الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وكذلك ينبغي التبرك بآثار الصالحين، والحرص على ما عسى أن يحصل منهم من كسوة، أو طعام، أو دراهم، أو غيرها تبركا بآثارهم.
روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل (1).
وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاؤوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها (2).
وعن أفلح مولى أبي أيوب: أن أبا أيوب رضي الله عنه كان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً وهو نازل عنده، فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه - أي: أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فيتتبع موضع أصابعه (3).
(1) رواه مسلم (2325).
(2)
رواه مسلم (2324).
(3)
رواه مسلم (2053).
وروى هو، والبخاري عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس وأصحابه في سقيفة بني ساعدة: "اسْقِنِيْ يا سَهْلُ! " قال: فخرجت إليهم بهذا القدح، فسقيتهم فيه.
قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح، فشربنا منه.
قال: ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك، فوهبه له (1)(2).
و(3) قال البخاري: قال أبو بردة: قال لي عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه: ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ (4).
وأخرج عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وكان قد انصدع، فسلسله بفضة (5).
وروى البيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن سائلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه تمرة، فقال الرجل: سبحان الله! نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أَوَما عَلِمْتَ أَنَّ فِيْها مَثاقِيْلَ ذَرٍّ كَثِيْرٍ؟ "فأتاه آخر، فسأله، فأعطاه تمرة، فقال: تمرة من نبي؟ لا تفارقني هذه التمرة ما بقيت،
(1) في"م" و" أ" و"ت": "منه"، والمثبت من "صحيح البخاري"(5314).
(2)
رواه البخاري (5314).
(3)
الواو ليست في "أ".
(4)
ذكره البخاري (5/ 2134) معلقاً.
(5)
رواه البخاري (5315).
ولا أزال أرجو بركتها أبداً، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بمعروف، وما لبث الرجل أن استغنى (1).
وروي أن معاوية رضي الله عنه قال في وصيته لابنه يزيد: إذا وفى أجلي فَوَلِّ غسلي رجلاً لبيباً؛ فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل [في الخزانة](2) فيه ثوب من أثواب النبي صلى الله عليه وسلم، وقراضة من شعره، وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل الثوب على جلدي دون أكفاني (3).
وروى أبو نعيم عن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتي بماء، فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه، فيتمسحون به، الحديث (4).
ولم يزل العلماء، والأخيار يتبركون بآثار الصالحين.
وأخبرني غير واحد أن الشيخ الوالد رضي الله تعالى عنه وهبه شيئاً من النقد، فحرص عليه، وحفظه في كيسه -أو خزانته- فكان سبباً لنمو ماله، وحلول البركة فيه.
(1) رواه البيهقي في"شعب الإيمان"(9135).
(2)
بياض في "أ"، وفي "ت":"الخزينة".
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "المحتضرين"(ص: 68).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 235)، ورواه أيضاً البخاري (185)، ومسلم (503).
وحكى بعض أهلنا أن خالة لي مرضت، وطال مرضها، وأعيا الأطباء أمرها، فقيل لها في المنام: أين أنت عن ماء وضوء صهرك الشيخ بدر الدين؟ فاغسلي به وجهك، ويديك، ففعلت، فبرأت بإذن الله تعالى.
وأخبرنا أبي رحمه الله تعالى عن القاضي زكريا الأنصاري، عن العز عبد الرحيم بن الفرات الحنفي، عن قاضي القضاة التاج ابن السبكي، عن أبيه شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أنه لما ولي تدريس دار الحديث الأشرفية بدمشق، وكان وليها سابقاً الشيخ محي الدين النووي رضي الله تعالى عنه كان إذا دخل دار الحديث المذكورة يصلي ركعتين على البساط الذي كان يجلس عليه النووي، وينشد:[من الوافر]
وَفِيْ دارِ الْحَدِيْثِ لَطِيْفُ مَعْنًى. . . عَلَىْ بُسْطٍ لَهَا أَصْبُوْ وَآوِيْ
لَعَلِّيْ أَنْ أَنالَ بِحُرِّ وَجْهِي. . . مَكاناً مَسَّهُ قَدَمُ النَّواوِيْ (1)
* * *
(1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (8/ 396).