الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
زيارة القبور مستحبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَةِ الْقُبُوْرِ فَزُوْرُوْا الْقُبُوْرَ؛ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِيْ الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ". رواه ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (1).
وقبور الصالحين أولى بالقصد بالزيارة للتبرك، والدُّعاء لهم وللداعي، ولمن شاء من إخوانه؛ فإن الدعاء عند قبورهم ترجى إجابته (2)،
(1) رواه ابن ماجه (1671)، وروى مسلم (1977) قريباً منه عن بريدة.
(2)
قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"(ص: 67): وزيارة القبور على وجهين؛ زيارة شرعية، وزيارة بدعية، فالشرعية المقصود بها السلام على الميت، والدعاء له، كما يقصد بالصلاة على جنازته، فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، فالسنة فيها أن يسلم على الميت ويدعى له، سواء كان نبياً أو غير نبي، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم:"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم" وهكذا -كان- يقول إذا زار أهل البقيع ومن به من الصحابة وغيرهم أو زار شهداء أحد. =
وقبور الأنبياء عليهم السلام أخص قبور الصالحين، ولا سيما قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وقد روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ زارَ قَبْرِيْ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِيْ"(1).
وقد تواتر قديماً وحديثاً عند أهل بغداد أن الدعاء عند قبر معروف الكرخي مستجاب، وأنه درياق مجرب (2).
وذكر النووي أن الدعاء عند قبر الشيخ نصر المقدسي مستجاب، وهو بالقرب من قبر سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه بباب الصغير خارج دمشق (3).
وكذلك اشتهر أن الدعاء مستجاب عند قبر الشيخ أرسلان بدمشق.
= وأما الزيارة البدعية فهي أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به، فهذا ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا استحبه أحد من سلف الأمة، بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق سلف الأمة وأئمتها.
(1)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(4159)، وكذا رواه الدارقطني في "السنن" (2/ 278). قال ابن حجر في"التلخيص الحبير" (2/ 267): طرق هذا الحديث كلها ضعيفة، لكن صححه ابن السكن، وعبد الحق، والشيخ تقي الدين.
(2)
انظر: "تاريخ الإسلام" للذهبي (13/ 404).
(3)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 426).
وكذلك عند قبر الإمام الشافعي، وقبر سيدي عمر بن الفارض بمصر، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
واعتقادي أن الدعاء مرجو الإجابة عند قبر كل عبد صالح.
ومما جربته أنا، وغيري: أن الدعاء مستجاب عند قبر والدي شيخ الإسلام رضي الله تعالى عنه (1).
وقد أفاد هو ذلك قبل موته، وكان ذلك من باب الكشف، وخرق العادة، وذلك أنه مات له ولد في طاعون سنة ثمانين وتسع مئة، كان اسمه محمداً أبا الطيب، مات وهو ابن سبع سنين، ومات وهو يقرأ
(1) قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى"(4/ 361): قول القائل: الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين، قول ليس له أصل في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين؛ كمالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيدة، ولا مشايخهم الذين يقتدى بهم؛ كالفضيل ابن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، وأمثالهم.
ولم يكن في الصحابة والتابعين والأئمة والمشايخ المتقدمين من يقول: إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين، لا مطلقاً ولا معيناً، ولا فيهم من قال: إن دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة، ولا أن الصلاة في تلك البقعة أفضل من الصلاة في غيرها، ولا فيهم من كان يتحرى الدعاء ولا الصلاة عند هذه القبور.
القرآن، وكان آخر ما سمعوه منه:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] بعد أن قرأ من أول سورة الفتح إلى آخر القرآن، ثم ابتدأ فقرأ الفاتحة، وأول البقرة إلى قوله تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ، وقضى، فرثاه الشيخ رضي الله تعالى عنه بقصيدتين لطيفتين؛ بائية، وجيمية، أفاد فيهما أن الدعاء عند قبره مستجاب.
ثم اتفق أن الشيخ لما توفي في شوال سنة أربع وثمانين وتسع مئة دفن عند قبر ولده المذكور، بحيث إن الزائر إذا وقف عند قبرهما مستقبل القبلة عند رأس الشيخ يقف على قبر ولده المذكور، والقبر بين يديه، فظهر بذلك أن الشيخ إنما أفاد أن الدعاء عند قبر نفسه مستجاب، وهذه كرامة عظيمة لأن الشيخ لم يعين لنفسه موضعاً يدفن فيه، وإنما اتفق بعد موته أنه حفر له موضع قبره الآن، ولم يكن إذ ذاك فيمن قام بأمر الشيخ من بنيه لذلك أصلاً، ولا من كان ذاكراً لكلامه المذكور.
وعبارة الشيخ في القصيدة "البائية"، بعد أن ذكر ولده المذكور، ومحاسنه:[من المتقارب]
فَإِنْ جُزْتَ يَوْماً عَلَىْ قَبْرِهِ. . . تَوَقَّفْ قَلِيْلاً وَلا تَذْهَبِ
تَرَىْ النُّوْرَ مِنْ قَبْرِهِ ساطِعاً. . . بِقَلْبِكَ وَالْعَيْنُ كَالْكَوْكَبِ
هُناكَ الدُّعاءُ لَهُ قُرْبَةٌ. . . وُيرْجَىْ بِهِ الْعَفْوُ عَنْ مُذْنِبِ
سَعِدْتُ وَحَقِّ إِلَهِيْ بِه. . . وَبِالْعَوْنِ فَضْلاً صَفا مَشْرَبِيْ
وقال رحمه الله تعالى في "الجيمية": [من البسيط]
فَإِنْ أَتَيْتَ إِلَىْ قَبْرٍ حَواهُ فَقِفْ. . . وَاسْأَلْ إِلَهَكَ كَيْ يَقْضِيْ لَكَ الْحِوَجَا
إِنَّ الدُّعَا عِنْدَهُ تُرْجَىْ إِجابَتُهُ. . . فَلا تَكُنْ عَنْ حِمَاهُ قَطُّ مُنْعَرِجَا
إِنَّ التَّوَسُّلَ بِالصُّلَاّحِ عُمْدَتُنَا. . . ما خَابَ مَنْ لِحِماهُمْ فِيْ الْخُطُوْبِ لَجَا
وَالصَّالِحُوْنَ هُمُ الأَوْتادُ سادَتُنَا. . . وَالْعالِمُوْنَ غَدَوْا فِيْ دِيْنِنا سُرُجا
وَكَمْ هَدَوْا لِطَرِيْقِ الْحَقِّ مِنْ بَشَرٍ. . . وَمَنْ عَدَا الْفِئَتَيْنِ اعْدُدْهُمُ هَمَجَا
وَمَنْ أَحَبَّهُمُ حَقًّا يُرَىْ مَعَهُمْ. . . أَوْ صارَ فِيْ حِزْبِهِمْ بِالْحُبِّ مُنْدَرِجَا
يا رَبِّ إِنْ لَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ فَحُبُّهُمُ. . . قَدْ صارَ وَسْطَ الْحَشا بِالْقَلْبِ مُمْتَزِجَا
* * *