ فما أستطيعُ هيبةً لك، قال: فلا تفعل، ما ظننتُ أنَّ عندي من علمٍ، فاسألني، فإن كان لي علمٌ خبرتُك بهِ، ثمَّ قال عمرُ: والله، إن كُنَّا في الجاهليةِ ما نعدُّ للنساءِ أمرًا حتَّى أنزلَ الله فيهن ما أنزلَ، وقسمَ لهنَّ ما قسمَ، فبينا أنا في أمرٍ أتأمرهُ، إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، فقلتُ لها: مالكِ ولما ههنا، فيم تكلفُك في أمرٍ أريدُهُ؟

فقالت لي: عجبًا لك يا ابن الخطاب! ما تريدُ أن تراجع أنت، وإنَّ ابنتك لتراجعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى يظلُّ يومًا غضبانَ، فقامَ عمرُ حتَّى دخل على حفصةَ بنحوهِ.

وفيهِ: أنَّهُ خرجَ من عندِ حفصةَ، ثمَّ دخل على أمِّ سلمةَ لقرابتِهِ منها فكلمها، فقالت: عجبًا لك يا ابن الخطابِ، دخلتَ في كلِّ شيءٍ حتَّى تبتغي أن تدخُل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجِهِ، قال: فأخذتني والله أخذًا، كسرتني عن بعض ما كنت أجدُ، فخرجتُ من عندها، وكان لي صاحبٌ من الأنصار إذا غبتُ أتاني بالخبر بنحوهِ.

وفيهِ: أنَّه لمَّا دخلَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغرفةِ قصَّ عليه هذا الحديثَ، قال فلمَّا بلغتُ حديث أمِّ سلمة تبسمَ صلى الله عليه وسلم.

وفيهِ: فبكيتُ، فقال:((ما يبكيكَ؟)) فقلتُ: يا رسول الله!

إنَّ كسرى وقيصر فيما هُما فيهِ، وأنت رسولُ الله، فقال:((أما ترضى أن تكون لهُما الدُّنيا ولنا الآخرةُ)) (1). للشيخين والترمذيِّ والنسائيِّ.

(1) البخاري (4913)، ومسلم (1479).

ص: 217