المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ اعلم أن لهذه الأمة المحمدية طاعات يباهي الله تعالى بهم - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٢

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌140 - البكاء من خشية الله تعالى:

- ‌141 - ومنها: الخضوع، والخشوع:

- ‌142 - ومنها: التلطُّف بأهل الشَّام، وإرادة الخير لهم، ودفع السوء عنهم:

- ‌143 - ومنها: حضور مجالس العلم:

- ‌144 - ومنها: ختم المجالس بالتسبيح والتحميد:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدةٌ:

- ‌ فائِدةٌ أُخْرَىْ:

- ‌ مَسْألةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌خَاتِمَة فِي لطَائَف تَتَعَلَّق بِهَذَا البَاب

- ‌(2) باب التَّشَبُّه بِالأَخْيَار مِنْ بَنِي آدَم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌(3) بَابُ التَّشَبُّه بِالصَّالِحِينَ رَضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم أجْمَعِيْنَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌1 - فمنها: الإخلاص

- ‌2 - ومنها: التوبة:

- ‌3 - ومنها: الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى قضائه:

- ‌4 - ومنها: الرضا بقضاء الله تعالى:

- ‌5 - ومنها: الصدق:

- ‌6 - ومنها: المراقبة:

- ‌7 - ومنها: الشكر:

- ‌8 - ومنها: السجود شكراً عند هجوم نعمة، واندفاع نقمة، ورؤية مبتلى:

- ‌9 - ومنها: التقوى:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌10 - ومنها: الإحسان:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌11 - ومنها: اليقين:

- ‌12 - ومنها: التوكل:

- ‌13 - ومنها: التفكر في مصنوعات الله تعالى، وفي نعمه، دون التفكر في ذاته:

- ‌14 - ومنها: الاستقامة:

- ‌15 - ومنها: المبادرة إلى الخيرات:

- ‌16 - ومنها: المجاهدة للكفار، وللنفس، والشيطان:

- ‌17 - ومنها: المصابرة في الحرب، وعدم الفرار:

- ‌18 - ومنها: الازدياد من الخير - وخصوصًا في آخر العمر - وكل نَفَسٍ من أنفاس العبد يمكن أن يكون آخر عمره:

- ‌19 - ومنها: الاقتصاد في العبادة:

- ‌20 - ومنها: المحافظة على الأعمال، والمداومة عليها:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌21 - ومنها: الأخذ بالرخص في محالِّها؛ كقصر الصلاة في السفر وجمعها، والفطر بعد مجاوزة ثلاثة مراحل، والتيمم عند فقد الماء، والمسح على الخفين

- ‌22 - ومنها: المحافظة على السنة، وآدابها:

- ‌23 - ومنها: الانفياد لحكم الله تعالى:

- ‌24 - ومنها: إحياء السنة، والدلالة على الخير، والتعاون على البر والتقوى:

- ‌25 - ومنها: حفظ اللسان والصمت إلا عن خير:

- ‌26 - ومنها: النصيحة:

- ‌27 - ومنها: العدل في الحكم، وفي سائر ما يطلب فيه العدل:

- ‌28 - ومنها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:

- ‌29 - ومنها: موافقة القول العمل:

- ‌30 - ومنها: أداء الأمانة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌31 - ومنها: تعظيم حرمات المسلمين، والشفقة عليهم، ورحمة من أمر برحمته من خلق الله تعالى:

- ‌32 - ومنها: ستر عورات المسلمين:

- ‌33 - ومنها: قضاء حوائج المسلمين:

- ‌34 - ومنها: الشفاعة إلا في حدود الله تعالى، أو في إضاعة حق:

- ‌35 - ومنها: الإصلاح بين النَّاس:

- ‌36 - ومنها: إيثار صحبة الفقراء، والتواضع لهم:

- ‌37 - ومنها: ملاطفة اليتيم، والبنات، وسائر الضعفة، والمساكين، والمنكسرين، والإحسان إليهم:

- ‌38 - ومنها: التلطف بالمرأة، وتحسين الخلق معها، واحتمال الأذى منها:

- ‌39 - ومنها: الرفق بالخادم، والتلطف به، والإحسان إليه:

- ‌40 - ومنها: النفقة على العيال:

- ‌41 - ومنها: الصدقة، وخصوصاً مما يحب:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ آخَرُ:

- ‌42 - ومنها: تعليم الأهل، والأولاد الأدب، وأمرهم بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن معصية الله، وتعليمهم ما يحتاجون إليه من ذلك:

- ‌43 - ومنها: رعاية حق الجار:

- ‌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌44 - ومنها: بر الوالدين، وصلة الأرحام:

- ‌45 - ومنها: برُّ أصدقاء الأب، والأم، والأقارب، وسائر من يندب بره، وإكرامه:

- ‌46 - ومنها: إكرام آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - ومنها: محبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم

- ‌48 - ومنها: توقير العلماء

- ‌49 - ومنها: زيارة أهل الخير، ومجالستهم، وصحبتهم، ومحبتهم، وطلب زيارتهم، وطلب الدعاء منهم، وزيارة المواضع الفاضلة

- ‌50 - ومنها: الحب في الله، والحث عليه:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌51 - ومن خصال الصَّالحين: أنهم إذا تواخوا في الله تعالى تعارفوا بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، وبلدانهم لأداء الحقوق، لا لاتباع العورات، ونحو ذلك؛ فين الأول من أخلاق الصَّالحين، والثاني من أخلاق المنافقين

- ‌52 - ومنها: إخبار العبد من يحب بأنه يحبّه:

- ‌53 - ومنها: البغض في الله، والعداوة في الله؛ أي: لأجله:

- ‌54 - ومنها: إجراء أحكام الناس على الظاهر، وكِلَةُ سرائرهم إلى الله تعالى:

- ‌55 - ومنها: الخوف، والرجاء، واعتدالهما، أو ترجيح الخوف إلا عند الموت، فيرجح الرَّجاء

- ‌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌56 - ومنها: البكاء من خشية الله تعالى، أو شوقاً إلى لقائه، وخصوصاً عند تلاوة القرآن:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌57 - ومنها: الحزن على ما فات من معصية، أو تقصير، أو فَزَعاً من عذاب الله، وفَرَقاً من أهوال يوم القيامة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌58 - ومنها: حسن الظن بالله تعالى لا سيما عند الموت

- ‌59 - ومنها: الورع، وترك الشبهات:

- ‌60 - ومنها: الزهد في الدنيا، وإيثار التقلل منها

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌61 - ومنها: إيثار الجوع، وخشونة العيش، والاقتصار على اليسير من المأكول، والمشروب، والملبوس، وغيرها من حظوظ النفس:

- ‌62 - ومنها: القناعة، والاقتصاد في المعيشة، والنفقة، والتعفف عن السؤال من غير ضرورة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌63 - ومنها: قبول ما يفتح الله به من غير سؤال، ولا تطلُّع نفس:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌64 - ومنها: الأكل من عمل اليد، والكسب الطيب:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌65 - ومنها: الكرم، والجود، والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى:

- ‌وَهُنا لَطائِفُ:

- ‌ إحداها:

- ‌ الثانية:

- ‌ الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌66 - ومن خصال الصالحين، وأخلاقهم: الإيثار، والمواساة {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265]:

- ‌67 - ومنها: التواضع، وخفض الجناح:

- ‌68 - ومنها: التنافس في أمور الآخرة، والاستكثار مما يتبرك به:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌69 - ومنها: أخذ المال من وجهه، وصرفه في وجوهه المأمور بها شرعاً:

- ‌70 - ومنها: الإكثار من ذكر الله تعالى، والرغبة في مجالس الذكر، والتنزه عن مجالس اللهو والظلم وذكر الدُّنيا:

- ‌71 - ومنها: الإكثار من ذكر الموت، وقصر الأمل:

- ‌72 - ومنها: زيارة القبور للرجال، والسَّلام على سكانها:

- ‌73 - ومنها: قيام الليل، والتهجد، وهو الصلاة بعد رقدة كما في الحديث:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌74 - ومنها: استحباب العزلة عند فساد الزمان، أو الخوف من الفتنة في الدين، والوقوع في حرام، أو شبهة:

- ‌75 - ومنها: التفرغ للعبادة، علماً، وعملاً، ونية:

- ‌76 - ومنها: الاختلاط. بالناس لحضور جمعهم وجماعاتهم، وحضور مشاهد الخير، ومجالس الذِّكر معهم، وعيادة مرضاهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌1 - فمنها: الحياء

- ‌2 - ومنها: إنجاز الوعد، وحفظ العهد، ويدخل فيه صيانة الأسرار:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌3 - ومنها: المحافظة على ما اعتاده من الأوراد:

- ‌4 - ومنها: الْحِلْم، وكظم الغيظ، واحتمال الأذى، والعفو عن الناس، والصفح الجميل عنهم، والإحسان إليهم، والإعراض عن الجاهلين:

- ‌5 - ومنها -وهو أعم مما قبله -: حسن الخلق:

- ‌6 - ومنها: الرفق:

- ‌7 - ومنها: الأناة، والتُّؤَدَةُ:

- ‌8 - ومنها: قِرَى الضيف، وإكرامه، والبشاشة في وجهه، وطيب الكلام، وطلاقة الوجه عند اللقاء:

- ‌9 - ومنها: الوعظ، والاقتصاد فيه، والاستنصات فيه، وتفهمه للسَّامع:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌10 - ومنها: الخشوع، والخضوع بين يدي الله تعالى، والسكينة، والوقار، خصوصًا في إتيان الصَّلاة، وطلب العلم:

- ‌11 - ومنها: إهداء الهدية، وقبولها، ما لم تكن رشوة، والمكافاة عليها، وإتحاف الصديق والقريب بالشيء، وإعطاء ولده الشيء إذا دخل عليك:

- ‌12 - ومنها: إدخال السرور على قلوب المؤمنين، والتودد إليهم، والتردد إلى إخوانه منهم من غير إذلال لنفسه في طلب دنيا:

- ‌13 - ومنها: التهنئة، والتبشير بالخير لإخوانه المؤمنين:

- ‌14 - ومنها: تنفيس كروب المسلمين، وقضاء حوائجهم، وستر عوراتهم، وتعزيتهم في مصائبهم:

- ‌15 - ومنها: تنحية الأذى عن طريق المسلمين:

- ‌16 - ومنها: كف الأنسان أذاه عن الناس:

- ‌17 - ومنها: اصطناع المعروف على أنواع؛ كالقرض، وقيادة الأعمى، وإسماع الأصم، ومساعدة المسلم على حمل حاجته، وقضائها، وتحميل دابته، وإمساك الركاب له، ونحو ذلك، وقد تقدم منه كثير:

- ‌18 - ومنها: وداع الصاحب عند فراقه لسفر، أو غيره، والدعاء له، وطلب الدعاء منه:

- ‌19 - ومنها: الاستخارة، والمشاورة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌20 - ومنها: الذهاب إلى العيد والحج والجنازة ونحوها من طريق، والرجوع من طريق آخر؛ لتكثر مواضع العبادة، وتشهد بها ملائكة الطريقين، وتتبرك بالطائع بقاعهما، أو لغير ذلك

- ‌21 - ومنها: تقدم اليمين فيما هو من باب التكريم، واليسار في ضد ذلك:

- ‌22 - ومنها: المحافظة على آداب الوضوء، والطهارة

- ‌23 - ومنها: المحافظة على آداب الطعام والشراب، كالتسمية

- ‌24 - ومن الآداب: إفشاء السلام، والبداءة به، وتسليم الراكب على الماشي

- ‌فَصَلٌ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ الفائدة الأولى: ولاية الله تعالى:

- ‌ الفائدة الثانية: ولاية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفائدة الثالثة: فوز العبد بهذه المرتبة العظيمة التي محلها في القرآن العظيم بين جبريل وبقية الملائكة عليهم السلام

- ‌ الفائدة الرابعة: الدخول في رحمة الله تعالى:

- ‌ الفائدة الخامسة: حفظ العبد في نفسه، وأولاده، وأهله، وعشيرته، وجيرانه:

- ‌ تَنْبِيْهانِ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِيْ:

- ‌ الفائدة السادسة: إن العبد الصالح إذا استرعي على رعية أعانه الله تعالى على رعايتها، ووفقها لطاعته

- ‌ الفائدة السابعة: إدخال السرور على قلوب الأبوين والأقارب في قبورهم بصلاح الولد والقريب

- ‌ الفائدة الثامنة: أن الصالحين لا تقوم عليهم الساعة، ولا يقاسون أهوال قيامها، ويثبتهم الله في القبور، وينجيهم على الصراط

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ آخَرُ:

- ‌ الفائدة التاسعة: النعيم في القبر، والسلامة من فتنته، وذب الأعمال الصالحة عن العبد الصالح فيه:

- ‌ الفائدة العاشرة: تنعم الصالح في الدنيا بمعرفة الله تعالى

- ‌ الفائدة الحادية عشرة: أن الصلاح يكسب العبد الشرف في الدنيا والآخرة:

- ‌ الفائدة الثانية عشرة: مقارنة الصالحين في الجنة، ومرافقتهم

- ‌ الفائدة الثالثة عشرة: أن الله تعالى يلحق بالعبد الصالح في رتبته من هو دونه في الرتبة من ولد

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ الفائدة الرابعة عشرة: أن الصالحين تفتخر بهم البقاع، وإذا ماتوا بكت عليهم مجالسهم من الأرض

- ‌ الفائدة الخامسة عشرة: الحياة الطيبة:

- ‌ الفائدة السادسة عشرة: ما تضمنه قوله تعالى:

- ‌ الفائدة السابعة عشرة: أن الله تعالى يلقي محبة الصالحين في قلوب الخلق إلا من شذ منهم:

- ‌ الفائدة الثامنة عشرة: هداية الصالحين في الدنيا إلى عمل الخير

- ‌ الفائدة التاسعة عشرة: أن الصالحين يرفعون إلى جنة الفردوس، والدرجات العلي، وشجرة طوبى

- ‌ الفائدة التي بها تمام عشرون فائدة: الفلاح

- ‌ تَنْبِيْهٌ لَطِيْفٌ:

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ ومن فوائد ذكر الصَّالحين:

- ‌ ومن لطائف الآثار:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ ومن لطائفها:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ:

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ اعلم أن لهذه الأمة المحمدية طاعات يباهي الله تعالى بهم

‌فَصْلٌ

اعلم أن لهذه الأمة المحمدية طاعات يباهي الله تعالى بهم الملائكة بسببها؛ إمَّا لأنها ليست من أعمال الملائكة، وإمَّا لأنها تؤدى في البشر أكمل مما تؤدى في الملائكة، وإمَّا لغير ذلك، فأردت أن أذكر هنا نبذة في خاتمه هذا الباب.

روى مسلم، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن معاوية رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أَجْلَسَكُمْ؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا، قال:"آللهِ ما أَجْلَسَكُمْ إِلَاّ ذَلِكَ؟ " قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال:"أَما إِنَّي لا أَسْتَحْلِفُكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتانِيْ جِبْرِيْلُ عليه السلام فَأَخْبَرنيْ أَنَّ اللهَ يُباهِيْ بِكُمُ الْمَلائِكَةَ"(1).

المباهاة: من البهاء، وهو الحسن والجمال؛ أي: يفاخر الملائكة بحالتكم البهية، ويقول لهم: انظروا إلى عبادي كيف حاشهم

(1) رواه مسلم (2751) واللفظ له، والترمذي (3379) وحسنه، والنسائي (5426) عن أبي سعيد، عن معاوية رضي الله عنهما.

ص: 49

ذكري، وجمع بينهم شكري.

وروى الإمام أحمد بسند حسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمنْ بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أما ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ رَواحَةَ؛ إِنَّهُ يُحِبُّ الْمَجالِسَ الَّتِيْ تباهَىْ بِها الْمَلائِكَةُ"(1).

قلت: معنى تباهي الملائكة بمجالس الذكر: أن الملائكة الذين شهدوا مجلس الذكر يباهون الذين لم يشهدوها، أو يباهي أهل المجلس الذي أهله أقرب إلى الإخلاص والصدق أهل المجلس الذي لم يكن كذلك.

وليس معناه المباهاة في الهيئة والصفة الظاهرة، أو في الألحان، أو فيما يشتمل عليه المجلس من التغيير بالشعر ونحوه؛ فإن ذلك مذموم، وهو حال من ينسب الآن إلى الصوفية، ولم يشموا للطريق رائحة، ولا من وراءِ وراء.

وقد وردت المفاخرة بالذكر والذاكرين بين البقاع، وهي أبلغ منها بين الملائكة.

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 265). وحسن المنذري إسناده في "الترغيب والترهيب"(2/ 260).

ص: 50

روى أبو حفص بن شاهين في "التَّرغيب في الذكر" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ بُقْعَةٍ يُذْكَرُ اللهُ فِيْها إِلَاّ اسْتَبْشَرَتْ بِذِكْرِ اللهِ إِلَىْ مُنتهاها مِنْ سَبع أَرَضِيْنَ، وَفَخَرَتْ عَلَىْ ما حَوْلَها مِنَ الْبِقاعِ، وَما مَرَّ مُؤْمِنٌ بِقَوْمٍ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ إِلَاّ تَزَخْرَفَتْ بِهِ الأَرْضُ"(1).

وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ بُقْعَةٍ يُذْكَرُ اللهُ فِيْها إِلَاّ فَخَرَتْ عَلَىْ ما حَوْلَها مِنَ الْبِقاعِ، وَاسْتَبْشَرَتْ لِذِكْرِ اللهِ مُنتهاها إِلَىْ سَبع أَرَضِيْنَ"(2).

وروى الإمام أحمد في "الزهد" بإسناد صحيح، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه: يا فلان! هل مرَّ بك اليوم لله ذاكر؟ استبشاراً لذكر الله عز وجل (3).

وقال الشيخ محي الدين بن العربي في "الفتوحات" - بعد أن ذكر السياحة والسائحين -: وذلك أن العارفين بالله لما علموا أن الأرض تزهو، وتفخر بذكر الله عليها، وهم أهل إيثار، وسعي في حق الغير،

(1) ورواه أيضا ابن المبارك في "الزهد"(1/ 115)، وأبو يعلى في "مسنده" (4110). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 79): رواه أبو يعلى وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11470). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 79): وفيه أحمد بن بكر البالسي وهو ضعيف جداً.

(3)

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8643).

ص: 51

رأوا أن المعمور من الأرض لا يخلو من ذاكر لله تعالى من البشر، فلزم بعض العارفين السياحة صدقة منهم على البَيداء، وسواحل البحار، وبطون الأودية، وقُلَلِ الجبال والشِّعاب التي لا يطرقها إلا أمثالهم (1). انتهى.

ثم إن مباهاة الله تعالى ملائكته بالذاكرين تارة تكون بأنفسهم، وتارة بمجلسهم، وتارة بهما، وحديث معاوية يدل على المعاني الثلاثة، وحديث ابن رواحة يدل على المعنى الثاني فقط.

وروى ابن أبي شيبة، عن عبد الرَّحمن بن سابط قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حلقة وهم يذكرون الله، فقال:"إِنَّ اللهَ لَيُباهِيْ بِمَجْلِسِكُمْ أَهْلَ السَّماء"(2).

ومجالس الذكر شاملة لمجالس العلم، بل هي أفضلها.

وقد روى الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" عن الوليد بن مسلم قال: شيَّعَنا الأوزاعيُّ رحمه الله تعالى وقتَ انصرافِنا من عنده، فأبعد في تشييعنا حتى مشى معنا فرسخين أو ثلاثة، فقلنا له: أيها الشيخ! يصعب عليك المشي على كبر السن، قال: امشوا واسكتوا، لو علمت أن لله تعالى طبقة أو قوماً يباهي الله بهم، أو أفضل منكم لمشيت معهم وشيعتهم، ولكنكم أفضل الناس (3).

(1) انظر: "الفتوحات المكية" لابن العربي (2/ 35).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35069).

(3)

رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 48).

ص: 52

وروى ابن النجار في "تاريخه"، والديلمي في "مسند الفردوس" عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةُ أَصْواتٍ يُباهِيْ اللهُ بِهِنَّ الْمَلائِكَةَ: الأَذانُ، وَالتَّكْبِيْرُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ".

قلت: الثلاثة كلها من ذكر الله تعالى، ولكن كان لها خصوصية في المباهاة لم تكن لسائر الأذكار.

وروى الخطيب في "تالي التلخيص" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفاً فِيْ سَبِيْلِ اللهِ قَلَّدَهُ اللهُ وِشاحاً فِيْ الْجَنَّةِ لا تَقُوْمُ لَهُ الدُّنْيا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَها اللهُ إِلَىْ يَوْمِ يُفْنِيْها، وإِنَّ اللهَ لَيُباهِيْ بِسَيْفِ الْغازِيْ، وَرُمْحِهِ، وَسِلاحِهِ، وإِذا باهَىْ اللهُ بِعَبْدٍ لَمْ يُعَذِّبْهُ اللهُ"(1).

وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً قد حَفَزَه النَّفَسُ قد حَسَرَ عن ركبته، قال: "أَبْشِرُوْا؛ هَذا رَبّكُمْ قَدْ فَتَحَ باباً مِنْ أَبْوابِ السَّماءِ يُباهِيْ بِكُمُ الْمَلائِكَةَ، يَقُوْلُ: انْظُرُوْا إِلَىْ عِبادِيْ قَدْ قَضَوْا

(1) رواه الخطيب البغدادي في "تالي التلخيص"(1/ 266)، ورواه أيضاً أبو يعلى في "معجمه" (ص: 270)، ورواه ابن حبان في "المجروحين" (2/ 139) وقال: فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري يأتي بالمقلوبات عن الثقات فيكثر، والملزقات بالأثبات فيفحش.

ص: 53

فَرِيْضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُوْنَ أُخْرَىْ" (1).

وروى البزار، والطبراني في "الكبير" عن معاوية رضي الله تعالى عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى ومعه جماعة من أصحابه الأولى، ثم جلسوا فخرج عليهم، فقال:"ما بَرَحْتُمْ بَعْدُ؟ " قالوا: لا، قال:"لَوْ رَأَيْتُمْ رَبَّكُمْ فَتَحَ باباً فِيْ السَّماءِ، فَأَرَىْ مَجْلِسَكُمْ مَلائِكَتَهُ يُباهِيْ بِكُمْ وَأَنتُمْ تَرْقُبُوْنَ الصَّلاةَ"(2).

وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري رضي الله تعالى عنه في "جزء" جمع فيه كلام أستاذه أبي علي الدَّقَّاق رضي الله عنه: وسمعته يقول: الملائكة لهم عبادة، وليس لهم انتظار العبادة، الانتظار لنا، قال صلى الله عليه وسلم:"الْمُنتظِرُ لِلصَّلاةِ فِيْ الصَّلاةِ"(3)، والانتظار من صفات المحبين، وأنشد:[من الطويل]

أُرَاعِيْ نُجُوْمَ اللَّيْلِ حَتَّىْ كَأَنَّنِيْ

عَلَىْ كُلِّ نَجْمٍ فِيْ السَّمَاء رَقِيْبُ (4)

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 208)، وابن ماجه (801). وصحح العراقي إسناده في "طرح التثريب"(2/ 326).

(2)

كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 38) إلى البزار، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 396).

(3)

رواه البخاري (174)، ومسلم (649) عن أبي هريرة، ولفظه عند البخاري:"لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة".

(4)

انظر: "ديوان المعاني" للعسكري (2/ 193).

ص: 54

قلت: والظاهر أن انتظار الفرج كانتظار العبادة في تخصيصه بأخيار البشر؛ لأنه يحتاج إلى صبر، وهو خاص بهم، كما سيأتي.

وقد روى القضاعي عن ابن عمر، وابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انْتِظارُ الْفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبادةٌ"(1).

وأخرجه ابن أبي الدنيا من رواية علي رضي الله تعالى عنه، ولفظه:"انْتِظارُ الْفَرَجِ عِبادةٌ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْقَلِيْلِ مِنَ الرِّزْقِ رَضِيَ اللهُ مِنْهُ بِالْقَلِيْلِ مِنَ الْعَمَلِ"(2).

وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَلُوْا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبادَةِ انْتِظارُ الْفَرَج"(3).

(1) رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(46) عن ابن عمر، وعن ابن عباس (47) (1/ 63). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/ 1015): رواه القضاعي في "مسند الشهاب" من حديث ابن عمر وابن عباس، وابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشد" من حديث علي، دون قوله "بالصبر"، وكذلك رواه أبو سعيد الماليني في "مسند الصوفية" من حديثْ ابن عمر، وكلها ضعيفة، وللترمذي من حديث ابن مسعود:"أفضل العبادة انتظار الفرج".

(2)

رواه ابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة"(ص: 2). وانظر قول العراقي في التعليق السابق.

(3)

رواه الترمذي (3571) وقال: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد ابن واقد ليس بالحافظ، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل، عن حكيم ابن جبير، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح.

ص: 55

أي: أفضل العبادة للمكروب والمهموم انتظار الفرج، والكرب والهم لا يتحقق في حق الملائكة عليهم السلام؛ إذ لا شهوة لهم يخشون فواتها؛ إذ عيشهم فيما هم فيه، فلا يبعد أن يكون انتظار الفرج مما يباهى به الملائكةُ - أيضاً -.

وروى ابن السني، والديلمي عن طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُباهِيْ الْمَلائِكَةَ بِالشَّابِّ الْعابِدِ؛ يَقُوْلُ: انْظُرُوْا إِلَىْ عَبْدِيْ تَرَكَ شَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِيْ".

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن خالد بن معدان رحمه الله تعالى قال: إن الله تبارك وتعالى يفاخر ملائكته بعبديه الشابين - يعني: الشاب، والشابة - يقول لملائكته: انظروا إلى عبدَيَّ كيف يلتمسان مرضاتي؛ أي: بطاعتي، وعبادتي.

وروى ابن عدي في "الكامل" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُباهِيْ الْمَلائِكَةَ بِمَنْ قَلَّ مَطْعَمُهُ (1) فِيْ الدُّنْيا يَقُوْلُ: انْظُرُوْا إِلَىْ عَبْدِيْ ابْتَلَيْتُهُ بِالطَّعامِ وَالشَّرابِ فِيْ الدُّنْيا، فترَكَهُما، أُشْهِدُكُمْ يا مَلائِكَتِيْ: ما مِنْ أكلَةٍ يَدَعُها إِلَاّ أَبْدَلتهُ بِها دَرَجاتٍ فِيْ الْجَنَّةِ"(2).

وروى الطبراني بإسناد جيد، عن عُبادة بن الصَّامت رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً - وحضر رمضان -: "أَتاكُمْ رَمَضانُ،

(1) في "أ": "طعمه".

(2)

انظر: "تخريج أحاديث الإحياء" للعراقي (2/ 750).

ص: 56

شَهْرُ بَرَكَةٍ يَغْشاكُمُ اللهُ فِيْهِ، فَيُنَزِّلُ الرَّحْمَةَ، وَيَحُطّ الْخَطايا، وَيَسْتَجِيْبُ فِيْهِ الدّعاءَ، يَنْظُرُ اللهُ إِلَىْ تَنافُسِكُمْ فِيْهِ، وَيُباهِيْ بِكُمْ مَلائِكَتَهُ، فَأَرُوْا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْراً؛ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيْهِ رَحْمَةَ اللهِ عز وجل " (1).

وإنما تقع المباهاة بالصائمين في رمضان من هذه الأمة؛ لأن الصوم - وإن كان من عبادات الملائكة كما تقدم - فإنه من بني آدم أتم؛ لأن ترك الطعام والشراب من الملائكة ليس فيه كبير أمر لأنهم لا يحتاجون إليه؛ إذ لا شهوة لهم، وسلطان الشهوة لا يقاومه الإنسان إلا بقوة زائدة، وصبر شديد، ولو ركبت تلك الشهوة في الملائكة لما أطاقوا مقاومتها كما علمت من قصة هاروت وماروت، فلذلك يباهي الله بالصَّائم.

ألا ترى أن الله تعالى يقول في مباهاة الملائكة: "انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي؟ "(2).

(1) كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 142) إلى الطبراني في "المعجم الكبير"، وقال: وفيه محمد بن أبي قيس ولم أجد من ترجمه.

قال الإمام أحمد: محمد بن أبي قيس هو ابن سعيد وهو الذي أراه قال يكنيه بكر بن خنيس أبا عبد الرحمن الشامي. انظر: "سؤالات أبي داود للإمام أحمد"(ص: 193).

وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام"(9/ 269): محمد بن سعيد بن حسان المصلوب: وهو محمد بن أبي قيس، وهو محمد بن الطبري، وهو القرشي الأزدي، وهو الدمشقي، وهو ابن الطبري، وقد دلسوه ألواناً كثيرة لئلا يعرف لسقوطه.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 57

وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم يُضاعَفُ؛ الْحَسَنةُ بِعَشْرَةِ أَمْثالِها إِلَىْ سَبع مِئَةِ ضِعْفٍ، قالَ اللهُ عز وجل: إِلَاّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِيْ، وَأَنا أَجْزِيْ بِهِ؛ يَدَعُ طَعامَهُ، وَشَرابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِيْ". رواه الأئمة مالك، وأحمد، والستة (1).

وأراد بقوله: "وشهوته": النكاح؛ لأنه أشار إلى شهوة الطعام والشراب أولاً.

وإذا كانت المباهاة للملائكة تكون بترك الشهوة الحلال في الصوم، فكيف بترك الشهوة الحرام إذا أمكنت؟ ومن ثَمَّ كان من دعته امرأة ذات حسن فقال:"إني أخاف الله"(2) من السبعة المظللين يوم القيامة في ظل العرش، كما سيأتي.

بل الصبر عن كل معصية تدعو إليها الشهوة؛ كشرب الخمر، وطلب الدنيا بالطرق المحرمة، ينبغي أن يكون مخصوصاً ببني آدم؛ فإن الصبر كما قال حجة الإسلام: عبارة عن ثبات باعث الدين في مصادمة باعث الهوى (3)، والملائكة خالون عن الشهوة والهوى، فلا يتحقق معنى الصبر فيهم.

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 310)، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 234)، والبخاري (1805)، ومسلم (1151)، وأبو داود (2363)، والترمذي (764)، والنسائي (2215)، وابن ماجه (1683).

(2)

رواه البخاري (629)، ومسلم (1031).

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/ 65).

ص: 58

وفي الحديث تسمية رمضان "شهر الصبر"(1).

وفيه: "الصوم نصف الصبر"(2)، أي (3): الصوم المخصوص ببني آدم، أو بالثقلين نصف الصبر.

فأمَّا الصوم من الملائكة فليس من الصبر في شيء؛ إذ لا شهوة لهم، فالمباهاة بالصائمين إنما هي بصبرهم في صومهم عن الشهوات التي لا يتأتى نظيره من الملائكة عليهم السلام، وقد وقعت الإشارة إلى هذا في حديث ابن مسعود السابق يقول الله تعالى:"انظروا إلى عبدي! ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا، فتركهما"(4).

وروى أبو نعيم عن كعب قال: إني لأجد نعت قوم تكون في هذه الأمة بمنزلة الرهبانية، قلوبهم على نور، تنطق ألسنتهم بنور الحكمة، تعجب الملائكة من اجتهادهم واتصالهم بمحبة الله، قيل: يا أبا إسحاق! من هم؟ قال: قوم جوَّعوا أنفسهم له، وظمؤوها، ينادى يوم القيامة: ألا ليقم أهل الجوع والظمأ، فيلقطون من بين الصفوف، فيؤتى بهم إلى مائدة منصوبة لم تر العيون ولم تسمع

(1) في حديث رواه "النسائي"(2408) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر". ووردت هذه التسمية أيضاً في أحاديث أخرى.

(2)

رواه الترمذي (3519) وحسنه، عن جرير النهدي، عن رجل من بني سليم.

(3)

في "أ": "أو".

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 59

الآذان بمثلها، يحبسون عليها والناس في الحساب (1).

وروى الحاكم وصححه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: نزل جبريل عليه السلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ رَأَيْتَ عِيْدَنا؟ " فقال: "لقد تباهى به أهل السماء"(2)، الحديث؛ يعني: عيد الأضحى، والتباهي بما فيه من نحر الأضاحي، كما يدل عليه آخر الحديث.

وأخرجه البزار، ولفظه: جاء جبريل عليه السلام إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى، فقال:"كَيْفَ رَأَيْتَ نُسُكَنا هَذَا؟ " قال: "تباهى به أهل السَّماء"(3).

ويحتمل أن تكون المباهاة بالاجتماع يوم العيد على الذِّكر والصَّلاة، فيكون المباهاة بعيد الفطر - أيضاً -.

وروى الإمام أحمد، والطَّبرانيُّ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُباهِيْ مَلائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ؛

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 381).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(7526). قال ابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 30): هذا الحديث عندهم ليس بالقوي والحنيني عنده مناكير.

(3)

كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 19) إلى البزار، وقال: وفيه إسحاق الحنيني وهو ضعيف. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" - (9/ 271) وضعفه.

ص: 60

يَقُوْلُ: انْظُرُوْا إِلَىْ عِبادِيْ! أتوْنِيْ شُعْثاً غُبْراً" (1).

ورواه ابن حبان، والحاكم وصححاه، والبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ:"إِنَّ اللهَ يُباهِيْ بِأَهْلِ عَرَفاتٍ أَهْلَ السَّماءِ، فَيَقُوْلُ: انْظُرُوْا إِلَىْ عِبادِيْ هَؤُلاءِ! جاؤُوْنيْ شُعْثاً غُبْراً"(2).

وروى مسلم، والنسائي، وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبِيْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وإِنَّهُ لَيَدْنُوْ فَيتَجَلَّىْ، ثُمَّ يُباهِيْ بِهِمُ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُوْلُ: ما أَرادَ هَؤُلاءِ"(3).

وروى أبو يعلى، والطبراني وسنده جيد، وأبو نعيم، والبيهقي في "الشعب" عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُباهِيْ بِالطَّائِفِيْنَ"(4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 224)، والطبراني في "المعجم الصغير" (575). قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 131): وإسناد أحمد لا بأس به.

(2)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(3852)، والحاكم في "المستدرك"(1708)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 58)، وصحح النووي إسناد البيهقي في "المجموع"(7/ 322).

(3)

رواه مسلم (1348)، والنسائي (3003)، وابن ماجه (3014).

(4)

رواه أبو يعلى في "المسند"(4609)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 216)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4097). قال الهيثمي في =

ص: 61

وروى الطبراني في "الكبير"، والبزار - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه، ثم قالا: يا رسول الله! جئنا نسألك، فقال:"إِنْ شِئْتُما أَخْبَرْتُكُما عَمَّا جِئْتُما تَسْأَلانِيْ عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإِنْ شِئتُما أَنْ أُمْسِكَ وَتَسْأَلانِيْ فَعَلْتُ"، فقالا: أخبرنا يا رسول الله، فقال الثقفي للأنصاري: سَلْ، فقال: أخبرني يا رسول الله، فقال:"جِئْتَنِيْ تَسْأَلنِيْ عَنْ مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرامَ، وَما لَكَ فِيْه؟ وَعَنْ رَكْعَتَيْكِ بَعْدَ الطَّوافِ، وَما لَكَ فِيْهِما؟ وَعَنْ طَوافِكَ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةِ، وَما لَكَ فِيْه؟ وَعَنْ وُقُوْفِكَ عَشيَّةَ عَرَفَةَ، وَما لَكَ فِيْهِ؟ وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمارَ، وَما لَكَ فِيْهِ؟ وَعَنْ نَحْرِكَ، وَما لَكَ فِيْهِ مَعَ الإِفاضَةِ؟ ".

فقال: والذي بعثك بالحق لَعَنْ هذا جئت أسألك.

قال: "فَإِنَّكَ إِذا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرامَ لا تَضَعُ ناقتُكَ خُفًّا، وَلا تَرْفَعُهُ إِلَاّ كَتَبَ اللهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً، وَمَحا عَنْكَ خَطِيْئَةً.

وَأَمَّا رَكْعَتاكَ بَعْدَ الطَّوافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِيْ إِسْماعِيْلَ.

وَأَمَّا طَوافُكَ بِالصَّفا وَالْمَرْوَةِ كَعِتْقِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةً.

= "مجمع الزوائد"(3/ 208): رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"، وفي إسناد الطبراني محمد بن صالح العدوي، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح، وإسناد أبي يعلى فيه عائذ بن بشير، وهو ضعيف.

ص: 62

وَأَمَّا وُقُوْفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإِنَّ اللهَ يَهْبِطُ إِلَىْ سَماءِ الدُّنْيا فَيُباهِيْ بِكُمُ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُوْلُ: عِبادِيْ جَاؤُونيْ شُعْثاً مِنْ كُلِّ فَج عَمِيْقٍ يَرْجُوْنَ جَنَّتِيْ، فَلَوْ كانت ذُنُوْبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، وَكَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُها، أَفِيْضُوْا عِبَادِيْ مَغْفُوْراً لَكُمْ، وَمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ.

وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمارَ، فَلَكَ بِكُلِّ حَصاةٍ رَمَيْتَها تَكْفِيْرُ كَبِيْرَةٍ.

وَأَمَّا نَحْرُكَ، فَمَدْخُوْرٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ.

وَأَمَّا طَوافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ تَطُوْفُ وَلا ذَنْبَ لَكَ، يَأْتِيْ مَلَكٌ فَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَيَقُوْلُ: اعْمَلْ فِيْمَا يُسْتَقْبَلُ، فَقَدْ غُفِرَ لَكَ ما مَضىْ" (1).

وقال الشيخ أبو عبد الرَّحمن السلمي في "الحقائق": لما دخلت على الشيخ الحصري - قدس الله روحه - ببغداد قال لي: أحاجٌّ أنت؟ قلت: أنا مع القوم، قال لي: أليس فرائض الحج أربعة: الإحرام، والدخول فيه بلفظ التلبية؟ قلت: نعم، قال: والتلبية إجابة؟ قلت: نعم، قال: والإجابة من غير دعوة سوء أدب؟ قلت: نعم، قال: فتحققت الدعوة حتى تجيب؟

ثم الوقوف؟ قلت: نعم، قال: فاجتهد فيه؟ فإنه محل المباهاة، انظر كيف يكون ثَمَّ.

(1) كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 274) إلى الطبراني في "الكبير" والبزار، وقال: ورجال البزار موثقون، وقال البزار: قد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق.

ص: 63

والطواف، وهو محل القربة من الحق، فيكون قربك منه بحسن الأدب.

ثم السعي، وهو محل الفرار إليه بالتبري مما سواه، فإياك أن تتعلق بعد سعيك بعلاقة من الدارين وما فيهما (1).

وروى ابن أبي الدُّنيا في "الإخلاص" عن كعب قال: رجال يباهي الله بهم ملائكته: الغازي في سبيل الله، ومقدمة القوم إذا حملوا، وحاميتهم إذا هزموا، والذي يخفي صلاته، والذي يخفي صدقته، والذي يخفي كل عمل صالح مما ينبغي أن يخفى (2).

وروى أبو نعيم من طريق الإمام أحمد في "الزهد" عن عقبة بن عبد الغافر قال: دعوة في السر أفضل من سبعين علانية، وإذا عمل العبد في العلانية عملاً حسناً، وعمل في السر مثله، قال الله تعالى لملائكته: هذا عبدي حقاً (3).

وروى أبو نعيم عن كعب قال: من سره أن يصحبه كتائب من الملائكة يستغفرون له، ويحفظونه، ويكفى ما أهمه، فلْيُخْفِ (4) في بيته من صلاته ما شاء (5).

(1) انظر: "حقائق التفسير" للسلمي (1/ 112).

(2)

ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 43).

(3)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 311)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 261).

(4)

في؛ أ": "فليخلف".

(5)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 384).

ص: 64

وقال كعب: طوبي للدَّين يجعلون بيوتهم قبلة؛ يعني: مسجداً.

قال: والمساجد بيوت المتقين في الأرض، ويباهي الله ملائكته بالمخفي صلاته، وصيامه، وصدقته (1).

وذكر حجة الإسلام في "الإحياء" عن عطية بن عبد الغفار قال: إذا وافقت سريرة المؤمن علانيته، باهى الله به الملائكة، فيقول: هذا عبدي حقاً (2).

وذكر "فيه" أيضاً: أنه يقال: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: قل لبني إسرائيل: إني لا أنظر إلى صلاتكم، ولكن أنظر فيمن شك في شيء فتركه لأجل ذلك الذي أريده بنظري، وأباهي به ملائكتي (3).

وروى أبو الحسن بن جَهْضَم في "بهجة الأسرار" عن أبي بكر المروزي، عن رجل من طرسوس قال: فكرت ليلة في أحمد بن حنبل، وصبره على ضرب السياط، وكيف قوي على ذلك مع ضعف بدنه، قال: فبكيت، فرأيت في منامي كأن قائلاً يقول لي: فكيف لو رأيت الملائكة في السماوات وهو يضرب وهي تتباهى به؟ قال: قلت: وعلمت الملائكة بضرب أحمد؟ فقال: ما بقي في السماوات

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 384).

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/ 391).

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 118)، وكذلك ذكره المكي في "قوت القلوب"(2/ 479) عن وهب اليماني مما نقل من الزبور.

ص: 65

ملك إلا وأشرف عليه وهو يضرب.

وروى ابن السمعاني في "أماليه" عن حبيش بن مبشرة قال: رأيت يحى بن معين في المنام فقلت: ما صنع بك ربك؟ قال: أدخلني عليه، وزوجني ثلاث مئة امرأة، وجعل يباهي بي، ومهد لي بين الياسمين - وبيده شبه الورق - فقلت: يا أبا زكريا! ما هذا؟ قال: بهذا، وأومأ بيده التي فيها الورق؛ يعني: كتابة الحديث (1).

أخبرنا شيخ الإسلام الوالد رضي الله عنه إجازة، قال: أخبرنا شيخ الإسلام زكريا، أنا العزُّ بن الفرات، عن أبي حفص المراغي، أنا الفخر بن البخاري، عن أبي المكارم أحمد بن محمد اللَّبَّان، وأبي الحسن مسعود ابن محمد بن أبي المنصور الكمال، قالا: أنا أبو علي الحسين بن أحمد الحداد، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ثنا أبو عمرو عثمان ابن محمد العثماني، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثني أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي قال: نور المعرفة في القلب، وإشراقه في عيني الفؤاد في الصدر، فبذكر الله يرطب القلب ويلين، وبذكر الشهوات واللذات يقسو القلب وييبس، فإذا شغل القلب عن ذكر الله بذكر الشهوات كان بمنزلة شجرة؛ إنما رطوبتها ولينها من الماء، فإذا منعت الماء يبست عروقها، وذبلت أغصانها، فإذا منعت السقي، وأصابها حر القَيظ يبست الأغصان، فإذا مددت غصناً منها انكسر، فلا تصلح إلا للقطع، فتصير

(1) ورواه ابن أبي الدنيا في "المنامات"(ص: 126)، والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (ص: 110).

ص: 66

وقوداً للنار، وكذلك القلب إذا يبس وخلا من ذكر الله تعالى فأصابته حرارة النفس، ونار الشهوة، امتنعت الأركان من الطاعة، فإذا مددتها انكسرت، فلا تصلح إلا حطباً للنار، وإنما يرطب القلب بالرحمة، وما من نور في القلب إلا ومعه رحمة من الله بقدر ذلك.

فهذا هو أصل، والعبد مادام في الذكر، فالرحمة دائمة عليه كالمطر، فإذا قحط فالصدر في ذلك الوقت كالسَّنَة الجرداء اليابسة، وحريق الشهوات فيها كالعمائم (1)، والأركان معطلة عن أعمال البر.

فدعا الله الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، وهيأ لهم فيها ألوان العبادة لينال العبد من كل قول وفعل شيئاً من عطاياه، والأفعال كالأطعمة، والأقوال كالأشربة، وهي عرس الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتَّى لا يبقى عليهم دَنَسَ ولا غبار؛ فإن الله تعالى اختار الموحدين ليباهي بهم يوم الجمع الأكبر في تلك العَرَصَة الملائكة؛ لأن آدم وولده ظهر خلقهم من يده بالمحبة (2)، والملائكة ظهر خلقهم من القدرة لقوله: كن فكان، فمن محبته للآدميين يفرح بتوبتهم، خلقهم والشهوات والشياطين في دار الابتلاء، فيباهي بهم في ذلك الجمع، ويقول: يا معشر ملائكتي! إن محاسنكم خرجت منكم، ومن النور خلقتكم، وأنتم في أعالي المملكة تعاينون بها عظمتي وحجتي وسلطاني، وقد عريتم من الشَّهوات

(1) في "حلية الأولياء": "كالسمائم".

(2)

في "أ": "عن يد من المحبة".

ص: 67

والشَّياطين، والآدميون خرجت منهم هذه المحاسن من نفوسهم الشَّهوانية، والشَّياطين قد أحاطت بهم في أداني المملكة، ومن التراب خلقتهم، فلذلك استوجبوا مني داري وجواري (1). انتهى.

ولا يخفى ما فيه من بيان وجه المباهاة للملائكة عليهم السلام.

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 234).

ص: 68