الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
واعلم أن العبد المطيع يوم القيامة إما أن يرافق الصَّالحين الذين ليسوا بأنبياء، ولا صديقين، ولا شهداء، وإما أن يرافق الشّهداء، وإما أن يرافق الصِّديقين، وإما أن يرافق الأنبياء عليهم السلام، وذلك على حسب همته ولهفته في طاعة الله تعالى.
وقد يكون العبد مرافقاً لكل هذه الطوائف لتخلقه بأخلاق كل طائفة منهم، وتشبهه بكل فريق منهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -أ:"التَّاجِرُ الصَّدُوْقُ الأَمِيْنُ مَعَ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدّيْقِيْنَ وَالشّهَداءِ".
رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، من حديث أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله تعالى عنه (1).
وروى ابن النجار في "تاريخه" عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "التَّاجِرُ الصَّدُوْقُ لا يُحْجَبُ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ"(2).
(1) رواه الترمذي (1209) وحسنه، والحاكم في "المستدرك"(2143).
(2)
ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2444).
والمعنى أنه يدخل من أي الأبواب شاء، فلا يحجب من باب أصلًا، لكونه من أهل ذلك الباب؛ لتخلقه بأخلاقهم.
وروى الإِمام أحمد، والبخاري، وغيرها عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِيْ سَبِيْلِ الله، نُوْدِيَ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللهِ! هَذا خَيْرٌ، فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دعِيَ مِنْ بابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الجهاد دُعِيَ مِنْ بابِ الجهاد، وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصيامِ دُعِيَ مِنْ بابِ الرّيانِ، وَمَنْ كانَ مِنْ أهلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بابِ الصَّدَقة، فقال أبو بكر: بأبي وأنت وأمي يا رسول الله! ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعمْ، وَأَرْجُوْ أَنْ تَكُوْنَ مِنْهُمْ" (1).
وروى الطبرانيُّ في "الكبير" بسند حسن، عن جرير رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ ماتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئا، وَلَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرامٍ، دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوابِ الْجَنَّةِ شاءَ"(2).
وروى الشيخان عن عبادة بن الصَّامت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأَنَّ عِيْسَىْ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ ألقاها إِلَىْ مَرْيَمَ، وَرُوْحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَق، أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 268)، والبخاري (1798).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2285). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 19): رجاله موثقون.
أَبْوابِ الْجَنَّةِ الثَّمانِيَةِ شاءَ" (1).
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضّأُ فَيُبْلِغُ الْوُضُوْءَ، أَوْ يُسْبغُ الْوُضُوْءَ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، إِلَاّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الْجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ، يدخلُ مِنْ أَيِّها شاءَ"(2).
وهو عند الإِمام أحمد من حديث أنس، وإبن أبي شيبة بلفظ: "مَنْ تَوَضَّاَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوْءَ، ثُمَّ قالَ ثَلاثَ مَرَّات: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ
…
إلى آخره، فُتِحَ لَهُ ثَمانِيَةُ أَبْوابِ الْجَنَّةِ مِنْ أَيِّها شاءَ يدخُلُ" (3).
وزاد الترمذي في حديث عمر: "اللهُمَّ اجْعَلْنِيْ مِنَ التَّوَّابِيْنَ، وَاجْعَلْنِيْ مِنَ الْمُتَطَهّرِيْنَ"(4).
وزاد أحمد، وأبو داود فيه: "ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَىْ السَّماءِ فَقالَ
…
" (5).
(1) رواه البخاري (3252)، ومسلم (28).
(2)
رواه مسلم (7517).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 256)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(29895)، ورواه ابن ماجه (469).
(4)
رواه الترمذي (55) وقال: وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، قال محمَّد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا.
(5)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 19)، وأبو داود (175). لكن عند الإِمام أحمد:"ثم رفع نظره" وعند أبي داود: "ثم رفع بصره".
وروى أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط" عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثٌ مَنْ جاءَ بِهِن مَعَ الإيْمانِ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوابِ الْجَنَّةِ شاءَ، وَزُوِّجَ مِنَ الْحُوْرِ الْعِيْنِ حَيْثُ شاءَ: مَنْ عَفا عَنْ قاتِلِهِ، وَأَدَّىْ ديناً خَفِيًّا، وَقَرَأَ فِيْ دبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: "أَوْ إِحْداهُنَّ" (1).
وروى الإِمام أحمد، والطبراني بإسناد حسن، عن عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا صَلَّتِ الْمَرْأة خَمْسَها، وَصامَتْ شَهْرَها، وَحَصَّنَتْ فَرْجَها، وَأَطاعَتْ زَوْجَها قِيْلَ لَها: ادْخُلِيْ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"(2).
وروى الطَّبرانيُّ في "الأوسط" بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما امْرَأَةٍ اتَّقَتْ رَبها، وَحَفِظَتْ فَرْجَها، وَأَطاعَتْ
(1) رواه أبو يعلى في "المسند"(1794)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (3361). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 102) و (6/ 302): وفيه عمر بن نبهان وهو متروك.
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 191)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(8805) عن عبد الرحمن بن عوف، وقال: تفرد به ابن لهيعة.
ورواه ابن حبان في "صحيحه"(4163) عن أبي هريرة.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 306): رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وسعيد بن عفير لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
زَوْجَها فُتِحَ لَهَا أَبْوابُ الْجَنَّةِ، فَقِيْلَ لَها: ادْخُلِيْ مِنْ حَيْثُ شِئْتِ" (1).
وروى النسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّيْ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، وَيَصُوْمُ رَمَضانَ، وَيُخْرِجُ الزكاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبائِرَ، إِلَاّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الْجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَوْمَ الْقِيامَةِ"(2).
ولا شك أن دعاء العبد من كل باب من أبواب الجنة، وإباحته إياها كلها، دليل أنه من أهل عمل ذلك الباب، وهم لا يَعْدُوْنَ الطوائف الأربعة: الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
وفي "مسند الإِمام أحمد"، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لِكُلِّ أَهْلِ عَمَلٍ بابٌ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ يُدْعَوْنُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ"(3).
وفي "مسند البزار" بسند حسن، عنه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دُعِيَ الإِنْسانُ بِأَكْثَرِ عَمَلِهِ، فَإِنْ كانَتِ الصَّلاةُ أَفْضَلَ دعِيَ
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4715). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 356): وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وسعيد بن عفير لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(2)
رواه النسائي (2438)، وابن حبان في "صحيحه"(1748)، والحاكم في "المستدرك"(719).
(3)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 449). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 398): ورجاله رجال الصحيح، غير محمَّد بن عمرو بن علقمة، وقد وثقه جماعة.
بِها، وإنْ كانَ الصيامُ أفْضَلَ دُعِيَ بِهِ"، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أثَمَّ أحد يدعى بعملين؟ قال: "نعَمْ؛ أنْتَ" (1).
وروى الإِمام أحمد، وابن السُّني، والطبراني في "الكبير"، والحاكم، والبيهقي في "سننه" عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرَأَ ألفَ آيَةٍ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، كُتِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَعَ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيْقًا"(2).
وروى ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعانَ مُسْلِما بِكَلِمَةٍ، أَوْ مَشَى لَهُ خُطْوَةً، حَشَرَهُ اللهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيامَةِ مَعَ الأَنْبِياءِ وَالرُسُلِ آمِناً، وَأَعْطاهُ عَلَىْ ذَلِكَ أَجْرَ سَبْعِيْنَ شَهِيْداً قُتِلُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ"(3).
وما ذكر في هذه الأحاديث، وأمثالهم من إلحاق من يستقل عمله بالطوائف المشار إليهم، أو من يدعى من كل باب من أبواب الجنة، قد يكون لانطوائه على ما للجميع من الأخلاق والأعمال، وقد يكون محمولاً على ما لو بقي على عمله حتَّى يموت عليه قبل أن يحدث،
(1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 398): رواه البزار. وحسن الهيثمي إسناده.
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 437)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص: 643)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 184)، والحاكم في "المستدرك"(2443)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 172).
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(59/ 295).
وقد يكون لخصوصية لم نَطَّلِع نحن عليها، وإنما كان عمله المرغب فيه علامة على تلك الخصوصية.
وروى ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الرقة والبكاء"، وفي كتاب "الخوف"، وأبو نعيم في "الحلية" عن بكر بن مصاد قال: سمعت عبد الواحد بن زيد يقول: يا إخوتاه! ألا تبكون خوفاً من النيران؟ ألا إنه من بكى خوفًا من النار أعاذه الله منها، يا إخوتاه! ألا تبكون من شدة العطش يوم القيامة؟ يا إخوتاه! ألا تبكون؟ ألا فابكوا على الماء البارد في أيام الدنيا، لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير النُّدماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا (1).
***
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء"(26)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 161).