الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أَتَخوَّلكمْ بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها (1)؛ أي: يتعهدنا بها مخافة السآمة علينا.
*
تَنْبِيْهٌ:
وينبغي لمن حضر مجلس الوعظ، أو درس العلم أن ينصت، ويلقي عليه سمعه لما يملى ليفهم، ولا يكثر اللغط في المجلس.
وكذلك لو كان في مجلس مشورة أو مسامرة فيه من هو أولى بمفاتحة الحديث، فوظيفته الإنصات، وعدم اللغط.
وقد أخرج البيهقي، وابن عساكر عن محمَّد بن كعب القرظي مرسلًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَجَالَسَ قَوْم مَجْلِسًا فَلَمْ يُنْصِتْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، إِلَّا نُزِعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ الْبَرَكَةُ"(2).
10 - ومنها: الخشوع، والخضوع بين يدي الله تعالى، والسكينة، والوقار، خصوصًا في إتيان الصَّلاة، وطلب العلم:
قال الله تعالى: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
وقال تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45، 46].
(1) رواه البخاري (70) واللفظ له، ومسلم (2821).
(2)
رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 294)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(33/ 361).
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].
وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]، والخشوع في الصوت والبصر، والخضوع في البدن.
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن الخشوع، فقال: الخشوع في القلب أن تلين كنفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صَلاتك (1).
وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته في صلاته، فقال:"لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ"(2).
وروى هو، والبيهقي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَوَّذُوْا بِاللهِ مِنْ خُشُوْعِ النِّفَاقِ"، قالوا: يا رسول الله! وما خشوع النفاق؟ قال: "خُشُوْعُ الْبَدَنِ، وَنِفَاقُ الْقَلْبِ"(3).
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 403)، والحاكم في "المستدرك"(3482).
(2)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(3/ 215). وضعف العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 105) وقال: والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب.
(3)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(3/ 215)، والبيهقي في =
وروي نحوه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه موقوفًا عليه (1).
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد وصححه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصَّلاة (2).
وروى الطَبراني في "الكبير" عن أبي الدَّرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذهِ الأُمَّةِ الْخُشُوْعُ، حَتَّيْ لا تَرَيْ فِيْها خاشِعًا"(3).
وله نحوه من حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه (4).
= "شعب الإيمان"(6967). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 942): رواه البيهقي في "الشعب" وفيه الحارث بن عبيد الأيادي، ضعفه أحمد وابن معين.
(1)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6966)، ورواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: 142).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34808)، والإمام أحمد في "الزهد" (ص: 179).
(3)
كذا عزاه المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 254) إلى الطبراني وحسنه، وأصل الحديث عند الترمذي (2653) وحسنه.
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7183)، ورواه أيضًا في "المعجم الكبير"(18/ 43) عن عوف بن مالك الأشجعي.
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن ضَمْرة بن حبيب مرسلًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذهِ الأُمَّةِ الأَمَانَةُ وَالْخُشُوْعُ"(1).
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاةُ فَلا تأْتُوْهَا وَأَنتمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوْهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُوْنَ عَلَيْكُمُ السَّكِيْنَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوْا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوْا"(2).
زاد مسلم في رواية له: "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كانَ يَعْمَدُ إِلَيْ الصَّلاةِ فَهُوَ فِيْ صَلاةٍ"(3).
وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والخطيب في "جامعة" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سُرْعَةُ الْمَشْيِ تُذْهِبُ بَهاءَ الْمُؤْمِنِ"(4).
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 395).
(2)
رواه البخاري (866)، ومسلم (602).
(3)
رواه مسلم (602).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 290) عن أبي هريرة.
ورواه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 394) عن ابن عمر.
وإسنادهما ضعيفان؛ أما حديث أبي هريرة فقد قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 266): حديث منكر جدًا.
وأما حديث ابن عمر فقد قال ابن طاهر المقدسي في "التذكرة في الأحاديث=
وروى أبو القاسم بن بشران في "أماليه" عن أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سُرْعَةُ الْمَشْيِ تُذْهِبُ بَهَاءَ الْوَجْهِ"(1).
والمراد: الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار.
وقوله تعالى: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]، ؛ أي: برفق واقتصاد.
وليس المراد به مشي المتماوتين؛ فرب ماشٍ هونًا رويدًا وهو ذئب أطلس.
وقد قيل فيمن هذا حالهم: [من مجزوء الرمل]
كُلُّهُمْ يَمْشِيْ رُوَيْدَهْ
…
كُلُّهُمْ يَطْلُبُ صَيْدَهْ (2)
وقال الله تعالى حكاية عن لقمان عليه السلام: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
قوله: {وَاقْصِدْ} ؛ أي: اقتصد في مشيك: لا مشي المتماوتين، ولا مشي الجبارين.
= الموضوعة" (ص: 158): فيه الوليد بن سلمة الطبراني ومحمد بن عمر بن صهبان، كذاب وضعيف.
(1)
وكذا رواه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 152) إلا أنه قال: "بماء الوجه".
(2)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 218)، و"تفسير القرطبي"(13/ 69).
وقال الله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37].
وروى الترمذي في "الشمائل": أن عليًا رضي الله تعالى عنه كان إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا مشى تقلَّع، كأنما ينحط من صَبَب (1).
وفي رواية أخرى: كان إذا مشى تَكَفَّأ تكفؤًا، كأنما ينحط من صبب (2)(3).
وفي حديث آخر: كان يمشي هونا ذريع المشية (4).
فالتقلع: رفع الرجل بقوة.
والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقصده.
والهون: الرفق والوقار.
والذريع: الواسع الخطو؛ أي: إن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة، ويمد خطوه خلاف مشية المختال، وكل ذلك برفق، وتثبت دون عَجَلة، كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى (5).
(1) رواه الترمذي في "الشمائل المحمدية"(ص: 113)، وكذا رواه في "سننه"(3638).
(2)
الصبب: ما انحدر من الأرض.
(3)
رواه الترمذي في "الشمائل المحمدية"(ص: 31).
(4)
رواه الترمذي في "الشمائل المحمدية"(ص: 38) عن هند بن أبي هالة.
(5)
انظر: "الشفا" للقاضي عياض (1/ 129).
وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي مشيًا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان (1).
والذي تلخص من الآيات والأحاديث: أن الأدب في المشي الاقتصاد والتوسط بين الإسراع الحثيث، وبين التماوت والاختيال.
وقد يحسن أحد الطرفين كالاختيال في الحرب، وكالإسراع إلى حضور جنائز الصالحين خشية الفوات، كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه إسراعًا كليًا.
ومن هذا القبيل قول الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى: [من المنسرح]
حَدَّثَنَا شَيْخُنَا الْكِنَانِيْ
…
عَنْ أَبِهِ صاحِبِ الْخَطابَهْ
أَسْرِعْ أَخَا الْعِلْمِ فِيْ ثلاثٍ
…
الأَكْلِ وَالْمَشْيِ وَالْكِتَابَهْ (2)
وقوله: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]؛ أي: اخفض من صوتك عند الملأ، كما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى.
والأدب في رفع الصوت أن يقتصر منه على قدر الحاجة في إسماع المخاطب.
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 61).
(2)
انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (8/ 55).