الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَفَرَّغُوْا مِنْ هُمُوْمِ الدُّنْيا ما اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ كانَتِ الدُّنْيَا كثَرَ هَمِّهِ أَفْشا اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَمَنْ كانَتِ الآخِرَةُ أَكْثَرَ هَمِّهِ جَمَعَ اللهُ لَهُ أُمُوْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِيْ قَلْبِهِ، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَىْ اللهِ عز وجل إِلَاّ جَعَلَ اللهُ قُلُوْبَ الْمُؤْمِنِيْنَ تَفِدُ إِلَيْهِ بِالْوِدّ، وَالرَّحْمَةِ، وَكانَ اللهُ إِلَيْهِ بِكُلِّ خَيْرٍ أَسْرَعَ"(1).
وقوله في الحديث: "أكبر همه" بالباء الموحدة.
وفي نسخة صحيحة من "الحلية": (أكثر) بالمثلثة، وكلاهما صحيح.
وروى أبو نعيم عن أبي موسى الطرسوسي رحمه الله تعالى قال: ما تفرغ عبد لله ساعة، إلا نظر الله إليه بالرحمة (2).
76 - ومنها: الاختلاط. بالناس لحضور جمعهم وجماعاتهم، وحضور مشاهد الخير، ومجالس الذِّكر معهم، وعيادة مرضاهم
،
= (10339)، وكذا رواه الترمذي (2466) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4107).
(1)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5025)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 227). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 248): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب، وهو كذاب.
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 10).
وشهود جنائزهم، ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم، وإفشاء السَّلام فيهم، وتشميت عاطسهم، وزيارة صالحيهم، وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقمع نفسه عن الإيذاء، وصبر على الأذى.
لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وللأحاديث الواردة في فضل ذلك؛ فإن لم يكن بتلك الصفة= وما أعز من يتصف بها في زمانك هذا وأنت بعد تمام عشرة قرون كل قرن مئة عام، وقد عددت عدة أعوام من القرن الحادي عشر من هجرة سيد البشر صلى الله عليه وسلم = فليس له أن يختلط بالناس إلا للضرورة التي أشرت إليها.
وعولت في أبيات قلتها قديماً عليها: [من الكامل]
هَذَا زَمانُ الصَّبْرِ لَمْ يَعْرِفْ بِهِ
…
وَبِحالِهِ إِلَّا اللَّبِيْبُ الْحَاذِقُ
خانَ الأَمِيْنُ بِهِ وَخانَ الْواثِقُ
…
وَنَأَىْ الصَّدِيْقُ بِهِ وَمانَ الصَّادِقُ
فَعَلَيْكَ فِيْهِ بِعُزْلَةٍ مَحْفُوْظَةٍ
…
عَنْ كُلِّ ما لا يَرْتَضِيْهِ الْخالِقُ
إِلَاّ لِعِلْمٍ أَوْ لِهَمِّ مَعِيْشَةٍ
…
فَاخترْ لِصُحْبَتِكَ الَّذِيْ بِكَ لائِقُ
فَلَئِنْ لسَمِعْتَ وَصِيَّتِيْ وَنَصِيْحَتِيْ
…
فَلأَنْتَ حَقًا فِيْ الْقِيامَةِ سابِقُ
وقولنا: فاختر لصحبتك الذي بك لائق؛ أي: إنك إذا احتجت إلى الاختلاط بالناس فلا تخالط إلا من يليق بك من المؤمنين دون الفاسقين والمنافقين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصاحِبْ إِلَاّ مُؤْمِناً، وَلا يَأْكُلْ طَعامَكَ إِلَاّ
تَقِيٌّ".
رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه (1).
وروى الطبراني - ومن طريقه أبو نعيم - عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: "يَا عَلِيُّ! اسْتَكْثِرْ مِنَ الْمَعارِفِ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ؛ فَكَمْ مِنْ مَعْرِفَةٍ فِيْ الدُّنْيا بَرَكَةٌ فِيْ الآخِرة"، فمضى علي، فأقام حيناً لا يلقى أحداً إلا اتخذه للآخرة، ثم جاء من بعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما فَعَلْتَ فِيْما أَمَرْتُكَ؟ " قال: قد فعلت يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبْ فَابْلُ أَخْبَارَهُمْ"، فأتى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو منكس رأسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 38)، وأبو داود (4832)، والترمذي (2395) وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"(554)، والحاكم في "المستدرك"(7169).
وتبسم: "ما أَحْسِبُ يَا عَلِيُّ ثَبَتَ مَعَكَ إِلَّا أَبْنَاءُ الآخِرَةِ"، فقال له علي: لا والذي بعثك بالحق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدَوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِيْنَ، يَا عَليُّ! أَقْبِلْ عَلَىْ شَأْنِكَ، وَامْلِكْ لِسانَكَ، وَاعْقِلْ مَنْ تُعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ زمَانِكَ، تَكُنْ سالِماً غانِماً"(1).
وقوله: "واعقل من تعاشر"؛ أي: تعرف من تعاشره قبل معاشرته؛ فإن كان من أبناء الآخرة فعاشره، وإلا فلا تحفل به.
أو المعنى: تعرف حال من تعاشره حتى تعاشره بما يليق به من ملاءمة، ومودة، أو مداراة، وحلم، وصبر، واحتمال أذى، وغير ذلك.
وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "الْمُؤْمِنُ الَّذِيْ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِيْ لا يُخَالِطُ النَّاسَ". رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه (2).
وروى الأولان، وحسنه الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، والإمام أحمد، والترمذي، والبيهقي عن معاذ رضي الله تعالى عنه، وابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللهَ ما اسْتَطَعْتَ، وَأتبعِ السَّيِّئةَ
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 22).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 365)، والترمذي (2507) وابن ماجه (4032).
الْحَسَنَةَ تَمْحُها، وَخالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (1).
أنشدنا شيخ الإسلام والدي لنفسه عقب إملائه لهذا الحديث: [من الرمل]
اتَّقِ اللهَ تَعَالَىْ ما اسْتَطعْـ
…
ـتَ وَأتبعْ سَيِّئَاتٍ حَسَنَةْ
خالِقِ النَّاسَ بِخُلْقٍ حَسَنٍ
…
ذا الْحَدِيْثُ التِّرْمِذِيْ قَدْ حَسَّنَهْ
وله في المعنى ما كتبه لولده الشيخ المحقق العلامة العارف بالله تعالى الفهامة شهاب الدين أحمد رحمه الله تعالى وصية له، وهي من أنفع الوصايا، وأليقها بهذا المقام:[من الكامل]
السْمَعْ بُنَيَّ وَصِيَّتِيْ وَاعْمَلْ بِهَا
…
تَبْلُغْ مِنَ الْخَيْرِ الْجَزِيْلَ الْمُنْتَهَىْ
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 153)، والترمذي (1987) وحسنه، والحاكم في "المستدرك"(178)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8026) عن أبي ذر.
ورواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 228)، والترمذي (1987) وقال: قال محمود - بن غيلان -: والصحيح حديث أبي ذر.
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8027) بلفظ مختلف عن معاذ.
لا تَعْتَمِدْ فِيْ حاجَةٍ إِلَاّ عَلَىْ
…
مَوْلَىَ تُقَدِّسْ مَجْدَهُ وَتُنَزِّهَا
وَارْفَعْ إِلَىْ الرَّحْمَنِ كُلَّ مُلِمَّةٍ
…
وَاخْضَعْ إِلَيْهِ تَمَسْكُنًا وَتألُّهَا
وَاخْشَ الْمُهَيْمِنَ وَأْتِ ما يَرْضَىْ بِهِ
…
وَاحْذَرْ تَكُنْ مِمَّنْ بِدُنْيَاهُ الْتَهَىْ
وَاتْبَعْ هُدَىْ خَيْرِ الأَنامِ وَهَدْيَهُ
…
وَأَطِعْ أَوَامِرَهُ وَحُدْ عَمَّا نهىْ
وَتَجَنَّبِ الْمَحْظُوْرَ جَهْدَكَ وَاجْتَنِبْ
…
مَكْرُوْهَ أَفْعالٍ وَإِنْ تَكُ مُكْرَها
وَالْخَلْقَ خَالِقْهُمْ عَلَىْ حَذَرٍ وإنْ
…
تَصْحَبْ فَأَهْلَ الدِّيْنِ مِنْ أَهْلِ النُّهَىْ
وَلَئِنْ جَنَحْتَ إِلَىْ اعْتِزالِكَ عَنْهُمُ
…
أُعْطِيْتَ عِزًّا مِنْ إِلَهِكَ مَعْ بَهَا
وَاقْنَعْ تَكُنْ حُرًّا بِدَوْلَتِهِ زَهَىْ
…
وَاطْمَعْ تَكُنْ عَبْداً بِذِلَّتِهِ وَهَىْ
وإِذا حَصَلْتَ عَلَىْ الْمَرامِ مِنَ اللَّهَىْ
…
فَاقْصُرْ فَكافٍ كُلُّ ما سَدَّ اللَّها
وَاحْبِسْ زِمامَ النَّفْسِ مِنْ غُلَوائِهَا
…
فَالنَّفْسُ تَطْلُبُ كُلَّ شَيْءِ مُشْتَهَى
وَبقَدرِ ما نالَتْ تُحَاسَبُ فيْ غَدٍ
…
فَاقْنع بِما تُعْطَى فَذَلِكَ حَسْبُها