الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وإذا كانت المرأة الصَّالحة يرغب فيها للرَّجل، فالرغبة بالرجل الصالح للمرأة أولى؛ لما ذكرنا من سريان طباع الخليط إلى الآخر، ولا شك أن المرأة أقرب انقياداً للرجل منه لها؛ لأن الرجل خلق قوَّاماً على المرأة، والياً عليها، وخلقت تحت ولايته، وسلطنته؛ لضعفها ولين جانبها.
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يعني: أمراء عليهن. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
فإذا كان الزوج صالحاً أمرها بطاعة الله تعالى، ونهاها عن معصيته، فأما لو كان غير صالح فربما حملها على المعصية، وأمرها بالمنكر، أو أقرها عليه؛ فصلاحيته ضرورية لها.
قال الضحاك في الآية: الرجل قائم على المرأة يأمرها بطاعة الله،
(1) رواه الطبري في "التفسير"(5/ 57)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 939).
فإن أبت يضربها ضرباً غير مبرح، وله عليها الفضل بنفقته وسعيه (1).
وقال السُّدِّي: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] يأخذون على أيهدين، ويؤدبوهن. رواهما ابن جرير (2).
وقال مجاهد في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} : بالتأديب، والتعليم. رواه عبد بن حميد، وابن المنذر (3).
وقال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228].
ولا شك أن النساء لا يوفيهن حقوقهن بالمعروف من الأزواج إلا الصَّالحون، بل الصالح لا يتجاوز الحق، ولا يقصر عنه، فينجو هو، وينجو به أهله.
وقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]؛ قال زيد بن أسلم: الإمارة. رواه ابن أبي حاتم، وغيره (4).
فإذا كان الرجل يستولي على المرأة بالتزوج استيلاء الأمراء، فلأن يكون أميراً صالحاً أولى من أن يكون غير صالح.
(1) رواه الطبري في "التفسير"(5/ 58).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(5/ 58).
(3)
كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 513) إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 417).
وقال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221].
وفي قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} إشارة إلى أنه لا عبرة بالبزة الظاهرة، ولا الثروة الوافرة، بل بالإيمان القلبي، ويخشى على من زوج بنته برجل لبزته، أو ثروته، أو جاهه أن تكون عاقبته إلى خلاف مراده، كما تقدم نظيره في اختيار المرأة لمالها، أو جمالها، أو حسبها، ومن ثَمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِيْنَهُ، وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوْهُ؛ إِلَاّ تَفْعَلُوْا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِيْ الأَرْضِ، وَفَسادٌ عَرِيْضٌ". رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وصححه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1).
وفي "صحيح البخاري" عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقال: "ما تَقُوْلُوْنَ فِيْ هَذَا؟ " قالوا: حَرِيٌّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال:"ما تَقُوْلُوْنَ فِيْ هَذَا؟ " قالوا: حَرِيٌّ إن خطب لا ينكح، وإن شفع لا يشفع، وإن قال لا يسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هَذا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلِ هَذَا"(2).
أي: فهذا هو الذي ينبغي أن يرغب فيه، ويعتنى بشأنه، وكذلك أمثاله من المؤمنين وإن كانوا فقراء، بخلاف المترفين والفاسقين، وإن
(1) رواه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967)، والحاكم في "المستدرك"(2695).
(2)
رواه البخاري (6082).
زينهم الله تعالى في الظاهر بزينة الغنى، والجاه والعشيرة.
فتزويج المرأة من الفاسق وسيلة إلى التخلق بالفسق والجبروت؛ لأن المرأة على هوى بعلها وطريقته.
وقد روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ النِّساءَ شَقائِقُ الرِّجالِ"(1).
قال علماء الغريب: أي: نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع كأنهن شققن منهم، ولأن حواء من آدم عليهما السلام (2).
ومن أمثال العرب القديمة: المرأة من المرء، وكل أدماء من آدم. نقله الميداني في "أمثاله"(3)، وغيره.
وفي معنى ذلك: ما أخرجه أبو نعيم عن الزُّبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَىْ ابْنَتِهِ فَيُزَوجُهَا الشيخ الدمِيْمَ (4)! ! إِنَّهُنَّ يُرِدْنَ ما تُرِيْدُوْنَ"(5).
وهذا منه صلى الله عليه وسلم إرشاد إلى إعفاف النساء وتحصينهن، فلا ينبغي تزويج المرأة الشابة شيخاً ولا عِنَّيْناً؛ لعدم حصول الغرض من
(1) رواه الإمام أحمد في"المسند"(6/ 256)، وكذا أبو داود (236)، والترمذي (113).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 492).
(3)
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (2/ 319).
(4)
في " أ" و" ت": "الذميم".
(5)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 140).
التحصين والإعفاف، ألا ترى أن الله تعالى يقول:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين المرأة لي؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
قال: وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله تعالى يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]. رواه وكيع في "الغرر"، وسفيان بن عيينة في "مسنده"، وابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
وفي اختيار العبد الصالح للمرأة تمام الإعفاف والتحصين لأنه يقتصر على الحلال، بخلاف الفاسق فقد يتجاوز إلى السفاح، بل كثير من الفساق يعرضون عن نسائهم، ويقبلون على الزنا واللواط، خصوصاً في هذه الأزمنة، وقد اكتفى كثير من الرجال بالرجال.
وقد روى أبو نعيم عن الشعبي قال: من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها (2).
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 661) إلى وكيع، وسفيان بن عيينة، ورواه الطبري في "التفسير"(2/ 453)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 417)، وكذا رواه البيهقي في"السنن الكبرى"(7/ 295).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 314)، وكذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 199).
وسمعت شيخنا -نفع الله به- يحكي عن والده الشيخ يونس العيثاوي، وكان من خيار العلماء رحمه الله تعالى: أنه كان يقول: من زوج موليته من شارب الخمر فقد عرَّضها للزنا.
ومعناه: أنه إذا شرب الخمر فربما طلق في سكره، فيقع طلاقه ولا يدري، ثم يقع عليها.
وفي "مسند الفردوس" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ، أَوْ واحِدَةً مِنْ أَهْلِهِ مِمَّنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَكَأَنَّما قادَهَا إِلَىْ النَّارِ".
ومن هنا منعت المرأة أن تزوج نفسَها إلا بولي عدل؛ لأن نظرها قاصر، والحاجة إلى الكفاءة، واختيار اللائق بها من الأزواج ضرورية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ". أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وصححه، عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، وابن ماجه، والبيهقي عن عائشة، وعن ابن عباس رضي الله عنهم (1).
زاد البيهقي في رواية في حديث عائشة: "وَشاهِدَيْ عَدْلٍ"(2).
وقال في حديث ابن عباس في رواية: "لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ،
(1) رواه أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، والحاكم في "المستدرك"(2710) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه.
وابن ماجه (1880)، والبيهقي في"السنن الكبرى"(7/ 125) عن عائشة، و (7/ 124) عن ابن عباس رضي الله عنهم.
(2)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 125) عن عائشة.
وَشاهِدَيْ عَدْلٍ" (1).
وبهذا اللفظ أخرجه الشافعي رضي الله تعالى عنه (2).
فتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم "مرشد"! ليرشد موليته إلى أصلح الأزواج بها، وأتقاهم لله تعالى، وأكرمهم ديناً، وحسباً.
وروى الإمام مالك، والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَاّ بِإِذْنِ وَلِيِّها، أَوْ ذَوِيْ الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِها، أَوِ السُّلْطانِ (3).
على أن الولي -وإن كان فاسقاً- قد تحمله الحَمِيَّةُ والأَنَفة من إنكاح موليته غير الكفء، وإن كان العدل مقدماً عليه، واشتراط الولي احتياطاً لها.
وأيضاً يرغب في الرَّجل الصالح للمرأة لفائدة أخرى: وهي أن المرأة إذا كانت تحت رجل صالح حُشرت معه ما لم تتصل بعده بغيره.
روى إبن سعد في "طبقاته" عن عكرمة: أن أسماء بنت أبي بكر الصِّديق -رضي الله تعالى عنهما- كانت تحت الزُّبير بن العوام رضي الله عنه وكان شديداً عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية!
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 112).
(2)
رواه الإمام الشافعي في "الأم"(7/ 222).
(3)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 525)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 111).
اصبري؛ فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تتزوج، جمع بينهما في الجنَّة (1).
وروى ابن المنذر عن عروة بن رُويم اللخمي رحمه الله تعالى قال: قالت امرأة موسى لموسى عليه السلام: إني أَيِّمٌ منك منذ أربعين سنة، فأمتعني بنظرة، فرفع البرقع عن وجهه، فَغَشَّىْ وجهَه نورٌ التمع بصرها، فقالت: ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة، قال: على أن لا تتزوجي بعدي، وأن لا تأكلي إلا من عمل يدك، قال: فكانت تتبع الحصادين فإذا رأوا ذلك تخاطوا لها، فإذا أحست بذلك تجاوزته (2).
ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها: "يَا عَائِشَةُ! إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوْقَ بِيْ فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيا كَزادِ الرَّاكِبِ، وَإِيَّاكِ وَمُجالَسَةَ الأَغْنِياءِ، وَلا تَسْتَخْلِفِيْ ثَوْبًا حَتَّىْ تَرْقَعِيْهِ". رواه الحاكم عنها (3).
فالعبد الصالح ينفع أهله حتى بعد موته بما يبقيه فيهم من وصيته وآثاره.
وفي "طبقات ابن سعد" عن عكرمة مرسلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 251).
(2)
كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 537) إلى ابن المنذر.
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(7867). وكذا رواه الترمذي (1780) وقال: حديث غريب، وسمعت محمداً يقول: صالح بن حسان منكر الحديث.
رضي الله تعالى عنها: "يَا فَاطِمَةُ! أَمَا إِنَّيْ ما آلَيْتُ أَنْ أَنْكَحْتُكِ خَيْرَ أَهْلِيْ"(1).
وقال الإمام الحافظ أبو عبد الله البخاري في "صحيحه": باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح (2).
ثم روى عن ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله تعالى عنه وعنده ابنة له، فقال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله! ألك فيَّ حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلَّ حياءَها، واسَوْأَتاهُ! فقال: هي خير منك؛ رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه نفسها (3).
ثم قال: باب عرض الإنسان ابنته (4)، أو أخته على أهل الخير (5).
وروى فيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما من خُنَيْسِ بن حُذافة السَّهْمِيِّ -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فتوفي بالمدينة- فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر:
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 24).
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(5/ 1967).
(3)
رواه البخاري (4828).
(4)
في "م" و"أ": "نفسه".
(5)
انظر: "صحيح البخاري"(5/ 1968).
فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنهما فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليَّ شيئاً، وكنت أَوَجَد عليه مني على عثمان، فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة، فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع عليك فيما عرضت عليَّ إلا أني كنت قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبلتها (1).
وروى الحاكم، والبيهقي عن عثمان، وابن عساكر عنه، وعن عليٍّ رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر حين عرض حفصة على عثمان: "أَلا أَدُلُّكَ عَلْى خَتْنٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ عُثْمانَ، وَأَدُلُّ عُثْمانَ عَلَىْ خَتْنٍ خَيْرٍ لَهُ مِنْكَ؟ " قال: بلى، قال:"زَوِّجْنِيْ ابْنَتَكَ، وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ ابْنَتِيْ"(2).
وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن حرملة، [عن ابن أبي وداعة] (3) رحمه الله تعالى قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، ففقدني أياماً، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: تُوُفِّيَتْ أهلي، فاشتغلت بها، فقال: ألا
(1) رواه البخاري (4830).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4569)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 159)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(39/ 36) عن عثمان رضي الله عنه.
(3)
زيادة من "حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 167).
أخبرتنا فشهدناها؟ قال: ثم أردت أن أقوم، فقال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله! ومن يزوجني وأملك درهمين، أو ثلاثة؟ فقال: أنا، فقلت: وتفعل؟ قال: نعم.
ثم تَحَمَّد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجني على درهمين، أو قال: ثلاثة.
قال: فقمت، وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي، وجعلت أتفكر ممن آخذ، وممن أستدين، فصليت المغرب، وانصرفت إلى منزلي، واسترحت، وكنت وحدي صائماً، فقدمت عشائي أفطر -وكان خبزاً وزيتاً- فإذا بآت يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، قال: فأفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب؛ فإنه لم يُرَ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فقمت، فخرجت، فإذا سعيد بن المسيب، فظننت أنه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد! ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فقال: لا، أنت أحق أن تؤتى، قلت: فما تأمر؟ قال: إنك كنت رجلاً عزباً، فتزوجت، فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك، فهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها، فدفعها في الباب، وردَّ الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم تقدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز، فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه، ثم صعدت إلى السطح، فرميت الجيران، فجاؤوني، فقالوا: ما شأنك؟ قلت: وَيْحَكُمْ! زَوَّجَني سعيد بن المسيب ابنته اليوم، وقد جاءني بها على غفلة، قالوا: سعيد بن المسيب زَوَّجَك؟ قلت: وهي ذا هي في
الدار، قال: ونزلوا هم إليها، وبَلَغَ أمي، فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام.
قال: فأقمت ثلاثاً، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وإذا هي أحفظ الناس لكتاب الله عز وجل، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج.
قال: فمكثت شهراً لا يأتيني سعيد، ولا آتيه، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيداً وهو في حلقته، فسلمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس -أي: تفرقوا- فلمَّا لم يبق غيره قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد! على ما يحب الصديق، ويكره العدو، قال: إن رابك شيء فالعصا، فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم.
قال أبو نعيم: قال عبد الله بن سليمان - يعني: الأشعث أحد رواته -: وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مئة سوط في يوم بارد، وصب عليه جرة ماء، وألبسه جبة صوف (1). انتهى.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 167).