الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سئل والدي رحمه الله تعالى: إن عليًا رضي الله تعالى عنه إذا أراد الاجتماع بها في الجنة كيف يكون اجتماعه بها وهي في رتبة أبيها؟ فقال: يرفع عليٌّ إلى مقامها رضي الله تعالى عنهما، ولا تنخفض إلى مقامه.
قلت: ومقام الحسن والحسين مع جدهما، وأمهما، وعليّ رضي الله عنه يلحق بهم، وهذا هو الكرم، والفضل الذي ليس بعده فضل.
*
الفائدة الرابعة عشرة: أن الصالحين تفتخر بهم البقاع، وإذا ماتوا بكت عليهم مجالسهم من الأرض
، ومهابط أرزاقهم من السماء، ومصاعد أعمالهم منها، وتهتف الهواتف بموتهم، ويندبهم الصالحون حزنًا عليهم.
روى الإمام عبد الله بن المبارك في "الزهد"، والطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ صَبَاحٍ وَلا رَواحٍ إِلَّا وَبِقَاعُ الأَرْضِ يُنَادِيْ بَعْضُها بَعْضًا: يا جَارَةُ! هَلْ مَرَّ بِكِ الْيَوْمَ عَبْدٌ صالِحٌ صَلَّيْ عَلَيْكِ، أَوْ ذَكَرَ اللهَ؟ فَإِنْ قالَتْ: (نَعَمْ) رَأَتْ أَنَّ لَهَا فَضْلًا، وَقالَ اللهُ تَعَالَى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29] "(1).
روى ابن المبارك عن علي رضي الله تعالى عنه قال: إذا مات
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 113) لكنه وقفه على أنس، والطبراني في "المعجم الأوسط"(562)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 174).
العبد الصالح بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، ثم قرأ:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29](1).
وروى الترمذي، وابن أبي الدنيا في كتاب "الموت"، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم، والخطيب، والثعلبي في "تفسيره"، عن أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ فِيْ الشَماءِ بابانِ؛ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِزْقُهُ، وَبابٌ يَدْخُلُ فِيْهِ عَمَلُهُ وَكَلامُهُ، فَإِذا ماتَ فَقَداهُ، وَبَكَيا عَلَيْهِ"، وتلا هذه الآية:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29](2).
وذلك أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملًا يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح، فتفقدهم، وتبكي عليهم.
وروى الإمام عبد بن حميد عن وهب رحمه الله تعالى قال: إن الأرض لتحزن على العبد الصالح أربعين صباحًا (3).
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 114).
(2)
رواه الترمذي (3255) وقال: حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي، يضعفان في الحديث.
ورواه أبو يعلى في "المسند"(4133)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3289)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 53)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(11/ 211)، والثعلبي في "تفسيره"(8/ 353).
(3)
كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 412) إلى عبد بن حميد.
وعن مجاهد: إن العالم إذا مات بكت الأرض عليه أربعين صباحًا (1). وروى ابن المبارك، وابن أبي الدنيا عن عطاء الخراساني رحمه الله تعالى قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت (2).
وروى الدينوري عن المدائني قال: لما قتل أهل الحرة، هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة، وابن الزبير رضي الله تعالى عنه يسمع:[من مجزوء الكامل المرفل]
قُتِلَ الْخِيَارُ بَنُوْ الْخِيَا
…
رِ ذَوُوْ الْمَهَابَةِ وَالسَّمَاحِ
وَالصَّائِمُوْنَ الْقَائِمُوْ
…
نَ الْقَانِتُوْنَ أُوْلُو الصَّلاحِ
اَلْمُهْتَدُوْنَ الْمُتَّقُوْ
…
نَ السَّابِقُوْنَ إِلَىْ الْفَلاحِ
مَاذا بِوَاقِمَ وَالْبَقِيْـ
…
ـعِ مِنَ الْجَحاجِحِ وَالصِّبَاحِ
وَبِقَاعِ يَثْرِبَ ويحَهُنَّ
…
مِنَ النَّوَادبِ وَالصّيَاحِ
فقال ابن الزبير رضي الله تعالى عنه لأصحابه: يا هؤلاء! قد قتل أصحابكم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون (3).
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 412) إلى عبد بن حميد، ورواه الطبري في "التفسير" (25/ 125) لكنه قال:"المؤمن" بدل "العالم".
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 115)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 413) إلى ابن أبي الدنيا.
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 257).