الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تَتِمَّةٌ:
في كثرة التلاوة والذكر، شغل اللسان عما لا يعنيه، وهذا أحد أمرين بهما يصلح القلب، وهما: قول الخير، والسكوت عما سواه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً، أَوْ لِيَسْكُتْ". رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه من حديث أبي شريح، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1).
واعلم أن في إصلاح اللسان بعد إصلاح القلب إصلاح سائر الأعضاء؛ لما رواه الترمذي، وابن خزيمة، والبيهقي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أَصْبَحَ ابنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضاءَ كُلَّها تُكَفَّرُ اللّسانَ، فَتَقُوْلُ: اتَّقِ اللهَ فِيْنا، وَإِنَّما نَحْنُ بِكَ؛ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا"(2).
وقال يونس بن عُبيد رحمه الله تعالى: خصلتان إذا صلحتا من
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 267)، والترمذي (2500)، وابن ماجه (3971)، ورواه أيضًا البخاري (6110)، ومسلم (47)، وأبو داود (5154) عن أبي هريرة.
ورواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 31)، والترمذي (1967)، وابن ماجه (3672)، ورواه أيضًا البخاري (6111)، ومسلم (48) من حديث أبي شريح.
(2)
رواه الترمذي (2407) وقال: رواه غير واحد عن حماد بن زيد ولم يرفعوه، قال: وهو أصح. ورواه البيهقي في "الآداب"(1/ 387).
العبد صلح ما سواهما: أمر صلاته ولسانه (1).
وقال أيضًا: ما صلح لسان أحد إلا صلح في سائر عمله (2).
فإصلاح اللسان من أصول أعمال الصالحين.
وأما قيام الليل: فروى الترمذي وغيره، وصححه ابن خزيمة، والحاكم - عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِقِيامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَىْ رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيئاتِ، وَمَنْهاة عَنِ الإِثْمِ"(3).
وروي نحوه من حديث سلمان، وبلال رضي الله تعالى عنهما، وزاد فيه:"وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ"(4).
وكيف لا يكون قيام الليل من أعمال الصالحين وهو أجمع للفكر، وأشرح للصدر، وأصفى للقلب، وأجلى للسر؟
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 20).
(2)
ذكره الشعراني في "الطبقات الكبرى"(ص: 93).
(3)
رواه الترمذي (3549)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1135)، والحاكم في "المستدرك"(1156).
(4)
رواه الترمذي (3549) عن بلال، وقال: وحديث أبي أمامة أصح من حديث بلال، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (6154) عن سلمان. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 251): فيه عبد الرحمن بن سليمان ابن أبي الجون، وثقة دحيم وابن حبان وابن عدي، وضعفه أبو داود وأبو حاتم.
وقد روى البيهقي في "الشعب" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْرافُ أُمَّتِيْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَأَصْحابُ اللَّيْلِ"(1).
وروى ابن أبي الدُّنيا في كتاب "التهجد" عن محمَّد بن طلحة بن مُصرِّف قال: كان أبي رحمه الله تعالى يأمر نساءه وخدمه وبناته بقيام الليل، ويقول: صلوا ولو ركعتين في جوف الليل؛ فإن الصَّلاة في جوف الليل تَحُتُّ الأوزار، وهي أشرف أعمال الصَّالحين (2).
فالصالحون، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، ورواه عنه ابن أبي الدنيا في "التهجد":[من الوافر]
إِذَا مَا اللَّيْلُ أَظْلَمَ كَابَدُوْهُ
…
فَيُسْفِرُ عَنْهُمُ وَهُمُ رُكُوْعُ
أَطَارَ الْخَوْفُ نَوْمَهُمُ فَقَامُوا
…
وَأَهْلُ الأَمْنِ فِيْ الدُّنْيَا هُجُوْعُ (3)
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2703)، ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل" (ص: 108). وفيه نهشل بن سعيد. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"(ص: 566): متروك وكذبه إسحاق بن راهويه.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(ص: 253).
(3)
أنشدها رواية ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(ص: 346).
وروى أبو الحسن بن جهضم في "بهجة الأسرار" عن أحمد بن أبي الحواري، عن مروان بن محمَّد، عن الأوزاعي قال: من أطال قيام الليل، هوَّن عليه موقفَه يوم القيامة (1).
قال أحمد: قال لي مروان: ما أحسب الأوزاعي أخذه إلا من هذه الآية: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ (26)} [الإنسان: 26]، إلى قوله:{يَوْمًا ثَقِيلًا (27)} [الإنسان: 27 (2).
وأما السجود - والمراد به: الصَّلاة - فهو من أخص أعمال الصالحين، وأصول أعمالهم، كيف! وقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"وَقُرَّةُ عَيْنِيَ فِيْ الصَّلاةِ"(3).
وذلك لأنها محل القربة والرفعة والفائدة، وبصلاحها تصلح الأعمال وتقبل.
قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19].
وروى مسلم، والترمذي، والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ ما يَكُوْنُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجِدٌ. فَأَكْثِرُوْا الدُّعاءَ"(4).
(1) ورواه أيضاً ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(ص: 116).
(2)
انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 257).
(3)
رواه النَّسائي (3945) عن أنس رضي الله عنه.
(4)
رواه مسلم (482) واللفظ له، والنسائي في (1371)، ورواه أيضًا أبو داود (875).
وروى مسلم، والترمذي، وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لثوبان رضي الله عنه: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السّجُوْدِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَاّ رَفَعَكَ اللهُ بِها دَرَجَةً، وَحَطَّ بِها عَنْكَ خَطِيْئَةً"(1).
وروى الطبراني في "الأوسط"، والضياء في "المختارة" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ ما يُحاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الصَّلاةُ؛ فَإنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِهِ"(2).
وروى الدارمي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتاحُ الْجَنَّةِ الصَّلاةُ"(3).
(1) رواه مسلم (488)، والترمذي (388).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1859)، والضياء في "الأحاديث المختارة" (2578). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 292): رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه القاسم بن عثمان، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ.
قلت: وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه الترمذي وحسنه (413)، وأبو داود (864)، والنسائي (465)، وابن ماجه (1425).
(3)
كذا عزاه المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 149) إلى الدارمي، وقال: وفي إسناده أبو يحيى القتات. ورواه أيضًا الترمذي (4). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 99): وهو عند الترمذي ولكن ليس داخلاً في الرواية.
ولا شك أنَّ الجنة دار المتقين، والصالحين التي أعد الله لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والصلاة هي الحالة الجامعة بين المصلي وبين الصَّالحين، ولذلك يسلم عليهم فيها جامعاً بين نفسه وبينهم؛ حيث يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وفي محالِّها، وهي المساجد.
كما روى عبد الرزاق، والحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا (61)} [النور: 61]؛ قال: هو المسجد، إذا دخلت فقل: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين (1).
وروى ابن أبي شيبة، والبخاري في "الأدب المفرد" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إذا دخل البيت الغير المسكون، أو المسجد فليقل: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين (2).
وروى البيهقيُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} [الأنبياء: 105]؛ قال: أرض الجنة يرثها الذين يصلون الصَّلوات الخمس في الجماعة.
(1) رواه عبد الرزاق في "تفسيره"(3/ 66)، والحاكم في "المستدرك"(3514)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8836).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(25835)، والبخاري في "الأدب المفرد"(1055).