الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
66 - ومن خصال الصالحين، وأخلاقهم: الإيثار، والمواساة {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265]:
قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شاء لشبع، ولكنه كان يؤثر على نفسه (1).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن عثمان رضي الله تعالى عنه: أنه كان يخطب فقال: إنا -والله- قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن ناساً يعلموني به عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط (2).
ويجمع بين هذا الحديث والذي قبله: بأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يؤثر على نفسه، وتارة يواسي من عنده.
(1) هذا الحديث ملفق من حديثين:
الأول: رواه البيهقي في "شعب الايمان"(5637) ولفظه: "ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعاً حتى مضى لسبيله"، وهو عند مسلم (2970) لكنه زاد:"من خبز بر".
والثاني: رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1469) ولفظه: "لو شئنا أن نشبع شبعنا، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه".
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 69).
وروى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِيْ الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِيْ الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِيْ الثَّمَانِيَةَ"(1).
قلت: هذا الحديث يظهر الحكمة في المواساة، والفائدة فيها، وذلك أن العبد إذا واسى (2) أخاه في قدر كفايته من الطعام وغيره بحيث شاطره إياه، ويجتزئ بقدر نصف الكفاية، فإن الله تعالى يكافئه؛ بأن يجعل ذلك النصف كافياً له كما لو استوفاه؛ فإنه سبحانه وتعالى كما جعل كفايته في هذا القدر قادر على أن يجعلها في قدر نصفه، ثم يجعل الله ثواب مساواته لأخيه في قدر كفايته نافلة له على وزان قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
فمن واسى أخاه في طعامه لم يفته من كفايته شيء، ويكون ثواب الله تعالى ورضاه عنه فائدة له زائدة، ونافلة عليه عائدة، ولا يعرف ذلك إلا محقق، والله سبحانه وتعالى الموفق.
وأما الإيثار فإنه إنما يكون ثقة بخلف الله تعالى، ولا شك أنه أبلغ من المواساة، إلا أن المواساة أيسر، والإيثار إنما يتيسر في أوقات دون أوقات.
وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: كان
(1) رواه مسلم (2059).
(2)
في "م" و"أ" و"ت": "ساوى" ولعل الصواب ما أثبت.
بالمدينة أهل بيت ذوو حاجة عندهم رأس شاة، فأصابوا شيئاً، فقالوا: لو بعثنا بهذا الرأس إلى أحوج منا، قال: فبعثوا به، فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم (1).
وروى أبو نعيم عن مسعر بن كدام رحمه الله تعالى أنه خرج يوماً إلى الجبان، فإذا هو بأعرابي يتشرق في الشمس، وهو يقول:[من الكامل]
جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَيْسَ عِنْدِيْ دِرْهَمُ
…
وَلَقَدْ يُخَصُّ بِمِثْلِ ذاكَ الْمُسْلِمُ
وَتَقَاسَمَ النَّاسُ الْجِبابَ وَغَيْرَهَا
…
وَكَأَنّنَيْ بِفِنَاءَ مَكَّةَ مُحْرِمُ
فنزع مسعر جبته، فأعطاه إياها (2).
وروى أبو الحسن بن جهضم عن أبي عامر الأسدي قال: سئل سفيان الثوري عن المواساة، فقال: هذا طريق قد نبت عليه العوسج (3).
يشير إلى قلة المواساة فضلاً عن الإيثار في أهل زمانه، فكيف بالزمان الذي بعده إلى الآن؟
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35447).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 220).
(3)
العوسج: شجر كثير الشوك.