المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصلٌ كما ينبغي للإنسان أن يتشبه بالصالحين، ينبغي له أن يسأل - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٢

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌140 - البكاء من خشية الله تعالى:

- ‌141 - ومنها: الخضوع، والخشوع:

- ‌142 - ومنها: التلطُّف بأهل الشَّام، وإرادة الخير لهم، ودفع السوء عنهم:

- ‌143 - ومنها: حضور مجالس العلم:

- ‌144 - ومنها: ختم المجالس بالتسبيح والتحميد:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدةٌ:

- ‌ فائِدةٌ أُخْرَىْ:

- ‌ مَسْألةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌خَاتِمَة فِي لطَائَف تَتَعَلَّق بِهَذَا البَاب

- ‌(2) باب التَّشَبُّه بِالأَخْيَار مِنْ بَنِي آدَم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌(3) بَابُ التَّشَبُّه بِالصَّالِحِينَ رَضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم أجْمَعِيْنَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌1 - فمنها: الإخلاص

- ‌2 - ومنها: التوبة:

- ‌3 - ومنها: الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى قضائه:

- ‌4 - ومنها: الرضا بقضاء الله تعالى:

- ‌5 - ومنها: الصدق:

- ‌6 - ومنها: المراقبة:

- ‌7 - ومنها: الشكر:

- ‌8 - ومنها: السجود شكراً عند هجوم نعمة، واندفاع نقمة، ورؤية مبتلى:

- ‌9 - ومنها: التقوى:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌10 - ومنها: الإحسان:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌11 - ومنها: اليقين:

- ‌12 - ومنها: التوكل:

- ‌13 - ومنها: التفكر في مصنوعات الله تعالى، وفي نعمه، دون التفكر في ذاته:

- ‌14 - ومنها: الاستقامة:

- ‌15 - ومنها: المبادرة إلى الخيرات:

- ‌16 - ومنها: المجاهدة للكفار، وللنفس، والشيطان:

- ‌17 - ومنها: المصابرة في الحرب، وعدم الفرار:

- ‌18 - ومنها: الازدياد من الخير - وخصوصًا في آخر العمر - وكل نَفَسٍ من أنفاس العبد يمكن أن يكون آخر عمره:

- ‌19 - ومنها: الاقتصاد في العبادة:

- ‌20 - ومنها: المحافظة على الأعمال، والمداومة عليها:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌21 - ومنها: الأخذ بالرخص في محالِّها؛ كقصر الصلاة في السفر وجمعها، والفطر بعد مجاوزة ثلاثة مراحل، والتيمم عند فقد الماء، والمسح على الخفين

- ‌22 - ومنها: المحافظة على السنة، وآدابها:

- ‌23 - ومنها: الانفياد لحكم الله تعالى:

- ‌24 - ومنها: إحياء السنة، والدلالة على الخير، والتعاون على البر والتقوى:

- ‌25 - ومنها: حفظ اللسان والصمت إلا عن خير:

- ‌26 - ومنها: النصيحة:

- ‌27 - ومنها: العدل في الحكم، وفي سائر ما يطلب فيه العدل:

- ‌28 - ومنها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:

- ‌29 - ومنها: موافقة القول العمل:

- ‌30 - ومنها: أداء الأمانة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌31 - ومنها: تعظيم حرمات المسلمين، والشفقة عليهم، ورحمة من أمر برحمته من خلق الله تعالى:

- ‌32 - ومنها: ستر عورات المسلمين:

- ‌33 - ومنها: قضاء حوائج المسلمين:

- ‌34 - ومنها: الشفاعة إلا في حدود الله تعالى، أو في إضاعة حق:

- ‌35 - ومنها: الإصلاح بين النَّاس:

- ‌36 - ومنها: إيثار صحبة الفقراء، والتواضع لهم:

- ‌37 - ومنها: ملاطفة اليتيم، والبنات، وسائر الضعفة، والمساكين، والمنكسرين، والإحسان إليهم:

- ‌38 - ومنها: التلطف بالمرأة، وتحسين الخلق معها، واحتمال الأذى منها:

- ‌39 - ومنها: الرفق بالخادم، والتلطف به، والإحسان إليه:

- ‌40 - ومنها: النفقة على العيال:

- ‌41 - ومنها: الصدقة، وخصوصاً مما يحب:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ آخَرُ:

- ‌42 - ومنها: تعليم الأهل، والأولاد الأدب، وأمرهم بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن معصية الله، وتعليمهم ما يحتاجون إليه من ذلك:

- ‌43 - ومنها: رعاية حق الجار:

- ‌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌44 - ومنها: بر الوالدين، وصلة الأرحام:

- ‌45 - ومنها: برُّ أصدقاء الأب، والأم، والأقارب، وسائر من يندب بره، وإكرامه:

- ‌46 - ومنها: إكرام آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - ومنها: محبة الصحابة رضي الله تعالى عنهم

- ‌48 - ومنها: توقير العلماء

- ‌49 - ومنها: زيارة أهل الخير، ومجالستهم، وصحبتهم، ومحبتهم، وطلب زيارتهم، وطلب الدعاء منهم، وزيارة المواضع الفاضلة

- ‌50 - ومنها: الحب في الله، والحث عليه:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌51 - ومن خصال الصَّالحين: أنهم إذا تواخوا في الله تعالى تعارفوا بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، وبلدانهم لأداء الحقوق، لا لاتباع العورات، ونحو ذلك؛ فين الأول من أخلاق الصَّالحين، والثاني من أخلاق المنافقين

- ‌52 - ومنها: إخبار العبد من يحب بأنه يحبّه:

- ‌53 - ومنها: البغض في الله، والعداوة في الله؛ أي: لأجله:

- ‌54 - ومنها: إجراء أحكام الناس على الظاهر، وكِلَةُ سرائرهم إلى الله تعالى:

- ‌55 - ومنها: الخوف، والرجاء، واعتدالهما، أو ترجيح الخوف إلا عند الموت، فيرجح الرَّجاء

- ‌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌56 - ومنها: البكاء من خشية الله تعالى، أو شوقاً إلى لقائه، وخصوصاً عند تلاوة القرآن:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌57 - ومنها: الحزن على ما فات من معصية، أو تقصير، أو فَزَعاً من عذاب الله، وفَرَقاً من أهوال يوم القيامة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌58 - ومنها: حسن الظن بالله تعالى لا سيما عند الموت

- ‌59 - ومنها: الورع، وترك الشبهات:

- ‌60 - ومنها: الزهد في الدنيا، وإيثار التقلل منها

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌61 - ومنها: إيثار الجوع، وخشونة العيش، والاقتصار على اليسير من المأكول، والمشروب، والملبوس، وغيرها من حظوظ النفس:

- ‌62 - ومنها: القناعة، والاقتصاد في المعيشة، والنفقة، والتعفف عن السؤال من غير ضرورة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌63 - ومنها: قبول ما يفتح الله به من غير سؤال، ولا تطلُّع نفس:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌64 - ومنها: الأكل من عمل اليد، والكسب الطيب:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌65 - ومنها: الكرم، والجود، والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى:

- ‌وَهُنا لَطائِفُ:

- ‌ إحداها:

- ‌ الثانية:

- ‌ الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌66 - ومن خصال الصالحين، وأخلاقهم: الإيثار، والمواساة {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265]:

- ‌67 - ومنها: التواضع، وخفض الجناح:

- ‌68 - ومنها: التنافس في أمور الآخرة، والاستكثار مما يتبرك به:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌69 - ومنها: أخذ المال من وجهه، وصرفه في وجوهه المأمور بها شرعاً:

- ‌70 - ومنها: الإكثار من ذكر الله تعالى، والرغبة في مجالس الذكر، والتنزه عن مجالس اللهو والظلم وذكر الدُّنيا:

- ‌71 - ومنها: الإكثار من ذكر الموت، وقصر الأمل:

- ‌72 - ومنها: زيارة القبور للرجال، والسَّلام على سكانها:

- ‌73 - ومنها: قيام الليل، والتهجد، وهو الصلاة بعد رقدة كما في الحديث:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌74 - ومنها: استحباب العزلة عند فساد الزمان، أو الخوف من الفتنة في الدين، والوقوع في حرام، أو شبهة:

- ‌75 - ومنها: التفرغ للعبادة، علماً، وعملاً، ونية:

- ‌76 - ومنها: الاختلاط. بالناس لحضور جمعهم وجماعاتهم، وحضور مشاهد الخير، ومجالس الذِّكر معهم، وعيادة مرضاهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌1 - فمنها: الحياء

- ‌2 - ومنها: إنجاز الوعد، وحفظ العهد، ويدخل فيه صيانة الأسرار:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌3 - ومنها: المحافظة على ما اعتاده من الأوراد:

- ‌4 - ومنها: الْحِلْم، وكظم الغيظ، واحتمال الأذى، والعفو عن الناس، والصفح الجميل عنهم، والإحسان إليهم، والإعراض عن الجاهلين:

- ‌5 - ومنها -وهو أعم مما قبله -: حسن الخلق:

- ‌6 - ومنها: الرفق:

- ‌7 - ومنها: الأناة، والتُّؤَدَةُ:

- ‌8 - ومنها: قِرَى الضيف، وإكرامه، والبشاشة في وجهه، وطيب الكلام، وطلاقة الوجه عند اللقاء:

- ‌9 - ومنها: الوعظ، والاقتصاد فيه، والاستنصات فيه، وتفهمه للسَّامع:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌10 - ومنها: الخشوع، والخضوع بين يدي الله تعالى، والسكينة، والوقار، خصوصًا في إتيان الصَّلاة، وطلب العلم:

- ‌11 - ومنها: إهداء الهدية، وقبولها، ما لم تكن رشوة، والمكافاة عليها، وإتحاف الصديق والقريب بالشيء، وإعطاء ولده الشيء إذا دخل عليك:

- ‌12 - ومنها: إدخال السرور على قلوب المؤمنين، والتودد إليهم، والتردد إلى إخوانه منهم من غير إذلال لنفسه في طلب دنيا:

- ‌13 - ومنها: التهنئة، والتبشير بالخير لإخوانه المؤمنين:

- ‌14 - ومنها: تنفيس كروب المسلمين، وقضاء حوائجهم، وستر عوراتهم، وتعزيتهم في مصائبهم:

- ‌15 - ومنها: تنحية الأذى عن طريق المسلمين:

- ‌16 - ومنها: كف الأنسان أذاه عن الناس:

- ‌17 - ومنها: اصطناع المعروف على أنواع؛ كالقرض، وقيادة الأعمى، وإسماع الأصم، ومساعدة المسلم على حمل حاجته، وقضائها، وتحميل دابته، وإمساك الركاب له، ونحو ذلك، وقد تقدم منه كثير:

- ‌18 - ومنها: وداع الصاحب عند فراقه لسفر، أو غيره، والدعاء له، وطلب الدعاء منه:

- ‌19 - ومنها: الاستخارة، والمشاورة:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌20 - ومنها: الذهاب إلى العيد والحج والجنازة ونحوها من طريق، والرجوع من طريق آخر؛ لتكثر مواضع العبادة، وتشهد بها ملائكة الطريقين، وتتبرك بالطائع بقاعهما، أو لغير ذلك

- ‌21 - ومنها: تقدم اليمين فيما هو من باب التكريم، واليسار في ضد ذلك:

- ‌22 - ومنها: المحافظة على آداب الوضوء، والطهارة

- ‌23 - ومنها: المحافظة على آداب الطعام والشراب، كالتسمية

- ‌24 - ومن الآداب: إفشاء السلام، والبداءة به، وتسليم الراكب على الماشي

- ‌فَصَلٌ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ الفائدة الأولى: ولاية الله تعالى:

- ‌ الفائدة الثانية: ولاية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفائدة الثالثة: فوز العبد بهذه المرتبة العظيمة التي محلها في القرآن العظيم بين جبريل وبقية الملائكة عليهم السلام

- ‌ الفائدة الرابعة: الدخول في رحمة الله تعالى:

- ‌ الفائدة الخامسة: حفظ العبد في نفسه، وأولاده، وأهله، وعشيرته، وجيرانه:

- ‌ تَنْبِيْهانِ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِيْ:

- ‌ الفائدة السادسة: إن العبد الصالح إذا استرعي على رعية أعانه الله تعالى على رعايتها، ووفقها لطاعته

- ‌ الفائدة السابعة: إدخال السرور على قلوب الأبوين والأقارب في قبورهم بصلاح الولد والقريب

- ‌ الفائدة الثامنة: أن الصالحين لا تقوم عليهم الساعة، ولا يقاسون أهوال قيامها، ويثبتهم الله في القبور، وينجيهم على الصراط

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ آخَرُ:

- ‌ الفائدة التاسعة: النعيم في القبر، والسلامة من فتنته، وذب الأعمال الصالحة عن العبد الصالح فيه:

- ‌ الفائدة العاشرة: تنعم الصالح في الدنيا بمعرفة الله تعالى

- ‌ الفائدة الحادية عشرة: أن الصلاح يكسب العبد الشرف في الدنيا والآخرة:

- ‌ الفائدة الثانية عشرة: مقارنة الصالحين في الجنة، ومرافقتهم

- ‌ الفائدة الثالثة عشرة: أن الله تعالى يلحق بالعبد الصالح في رتبته من هو دونه في الرتبة من ولد

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ الفائدة الرابعة عشرة: أن الصالحين تفتخر بهم البقاع، وإذا ماتوا بكت عليهم مجالسهم من الأرض

- ‌ الفائدة الخامسة عشرة: الحياة الطيبة:

- ‌ الفائدة السادسة عشرة: ما تضمنه قوله تعالى:

- ‌ الفائدة السابعة عشرة: أن الله تعالى يلقي محبة الصالحين في قلوب الخلق إلا من شذ منهم:

- ‌ الفائدة الثامنة عشرة: هداية الصالحين في الدنيا إلى عمل الخير

- ‌ الفائدة التاسعة عشرة: أن الصالحين يرفعون إلى جنة الفردوس، والدرجات العلي، وشجرة طوبى

- ‌ الفائدة التي بها تمام عشرون فائدة: الفلاح

- ‌ تَنْبِيْهٌ لَطِيْفٌ:

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ ومن فوائد ذكر الصَّالحين:

- ‌ ومن لطائف الآثار:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ ومن لطائفها:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثانِيَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ ثالِثَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ رابِعَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ خامِسَةٌ:

الفصل: ‌ ‌فَصلٌ كما ينبغي للإنسان أن يتشبه بالصالحين، ينبغي له أن يسأل

‌فَصلٌ

كما ينبغي للإنسان أن يتشبه بالصالحين، ينبغي له أن يسأل الله تعالى أن يلحقه بهم، كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم:{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83].

وقال يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].

وقال سليمان عليه السلام: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].

وروى ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن [أبي] خالد رحمه الله تعالى قال: ذكر عن بعض الأنبياء عليهم السلام: اللهم لا تكلفني طلب ما لم تقدره لي، وما قدرت لي من رزق فأتني به في ستر منك وعافية، وأصلحني بما أصلحت به الصالحين؛ فإنما أَصْلَحَ الصالحين أنت (1).

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "التوبة" عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى: أنه كان يقول: اللهم إن الصالحين أصلحتهم، فأصلحنا

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 71).

ص: 464

حتى نكون صالحين (1).

وروى أبو نعيم: أن معاوية بن قُرَّة رحمه الله تعالى كان يقول: اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم، ورزقتهم، يعملون بطاعتك، فرضيت عنهم، اللهم كما أصلحتهم ورزقتهم فرضيت عنهم، فارزقنا أن نعمل بطاعتك، وارض عنا (2).

وقال رجل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: زودني دعوة؛ فإني أريد الخروج إلى طرسوس، فقال: قل: يا دليل الحيارى! دلني على طريق الصالحين، واجعلني من الصالحين (3).

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(ص: 126).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 299).

(3)

رواه اللالكائي في "كرامات الأولياء"(ص: 233).

ص: 465

فَصلٌ

وكذلك يستحب له زيارة الصالحين، وعيادتهم، والتردد إليهم ليكون معهم بالمحبة، كما سبق، ويجب عليه احترامهم صاجلالهم.

روى الإمام أحمد، وغيره، وصححه الحاكم، عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُوْلُ: حَقَّتْ مَحَبَتَّيْ لِلَّذِيْنَ يَتَزَاوَرُوْنَ مِنْ أَجْلِيْ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِيْ لِلَّذِيْنَ يَتَحابُّوْنَ مِنْ أَجْلِيْ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِيْ لِلَّذِيْنَ يَتَبَاذَلُوْنَ مِنْ أَجْلِيْ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِيْ لِلَّذِيْنَ يَتَناصَرُوْنَ مِنْ أَجْلِيْ"(1).

وروى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عادَ مَرِيْضاً، أَوْ زارَ أَخاً لَهُ فِيْ اللهِ، ناداهُ مَلَكٌ مِنْ خَلْفِهِ: طِبْتَ، وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً"(2).

وروى مسلم عن أنس قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة

(1) رواه الإمام أحمد في " المسند"(5/ 229)، والحاكم في "المستدرك"(7316).

(2)

رواه الترمذي (2008) واللفظ له، وحسنه، وابن ماجه (1443).

ص: 466

رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهوا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إني لا أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أن الوحي قد إنقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها (1).

قال حجة الإسلام في "الإحياء": ودخل رجل على داود الطائي رحمه الله تعالى فقال له: ما حاجتك؟ قال: زيارتك، قال: أما أنت فقد عملت خيراً حين زرت، ولكن انظر ماذا ينزل بي إذا قيل لي: من

أنت فتُزار؟ من الزهاد أنت؟ لا والله، من الصالحين أنت؟ لا والله، من العبَّاد أنت؟ لا والله، ثم أقبل ينوح على نفسه، ويقول: كنت في الشبيبة فاسقاً، فلما شخت صرت مرائياً، والله لَلمرائي شر من الفاسق (2).

واعلم أن الصالحين - وإن أزروا بأنفسهم، ووضعوا من مقامهم - فإنما يزيدهم ذلك مهابة في قلوب المؤمنين، ووقاراً في صدور المحبين.

وفي الحديث: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيْرَنا، وَيَرْحَمْ صَغِيْرَنَا".

رواه الإمام أحمد، والحاكم عن عبادة بن الصامت (3).

وفي لفظ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيْرَنا، وَيعْرِفْ حَقَّ كَبِيْرِنا فَلَيْسَ مِنَّا".

(1) رواه مسلم (2454).

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 161).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 323)، والحاكم في "المستدرك" (421). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 127): رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.

ص: 467

رواه أبو داود، والحاكم وصححه، من حديث ابن عمرو (1).

وفي لفظ عنه أيضاً أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والحاكم:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيْرَنا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيْرِنا"(2).

وفي لفظ عن أنس - صححه الترمذي -: "لَيْسَ مِنَا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيْرَنا، وَيُوَقَّرْ كَبِيْرَنا"(3).

وليس المراد بالكبير من كان من المترفين، أو من الظلمة المتمردين، بل من كان من العلماء العاملين، أو الحكام العادلين، أو العباد الصالحين، أو ذوي الأسنان من المسلمين.

وروى الأستاذ أبو القاسم القشيري في "رسالته" عن أبي بكر بن عثمان قال: كتب أبو عثمان إلى محمد بن الفضل رحمة الله عليهما: سألتَ ما علامة الشقاوة؛ فهي ثلاثة أشياء: يرزق العلم ويحرم العمل، ويرزق العمل ويحرم الإخلاص، ويرزق محبة الصالحين ولا يحترمهم (4).

(1) رواه أبو داود (4943)، والحاكم في "المستدرك"(209).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 185) إلا أنه قال: (ويعرف حق كبيرناهـ، ورواه الترمذي (1920)، والحاكم في "المستدرك"(209).

(3)

رواه الترمذي (1919) وقال: هذا حديث غريب، وزربي - راوي الحديث - له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره.

(4)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 56).

ص: 468

فَصلٌ

وكذلك ينبغي له أن يخالط الصالحين، ويعاشرهم، ويخدمهم، ويقضي حوائجهم، ويعاونهم؛ لأن ذلك يدعو إلى محبتهم، والتشبه بهم، وطلب اللحاق بهم، والحشر معهم، وسريان طباعهم إليه

بمخالطتهم، كما تقدم التنبيه على ذلك، وإلى حلول نظرهم عليه، ودعائهم له، ولأن من جالسهم فقد جالس الله - عزوجل - لأنهم جلساؤه.

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ تِسْعَةً ؤَتِسْعِيْنَ نَفْساً، فَجَعَلَ يَسْأَلُ؟ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَأَتَىْ راهِباً فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ تَوْبَةٌ؟ فَقَتَلَ الرَّاهِبَ، ثمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ، فَخَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَىْ قَرْيةٍ فِيْها قَوْمٌ صالِحُونَ، فَلَمَّا كانَ فِيْ بَعْضِ

الطَّرِيْقِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَناءَ بِصَدْرِهِ، فَأَحَفَّتْ بِهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلائِكَةُ الْعَذابِ، وَكانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا" (1).

وقوله: "فَناءَ بِصَدْرِهِ"؛ أي: مال بصدره إلى جهة القرية الصالحة، فأدركه الموت على هذه الحالة.

(1) تقدم تخريجه.

ص: 469

فانظر كيف جعل من أهل القرية الصالحة بعزمه على مخالطتهم، والكينونة معهم، فما ظنك بمن يخالطهم؟

وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "جَالِسُوْا الْكُبَراءَ، وَسائِلُوْا الْعُلَماءَ، وَخالِطُوْا الْحُكَمَاءَ"(1).

ومن فهم أن الكبراء في الحديث غير أهل الدين والتقوى فقد أخطأ الفهم.

وفي "الأوسط" عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مُوْسَىْ عليه السلام قَالَ: يا رَبِّ! أَخْبِرْنيْ بِأَكْرَمِ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، قالَ: الَّذِيْ يُسَارعُ إِلَىْ هَوَايَ إِسْراعَ النَسْرِ إِلَىْ هَواهُ، وَالَّذِيْ يَأْلَفُ عِبادِيَ الصَّالِحِيْنَ كَمَا يَأْلَفُ الظَّبْيُ النَاسَ، وَالَّذِيْ يَغْضَبُ إِذا انْتُهِكَتْ

مَحارِمِيْ كَغَضَبِ النَّمِرِ لِنَفْسِهِ، لا يُبالِيْ قَلَّ النَاسُ إِذا غَضِبَ أَمْ كَثُرُوْا" (2).

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن معاوية بن قرة قال: قال لقمان لابنه عليهما السلام: يا بني! جالس الصالحين من عباد الله؛ فإنك

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 133). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد، (1/ 125): رواه الطبراني في "الكبير" من طريقين أحدهما هذه، والأخرى موقوفة، وفيه عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي، وهو منكر الحديث، والموقوف صحيح الإسناد.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1839). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 266): وفيه محمد بن عبد الله بن يحيى بن عروة، وهو متروك.

ص: 470

تصيب بمجالستهم خيراً، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم الرحمة فتصيبك معهم.

يا بني! لا تجالس الأشرار؛ فإنك لا يصيبك من مجالستهم خير، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة فتصيبك معهم (1).

وذكر الحافظ ابن سيد الناس في "منح المدح" عن بعض أهل الأخبار: أن لبيد بن ربيعة العامري رضي الله تعالى عنه لم يقل الشعر في الإسلام إلا قوله: [من الكامل]

مَا عَاتَبَ الْمَرْءَ الْكَرِيْمَ كَنَفْسِهِ

وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْقَرِيْنُ الصَّالِحُ

وروى أبو نعيم عن عبد الواحد بن زيد رحمه الله تعالى: أنه قال: جالسوا أهل الدين، فإن لم تجدوهم فجالسوا أهل المروءات؛ فإنهم لا يرفثون في مجالسهم (2).

وروى هو، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" عن ذي النون المصري رحمه الله تعالى: أنه قال: بصحبة الصالحين تطيب الحياة، والخير مجموع في الرفيق الصالح؛ إن نسيت ذكَّرك، كان ذكرت أعانك (3).

(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 106).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 160).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 359)، وابن الجوزي في "صفة الصفوة"(4/ 315).

ص: 471

وروى ابن باكويه الشيرازي في "الألقاب" عن يوسف بن الحسين قال: قلت لذي النون رحمه الله تعالى وقت مفارقتأنه: مَنْ أُجَالِسُ؟ قال: عليك بصحبة من يذكِّرك بالله رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في علمك منطقه، ويزهِّدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في

قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله.

وروى الإمام أحمد في "الزهد"، وغيره عن أبي غالب قال: في وصية عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين! تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم، والتمسوا رضاه بسخطهم،

قالوا: يا نبي الله! من نجالس؛ قال: جالسوا من يزيد في أعمالكم منطقه، ومن يذكِّركم بالله رؤيته، ويزهِّدكم في ديناكم عمله (1).

وعن قيس بن عباد: أن داود عليه السلام كان يدعوه: يا ماراه؛ أي: يا رباه! أسالك جليساً إذا ذكرتك أعانني، وإذا نسيتك يذكرني، يا ماراه! أعوذ بك من جليس [إذا ذكرتك لم يعني وإذا نسيتك لم

يذكرني] (2)، يا ماراه! إذا مررت بقوم يذكرونك فأردت أن أجاوزهم فاكسر رجلي التي تليهم حتى أجلس فأذكرك معهم (3).

وروى ابن أبي شيبة عن الحسن: أن داود عليه السلام قال:

(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 54).

(2)

بياض في "أ".

(3)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 88).

ص: 472

اللهم إني أسألك من الإخوان والأصحاب والجيران والجلساء من إن نسيت ذكروني، كان ذكرت أعانوني، وأعوذ بك من الأصحاب والإخوان والجيران والجلساء من إن نسيت لم يذكروني، كان ذكرت لم يعينوني (1).

وروى ابن لال عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جُلَساءُ اللهِ غَداً أَهْلُ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِيْ الدُّنْيا"(2).

ومجالستهم له تعالى يوم القيامة على مجالستهم له في الدُّنيا؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل؛ لأنَّ الصَّالحين لا تخلو مجالستهم عن ذكر الله تعالى.

وقد ورد أن الله تعالى قال: "أَنا جَلِيْسُ مَنْ ذَكَرَنِيْ"(3).

وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُوْلُ اللهُ - عزوجل- أَنا مَعَ عَبْدِيْ إِذا هُوَ ذَكَرَنِيْ، وَتَحَرَّكَتْ بِيْ شَفَتَاهُ". رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه (4).

فمن جالس الصالحين فهو من جلساء الله تعالى، وأي خير أعظم من ذلك؟ !

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34276).

(2)

كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 58) إلى ابن لال.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 473

وقال شيخ الإسلام الجدُّ رحمه الله تعالى: [من الوافر]

جُلُوْسُكَ مَعْ رِجالِ اللهِ يُلْهِيْ

عَنِ الدُّنْيا وَعَنْ أَهْلٍ وَشُغْلِ

فَجَالِسْهُمْ تَنَلْ خَيْراً كَثِيْراً

وتُعْطَىْ كُلَّ أَفْضالٍ وَفَضْلِ

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "المنامات" عن بعض أصحاب مالك بن دينار: أنه رأى مالكاً رضي الله تعالى عنه في النوم، فقال له: ما صنع الله بك؟ قال: خيراً، لم نر مثل العمل الصالح، لم نر مثل

الصحابة الصالحين، لم نر مثل السلف الصالح، لم نر مثل مجالس الصالحين (1).

وروى أبو نعيم، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" عن عون بن عبد الله رحمه الله تعالى قال: كان رجل يجالس قوماً، فترك مجالستهم، فأتي في منامه، فقيل له: تركت مجالستهم؛ لقد غفر لهم بعدك سبعين مرة (2).

وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري في "رسالته" عن أبي الخير الأقطع رحمه الله تعالى قال: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "المنامات"(ص: 104).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 252)، وابن الجوزي في "صفة الصفوة"(3/ 102).

ص: 474

الموافقة، ومعانقة الأدب، وأداء الفرائض، وصحبة الصالحين (1).

وروى أبو نعيم عن أبي السائب: أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إني قد اتخذت من أهل الأرض خليلاً قال: فقال: يا رب! أعلمني من هو حتى أكون له عبداً حتى نموت (2).

وعن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت مضاء - يعني: ابن عيسى -، وأبا صفوان بن عواء رحمهما الله تعالى يقولان: من أحب رجلاً لله، وقصر في حقه، فهو كاذب في حبه، وإذا أراد الله بالشاب خيراً

وفق له رجلاً صالحاً (3).

وعن قتادة قال: يا ابن آدم! لا تعتبر الناس بأموالهم ولا أولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح، وإذا رأيت عبداً صالحاً يعمل فيما بينه وبين الله خيراً، ففي ذلك فسارع، وفي ذلك فنافس ما استطعت إليه، ولا قوة إلا بالله (4).

وروى أبو الحسن بن جهضم عن بشر بن الحارث رحمه الله تعالى قال: تَنَقَوا الإخوان؛ فإذا وجدتم من يعينكم على الآخرة فتمسكوا به (5).

(1) انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 74).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 323).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 325).

(4)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 336).

(5)

رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(ص: 159).

ص: 475

وعن أبي سليمان الدارني رحمه الله تعالى قال: كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً، وكنت أرى الأخ من إخواني فأصافحه، فما يفارق كفي كفه حتى أجد طعم ذلك في قلبي (1).

وروى البيهقي في "الشعب" عن جعفر بن محمد - وهو الصادق رحمه الله تعالى - قال: المروءة مروءتان: مروءة في السفر، ومروءة في الحضر، فأما مروءة الحضر فقراءة القرآن، والنظر في الكتب، وحضور المساجد، ومجالسة أهل الخير، وأما مروءة السفر فبذل الزاد، وقلة الخلاف على من يصحبك، والمزاح في غير ما يسخط الله، وإذا فارقتهم أن تنشر عنهم الجميل (2).

[وروى الحاكم في "المستدرك" عن عبيد الله بن الحارث الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سَعادَةِ المرءِ في الدُّنيا: الجارُ الصَّالحُ، والمنزِلُ الواسِعُ، والمركَبُ الهَنِيءُ"(3).

وروى الدِّينوري في "المجالسة" من طريق ال البيت عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أربعُ خصالٍ من سعادةِ

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 270)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9079).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(9575).

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(7306). ورواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 407) كلاهما من حديث نافع بن عبد الحارث.

ص: 476

المرءِ؛ أن تكونَ زوجتُه صالحةً، وأولادُه أبراراً، وخلطاؤه صَالحين، ومعيشتُه في بَلدِه" (1).

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان" عن عبد الله بن الحكم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

* تنبيه: ولا ينبغي لمن صحب الصالحين أن يأمَنَ مكر الله تعالى بسبب صحبتهم ولا يغترَّ بها، كما قال حاتم الأصم رحمه الله تعالى: لا تغتر بموضع صالح، فلا مكان أصلح من الجنة ولقي آدم فيها ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبُّده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يحسن الاسم الأعظم فانظر ماذا لقي، ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر [منزلة] من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم ينتفع بلقائه أقاربه ولا أعداؤه (2).

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 91) وإسناده ضعيف جداً.

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/ 185).

ص: 477

فَصلٌ

إنما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي الله تعالى عنه

على المرأة الصالحة في الخلطاء الصالحين، فإن الاختلاط بها من سريان طباع كل منهما إلى الآخر، وأشد في جلب المودة والمحبة.

ولذلك كان داود عليه السلام يقول: اللهم لا تجعل لي أهلَ سُوءٍ

فأكون رجلَ سوء. رواه الإمامان عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد بن حنبل كلاهما في "الزهد" عن عُبيد بن عمير (1).

ومن ثَمَّ قيل: المرء على دين زوجته.

وعلله أقضى القضاة الماوردي في "أدب الدين والدنياهـ لما يستلزمه الميل إليها من المتابعة، ويجتذبه الحب لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلاً، ولا إلى المباينة والمشاقة طريقاً، وأنشد قول خالد بن يزيد بن معاوية لزوجته:

(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 123).

ص: 478

فإنْ تُسلمي نسلِمْ وإن تتنصَّري

يَخُطُّ رجالٌ بين أعينهم صُلْبا (1)

وقد وقعت الموافقة بين الزوجين في قوله تعالى: {وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

وكان الاعتناء بصلاح الزوجة لذلك أهم من الاعتناء بصلاح غيرها من الخُلطاء، ومن ثمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ما استفاد المؤمنُ بعدَ تقوى اللهِ خيراً من زوجةٍ صَالحةٍ، إنْ أمرَها أطاعتْهُ، كان نظر إليها سَرَّته، وإنْ أقسمَ عليها أبرَّته، وإنْ غابَ عنها نصحته في نفسِها ومالِه"، رواه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه (2).

وأثنى الله على زكريا عليه السلام بصلاح الزوجة قال: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90].

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان في لسان امرأة زكريَّا عليه السلام طولٌ فأصلحه اللهُ تعالى. صححه الحاكم (3).

وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى: كان في خلقها سوء، وفي لسانها طول، وهو البذاء، فأصلح الله ذلك منها (4).

(1) انظر "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 129).

(2)

رواه ابن ماجه (1857)، وإسناده ضعيف.

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(3446).

(4)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 53).

ص: 479

وقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى: كان في خلقها شيء (1)] (2).

رواهما ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عساكر.

ولا شك أن حسن الخلق، وطيب اللسان من تمام الصلاح، بل هما معظمه.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ما استفاد رجل بعد إيمان بالله خيراً من امرأة حسنة الخلق، وَدُودٍ وَلُودٍ، وما استفاد رجل بعد الكفر بالله شراً من امرأة سيئة الخلق، حديدة اللسان. رواه ابن أبي شيبة (3).

وروى ابن السمعاني في "أماليه" عن أبي معبد الخزاعي: أنه قيل له: يا أبا معبد! أي النساء أحب إليك؛ قال: أحب النساء إلي من ولدت في نعمة، ثم أصابتها حاجة، فمعها ذل الحاجة، ومعها أخلاق النعمة، لا قارنة فتحن، ولا [ .... ](4) فتمجن، بهية من بعيد، مليحة من بعيد.

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 53).

(2)

من قوله: "وروى الحاكم في المستدرك"(ص: 476) إلى هنا، سقط من "أ" بمقدار لوحة كاملة، والاستدراك من النسخة "م" و "ت".

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17142).

(4)

كلمة غير واضحة في "م" و"أ"، وموضعها بياض في "ت".

ص: 480

ومما ورد في الترغيب في تزوج المرأة الصالحة: ما ذكره في "الإحياء" عن محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى: {رَبَّنَا اتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201]؛ قال: المرأة الصالحة (1).

وأخرجه ابن أبي حاتم في الآية إلا أنه قال: المرأة الصالحة من الحسنات (2).

وفي بعض التفاسير في قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]؛ الزوجة الصالحة (3).

وروى مسلم، والنسائي، وابن ماجه واللفظ له، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَلَيْسَ مِنْ مَتَاعِ الدّنْيَا شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ"(4).

وروى الإمام أحمد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن جده رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ سَعادَةِ ابْنِ ادَمَ ثَلاثٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ ادَمَ ثَلاثٌ، مِنْ سَعادَةِ ابْنِ ادَمَ الْمَرْأ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شَقْوَةِ

(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 31)، وذكره أبو طالب المكي في "قوت القلوب"(2/ 405).

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 358).

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 31)، وذكره أبو طالب المكي في "قوت القلوب"(2/ 405).

(4)

رواه مسلم (1467)، والنسائي (3232)، وابن ماجه (1855).

ص: 481

ابْنِ ادَمَ الْمَرْأَةُ السُّوْءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوْءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوْءُ" (1).

ورواه ابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "أَرْبَعٌ مِنَ السَّعادَةِ: الْمَرْأةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْواسِعُ، وَالْجارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيْءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ السُّوْءُ، وَالْجَارُ السُّوْءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوْءُ،

وَالْمَسْكَنُ الضَّيّقُ" (2).

وروى الحاكم - وأشار المنذري إلى صحة إسناده، عن محمد بن سعد؛ يعني: ابن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثَةٌ مِنَ السَّعادَةِ: الْمَرْأة الصَّالِحَةُ تَراهَا تُعْجِبُكَ، وَتَغِيْبُ فَتَأْمَنُهَا عَلَىْ نَفْسِها وَمالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُوْنُ فَطِنَةً، فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحابِكَ، وَالدَّارُ تَكُوْنُ واسِعَة كَثَيْرَةَ الْمَرافِقِ.

وَثَلاثَةٌ مِنَ الشَّقاءِ: الْمَرْأةُ تَراهَا فَتَسُوْءُكَ، وَتَحْمِلُ لِسانهَا عَلَيْكَ، وَإِنْ غِبْتَ لَمْ تَأْمَنْها عَلَىْ نفسِها وَمالِكَ، وَالدَّابَّهُ تَكُوْنُ قَطُوْفاً؛ إِنْ ضَرَبْتَها أتعَبَتْكَ، وَإِنْ تَرَكْتَها لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحابِكَ، وَالدَّارُ تَكُوْنُ ضَيِّقَةً قَلِيْلَةَ الْمَرافِقِ" (3).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 168). وصحح المنذري إسناده في "الترغيب والترهيب"(3/ 28).

(2)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(4032).

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(2684) وقال: تفرد به محمد بن بكير عن خالد، فإن كان حفظه فينه صحيح على شرط الشيخين. قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 29): محمد هذا صدوق وثقه غير واحد.

ص: 482

وروى الطبراني في "الأوسط"، والحاكم وصححه، عن أنس رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رَزَقَهُ اللهُ امْرَأَةً صالِحَةً فَقَدْ أَعانَهُ عَلَىْ شَطْرِ

دِيْنِهِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِيْ الشَّطْرِ الثَّانِيْ" (1).

وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبزى رحمه الله تعالى قال: مثل المرأة الصالحة عند الرجلالصالح مثل التاج الْمُخَوَّصِ بالذهب على رأس الملك، ومثل المرأة السوء عند الرجلالصالح مثل

الحمل الثقيل على الرجلالكبير (2).

والمراد بالمرأة الصالحة: أن تكون صالحة للدين والدنيا؛ وإن كانت صلاحية الدين أهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمالِها، وَلِحَسَبِها، وَلِجَمالِها، وَلِدِيْنِها؛ فَاظْفَرْ بِذاتِ الدِّيْنِ تَرِبَتْ يَداكَ". رواه الستة إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (3).

وروى الإمام أحمد بسند صحيح، وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ الْمَرْأةُ علَىْ إِحْدَىْ خِصالٍ: لِجَمالِها، وَمالِها،

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(972)، والحاكم في "المستدرك" (2681). قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 117): رواه الحاكم وسنده ضعيف.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17143).

(3)

رواه البخاري (4852)، ومسلم (1466)، وأبو داود (2047)، والنسائي (3230)، وابن ماجه (1858).

ص: 483

وَخُلُقِها، وَدِيْنِها؛ فَعَلَيْكَ بِذاتِ الدِّيْنِ تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ" (1).

أي: إن لم تظفر بذات الدين، أو: إن ظفرت بها فأعرضت عنها لذات مال، أو حسب، أو جمال.

فإن من تزوج امرأة لمالها فقد لا يكون معها مال يستفيده، أو معها ولكن لم تعطه، فتنقلب المودة نفرة، والألفة فرقة، والرحمة عذاباً، أو يستفيد منها مالًا إلا أنها تمتن عليه، فيثقل عليه ذلك، وقد تتيه بالمال عليه، وتزدريه.

ومن تزوج امرأة لحسبها فقد تتيه به عليه، وتزدريه، فلا ينال من حسبها إلا خلاف ما أراد.

ومن تزوج امرأة لجمالها فقد تجده غير لائق بها، فتمقته، أو تلتفت إلى غيره، فينقلب المقصود من النكاح إلى ضده.

وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزّهَا لَمْ

يَزِدْهُ اللهُ إِلَاّ ذُلاُّ، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأة لِمالِها لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَاّ فَقْراَ، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِها لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَاّ دَناءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَها لَمْ يِتَزَوَّجْها إِلَاّ لِيَغُضَّ بَصَرَهُ، ويُحَصِّنَ فَرْجَهُ، وَيَصِلَ رَحِمَهُ، كانَ ذَلِكَ سُنَّةَ، وَبارَكَ اللهُ لَهُ فِيْها، وَبارَكَ لَها فِيْهِ". رواه ابن النجار في "تاريخه" عن أنس رضي الله عنه (2).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 80)، وأبو يعلى في "المسند"(1012)، وابن حبان في "صحيحه"(4037).

(2)

ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2342). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 254): فيه عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب، وهو ضعيف.

ص: 484

وفي "سنن ابن ماجه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَوَّجُوْا النِّساءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَىْ حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلا تَزَوَّجُوْهُنَّ لأَمْوالِهِنَّ فَعَسَىْ أَمْوالُهُنَّ أَنْ يُطْغِيهِنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوْهُنَّ عَلَىْ الدِّيْنِ، وَلأَمَةٌ خَرْساءُ سَوْداءُ ذَاتُ دِيْنٍ أَفْضَلُ"(1).

وفي كتاب الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].

قال قتادة: قانتات؛ أي: مطيعات لله، ولأزواجهن حافظات، قال: لما استودعهن الله من حقه، ولغيب أزواجهن. رواه ابن جرير، وغيره (2).

وروى هو، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النِّساءِ الَّتِيْ إِذا نَظَرْتَ إِلَيْها سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطاعَتْكَ، وَإِذا غِبْتَ عَنْها حَفِظَتْكَ فِيْ مالِكَ وَنَفْسِهاهـ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} إلى قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} [النساء: 34](3).

(1) رواه ابن ماجه (1859). وإسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم.

(2)

رواه الطبري في "التفسير"(5/ 59).

(3)

رواه الطبري في "التفسير"(5/ 65)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 939)، والحاكم في "المستدرك"(2682)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 82).

ص: 485

وروى أبو داود، وغيره، وصححه الحاكم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]، كَبُرَ ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا أن يكنز لولده مالاً يبقى بعده، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر، وأتبعه ثوبان، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله! إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال:"إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكاةَ إِلَاّ لِيَطِيْبَ بِها ما بَقِيَ مِنْ أَمْوالِكُمْ، وَإِنَّما فَرَضَ الْمَواريثَ مِنْ أَمْوالٍ تَبْقَىْ بَعْدَكُمْ"، فكَبَّرَ عمر رضي الله تعالى عنه، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أَلا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ ما يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِيْ إِذا نظًرَ إِلَيْها سَرَّتْهُ، وَإِذا أَمَرَها أَطاعَتْهُ، وَإِذا غابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ"(1).

وروى الدارقطني، وغيره عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت هذه الآية، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل اليوم في الكنز ما نزل، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! ما نكنز اليوم؟ قال: "لِساناً ذَاكِراً، وَقَلْباً شاكِراً، وَزَوْجَةً صالِحَةً تُعِيْنُ أَحَدَكُمْ عَلَىْ إِيْمانِهِ"(2).

(1) رواه أبو داود (1664)، والحاكم في "المستدرك"(3281). وصحح النووي إسناده في "خلاصة الأحكام"(2/ 1076).

(2)

كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 178) إلى الدارقطني في "الأفراد"، وروى الإمام أحمد نحوه في "المسند"(5/ 278) عن ثوبان إلا أنه لم يسم أبا بكر، بل قال: فقال بعض أصحابه.

ص: 486

وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الرجل أحق ما يعتني به وبتحصيله صلاح نفسه، ثم صلاح أهله، كما قال تعالى:{أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].

وروى البيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"النِّسَاءُ عَلَىْ ثَلاثَةِ أَصْنافٍ، صنْفٌ كَالْوِعاءِ تَحْمَلُ، وَتَضَعُ، وَصنْفٌ [كالعر- وهو الجرب-] (1)، وَصنْفٌ وَدُوْدٌ وَلُوْدٌ، تُعِيْنُ زَوْجَها عَلَىْ إِيْمانِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْكَنْزِ"(2).

وروى الطبراني بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن أبزى رحمه الله تعالى قال: قال داود النبي عليه السلام: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك كما تزرع تحصد، ومثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالْمُخَوَّصِ بالذهب؛ كما راها قرت بها عيناه، ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير (3).

وسبق عن عبد الرحمن من قوله قريبٌ من معناه.

ثم صلاحية المرأة للدنيا أعم من أن تكون [إلى] دنياه أو دنياها.

- فمن صلاحيتها لدنياه: أن تكون حافظة لماله، ولنفسها، محافظة

(1) في "م" و "أ": "كالبعير الجرب"، والمثبت من "شعب الإيمان" للبيهقي (8726). وانظر:"لسان العرب" لابن منظور (4/ 556).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8726).

(3)

عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 274) إلى الطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح.

ص: 487

على زينتها، وحسن تبعلها له؛ فان ذلك يتم به تحصينه بها، وإعفافه عن الحرام.

وقد روى البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله تعالى عنها: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلمْ - نفسي لك الفداء - أنه ما من امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا، أو لم تسمع إلا وهي على

مثل رأي؛ إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا - معشرَ النساء - محصورات، مقصورات، قواعد بيوتكم، ومفضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم - معشرَ الرجال - فضلتم علينا بالجمعة، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً، أو معتمراً، أو مرابطاً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، ورمينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر

يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: "هَلْ

سَمِعْتُمْ مَقالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مُساءَلَتِها فِيْ أَمْرِ دِيْنِها مِنْ هَذِهِ؟ " فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال: "انْصَرِفِيْ أَيَّتُها الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِيْ مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّساءِ أَنَ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْداكُنَّ لِزَوْجِها، وَطَلَبَها لِمَرْضاتِهِ، وَاتِّباعَهَا

مُوافَقَتَهُ، يَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ"، فأدبرت المرأة وهي تهلل، وتكبر استبشاراً (1).

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8743).

ص: 488

- ومن صلاحيتها لدنياهما: أن لا تكون مبذرة ولا مسرفة فيما تملك؛ فإنها إذا فرطت بما عندها لا تأمن غائلة الشَّرَه التي جبلت عليه النساء، فيدعوها ذلك إلى الحزن والكابة، فتكدر عيش بعلها، وتكلفه ما لايطيق، أو ما لا تسمح نفسه به، فيقع بينهما الشقاق، ويؤول بها الحال إلى كفرانه، وهو يخالف الصلاح، ولذلك قال علي رضي الله عنه: شر خصال الرجال خير خصال النساء: البخل، والزهو، والجبن (1).

وإنما مدح ذلك منها لأن البخل يدعوها إلى حفظ مالها، ومال البعل، وتأمن بذلك من غائلة الشر، والكفران، والزهو يدعوها إلى الاستنكاف عن معاشرة من لا يليق بها، وأن تكلم كل أحد بكلام مريب، والجبن يدعوها إلى الخوف من الزوج والأهل، فلا تخرج من بيتها، كان خرجت فلا تخرج إلا بعد الاستئذان، والتحفظ، وعدم التبرج، والتبهرج، وتتقي مواطن التهم، وتهاب كل شيء (2).

- ومن صلاحيتها لدين زوجها: أن تحرص على قضاء وطره، وأن تبادر إليه مهما طلبها، ولا تمنعه، ولا تُسَوِّفُهُ؛ فإن ذلك يضطره إلى مواقعة الحرام، أو يكدر عليه عيشه، ويشغله بمعاناة الشهوة،

ومدافعة الغُلْمة (3) عن كثير من أشغال دنياه واخرته، وربما حقد عليها بسبب ذلك، ووقع بينهما الشقاق.

(1) ذكره أبو طالب المكي في "قوت القلوب"(2/ 422).

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 38).

(3)

الغُلمة: الشهوة.

ص: 489

وقد روى الترمذي وحسنه، والنسائي عن طَلْق بن علي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأتهُ لِحاجَتِهِ فَلْتَجِئْهُ وَإِنْ كانَتْ عَلَى التَنُّوْرِ"(1).

وروى ابن سعد في "طبقاته" عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَمْنَعِ امْرَأةٌ زَوْجَها وَلَوْ كانَتْ عَلَىْ ظَهْرِ قَتَبٍ"(2).

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ إِلَىْ فِراشِهِ، فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبانَ، لَعَنتهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّىْ تُصْبحَ"(3).

- ومن صلاحيتها لدينه - أيضاً -: أن لا تكلفه التوسع في النفقة

فوق وسعته، فتلجئه بذلك إلى ركوب كل صعب وذَلول.

وقد حكي: أن بعض السلف كان إذا خرج بكرة النهار لمعاشه،

تعلقت بأذياله بنت له صغيرة تقول: الله الله يا أبتي! اتق الله فينا، أطعمنا

خبز الشعير، وجريش الملح، ولا تدخل علينا حراماً، ولا شبهة (4).

وروى الإمام أحمد، والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ صالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْناهُ عَلَىْ وَلَدٍ فِيْ

(1) رواه الترمذي (1160) وحسنه، والنسائي في "السنن الكبرى"(8971).

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(5/ 552).

(3)

رواه البخاري (3065)، ومسلم (1436).

(4)

ذكر الغزالي في "إحياء علوم الدين"(2/ 58) نحوه.

ص: 490

صِغَرِه، وَأَرْعاهُ عَلَىْ زَوْجٍ فِيْ ذاتِ يَدِهِ" (1).

تضمن الحديث وصف الصالحات بالحنو على الأولاد، والقناعة باليسير من الأزواج.

- ومن صلاحيتها للزوج - أيضاً -: أن لا تعيِّره بزوج لها قبله، ولا بأبيها، ولا بأخيها، ولا بأحد من أقاريها، ولا بجاره، ولا بغير ذلك، ولو بالتعريض؛ فإن ذلك مكدر عليها وعليه.

وكذلك لا تقول له: ما رأيت منك خيراً، أو: أي خير رأيت منك؟

أو: ما الذي صنعته معي؟ فإن ذلك من كفران العشير.

وكذلك شكايته، وذمه إلى أهلها، وغيرهم من غير ضرورة.

روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة، فسلم علينا، فقال:"إِيَّاكُنَّ وَكُفْرانَ الْمُنْعِمِيْنَ"، قلنا: يا رسول الله! وما كفران المنعمين؟ قال: "لَعَل إِحْداكُنُّ تَطُوْلُ أَيْمَتُها بَيْنَ أَبَوَيْها، وَتَعْنُسُ، فَيَرْزُقُها اللهُ زَوْجاً، وَيَرْزُقُها مِنْهُ مالاً

وَوَلَداً، فَتَغْضَبُ الْغَضْبَةَ، فتَقُوْلُ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطّ" (2).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 275)، والبخاري (3251)، ومسلم (2527).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 452)، وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (1048). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 311): رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف وقد وثق.

ص: 491

وروى هو، وابن ماجه، والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله تعالى

عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابن لها [تحمله، وبيدها آخر، قال: ولا أعلمه إلا قال وهي حامل](1) - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حامِلاتٌ والِداتٌ رَحِيْماتٌ، لَوْلا ما يَأتِيْنَ إِلَىْ أَزْواجِهِن لَدَخَلَ مُصَلّياتُهُنَّ الْجَنَّةَ"(2).

وروى البزار، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَىْ امْرَأَةٍ لا تَشْكُرُ لِزَوْجِها وَهِيَ لا تَسْتَغْنِيْ عَنْهُ"(3).

وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث: "وَنِساؤُكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُوْدُ، الْعَؤُوْدُ عَلَىْ زَوْجِها، الَّتِيْ إِذَا غَضِبَ جاءَتْ حَتَّىْ تَضَعَ يَدَها فِيْ يَدِهِ، ثُمَّ تَقُوْلُ: لا أَذُوْقُ غَمْضاً حَتَّىْ تَرْضَىْ"(4).

(1) زيادة من "المسند" للإمام أحمد (5/ 257).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 257)، وابن ماجه (2013)، والبيهقي

في "شعب الإيمان"(11057).

(3)

رواه البزار في "المسند"(2349)، والحاكم في "المستدرك "(2771).

وكذا رواه النسائي في "السنن الكبرى"(9135). قال الهيثمي في "مجمع

الزوائد" (4/ 309): رواه البزار بإسنادين، والطبراني، وأحد إسنادي البزار

رجاله رجال الصحيح.

(4)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8732)، وكذا رواه النسائي في "السنن

الكبرى" (9139)، وابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" (ص: 148).

ص: 492

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته: "إِنِّيْ أُبْغِضُ أَنْ

تَكُوْنَ الْمَرْأةُ تشْكُوْ زَوْجَها" (1).

- ومن صلاحيتها لدينها هي: أن لا تخالط النسوة اللاتي يتبجحن بثروة أزواجهن، أو بأحسابهم، أو بكثرة نكاحهم لتكون بذلك قاصرة الطرف على بعلها، غير متشوفة إلى غيره، ولا تنظر إلى أجنبي أصلاً، بل تغض طرفها، وتحفظ نفسها بقدر الإمكان.

قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] الآية.

وروى أبو داود، والترمذي وصححه، والنسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة رضي الله عنها، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبا عَنْهُ"، فقلت: يا رسول الله! أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ قال: " أَفَعَمْياوانِ أَنْتُما؟ أَلُسْتُما تُبْصِرانِهِ؟ "(2).

- ومن صلاحيتها لدينها: أن لا تخرج من بيتها إلا بإذن بعلها، وإذا خرجت تنزهت عن التبرج بالزينة والطيب تحصناً عن استشراف الفسَّاق إليها وتعففاً وحياءً.

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8734).

(2)

رواه أبو داود (4112)، والترمذي (2778) وصححه، والنسائي في "السنن الكبرى"(9241).

ص: 493

روى الإمام أحمد، والنسائي، وغيرهما عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّما امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَخَرَجَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، فَيَجِدُوْا رِيْحَها، فَهِيَ زانِيَةٌ"(1).

وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا

خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَىْ الْمَسْجِدِ فَلْتَغْتَسِلْ مِنَ الطِّيْبِ كَما تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنابَةِ" (2).

وروى الترمذي عن ميمونة بنت سعد رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرَّافِلَةُ فِيْ الزِّيْنَةِ فِيْ غَيْرِ أَهْلِها، كَمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا نُوْرَ لَها"(3).

وروى الحاكم، والبيهقي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تَأْذَنَ فِيْ بَيْتِ زَوْجِها وَهُوَ كارِهٌ، وَلا تَخْرُجَ، وَلا تُطِيع فِيْهِ أَحَداً، وَلا تُخَشِّنَ بِصَدْرِهِ، وَلا تَعْتَزِلَ فِراشَهُ، وَلا تَضُرَّ بِهِ، فَإِنْ هُوَ ظَلَمَ فَلْتَأْتِهِ

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 413)، والنسائي (5126). وكذا رواه أبو داود (4173)، والترمذي (2786) وصححه.

(2)

رواه النسائي (5127)، وبمعناه رواه مسلم (443)، وأبو داود (4174)، وابن ماجه (4002).

(3)

رواه الترمذي (1167) وقال: لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى يضعف في الحديث من قبل حفظه، وهو صدوق، وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه.

ص: 494

حَتَّىْ تُرْضِيَهُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْها فَبِها وَنِعْمَتْ، وَقَبِلَ اللهُ عُذْرَها، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَرْضَ أَبْلَغَتْ عِنْدَ اللهِ عُذْرَها" (1).

وروى الحكيم الترمذي عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً انطلق غازياً، وأوصى امرأته لا تنزل من فوق البيت، فكان والدها في أسفل البيت، فاشتكى أبوها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره، وتستأمره، فأرسل إليها:"اتَّقِيْ اللهَ، وَأَطِيْعِيْ زَوْجَكَ" ثم إن والدها توفي، فأرسلت إليه

تستأمره، فأرسل إليها مثل ذلك، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه، فأرسل إليها:"إِنَّ اللهَ غَفَرَ لأَبِيْكِ بِطَواعِيَتِكِ لِزَوْجِكِ"(2).

وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "الْمَرْأص عَوْرَة، فَإِذا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَها الشَّيْطانُ"(3).

- ومن صلاحيتها لدينها: أن تخرج من عهدة الصلوات الخمس، وصيام رمضان إلا في زمان الحيض والنفاس.

روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى

عنه، والبزار عن أنس رضي الله تعالى عنه، والطبراني في "الكبير" عن

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(2770)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 293). وكذا رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 62)

و(20/ 107). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 313): رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات.

(2)

رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 153).

(3)

رواه الترمذي (1173) وحسنه.

ص: 495

عبد الرحمن بن حسنة رضي الله تعالى عنه قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إِذا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَها، وَصامَتْ شَهْرَها، [وحفظت فرجها] (1)، وَأَطاعَتْ زَوْجَها، دَخَلَتِ الْجَنَّةَ"(2).

وكذلك تخرج من عهدة أحكام الحيض، والنفاس، والطهر، والاغتسال، والوضوء، ونحو ذلك، ولا تحتج في التخلف عن العبادة أو التأخر عن الغسل لكثرة طلب زوجها لها، صارادتها على نفسها؛ فإن

في الدين سعة، ويمكنها في كل وقت أن تغتسل ولو بالماء المسخن، وعليه أن يبذل لها ثمن الماء، وما تسخنه به.

وحكي عن الأصمعي قال: رأيت بالبادية امرأة عليها قميص أحمر، وهي مختضبة، وبيدها سبحة، فقلت: ما أبعد هذا من هذا! فقالت: [من الطويل]

وَلِلَّهِ مِنَّيْ جانِبٌ لا أُضِيعُهُ

وَلِلَّهْوِ مِنَّيْ وَالْبَطالَةِ جَانِبُ (3)

(1) زيادة من "المسند" للإمام أحمد (1/ 191)، و"المسند" للبزار (7480).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 191) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، والبزار في "المسندأ (7480) عن أنس رضي الله تعالى عنه، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 306) إلى الطبراني في "المعجم الكبير" عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه، وقال: فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وسعيد بن عفير، لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 59).

ص: 496

- ومن صلاحيتها لدينها: تربية ولدها، وإرضاعه، وعدم تكليف أبيه أجرة المرضع بغير ضرورة.

قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} الآية

إلى قوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233].

قال زيد بن أسلم: يقول: ليس لها أن تلقي ولدها عليه، ولا تجد من يرضعه، وليس له أن يضارها فينزع منها ولدها، وتحب أن ترضعه.

رواه أبو داود في "ناسخ"(1).

وروى الحاكم وصححه، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انْطَلَقَ بِيْ؛ فَإِذا بِنِساءٍ تنْهَشْنَ ثُدِيَّهُنَّ الْحَيَّاتُ، فَقُلْتُ: ما بالُ هَؤُلاءِ؟ قالَ: هَؤُلاءِ اللَّواتِيْ يَمْنَعْنَ أَوْلادَهُنَّ"(2)؛ يعني: الرضاع.

وروى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها تسألني، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها، فقسمتها بين ابنتيها،

ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت، فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم،

فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَناتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ

(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 689).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(2837)، وكذا رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1986)، وابن حبان في "صحيحه"(7491).

ص: 497

إِلَيْهِنَّ، كُنَّ سِتْراً مِنَ النَّارِ" (1).

وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْناهُ

عَلَىْ وَلَدٍ فِيْ صِغَرِهِ" (2).

ولا يتم صلاح المرأة إلا بكف أذاها عن الزوج، وعن أهله، وعن سائر الناس نوبةً.

روى الترمذي وحسنه، وابن ماجه عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُؤْذِيْ امْرَأةٌ زَوْجَها فِيْ الدُّنْيا إِلَاّ قالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُوْرِ الْعِيْنِ: لا تُؤْذِيْهِ قاتَلَكِ الله! إِنَّما هُوَ [دخيل] (3) عِنْدَكِ، يُوْشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا"(4).

ولا ينبغي أن تصخب من ولدها، ولا تضجر، ولا تكثر الدعاء على الولد والخادم، ولا تكثر الشتم واللعن؛ فإن كل ذلك يناقض الفلاح.

وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يَا مَعْشَرَ النّساءِ! تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّيْ رَأَيْتُكُنَ أَكْثَرَ أَهْلِ النَارِ"، فقالت امرأة منهن:

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 87)، والبخاري (1352)، ومسلم (2629)، والترمذي (1915).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

ما بين معكوفتين ليس في "أ".

(4)

رواه الترمذي (1174) وحسنه، وابن ماجه (2014).

ص: 498

يا رسول الله! وما لنا أَكثر أهل النار؟ قال: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيْرَ"(1)؛ يعني: الزوج.

ولا ينبغي لها أن تسيء الظن بزوجها ولا بإخوانه إذا كان ظاهره حسناً، ولا تكره له قريباً ولا صديقاً ولا ضيفاً ولا تطعن فيهم، ولا تبهَت ضرتها، ولا تؤذي أولاده من غيرها؛ فإن كل ذلك مناقض للصلاح

المطلوب منها، المعدود من سعادة بعلها.

وقد روى الدينوري في "المجالسة" عن سلم (2) بن قتيبة قال: قال بعض حكماء العرب: ما أعان على نظم مروءات الرجال كالنساء الصوالح (3).

وروى ابن أبي شيبة، والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: النساء ثلاث: امرأة عفيفة مسلمة هينة لينة ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليلٌ ما تجدها.

وامرأة: وعاء لم تزد أن تلد الولد.

وثالثة: غُلٌّ قَمِلٌ يجعلها الله في عنق من يشاء، وإذا أراد الله أن ينزعه نزعه (4).

(1) رواه البخاري (298) عن أبي سعيد الخدري، ومسلم (79) عن عبد الله بن

عمر رضي الله عنهما.

(2)

في "م" و"أ": "مسلم".

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 298).

(4)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17147)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8725).

ص: 499

وقوله: "غُلٌ قَمِلٌ" قال ابن الأنباري في كتاب "الزاهر": قال أبو العباس - يعني: المبرد -: أصله مثلٌ لكل ما ابتلي به الإنسان، ولقي منه شدة.

قال: والأصل في هذا أنهم كانوا يَغُلُّوْن الأسير بالغُلِّ، فَيُقَمِّلُ عليه، فيلقى منه شدة، ثم أكثر ذلك، وجرى به المثل حتى نعتوا به كل مؤذٍ (1).

* تنبِيْهٌ لَطِيْفٌ:

روى الطبراني في "معجمه"الكبير" عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ فِيْ النِّساءِ كَمَثَلِ الْغُرابِ الأَعْصَمِ"، قيل: يا رسول الله! وما الغراب الأعصم؟ قال: "الَّذِيْ إِحْدَىْ يَدَيْهِ بَيْضاءُ" (2).

وفي رواية: "كَمَثَلِ الْغُرابِ الأَعْصَمِ بَيْنَ مِئَةِ غُرابٍ".

قال في "الإحياء": الأعصم: الأبيض البطن (3).

والمراد بذلك تقليل الصالحات منهن.

وروى الإمام أحمد، والنسائي بسند صحيح، عن عمرو بن العاص

(1) انظر: "الزاهر في معاني كلام الناس" لابن الأنباري (1/ 313).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7817).

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 45).

ص: 500

رضي الله تعالى عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَرِّ الظَّهران، فإذا

بغربان كثيرة فيها غراب أعصم، أحمر المنقار، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ

الْجَنَّةَ مِنَ النِّساءِ إِلَاّ مِثْلُ هَذا فِيْ هَذِهِ الْغِرْبانِ" (1).

ولفظ أحمد قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِعْبٍ، فقال:

"انْظُرُوْا هَلْ تَرَوْنَ شَيْئاً؟ " فقلنا: "نرى غرباناً فيهم غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النّساءِ إِلَاّ مَنْ كانَ مِنْهُنَّ مِثْلُ هَذا الْغُرابِ فِيْ الْغِرْبانِ"(2).

وروى الطَّبراني بسند جيد، عن عبادة بن الصَّامت رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ الْمَرْأَةِ الْمُؤْمِنَةِ كَمَثَلِ الْغُرابِ الأَبْلَقِ فِيْ غِرْبانٍ سُوْدٍ، لا ثانِيَةَ لَها، وَلا شَبِيْهَ لَها.

وَمَثَلُ الْمَرْأَةُ السُّوْءِ كَمَثَلِ بَيْتٍ مُزَوَّقٍ، ظَهْرُهُ خَرِبٌ، جَوْفُهُ كَظُلْمَةٍ لا نُوْرَ لَها يَوْمَ الْقِيامَةِ.

وَاللهِ إِنِّيْ لأَخْشَىْ أَنْ لا تَقُوْمَ امْرَأَةٌ عَنْ فِراشِ زَوْجِها مُجانِبَةٌ لَهُ، إِلَاّ هِيَ عاصِيَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُوْلهِ" (3).

وأراد بالمؤمنة: الكاملة الإيمان، وهي الصالحة.

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 197)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9268). وصحح العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 395).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 197).

(3)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 274) رواه الطبراني، وقال: إسحاق ابن يحيى، لم يدرك عبادة، وبقية رجاله ثقات.

ص: 501

وقد أجاد البرهان القيراطي رحمه الله تعالى من قصيدة: [من الطويل]

وَعَيْشُكَ لايُرْضِيْ النساءَ مَعِيْشُهُ

وَلَوْ أَنَّها مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ تُجْلَبُ

وَما زِلْنَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيْرَ سَجِيَّةً

وُينْكِرْنَ خَيْراً فِيْهِ يَسْعَىْ وَيَدْأَبُ

وَإِنْ أَحَسَنَ الدَّهْرَ امْرُؤٌ لِحَلِيْلَةٍ

تَقُلْ لَمْ أُشاهِدْ مِنْكَ خَيْراً وَتَصْخَبُ

وَإِنْ قِيْلَ مِنْهُنَّ التَّقِيَّاتُ فَاتَّئِدْ

فَما كُل مَصْقُوْلِ الذَّوائِبِ زيْنَبُ

وَقَبْلَكَ قَدْ جَرَّبْتُهُنَّ فَلَمْ أَجدْ

وَحَقَكَ فِيْهِنَّ الَّذِيْ أتطَلَّبُ

تُشاهِدُها فِيْ حالَةِ الْغَيْظِ مَهْلَكاً

وَحالَ الرِّضَا لَمْ يَكْفِها مِنْكَ مَطْلَبُ

وَإِنِّيْ امْرُؤٌ عَنْهُنَّ صَدَّتْ عَزائِمِيْ

لإِفْراطِ خَوْفِيْ رَهْبَةً أترَهَّبُ

وَما ذاكَ إِلَاّ أَنهنَّ فَوارِكٌ

يُدِيْرُ هَواهُمْ عَنْ وِدادِكَ لَوْلَبُ

ص: 502

لَقَدْ عَزَفَتْ عَنْهُنَّ نَفْسِيْ مَلالَةً

وَطابَ عَلَىْ كُرْهٍ لَدَيْها التَّعَزُّبُ

فَيا لَيْتَ شِعْرِيْ هَلْ أُلاقِيْ حَلِيْلَةً

فَلا أَشْتَكِيْ مِنْها وَلا أتعَتَّبُ

عَلَىْ أَنَّ مِنْهُنَّ الْجَلِيْلاتِ رُتْبَةً

وَمَنْ وَجْهُها فِيْ مَطْلَع الْحُسْنِ كَوْكَبُ

وَمِنْهُنَّ ذاتُ الدِّيْنِ وَالْعِفَّةِ الَّتِيْ

لَها شَرَفٌ فِيْ الْعالَمِيْنَ وَمَنْصِبُ

وَلَكِنَّهُ يُرْوَىْ وَإِنَّكَ عالِمٌ

حَدِيْثٌ لَهُ مَعْنًى يَرُوْقُ وَيَعْذُبُ

إِذا مِئَتا عامٍ تَقَضَّتْ فَخَيْرُنا

تَقِيٌّ خَفِيْفُ الْحاذِ فِيْ الدِّيْنِ يَرْغَبُ

ص: 503

فَصلٌ

صلاح المرأة - وإن كان مطلوباً - فإنه لا يكاد أن تجتمع خصال الخير في امرأة لغلبة الهوى عليهن، والميل إلى الدنيا أكثر من الرجال، ولأن المرأة خلقت من ضلع - كما تقدم - فلا تكاد تستقيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الْمَرْأةَ كَالضِّلَعِ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيْمُها كَسَرْتَها، وَإِنْ تَرَكْتَها اسْتَمْتَعْتَ بِها وَفِيْها عِوَجٌ". رواه مسلم، وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1).

وفي رواية لمسلم، والترمذي:"إِنَ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيْمَ لَكَ عَلَىْ طَرِيْقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِها اسْتَمْتَعْتَ بِها وَبِها عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيْمُها كَسَرْتَها، وَكَسْرُها طَلاقُها"(2).

وروى الإمام أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ،

(1) رواه مسلم (1468)، وكذا البخاري (4889).

(2)

رواه مسلم (1468)، والترمذي (1188).

ص: 504

وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقامَةَ الضِّلَعِ تَكْسِرُها؛ فَدارِها تَعِشْ بِها" (1).

قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ" إشارة إلى خلق حواء من

ضلع آدم حين نام، فانكسرت قصرى أضلاعه اليسرى، فخلق الله منها حواء، ولذلك سميت حواء لأنها خلقت من حي، فكان القصور فيها، وفي بناتها عن بلوغ رتبة الكمال في الصلاح، ألا ترى كيف كانت سبباً لأكل آدم وأكلها من الشجرة (2)؟ ومن ثَمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَىْ زَوْجَها الدَّهْرَ (3) ". رواه الإمام أحمد، والشيخان عن أبي

هريرة رضي الله تعالى عنه (4).

وفي "كامل ابن عدي" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 8)، وابن حبان في "صحيحه"(4178)، والحاكم في "المستدرك"(7333).

(2)

انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (1/ 78).

(3)

قال ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 368): قوله: "لم تخن أنثى زوجها" فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها: أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالؤلادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا، ولكن لمَّا مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسَّنت ذلك لآدم، عُدَّ ذلك خيانة".

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 349)، والبخاري (3218)، ومسلم (1470).

ص: 505

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْلا النِّساءُ لَعُبِدَ اللهُ حَقَّاً حَقَّاً"(1).

وقوله- صلى الله عليه وسلم: "اسْتَمْتَعْتَ بِها وَبها عِوَجٌ"؛ أي: استمعت بها في دار الدنيا، مأخوذ من قوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} الآية

إلى قوله: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 14].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدَّنْيا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتاعِ الدُّنْيا [المرأة] الصَّالِحَةُ". رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (2).

فإذا تيسر للمرء امرأة صالحة من جهات، ولها عوج من جهة،

فليهب سيئاتها لحسناتها تخلقاً بأخلاق الله - عزوجل -؛ فإنه يذهب السيئات بالحسنات.

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكْ (3) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة؛ إِنْ كَرِهَ مِنْها خُلُقاً رَضِيَ مِنْها آخَرَ"، أو قال:"غَيْرَهُ"(4).

ولا يتطلب منها الكمال من كل وجه، وقد قيل: أي الرجال

(1) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 282) وقال: وهذا حديث منكر، ولا أعرفه إلا من هذا الطريق.

(2)

رواه مسلم (1467).

(3)

الفرك: البغض.

(4)

رواه مسلم (1469).

ص: 506

المهذب؟ فما ظنك بالنساء وهن نواقصات عقل ودين، كما في الحديث؟ (1).

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ

النِّساءِ إِلَاّ آسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عائِشَةَ عَلَىْ النّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَىْ سائِرِ الطَّعامِ". رواه الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه (2).

والمراد بالنساء نساء الأمم السابقين؛ لئلا يلزم فضل آسية ومريم على خديجة وفاطمة رضي الله عنهن؛ بدليل حديث الشيخين، والترمذي، والنسائي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَيْرُ نِسائِها مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَخَيْرُ نِسائِها خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ"(3).

وحديث الإمام أحمد، والترمذي وصححه، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله هو:

(1) روى البخاري (298) عن أبي سعيد الخدري، ومسلم (79) عن عبد الله ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أغلب لذي لب منكن"، قلن: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجل فهذا نقصان العقل، ويمكثن الليالي ولا يصلين، ويفطرن في رمضان، فهذا نقصان الدين".

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 394)، والبخاري (3235)، ومسلم (3431)، والترمذي (1834).

(3)

رواه البخاري (3249)، ومسلم (2430)، والترمذي (3877)، والنسائي في "السنن الكبرى "(8354).

ص: 507

"حَسْبُكَ مِنْ نِساءِ الْعالَمِيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ"(1).

وصحح الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ نِساءِ الْعالَمِيْنَ خَدِيْجَةُ، وَفاطِمَةُ، وَمَرْيَمُ، وَآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ"(2).

وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ الْعالَمِينَ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرانَ، وَآسِيةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنهن"(3)؛ فالبعدية في الزمان لا في الرتبة والفضل.

وفي "تاريخ ابن عساكر" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعُ نِسْوَةِ سادَاتُ عَالَمِهنَ (4): مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ، وَفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ صلى الله عليه وسلم، وَأَفْضَلُهُنَّ عَالَماً فاطِمَةُ"(5).

وفيه نص على فضل فاطمة عليهن كلهن، وعائشة من عالم فاطمة

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 135)، والترمذي (3878) وصححه، وابن حبان في "صحيحه"(7003)، والحاكم في "المستدرك"(4745).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(4160).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(32273).

(4)

في "م" و "أ" و"ت": "عالمين"، والمثبت من "تاريخ دمشق" لابن عساكر.

(5)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(70/ 108).

ص: 508

رضي الله تعالى عنهما، ففاطمة أفضل منها (1) لكونها بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم،

كما نص على ذلك الإمام مالك (2)، وغيره.

وروى الشيخان عن عائشة، عن فاطمة رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا فاطِمَةُ أَلا تَرْضين (3) أَنْ تَكُوْييْ سَيِّدَةَ نِساءِ الْمُؤْمِنِيْنَ؟ "(4).

(1) قال الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد"(3/ 682): الخلاف في كون عائشة

أفضل من فاطمة، أو فاطمة أفضل، إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً،

فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم؛ فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله - عزوجل -، فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص؛ لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملاً بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة، وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة، وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب، فلا ريب أن فاطمة أفضل، فإنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك اختصاص، لم يشركها فيه غير أخواتها، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة، وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه، صار الكلام بعلم وعدل.

وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله، تكلم بالجهل والظلم.

(2)

انظر: "الحاوي للفتاوي" للسيوطي (2/ 280).

(3)

في "أ" و"ت": "ترغبين".

(4)

رواه البخاري (3426)، ومسلم (2455).

ص: 509

وروى الحاكم في "المستدرك" عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّداتُ نِساءِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ، وَفاطِمَةُ، وَخَدِيْجَةُ، وَآسِيَةُ"(1).

واختلف في التفضيل بين عائشة، وخديجة رضي الله تعالى عنهما (2):

الأكثرون على تفضيل عائشة.

وذهبت طائفةٌ محققون إلى تفضيل خديجة، واختاره السبكي (3).

ولو قيل بتساويهما لم يبعد؛ لأن الأدلة بتفضيل كل منهما قوية.

ثم المراد بكمال هؤلاء الأربع أنهن بلغن الغاية في الكمال إلى

مرتبة الصِّدِّيقيَّة، كما وصف الله تعالى بالصِّديقيَّة مريم بقوله:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة: 75]، ثم شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأفضلية لها، وللثلاث الأُخر، فالمراد بكمالهن كمال الصِّدِّيقيَّة، وإلا فقد كمل غيرهن كمالاً ما، فهن صالحات.

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(4853).

(2)

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(4/ 393) - في جوابه عن سؤال أيهما أفضل -: سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام، ونصرها وقيامها في الدين، لم تشركها فيه عائشة، ولا غيرها من أمهات المؤمنين. وتأثير عائشة في آخر الإسلام، وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة، وإدراكها من العلم، ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها.

(3)

انظر: "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" لزكريا الأنصاري (3/ 103).

ص: 510

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صالِحُ نِساءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْناهُ عَلَىْ وَلَدٍ فِيْ صِغَرِه، وَأَرْعاهُ عَلَىْ زَوْجٍ فِيْ ذاتِ يَدهِ". رواه عبد الرزاق، والشيخان، وابن جرير (1).

قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط (2).

وأراد بذلك الجواب عما يفهمه ظاهر الحديث من تفضيل صالح نساء قريش على عموم النِّساء.

وفي الحديث: "نِعْمَ النِّساءُ نِساءُ الأَنْصارِ؛ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَياءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِيْ الدِّيْنِ"(3).

وناهيك بسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي خيرن بين الدنيا وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

وكفى بالصَّالحات من نساء المهاجرين والأنصار، ومن بعدهن التابعات، وغيرهن كرابعة العدوية، ورابعة الشامية، وغيرهما مما اشتملت عليه كتب الحديث والتاريخ وفيهن كثرة.

ولا يبعد أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيْر، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (3251).

(3)

ذكره البخاري في "صحيحه"(1/ 60) معلقاً، ورواه مسلم (332) من قول عائشة رضي الله عنها.

ص: 511

النِّساءِ إِلَاّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنُ" (1) محمولاً على رجال ونساء الأمم المتقدمة، أما هذه الأمة فقد كمل من نسائها كثير خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كن لم يبلغن رتبة مريم وآسية وخديجة وفاطمة رضي الله تعالى عنهن.

وفي "معجم الطبراني الكبير" عن سعد بن جنادة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ زَوَّجَنِيْ فِيْ الْجَنَّةِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرانَ، وَامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَأُخْتَ مُوْسَىْ"(2).

روى أبو بكر بن السُّنِّي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ زَوَّجَنِيْ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرانَ، وَآسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ فِيْ الْجَنَّةِ"(3).

* * *

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(5485). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 218): وفيه من لم أعرفهم.

(3)

رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 557).

ص: 512