الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا الْمَرِيْضُ السَّقِيْمُ يَشْغَلُهُ
…
عَنْ وَجَعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَجَعُهْ (1)
60 - ومنها: الزهد في الدنيا، وإيثار التقلل منها
، وإيثار الفقر على الغنى، وحمل النفس على الرضى بما قسم لها، والنظر إلى من هو دونها في الدنيا، وإلى من هو فوقها في عمل الآخرة:
قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64].
قال وهب بن مُنبِّه رحمه الله تعالى: مثل الدنيا والآخرة مثل ضرتين؛ إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى. رواه أبو نعيم في "الحلية"(2).
وروى ابن ماجه، وحسنه النووي (3)، عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال:"ازْهَدْ فِيْ الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ"(4).
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الورع"(ص: 123).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 51).
(3)
انظر: "رياض الصالحين" للإمام النووي (ص: 107).
(4)
رواه ابن ماجه (4102)، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير"(4102)، والحاكم في "المستدرك"(7873).
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"انْظُرُوْا إِلَىْ مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوْا إِلَىْ مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوْا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ"(1).
ولفظ البخاري: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَىْ مَنْ فَضُلَ عَلَيْهِ فِيْ الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَىْ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ منه"(2).
وروى أبو نعيم، والخطيب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَظَرَ فِيْ الدُّنْيَا إِلَىْ مَنْ فَوْقَهُ، وَفِيْ الدِّيْنِ إِلَىْ مَنْ تَحْتَهُ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ صابِراً وَلا شَاكِراً، وَمَنْ نَظَرَ فِيْ الدُّنْيَا إِلَىْ مَنْ تَحْتَهُ، وَفِيْ الدّيْنِ إِلَىْ مَنْ فَوْقَهُ، كَتَبَهُ اللهُ صابِراً شاكِراً"(3).
والمعنى: أنه إذا نظر إلى من تحته - أي: دونه - في الدنيا عظمت نعمة الله عليه، فيشكرها، بخلاف ما لو نظر إلى من فوقه، فقد يستقل ما أنعم الله عليه، فيهلَك بكفران النعمة التي لله عنده، وإذا نظر إلى من فوقه في الدين يتحرى الازدياد من الخير، وذلك يحتاج إلى صبر، كما
(1) رواه البخاري (6125)، ومسلم (2963) واللفظ له.
(2)
رواه البخاري (6125).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 286). وروى قريباً منه الترمذي (2512) عن عبد الله بن عمر، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/ 1032): رواه الترمذي، وقال: غريب، وفيه المثنى بن الصباح ضعيف.
قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]؛ فالعمل الصالح يحتاج إلى صبر عليه.
بخلاف ما لو نظر إلى من هو دونه في الدين، فيرى لنفسه مزية عليه، فيهلك بالعُجْب والكِبر وغيرهما.
وروى الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي في "الشعب" عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، لا أعلمه إلا رفعه، قال:"صَلاحُ هَذهِ الأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَالْيَقِيْنِ، وَيَهْلِكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالأَمَلِ"(1).
وسبق هذا الحديث برواية أخرى في اليقين، وهذه الرواية أتم؛ ألا ترى أنه عمم فيها أن صلاح الأمة بالزهد واليقين من غير تقييد بأول الأمة؟ (2).
وروى أبو نعيم عن الربيع قال: قال الشافعي رضي الله عنه: عليك بالزهد؛ فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد (3).
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 10)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(7650)، والبيهقي في "شعب الأيمان" (10844). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 255): رواه الطبراني، وفيه عصمة بن المتوكل، وقد ضعفه غير واحد، ووثقه ابن حبان.
(2)
ففي رواية الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 10): "صلاح أول هذه الأمة بالزهد
…
".
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 130).