الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراد بعمى الأبصار ما يقع لذويها من سخنة العين برؤيتهم، كما قال ابن الفارض رحمه الله تعالى:[من الطويل]
وَقَدْ صَدِئَتْ عَيْنِيْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا
* ومن لطائف الأدب مع الصالحين: ما ذكره ابن عقيل في "الفنون"، ونقله ابن مفلح عنه في "الآداب": أن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى كان مستنداً، وذكر عنده ابن طهمان، فأزال ظهره عن الاستناد، وقال: لا ينبغي أن يجري ذكر الصالحين ونحن مستندون.
قال ابن مفلح: وقد ذكر هذا الحافظ ابن الأخضر فيمن روى عن أحمد في ترجمة أبي زرعة الرازي، قال: سمعت أحمد بن حنبل ذكر عنده إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة، فاستوى جالساً، وقال: لا ينبغي أن يذكر الصَّالحون فنتكئ (1). انتهى.
*
ومن فوائد ذكر الصَّالحين:
أن العبد إذا ذكرهم رقَّ قلبه عند ذكرهم، وأحبهم، وودَّ أن يتأسى بهم، ونشط في العبادة والطاعة، ورغب في اللحاق بهم، وترحم عليهم، ودعا لهم، ودعاء العبد لأخيه في ظهر الغيب يستدعي دعاء الملائكة لهم كذلك، ودعاء الملائكة عليهم السلام أقرب إلى الإجابة والقبول.
روى مسلم عن أبي الدَّرداء رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/ 26).
قال: "ما مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُوْ لأَخِيْهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَاّ قالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ"(1).
واشتهر عن الإمام أحمد أنه قال: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي (2).
وقال له ابنه: أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟ وقال أحمد: يا بني! كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف! (3).
وذكر ابن السبكي في "طبقاته" في ترجمة الحارث بن سريج قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي، قال: وكذلك ذكر يحيى بن معين أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة (4).
وكان يحيى بن سعيد من أقران شيوخ الشافعي، والإمام أحمد من أصحابه، فدعاء يحيى له من باب دعاء الكبير للناشىئ الصالح، ودعاء أحمد له من دعاء الصاحب لصاحبه الصالح، أو التلميذ لشيخه الصَّالح.
وقد أشار في جوابه لابنه حين سأله عن سبب كثرة دعائه للشافعي
(1) رواه مسلم (2732).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 98).
(3)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(2/ 66).
(4)
انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" السبكي (2/ 112).
إلى أن دعاءه له من باب تأدية الحق، ومكافأته للشافعي عن أهل عصره بما نفعهم به من العلم، وفيه إشارة إلى أن الدعاء للصالحين، والعلماء العاملين فيه أداء لحقوقهم مهما كان لهم نفع في عباد الله تعالى، بل كل مسلم يطلب منه الدعاء للمسلمين طلباً لصلاحهم، وكمالهم، وإذا دعا لهم كان له مثل ما يدعو به لهم؛ لحديث أبي الدرداء المتقدم.
وفي "معجم الطبراني الكبير" عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِناتِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً، أَوْ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً كانَ مِنَ الَّذِيْ يُسْتَجابُ لَهُمْ، وُيرْزَقُ بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ"(1).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِناتِ كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً"(2).
فدعاء المسلم للمؤمنين من تمام صلاحه، ومن أنفع أسباب فلاحه، فكيف بالصالحين!
وقد أوجب الله تعالى ذكر الصالحين على كل مسلم مصلٍّ مقروناً بالسلام عليهم، المتضمن للدُّعاء لهم بالسلامة بحيث إن صلاته لا تصح بدون ذلك، كما هو مذهب أكثر أهل العلم.
(1) كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 210) إلى الطبراني في "المعجم الكبير" وقال: وفيه عثمان بن أبي العاتكة، وثقه غير واحد، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله المسمين ثقات.
(2)
كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 210) إلى الطبراني في "المعجم الكبير" وقال: إسناده جيد.