الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]؛ وقد تقدم الكلام على ذلك.
29 - ومنها: موافقة القول العمل:
قال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ} [البقرة: 44] الآية.
وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 3]
وروى الإمام أحمد، والشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَىْ فِيْ النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ - أي: أمعاؤه - فَيَدُوْرُ بِهَا فِيْ النَّارِ كَمَا يَدُوْرُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيُطِيْفُ بِهِ عَلَىْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا فُلانُ! مَا لَكَ؛ مَا أَصَابَكَ؟ ألمْ تَكُنْ تأمُرُنَا بالْمَعْرُوْفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُوْلُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوْفِ وَلا آتِيْهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الشَرِّ وَآتِيْهِ"(1).
ولا شك أن العبد لا يتم صلاحه حتى يبدأ بإصلاح نفسه قبل إصلاح غيره.
كما روي: أن بعض العارفين سئل عن الزهد، فدخل بيته، وأخرج
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 205)، والبخاري (3094)، ومسلم (2989).
دراهم كانت عنده، فتصدق بها، ثم أجابه، وقال: كرهت أن أتكلم في الزهد وعندي هذه الدراهم.
وإلا فمن لا يصلح نفسه كيف يصلح غيره! كما قيل: [من الطويل]
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَىْ
…
طَبِيْبٌ يُدَاوِيْ النَّاسَ وَهْوَ عَلِيْلُ (1)
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزُّهد" عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: إذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ الناس به، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر فكن من أترك الناس له؛ وإلا هلكت (2).
وقال الفقيه منصور الشافعي رحمه الله تعالى ملمحًا بالآية السابقة: [من مجزوء الخفيف]
إِنَّ قَوْما يَأمُرُوْنا
…
بِالَّذِيْ لا يَفْعَلُوْنا
لَمَجَانِيْنُ وَإِنْ هُمْ
…
لَمْ يَكُوْنُوا يُصْرَعُوْنا (3)
وقلت: [من الخفيف]
أَيُّهَا الْعَالِمُ الَّذِيْ قَدْ نهى عَنْ
…
مُنْكَرِ الْفِعْلِ عَلَّنَا نَخْشَاهُ
(1) ذكره البيهقي في "شعب الإيمان"(5/ 465)، عن رجل يعرف بأبي العباس.
(2)
وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(ص: 99).
(3)
انظر: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (1/ 195).