الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
ويستحب حمل المولود عند ولادته إلى واحد من أهل الصَّلاح يحنكه بتمرة ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، فيتبرك به. كما ذكره النووي (1) رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" في حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: لما ولدت أم سليم رضي الله تعالى عنها قالت لي: يا أنس! انظر هذا الغلام فلا تصيبن شيئاً حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، قال: فغدوت فإذا هو في الحائط
…
الحديث (2).
وروى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: حملت بعبد الله بن الزُّبير رضي الله تعالى عنهما بمكة، فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمر، وبارك عليه (3).
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 100).
(2)
رواه البخاري (5486)، مسلم (2119).
(3)
رواه البخاري (5152)، ومسلم (2146).
قال النووي في "شرح المهذب": ويستحب أن يكون المحنك من أهل الخير، فإذا لم يكن رجلاً فامرأة صالحة (1).
وكذلك ينبغي للعبد أن يحمل أولاده، أو يصحبهم إلى الصالحين، ويزورهم بهم، فعساهم إن لم يحصل لهم تحنيك الصالحين في البداية أن يحصل عليهم نظر الصالحين، وخصوصا إذا كانوا شيوخاً طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم، ولم تزل العلماء، والأكابر يحملون أولادهم إلى العلماء، والصالحين، ويستجيزونهم.
وقد حمل جدي والدي رضي الله تعالى عنهما وهو دون السنتين إلى الشيخ الصالح، العالم، العارف بالله تعالى سيدي الشيخ أبي الفتح الإسكندري البزي، واستجازه له، فأجازه، وألبسه الخرقة، ولقَّنه الذكر، وظفر بصحبته، ونال من بركته، وكان يأمر الوالد وهما بمصر أيام الطلب أن يذهب إلى القطب الكبير سيدي عبد القادر الدشطوطي، وإلى الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إسماعيل الزائر، وغيرهما من الأولياء للزيارة، والتماس البركة، وليحل عليه نظر هؤلاء المفلحين.
وقد قال سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أحمد بن الرفاعي، وغيره رحمهم الله تعالى: عجبت لمن يحل عليه نظر المفلح، ولا يفلح (2).
(1) انظر: "المجموع" للنووي (8/ 335).
(2)
انظر: "الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة" لنجم الدين الغزي (ص: 171).
ومنذ كنت طفلاً ما حلا لي إلا صحبة الصالحين، ولا طمحت نفسي إلا إلى اللحاق بالعلماء العاملين، وكان ذلك بدعوة من والدي شيخ الإسلام؛ دعا لي بها عند ما بشر بولادتي، ودعا لي بمثلها قبل وفاته بنحو يوم، فأسأل الله تعالى أن يديم هذه النعمة، ويزيدني صحبة للصالحين حتى أكون معهم في حزب المتقين، وأن يفعل ذلك بأحبائي، وسائر المسلمين.
* * *