الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
كما ينبغي للعبد أن يجاور الصالحين، ويخالطهم في حال حياته، ينبغي لأهله أن يدفنوه بين قوم صالحين بعد وفاته، فلعله إن لم يتيسر له التبرك بالصَّالحين في حال الحياة، أن تشمله بركاتهم بعد الوفاة.
وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندفن موتانا وسط قوم صالحين؛ فإن الموتى يتأذون بالجار السُّوء، كما يتأذى به الأحياء (1).
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِذَا ماتَ لأَحَدِكُمُ الْمَيِّتُ فَأَحْسِنُوْا كَفَنَهُ، وَعَجِّلُوْا إِنْجازَ وَصِيَّتِهِ، وَأَعْمِقُوْا لَهُ فِيْ قَبْرِهِ، وَجَنِّبُوْهُ جارَ السُّوْءِ"، قيل: يا رسول الله! وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: "هَلْ يَنْفَعُ فِيْ الدُّنْيَا؟ " قالوا: نعم قال: "كَذَلِكَ يَنْفَعُ فِيْ الآخِرَةِ". رواهما ابن عساكر.
وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادْفِنُوْا مَوْتاكُمْ وَسْطَ قَوْمٍ صالِحِيْنَ؛ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّىْ بِجارِ السُّوْءِ، كَمَا
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(37/ 197).
يَتَأَذَّىْ الْحَيُّ بِجارِ السُّوْءِ" (1).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور" عن عبد الله بن نافع المزني قال: مات رجل من أهل المدينة، فرآه رجل كأنه من أهل النار، فاغتم لذلك، فأريه بعد سابعة أو ثامنة كأنه من أهل الجنة، فسأله، فقال: دفن معنا رجل من الصالحين، فشفع في أربعين من جيرانه، وكنت منهم (2).
وذكر ابن الجوزي أن بعضهم رأى معروفاً الكرخي رحمه الله تعالى في نومه لما دفن في قبره شفع في أربعين ألفاً من كل جانب من جوانبه، فأعتقوا من النار.
وذكر ابن رجب في كتاب "أهوال (3) القبور" أنه لما مات كرز الحارثي رحمه الله تعالى رأى رجل فيما يرى النائم كان أهل القبور جلوس على قبورهم عليهم ثياب جُدد، لقدوم كرز عليهم (4).
والآثار في ذلك كثيرة.
والحاصل أن الميت من المسلمين إذا دفن بين الصَّالحين فإن كان مسيئاً نزلت الرَّحمة عليهم، فأصابه منها نصيب ما، أو شفعهم الله تعالى فيه، ووهبهم إياه.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 354). قال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 75): وسليمان بن عيسى متروك، بل اتهم بالكذب والوضع.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "القبور"(ص 31).
(3)
في "م" و"أ": "أهل".
(4)
وقد رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 81).
وأيضاً فإن الصالحين يكثر قصدهم بالزيارة والدعاء، فربما شملت مجاورتهم أدعية زائريهم، وإن كان محسناً صالحاً ترقى مقامه بهم، أو ترقت مقاماتهم به.
وما أحسن قول شيخ الإسلام الوالد رحمه الله تعالى: [من الطويل]
إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّيْ إِلَىْ جَنْبِ ظُلَّتِيْ. . . تَكُوْنُ أَمَامِيْ أَوْ أَكُوْنُ أَمامَهَا
وَلا تَدْفِنَنِّيْ نازِحاً عَنْ ضَرِيْحِها. . . فَإِنِّي لِيَوْمِ الْحَشْرِ أَبْغِيْ الْتِزامَها
وَأَرْجُوْ إِذا كُنَّا عِظاماً رَمِيْمَةً. . . يُخَالِطُ عَظْمِيْ فِيْ التُّرابِ عِظَامَهَا
لَعَلَّ إِلَهَ الْعَرْشِ يَرْفَعُ رُتْبَتِيْ. . . بِها أَوْ يُعُلِّيْ بِيْ إِلَهِيْ مَقَامَها
وروى أبو الحسن بن جهضم في "بهجة الأسرار" عن بشر -يعني: الحافي- قال: قال خيثمة رحمه الله تعالى: ادفنوني مع الفقراء والمساكين.
فقيل لبشر: ما أراد بذلك؟ قال: التواضع، ويحشر معهم.
* * *