الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَاتِمَة فِي لطَائَف تَتَعَلَّق بِهَذَا البَاب
روى الشَّيخ الزَّاهد الفقيه سيِّدي نصر المقدسي رضي الله تعالى عنه في كتاب "الحجة" عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى: أنه قال: الملائكة حراس السَّماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض (1).
قلت: الملائكة عليهم السلام يحرسون السماء من الشياطين كما قال الله تعالى حكاية عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8].
وأصحاب الحديث، ومن كان على قدمهم من العلماء، يحرسون القلوب في الأرض أن تضلها الشياطين من الجن والإنس عن عقائد السنة.
ويحوز أن يكون حراستهم الأرض: أن الله تعالى يمنع العذاب بهم عن أهل الأرض، ويدفع بهم البلايا عنهم.
وروى الخَلَاّل قال: أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال:
(1) انظر: "مختصر الحجة على تارك المحجة للمقدسي"(109). ورواه أيضاً الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث"(ص: 44).
سمعت رجلاً من خراسان يقول: عندنا بخراسان يرون أن أحمد بن حنبل لا يشبه البشر، يظنون أنه من الملائكة (1).
قلت: وفي أمثال الناس إذا أرادوا أن يثنوا على الرجل بحسن الأخلاق، ونفع الناس، وكف الأذى قالوا: فلان كأنه ملك، أو: فلان من الملائكة.
وفي أمثالهم: لا تقاس الملائكة بالحدادين (2)، وهذا المثل أورده حجة الإسلام في "الإحياء" متمثلاً به (3).
وروى ابن سعد في "طبقاته" عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "امْشُوْا أَمامِيَ، خَلُّوْا ظَهْرِيَ لِلْمَلائِكَةِ"(4).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن نَوف البَكَالي قال: انطلق رجل مؤمن ورجل كافر يصيدان السَّمك، فجعل الكافر يلقي شبكته، ويذكر آلهته، فتجيء بدمشق، ويلقى الرجل، ويذكر الله عز وجل، فلا تجيء بشيء، قال: فتعاهد ذلك إلى مغيب الشمس، ثم إن المؤمن اصطاد سمكة فأخذها بيده، فاضطربت، فوقعت في الماء، فرجع المؤمن وليس معه
(1) ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(11/ 211)، ثم قال: هذا غلو لا ينبغي، لكن الباعث له حب ولي الله في الله.
(2)
أورده العسكري في "جمهرة الأمثال"(ص: 67) وقال: الحدادون: السجانون، وكل مانع عند العرب حداد.
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (1/ 24)، وغيرها من المواضع.
(4)
ورواه أيضا الإمام أحمد في "المسند"(3/ 398) من حديث جابر الطويل.
شيء، ورجع الكافر وقد امتلأت سفينته، فأسف مَلَك المؤمن، فقال: أي رب! عبدك هذا المؤمن الذي يدعوك رجع ليس معه شيء، وعدوك الكافر رجع وقد امتلأت سفينته؟ فقال الله عز وجل لملك المؤمن: تعال، فأراه مسكن المؤمن في الجنة، فقال: ما يضر عبدي المؤمن ما أصابه بعد أن يصير إلى هذا، وأراه مسكن الكافر في النار، فقال: هل يغني عنه من شيء أصاب في الدنيا؟ قال: لا والله يا رب (1).
وروى ابن أبي الدُّنيا في كتاب "المرض والكفارات" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مَرِضَ مُسْلِمٌ إِلَاّ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ مِنْ مَلائِكَتِهِ لا يُفارِقانِهِ حَتَّىْ يَقْضِيَ اللهُ فِيْ أَمْرِهِ بِإِحْدَىْ الْحُسْنَيَيْنِ؛ إِمَّا بِمَوْتٍ، وإمَّا بِحَياةٍ، فَإِذا قالَ لَهُ الْعُوَّادُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقالَ: أَحْمَدُ الله، أَجِدُنِيْ - وَاللهُ مَحْمَوْدٌ - بِخَيْرٍ، قالَ لَهُ الْمَلكانِ: أَبْشِرْ بِدَمٍ هُوَ خَيْر مِنْ دَمِكَ، وَصِحَّةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ صِحَّتِكَ، فَإِنْ قالَ: أَجِدُنِيْ فِيْ بَلاءٍ وَشِدَّةٍ، قالَ لَهُ الْمَلَكانِ مُجِيْبِيْنَ لَهُ: أَبْشِرْ بِدَمٍ هُوَ شَرٌّ مِنْ دَمِكَ، وَبِبلاءٍ هُوَ أَطْوَلُ مِنْ بَلائِكَ"(2).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ رَجُلاً قَتَلَ تِسْعَةً وتسعِيْنَ نَفْساً، ثُمَّ
(1) رواه الإمام أحمد "الزهد"(ص: 217).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(ص: 54)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9940).
عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَىْ راهِبٍ، فَأتاهُ، فَقالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتسعِيْنَ نَفْساً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: لا، فَقَتَلَهُ وَكَمَّلَ بِهِ مِئَة، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَىْ رَجُلٍ عالِمٍ، فَقالَ: إِنَّةُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُوْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَىْ أَرْضِ كَذَا وَكَذا؛ فَإِنَّ بِها ناساً يَعْبُدُوْنَ اللهَ تَعَالَىْ، فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَىْ أَرْضِكَ؛ فَإِنَّها أَرْضُ سُوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّىْ إِذا نصَفَ (1) الطَّرِيْقُ أَتاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيْهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذابِ، فَقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَنا تائِباً مُقْبِلاً، وَقالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فَأَتاهُمْ مَلكٌ فِيْ صُوْرَةِ أدَمِي، فَجَعَلُوْهُ بَيْنَهُمْ، فَقالَ: قِيْسُوْا ما بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، فَإِلَىْ أَّيَّتِهِما كانَ أَدْنى فَهُوَ لَهُ، فَقاسُوْهُ فَوَجَدُوْهُ أَدْنى إِلَىْ الأَرْضِ الَّتِيْ أَرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمةِ" (2).
قلت: هذا الحديث موافق لقوله تعالى في الحديث القدسي:
"إن رحمتي تَغلِبُ غضبي"(3).
ولا لوم على الملائكة في هذا الخصام؛ لأن كل طائفة منهم قائمة بأمر الله تعالى، ولو لم يختصموا لكانوا مقصِّرين فيما أُمروا به.
(1) في "أ": "أنصف".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
وفي هذا الحديث دليل على أن الملائكة عليهم السلام متعبَّدون بالاجتهاد.
وروى الطبراني في "الكبير" عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَنْزِلُ عَلَىْ قَوْمٍ فِيْهِمْ قاطِعُ رَحِم"(1).
والمراد ملائكة الزيارة والإكرام، فأمَّا ملائكة الحفظ، فإنهم ملازمون العبد كما سبق، وهذا منهم من باب هجران أهل العصيان.
وروى الترمذي، وأبو نعيم، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا كَذَبَ الرَّجُلُ كَذْبَة تَباعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيْلاً مِنْ نتَنِ ما جاءَ بِهِ"(2).
والمراد بهذا الملك الحافظ، وتباعدُه استقذارٌ لما أتى به صاحبه من الكذب.
واستقباح الكذب ونحوه من الأعمال السيئة، والأقوال الخبيثة، واستقذاره إنما يدرك بالسر، لا بالحواس الظاهرة، فهو أمر روحاني، والروح تدرك من نتن المعاني وقبحها ما يسهل عنده أقبح رائحة تدرك بحاسة الشم.
(1) كذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 151) إلى الطبراني، وقال: فيه أبو أدام المحاربي وهو كذاب. ورواه أيضاً البخاري في "الأدب المفرد"(63).
(2)
رواه الترمذي (1972) وقال: حسن جيد غريب، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 197).
وروى الشيخان، وغيرهما عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائِشَةُ! هَذا جِبْرِيْلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ" قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى؛ تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1).
وسبق أن السلام، والرد من أعمال الملائكة.
وفي هذا الحديث أنهم يرسلون السلام إلى أهل الخير، ويذكرون عند أهل الخير أهلهم بخير، وفي ذلك إدخال السرور عليهم.
وروى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَتانِيْ جِبْرِيْلُ عليه السلام فَقالَ: يا رَسُوْلَ اللهِ! هَذِه خَدِيْجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَها إِناءٌ فِيْهِ إِدامٌ، أَوْ طَعامٌ، أَوْ شَرابٌ، فَإذا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّها، وَبَشِّرْها بِبَيْتٍ فِيْ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيْهِ وَلا نَصَبَ"(2).
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، والطبراني في "الكبير"، والحافظ ضياء الدين المقدسي في "الأحاديث المختارة" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: "أَتانِيْ جِبْرِيْلُ عليه السلام فَقالَ: أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ رِضاهُ حُكْمٌ، وَإِنَّ غَضَبَهُ عِزٌّ"(3).
(1) رواه البخاري (5895)، ومسلم (2447).
(2)
رواه مسلم (2432)، ورواه - أيضاً - البخاري (3609).
(3)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 227)، والطبراني في =
وروى الإمام أحمد، والترمذي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوْحِ الْقُدُسِ ما نافَحَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ"(1).
وروى ابن أبي شيبة، عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "اهْجُ الْمُشْرِكِيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيْلَ مَعَكَ"(2).
وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: مرَّ عمر بحسان رضي الله تعالى عنهما وهو ينشد في المسجد، فنظر إليه، فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، فسكت، ثم التفت حسان إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله! هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَجِبْ عَنِّيَ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوْحِ الْقُدُسِ؟ "، قال: نعم (3).
وروى ابن سعد في "طبقاته" عن ابن بُريدة: أن جبريل عليه
= "المعجم الكبير"(12472)، والمقدسي في "الأحاديث المختارة" (10/ 126). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 69): وفيه خالد بن زيد العمري، وهو ضعيف.
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 72)، والترمذي (2846) وصححه.
(2)
رواه أبن أبي شيبة في "المصنف"(26022)، ورواه أيضاً البخاري (3897)، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 286).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 222).
السلام أعان حسان بن ثابت على مدحة النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً (1).
قلت: في هذه الأحاديث دليل على أن إنشاء الشعر في مدح الله ورسوله، وهجاء أعدائهم، ونحو ذلك مما يرضى به الملائكة، ويستمعون إليه، بل في حديث ابن بريدة أنه من فعل جبريل، وهو أفضل الملائكة عليهم السلام.
وروى الدينوري في "المجالسة"، وابن عساكر - بسند فيه متهم (2) - عن أنس رضي الله عنه: أن الله تعالى لما حشر الخلائق إلى بابل هبطت ملائكة الخير والشر، وملائكة الحياء والإيمان، وملائكة الصحة والشفاء، وملائكة الغنى، وملائكة الشرف، وملائكة المروءة، وملائكة الجفاء، وملائكة الجهل، وملائكة السيف، وملائكة البأس حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: أنا معك.
وقال ملك الشفاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: وأنا معك.
فقال ملك الجفاء: وأنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: وأنا معك.
(1) ورواه أيضاً الفاكهي في "أخبار مكة"(1/ 306)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(12/ 406).
(2)
هو يغنم بن سالم. قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(6/ 315): أتى بعجائب، قال أبو حاتم: ضعيف، . وقال ابن حبان: كان يضع على أنس بن مالك، وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.
فقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: وأنا معك.
فقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال ملك المروءة: وأنا معك.
فقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع الغنى والمروءة والشرف بالعراق (1).
قلت: معنى إقامة الملائكة بهذه المعاني بالعراق: أن سلطان تلك المعاني بالعراق - وإن كانت موجودة بغيره - إلا أنها فيه أكثر منها في غيره.
وكذلك سكنى الإيمان والحياء بالحرمين، معناه أنهما فيهما أكثر منهما في غيرهما، وكذا الباقي.
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن سليم الخَوَّاص أنه قال: الناس ثلاثة أصناف: صنف شبه الملائكة، وصنف شبه البهائم، وصنف شبه الشياطين؛ فأمَّا الذين شبه الملائكة فالمؤمنون في ليلهم ونهارهم طائعين يحبون أهل الطاعة، وأما الذين شبه البهائم فالذين ليس لهم هَمٌّ إلا الأكل والشرب والنكاح والنوم، فهم كالبهائم، وأما الذين شبه الشياطين فالذين في معاصي الله صباحاً ومساءً (2).
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 332)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 354).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 278).
وروى البزار، والحاكم، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِنْ صَباحِ إِلَاّ وَمَلَكانِ يُنادِيانِ، يَقُوْلُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُوْلُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً، وَمَلَكانِ مُوَكَّلانِ بِالصُّوْرِ يَنْتَظِرانِ مَتَىْ يُؤْمَرانِ فَيَنْفُخانِ، وَمَلَكانِ يُنادِيانِ، يَقُوْلُ أَحَدُهُما: يا باغِيَ الخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَقُوْلُ الآخَرُ: يا باغِيَ الشَرِّ أَقْصِرْ، وَمَلَكانِ يُنادِيانِ، يَقُوْلُ أَحَدُهُما: وَيْلٌ لِلرِّجالِ مِنَ النِّساءِ، وَيَقُوْلُ الآخَرُ: وَيْلٌ لِلنِّساءِ مِنَ الرِّجالِ"(1).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن كعب قال: أجد في الكتاب: ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيدي ملك، فإن ارتفع وضعه الله تعالى، وإن تواضع رفعه الله عز وجل (2).
وروى الطبراني بإسناد حسن، عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ آدَمِيِّ إِلَاّ وَفِيْ رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، فَإِذا تَواضَعَ قِيْلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حِكْمَتَهُ، وَإِذا تَكَبَّرَ قِيْلَ لِلْمَلَكِ: ضَعْ حِكْمَتَهُ"(3).
(1) عزاه الهيثمي في"مجمع الزوائد"(10/ 331) إلى البزار، وقال: وفيه خارجة بن مصعب الخراساني، وهو ضعيف جداً، وقال يحيى بن يحيى: مستقيم الحديث، وبقية رجاله ثقات. ورواه الحاكم في "المستدرك"(8679).
(2)
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35647).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12939)، وحسن الهيثمي إسناده في "مجمع الزوائد"(8/ 82).
وأخرجه البزار بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بإسناد حسن (1).
وروى ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الذكر" عن حَجَّاج بن فرافصة قال: إن لله خلقاً من الملائكة عليهم السلام نصفه ثلج ونصفه نار، يقول: يا مؤلفاً بين الثلج والنار! ألف بين قلوب العباد (2).
وروى أبو نعيم عن عبد الرَّحمن بن ميسرة الحَضْرمي قال: إن لله ملكاً اسمه روقيل، نصفه ثلج ونصفه نار، صلاته يقول: اللهم كما ألفت بين هذا النور وبين هذا الثلج، فلا الثلج يطفئ النور ولا النور يطفئ الثلج، فألف بين عبادك المؤمنين.
قال: وكان يقال: وكِّل بالصيام (3).
وروى أبو نعيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فِيْ السَّماءِ أَبْصَرُ بِعَمَلِ بَنِيْ آدَمَ مِنْ بَنِيْ آدَمَ، تَفْخَرُ بِهِمُ السَّماءُ، فَإِذا نَظَرُوْا إِلَىْ عَبْدٍ عَمِلَ بِطاعَةِ اللهِ ذَكَرُوْهُ بَيْنَهُمْ، فَقالُوْا: أَفْلَحَ اللَّيْلَةَ فُلانٌ، فازَ اللَّيْلَةَ فُلانٌ، وَإِذا رَأَوْا عَبْداً يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَىْ قالُوْا:
(1) كذا عزاه المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 352) إلى البزار، وحسن إسناده.
(2)
ورواه مرفوعاً أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 749): عن معاذ بن جبل والعرباض بن سارية، وضعف العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 468).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 110).
خَسِرَ اللَّيْلَةَ فُلانٌ، هَلَكَ اللَّيْلَةَ فُلانٌ" (1).
قلت: ومثل ذلك لا يكون غيبة؛ لأن الله تعالى أطلعهم على حقيقة الأمر، وأمرهم بذلك؛ فإنهم كما قال الله تعالى:{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
ويحتمل أن يكون قولهم: "خسر الليلة فلان، هلك الليلة فلان" من باب الرحمة والأسف عليه، لا من باب التفكُّه بذكره؛ فإن هذا من خلق بني آدم، لا من خلق الملائكة.
وروى حسين المروزي راوي كتاب "البر والصلة" لابن المبارك في "زوائده" عن مجاهد قال: إن الملائكة مع ابن آدم، فإذا ذكر أخاه المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله، وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أَرْبَع على نفسك، واحمد الذي ستر عورتك (2).
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن جُبير بن نُفير رضي الله تعالى عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الصبح، فلما فرغ أقبل بوجهه على الناس رافعاً صوته حتى كان يسمع من الخدور، وهو يقول: "يا مَعْشَرَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيْمانُ فِيْ قُلُوْبهِمْ! لا تُؤْذُوْا الْمُسْلِمِيْنَ، وَلا تُعَيِّرُوْهُمْ، وَلا تتَّبِعُوْا عَثَراتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَنْ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 282). وفيه سلام الطويل، وهو متروك الحديث، كما ذكر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ"(2/ 958).
(2)
وتقدم تخريجه عن أبي نعيم.
يَتَّبعُ عَثْرَةَ أَخِيْهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبعُ اللهُ عَثْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبعُ اللهُ عَثْرَتَهُ يَفْضَحُهُ وَهُوَ فِيْ قَعْرِ بَيْتِهِ".
فقال قائل: يا رسول الله! وهل على من ستر؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سُتُوْرُ اللهِ عَلَىْ الْمُؤْمِنِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَىْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَعْمَلُ بِالذُّنُوْبِ فَيَهْتِكُ اللهُ عَنْهُ سُتُوْرَهُ سِتْراً سِتْراً، حَتَّىْ لا يَبْقَىْ عَلَيْهِ مِنْها شَيْءٌ، فَيَقُوْلُ اللهُ تَعالَىْ لِلْمَلائِكَةِ: اسْتُرُوْا عَلَىْ عَبْدِيَ مِنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُوْنَ وَلا يُغَيِّرُوْنَ، فَتَحُفُّ بِهِ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِها يَسْتُرُوْنه مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ تابَ قَبِلَ اللهُ مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سُتُوْرَهُ، وَمَعَ كُلِّ سِتْرٍ تِسْعَةُ أَسْتارٍ، فَإِنْ تَتابَعَ فِيْ الذُّنُوْبِ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنا! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنا وَأَقْدَرَنا، فَيَقُوْلُ لِلْمَلائِكَةِ: اسْتُرُوْا عَبْدِيَ مِنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُوْنَ وَلا يُغَيِّرُوْنَ، فَتَحُفُّ بِهِ الْمَلائِكَةُ بِاَجْنِحَتِها يَسْتُرُوْنَهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ تابَ قَبِلَ اللهُ مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سُتُوْرَهُ، وَمَعَ كُلِّ سِتْرٍ تِسْعَةُ أَسْتارٍ، فَإِنْ تَتابَعَ فِيْ الذُّنُوْبِ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: يا رَبَّنا! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنا وَأَقْدَرَنا، فَيَقُوْلُ اللهُ: اسْتُرُوْا عَلَىْ عَبْدِيَ مِنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيّرُوْنَ وَلا يُغَيِّرُوْنَ، فَتَحُفُّ بِهِ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا يَسْتُرُوْنَهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ تابَ قَبِلَ اللهُ مِنْهُ، وَإِنْ عادَ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنا! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنَا وَأَقْدَرَنا، فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَىْ لِلْمَلائِكَةِ: تَخَلَّوْا عَنْهُ، فَلَوْ عَمِلَ ذَنْباً فِيْ بَيْتٍ مُظْلِمٍ فِيْ لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِيْ جُحْرٍ أَبْدَىْ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ عَوْرتِهِ"(1).
(1) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 207).
وروى ابن أبي شيبة عن خيثمة رحمه الله تعالى: أنه قال: تقول الملائكة: يا رب! عبدك المؤمن تَزوي عنه الدنيا، وتعرضه للبلاء؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن ثوابه، فإذا رأوا ثوابه قالوا: يا رب! لا يضره ما أصابه من الدُّنيا.
ويقولون: عبدك الكافر تزوي عنه البلاء، وتبسط له الدنيا؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن عقابه، فإذا رأوا عقابه قالوا: يا رب! لا ينفعه ما أصابه من الدنيا (1).
وسبق في نحو ذلك عن نوف البكالي رحمه الله تعالى حكاية المؤمن والكافر في صيد السمك.
وروى ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لما خلق الله آدم عليه السلام وذريته قالت الملائكة: إن الأرض لا تسعهم، قال: إني جاعل موتاً، قال: إذاً لا يهنيهم عيش، قال: إني جاعل أملاً (2).
وروى أبو نعيم عن عبد الأعلى التيمي رحمه الله تعالى قال: إذا جلس قوم فلم يذكروا الجنة والنار قال الملائكة: أغفلوا العظيمتين، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَنْسَوُا الْعَظِيْمَتَيْنِ"، قلنا: وما العظيميتان
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35020)، وقد رواه مرفوعاً أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 123) عن عبد الله بن عمرو، وقال: وهو من مفاريد محمد بن عبيد الغزي، والمشهور ما رواه الناس عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة.
(2)
تقدم تخريجه.
يا رسول الله؟ قال: "الْجَنَّةُ وَالنَّارُ". رواه أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (1).
والمراد بذكر الجنة أن تطلب من الله، وذكر النار أن يستعاذ به منها.
أو ذكرهما وما فيهما مما ورد به الكتاب والسنة ترغيباً لنفس الذاكر، أو لغيره في الجنة، وترهيباً من النار.
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: ما من شجرة - صغيرة ولا كبيرة -، ولا مغرز إبرة - رطبة ولا يابسة - إلا ملك متوكل بها يأتي الله بعلمها كل يوم، ورطوبتها إذا رطبت، ويبوستها إذا يبست (2).
وروى أبو الشيخ في "العظمة" عن الحسن قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، وينزل مع المطر كذا، وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع فيه المطر، ومن يرزقه، وما يخرج منه مع كل قطرة (3).
وروى الحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل" عن سعيد بن هلال قال: سمعت أبا جعفر محمَّد بن علي رضي الله تعالى عنه وتلا:
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 88) عن عبد الأعلى، وعزاه المنذري في "الترغيب والترهيب"(4/ 248) إلى أبي يعلى، ورواه أيضاً ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ص: 15) عن ابن عمر.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]، فقال: حدثني جابر رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "إِنِّيْ رَأَيْتُ فِيْ الْمَنامِ كَأَنَّ جِبْرِيْلَ عِنْدَ رَأْسِيَ، وَمِيْكائِيْلَ عِنْدَ رِجْلِيَ، يَقُوْلُ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثلاً، فَقالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ: إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ داراً، ثُمَّ بَنَىْ فِيْها بِناءً، ثُمَّ جَعَلَ فِيْها مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُوْلاً يَدْعُوْ النَّاسَ إِلَىْ طَعامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجابَ الرَّسُوْلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإِسْلامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يا مُحَمَّدُ رَسُوْلٌ، فَمَنْ أَجابَكَ دَخَلَ الأسْلامَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْها"(1).
وروى أبو بكر بن مردويه في "تفسيره" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: استقبلني النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا حتى أتينا موضعاً لا ندري ما هو، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجري، ثم إن ناساً أتوا، عليهم ثياب بيض طوال، وقد أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: فأرعبت منهم، فقالوا: لقد أعطي هذا العبد خيراً؛ إن عينه نائمة والقلب يقظان، ثم قال بعضهم لبعض: هلم فنضرب له مثلاً، قال بعضهم لبعض: اضربوا له ونتأول نحن، أو نضرب نحن وتتأولون أنتم، فقال بعضهم: مثله كمثل سيد اتخذ مأدُبة، ثم ابتنى بنياناً
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(8188)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(1/ 370)، ورواه أيضا بلفظ نحوه؛ البخاري (6852)، والترمذي (2860).
حصيناً، ثم أرسل إلى الناس، فمن لم يأت طعامه عذبه عذاباً شديداً، قال الآخرون: أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، وهذا الداعي؛ فمن اتبعه كان في الجنة، ومن لم يتبعه عذب عذاباً أليماً، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فقال:"ما رَأَيْتَ يا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ؟ " فقلت: رأيت كذا وكذا، قال:"أَفَخَفِيَ عَلَيَّ مِمَّا قالُوْا شَيْءٌ؟ " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ عليهم السلام"(1).
وروى أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح، وعوفي من السرق (2).
وروى الحاكم وصححه، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا حدثتكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله؛ إن العبد إذا قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله" قبض عليهن ملك، فضمهنَّ تحت جناحه، ويصعد بهن لا يمرُّ بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يُحَيَّا بهن وجه
(1) وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 355) إلى ابن مردويه.
(2)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 472) إلى أبي الشيخ.
الرحمن، ثم تلا عبد الله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10](1).
ورواه الطبراني فقال: "حتى يجيء بهن وجه الرحمن"(2).
وروى الترمذي وحسنه، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ ابْتَغَىْ الْقَضاءَ وَسَألَ عَلَيْهِ الشُّفَعاءَ وُكِلَ إِلَىْ نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللهُ تَعالَىْ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ"(3).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "الذكر" عن أنس رضي الله عنه قال: قال أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: لأدخلن المسجد فلأصلين، ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما صلى وجلس ليحمد الله، ويثني عليه، فإذا هو بصوت عالٍ من خلفه يقول: "اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله - علانيته وسره - لك الحمد إنك على كل شيء قدير، اغفر لي ما مضى
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(3589)، لكنه قال:"حتى يجيء بهن وجه الرحمن". كذا في المطبوع، لكن قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 281): كذا في نسختي "يحيَّا" بالحاء المهملة وتشديد المثناة تحت.
ورواه الطبراني فقال: "حتى يجيء" بالجيم، ولعله الصواب. ورواه أيضاً الطبري في "التفسير"(22/ 120).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(9144).
(3)
رواه الترمذي (1324) وحسنه، ورواه أيضاً أبو داود (3578) بلفظ قريب، وابن ماجه (2309).
من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني أعمالاً زاكية ترضى بها عني، وتب عليَّ"، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه، فقال: "ذَاكَ جِبْرِيْلُ عليه الصلاة والسلام" (1).
وهذا الحديث سبق ذكره مع نظائره.
وفي هذا الحديث دليل على أن جبريل عليه الصلاة والسلام قد يتصور لغير الأنبياء عليهم السلام ليعلمهم لا على سبيل الوحي.
وروى أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ - يعني: إذا خرج من بيته -: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَىْ اللهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللهِ، يُقالُ لَهُ: كُفِيْتَ، وَوُقِيْتَ"، وَتَنَحَّىْ عَنْهُ الشَّيْطانُ (2).
وروى ابن السُّنِّي من حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها: أنه إذا قال: "بسم الله" قال الملك: "هديت"، وإذا قال:"توكلت على الله" قال له الملك: "كفيت"، وإذا قال:"لا حول ولا قوة إلا بالله" قال له الملك: "وقيت"(3).
وهذا يدل أن المراد بالقائل في حديث أنس الملائكة.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه أبو داود (5095)، والترمذي (3426) وحسنه واللفظ له، والنسائي في "السنن الكبرى"(9917).
(3)
ورواه ابن ماجه (3886) عن أبي هريرة.
وفي "الفردوس" من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: وإذا قال: "حسبي الله ونعم الوكيل" قالت الملائكة: "كفيت من كل بلاء"(1).
وروى البزار، والطبراني عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ؛ أَيَّدَنِيْ بِأَرْبَعَةِ وُزَراءَ؛ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّماءِ: جِبْرِيْلَ، وَمِيْكائِيْلَ عليهما السلام، وَاثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ: أَبيْ بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىْ عَنْهُما"(2).
وأخرجه الحاكم وصححه، من حديث أبي سعيد بمعناه (3).
وروى الطبراني بسند حسن، عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ فِيْ السَّماءِ مَلَكَيْنِ أَحَدُهُما يَأْمُرُ بِالشّدَّةِ، وَالآخَرُ يَأْمُرُ بِاللِّيْنِ، وَكُلٌّ مُصِيْبٌ: جِبْرِيْلَ وَمِيْكائِيْلَ عليهما السلام، وَنبِيَّيْنِ أَحَدَهُما يَأمُرُ بِاللِّيْنِ، وَالآخَرَ يَأْمُرُ بِالشِّدَّةِ، وَكُلٌّ مُصِيْبٌ، وَذَكَرَ نُوْحاً وَإِبْراهِيْمَ عليهما السلام، وَلِيْ صاحِبانِ أَحَدُهُما يَأْمُرُ بِاللِّيْنِ، وَالآخَرُ بِالشِّدَّةِ، وَكُلٌّ مُصِيْبٌ"؛ وذكر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما (4).
(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(741).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11422). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 51): رواه الطبراني وفيه محمد بن محبب الثقفي، وهو كذاب، ورواه البزار بمعناه، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول، وهو كذاب.
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3046).
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(715). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 51): رجاله ثقات.
وروى الجندي في "فضائل مكة" عن وُهَيب بن الورد قال: كنت أطوف أنا وسفيان بن سعيد الثوري ليلاً فانقلب سفيان، وبقيت في الطواف، فدخلت الحجر، فصليت تحت الميزاب، فبينا أنا ساجد إذ سمعت كلاماً بين أستار الكعبة والحجارة وهو يقول: يا جبريل! أشكو إلى الله، ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي من تفكههم في الحديث، ولغطهم، وشؤمهم.
قال وهيب رحمه الله تعالى: فأولت أن البيت يشكو إلى جبريل عليه السلام (1).
وروى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُوْلُ: يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، فَمَنْ قالَها ثَلاثاً قالَ الْمَلَكُ: إِنَّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ حاجَتَكَ"(2).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن قتادة رحمه الله تعالى قال: إذا راءى العبد يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي يتهزأ بي (3).
وهذا وما سبق من مباهاة الملائكة ببعض أهل الطاعة في طرفي نقيض.
(1) وكذا رواه أبو بكر الآجري في "مسألة الطائفين"(ص: 30)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 155) وقد تقدم نحوه.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(1996).
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 579).
و"فيها" عن أحمد بن شعيب قال: كنا عند بعض المحدثين بالبصرة فحدثنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَها لِطالِبِ الْعِلْمِ"، وفي المجلس معنا رجل من المعتزلة، فجعل يستهزئ بالحديث، فقال: لله لأقطرن غداً نعلي، فأطأ بها أجنحة الملائكة، قال: ففعل ومشى في النعلين، فجفت رجلاه جميعاً، ووقعت في رجليه جميعاً الأكِلَة (1).
وقد سبق نظير هذا إلا أن الذي فعل ذلك كان ماجناً، وفي هذه أنه كان معتزلياً، والمعتزلة ينكرون الجن ومسيسهم كما سيأتي، ومنهم من ينكرون الملائكة.
وهذا كأنه كان ينكر وجود الملائكة، أو ينكر تواضعهم للعلماء، ووضعهم أجنحتهم لهم، أو فعل ذلك امتهاناً للملائكة، وامتهانهم ضلال، وعداوتهم كفر.
قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98].
وروى البيهقي في "شعب الإيمان"، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا ماتَ الْمَيِّتُ تَقُوْلُ الْمَلائِكَةُ: ما قَدَّمَ؟ وَيَقُوْلُ النَّاسُ: ما خَلَّفَ؟ "(2).
وروى الدِّينوري في "المجالسة" عن الأصمعي قال: نزلنا في طريق
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 368).
(2)
تقدم تخريجه.
بين مكة والبصرة في بعض المناهل، فحضرت الجمعة، ولم يحضر الإمام، فقيل لأعرابي: يا أعرابي! قم فاخطب، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس! إنما الدنيا دار بلاع، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم؛ فإن العبد إذا هلك قالت الملائكة: ما قدم؟ وقال بنو آدم: ما خلف؟ فقدموا لأنفسكم بعضاً تجدوه قريباً، ولا تخلفوا كلًّا فيكون عليكم ثقيلاً، والمحمود الله، والمصلى عليه محمَّد صلى الله عليه وسلم، والمدعوُّ (1) له الخليفة، والأمير جعفر، قوموا إلى صلاتكم (2).
وإنما تسأل الملائكة عما قدم العبد لأنه هو الذي يبقى؛ فإن كان خيراً علموا أنه في الخير، وإن كان سوءاً علموا أنه في السوء الدائم.
والمسؤول من الملائكة مَلَكَا العبد، أو يسألهما بعض الملائكة، ثم يتحاكون عن عمله في السماء.
والناس يسألون عما خلف - أي: من الأموال والورثة - لأن المال مطرح نظر الأكثرين منهم، وإنما يسألون عن الورثة للغبطة والحسد، أو للتشفي، أو نحو ذلك مما الملائكة منزهون عنه.
فينبغي للعاقل من الناس أن يكون اعتباره إذا حضر الميت، أو
(1) في "أ": "المدعي".
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 181).
سمع بموته فيما قدم بين يديه، وما يقول وما يقال له، وما يجازى به، وليعلم أنه صائر إلى مثل ما صار إليه.
ولقد أحسن القائل: [من السريع]
يَا أَيُّهَا الْبَاكِيْ عَلَىْ غَيْرهِ
…
ابْكِ عَلَىْ نَفْسِكَ لاتَبْكِهِ
إِنَّ الَّذِيْ تَبْكِيْ عَلَىْ فَقْدِهِ
…
يُوْشِكُ أنْ تَسْلُكَ فِيْ سِلْكِهِ (1)
ونقل الدميري في "حياة الحيوان" عن الجاحظ: أن جُرْهُمًا كان من نتاج الملائكة، وبنات آدم.
قال: وكان الملك من الملائكة إذا عصى ربه في السماء أهبط إلى الأرض في صورة رجل كما فعل بهاروت وماروت.
قال: فوقع بعض الملائكة على بعض بنات آدم، فولدت منه جُرهماً.
قال: ولذلك قال شاعرهم: [من الرجز]
لاهُمَّ إِنَّ جُرْهُماً عِبادُكا
…
النَّاسُ طُرْفٌ وَهُمُ تِلادُكا (2)
(1) انظر: "الهواتف" لابن أبي الدنيا (ص: 41).
(2)
انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (1/ 571).
قال: ومن هذا الضرب بلقيس ملكة سبأ.
قال: وكذلك ذو القرنين كانت أمه آدمية وأبوه من الملائكة.
قال: ولذلك لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلاً ينادي رجلاً: يا ذا القرنين! قال: أَفَرَغْتُم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة؟ (1) انتهى.
قلت: هذا من تخبيط الجاحظ، وقياساته الفاسدة، وتلاعبه في الكلام، وقد كان من المبتدعة، كما بَيَّنَ حاله ابن قتيبة، وغيره.
والملائكة معصومون من الزنا، مجردون عن الشهوة إلا ما كان من أمر هاروت وماروت على وجه الابتلاء، كما سبق، وما ذكره عن جرهم فإنه من خرافات الجاهلية، وما ذكره في ذي القرنين وبلقيس فإنه كذب لا أصل له أصلاً.
نعم، روى ابن جرير الطبري، وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحَدُ أَبَوَيْ بَلْقِيْسَ كانَ جِنِّيًّا"(2).
(1) انظر: "الحيوان" للجاحظ (1/ 187)، و"حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 29) ثم نقد ذلك الدميري فقال: والحق في ذلك أن الملائكة معصومون من الصغائر والكبائر كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قاله القاضي عياض وغيره، وأما ما ذكروه من أن جرهماً كان من نتاج الملائكة وبنات آدم، وكذلك ذو القرنين وبلقيس فممنوع، واستدلالهم بقصة هاروت وماروت ليس بشيء، فإنها لم تثبت على الوجه الذي أوردوه.
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(19/ 169)، والثعلبي في "التفسير"(7/ 202).=
وروى ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد قال: صاحبة سبأ كانت أمها جنية (1).
وابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال: هي بلقيس بنت شراحيل ابن مالك بن الريان، وأمها (2) فارعة الجنية (3).
وأمَّا الأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه فروى ابن أبي حاتم الرازي، وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أنه سمع رجلًا ينادي بمنى: يا ذا القرنين! فقال له عمر: ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء، فما بالكم وأسماء الملائكة؟ (4)
وهذا الأثر لا يدل على أن ذا القرنين متولد بين الملك والإنس، بل يحتمل وجهين:
= وضعفه المقدسي في "ذخيرة الحفاظ"(1/ 245)، وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/ 21): وهذا حديث غريب وفي سنده ضعف.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(31860)، ولفظه:"صاحبة سبأ كانت جنية شعراء"، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 352) إلى ابن المنذر، ورواه أيضاً الطبري في "التفسير"(19/ 169).
(2)
في "أ": "واسمها".
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2865).
(4)
كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 463) إلى ابن أبي حاتم، ورواه أيضاً الطبري في "التفسير"(16/ 17)، وأبو الشيخ في "العظمة"(4/ 1480).
الأول: أن يكون ذو القرنين اسماً مشتركاً سمي به بعض الملوك، وبعض الملائكة كإسماعيل.
والثاني: أن يكون ذو القرنين من الملائكة لا متولداً منهم ومن البشر، وهو أحد الأقوال في ذي القرنين (1).
روى ابن أبي حاتم عن جُبير بن نُفير: أن ذا القرنين ملك من الملائكة أهبَطَه الله إلى الأرض، وآتاه من كل شيء سبباً (2).
والصحيح: أنه كان من ملوك البشر من صلحائهم، واختلف في نبوته.
وقال ابن عباس: ذو القرنين: عبد الله بن الضحاك بن معد. رواه ابن مردويه (3).
وروى البيهقي في "الأسماء والصفات" عن عروة بن الزبير: أنه سأل عمرو بن العاص: أي الخلق أعظم؟ قال: الملائكة (4).
وروى الطبراني في "الأوسط"، عن أبي سعيد الخدري رضي الله
(1) انظر الأقوال في ذي القرنين في: "تفسير القرطبي"(11/ 46).
(2)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 463) إلى ابن أبي حاتم. ورواه أيضاً ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(17/ 331).
(3)
وكذا عزاه الحافظ في "فتح الباري"(6/ 384) إلى ابن مردويه وضعف إسناده، ورواه أيضاً الفاكهي في "أخبار مكة"(1/ 394)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(17/ 331).
(4)
رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 285).
تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال:"فَصَعِدْتُ أَنا وَجِبْرِيْلُ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، فَإِذا بِالْمَلَكِ يُقالُ لَهُ: إِسْماعِيْلُ عليه السلام وَهُوَ صاحِبُ سَماءِ الدُّنْيا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُوْنَ أَلْفَ مَلَكٍ، مَعَ كُلٍّ مَلَكٍ جُنْدُهُ مِئَةُ أَلْفٍ"، وتلا هذه الآية:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31](1).
وفي حديث الإسراء: "ثُم عُرِجَ بِنا إِلَىْ السَّماءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيْلَ: مَنْ هَذا؟ قالَ جِبْرِيْلُ، قِيْلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قِيْلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنا، فَإِذا أَنا بِإِبْراهِيْمَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَىْ الْبَيْتِ الْمَعْمُوْرِ، فَإِذا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُوْنَ ألفَ مَلَكٍ لا يَعُوْدُوْنَ إِلَيْهِ". رواه مسلم، وغيره من حديث أنس (2).
وقد سبق أن كل واحد من بني آدم موكل به ملكان، بل ملائكة لحفظه، والحفظ عليه.
وفي حديث أخرجه ابن جرير، والبيهقي في "الدلائل"، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الإسراء على كل ورقة من أوراق سدرة المنتهى ملكاً (3).
وهي شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها.
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7097).
(2)
رواه مسلم (162) واللفظ له، ورواه أيضاً البخاري (7079).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(15/ 13)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 395) في حديث المعراج الطويل.
وتقدم في الحديث أن ما من موضع شبر، أو أربعة أصابع من السماء إلا وفيه ملك ساجد.
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وآخرون عن عائشة رضي الله تعايى عنها قالت: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُوْرٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مارِج مِنْ نارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ"(1).
وروى الطبراني بسند حسن، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام يناجيه إذ انشق أفق السماء، فأقبل جبريل يتضاءل، ويدخل بعضه في بعض، ويدنو من الأرض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا محمد! إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن تكون ملكاً نبياً، وبين أن تكون نبياً عبداً"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فَأَشارَ إِلَيَّ بِيَدهِ أَنْ تَواضَعْ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لِيْ ناصِحٌ، فَقُلْتُ: عَبْدٌ نبِيٌّ، فَعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَىْ السَّماءِ، فَقُلْتُ: يا جِبْرِيْلُ! قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا فَرَأَيْتُ مِنْ حالِكَ ما شَغَلَنِيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذا يا جِبْرِيْلُ؟ " قال: "هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافاً قدميه، لا يرفع طرفه، بينه وبين الرب سبعون نوراً، ما منها نور يدنو منه إلا احترق، بين يديه اللوح المحفوظ، فإذا أذن الله في شيء في السماء، أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته، فينظر فيه، فإن كان من عملي أمرني، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به "،
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 153)، ومسلم (2996).
قلت: "يا جِبْرِيْلُ! عَلَىْ أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ " قال: "على الرياح والجنود"، قلت:"عَلَىْ أَيِّ شَيْءٍ مِيْكائِيْلُ؟ " قال: "على النبات والقطر"، قلت:"عَلَىْ أَيِّ شَيْءٍ مَلَكُ الْمَوْتِ؟ " قال: "على قبض الأنفس، وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيتَ مني إلا خوفاً من قيام الساعة"(1).
وروى ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كانت ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة؛ فإن العبد ليغرس الغراس، وينكح الأزواج، ويبني البنيان، وإن اسمه قد نسخ في الموتى.
وروى الدينوري في "المجالسة" عن راشد بن سعد مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فِيْ لَيْلَةِ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ يُوْحِيْ اللهُ إِلَىْ مَلَكِ الْمَوْتِ بِقَبْضِ كُل نَفْسٍ يُرِيْدُ قَبْضَها فِيْ تِلْكَ السَّنَةِ"(2).
ولهذا شواهد من الحديث المرفوع.
وروى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالى؛ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 4]؛ قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة، ونسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12061). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 19): وفيه محمد بن أبي ليلى، وقد وثقه جماعة، ولكنه سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات.
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 164).
يزاد فيهم أحد، ولا ينقض منهم أحد (1).
والأكثرون على أن المراد بالليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، و {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 4]: ليلة القدر من رمضان (2).
قال في "الكشَّاف": وقيل: يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة؛ يعني: ليلة النصف من شعبان، ويقع الفراغ في ليلة القدر.
قال: فيدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الحج إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت (3).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(25/ 109)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3287)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 401) إلى ابن المنذر.
(2)
قال ابن العربي في "أحكام القرآن"(4/ 117): وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر، ومنهم من قال إنها ليلة النصف من شعبان، وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عبَّر عن زمانية الليل ها هنا بقوله {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعوَّل عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها.
(3)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 274).
وروى أبو الشيخ في كتاب "العظمة" عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بَيْنَ مِنْكَبَيْ جِبْرِيْلَ مَسِيْرَةُ خَمْسِ مِئَةِ عامٍ لِلطَّائِرِ السَّرِيْعِ الطَّيَرانِ"(1). وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ فِيْ الْجَنَّةِ لَنَهْراً ما يَدْخُلُهُ جبْرِيْلُ مِنْ دَخْلَةٍ فَيَخْرُجُ فَيَنْتَفِضُ إِلَاّ خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْهُ مَلَكًا"(2).
وعن العلاء بن هارون قال: لجبريل في كل يوم اغتماسة في نهر الكوثر، ثم ينتفض، فكل قطرة يخلق منها ملك (3).
وروى الإمام عبد الله بن المبارك في "الزهد" عن ابن شهاب - وهو الزهري - مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام أن يتراءا له في صورته، فقال جبريل:"إنك لن تطيق ذلك"، قال:"إِنّيْ أُحِبّ أَنْ تَفْعَلَ"، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، ثم أفاق وجبريل مسنده، وواضع إحدى يديه على صدره، والأخرى بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما كُنْتُ أَرَىْ أَنَّ شَيْئاً مِنَ الْخَلْقِ هَكَذَا"، فقال جبريل: "فكيف لو رأيت إسرافيل؟ إن له لاثني عشر جناحاً؛ منها جناح في
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 208).
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 735). قال ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ"(2/ 941): رواه زياد بن المنذر وهو متروك الحديث.
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 746).
المشرق وجناح في المغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل الأحيان لعظمة الله حتى يصير مثل الوصع حتى ما يحمل عرشه إلا عظمته" (1).
الوصع - بفتح الواو والصاد المهملة (2)، وتسكن، وروي بالوجهين - هو الصعوة: طائر من صغار العصافير أحمر الرأس.
وقال ابن الأثير: أصغر من العصفور، وجمعه: وصعان (3).
وروى أبو الشيخ عن الليث، عن خالد بن سعيد قال: بلغني أن إسرافيل مؤذن أهل السماء، فيؤذن لاثنتي عشرة ساعة من النهار، ولاثنتي عشرة ساعة من الليل، لكل ساعة تأذين، يسمع تأذينه من في السماوات السبع، ومن في الأرضين السبع إلا الجن والإنس، ثم يتقدمهم عظيم الملائكة فيصلي بهم (4).
قال: وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور (5).
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 74). قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(3/ 146): مرسل جيد.
(2)
في "أ" و"ت": "المعجمة"، والصواب ما أثبت. انظر:"لسان العرب" لابن منظور (8/ 395).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 190).
(4)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 857).
(5)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 857) لكنه قال: وبلغنا أن ميكائيل يوم القيامة في البيت المعمور. كذا في المطبوع، واللفظ الذي ساقه المؤلف ذكره السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 230) وعزاه إلى أبي الشيخ.
وعن عكرمة بن خالد: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الخلق كرم على الله عز وجل؟ قال: "لا أَدْرِيْ"، فجاءه جبريل عليه السلام فقال:"يا جِبْرِيْلُ! أَيُّ الْخَلْقِ أَكْرَمُ عَلَىْ الله؟ " قال: "لا أدري"، فعرج جبريل، ثم هبط، فقال:"أكرم الخلق على الله جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت؛ فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تنقط وكل ورقة تنبت (1) وكل ورقة تسقط، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم"(2).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ الْخَلْقِ جِبْرِيْلُ وَمِيْكائِيْلُ وإسْرافِيْلُ، وَهُمْ مِنْهُ مَسِيْرَةُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ، جِبْرِيْلُ عَنْ يَمِيْنْهِ، وَمِيْكائِيْلُ عَنْ يَسارِهِ، وَإِسْرافِيْلُ بَيْنَهُما"(3).
وعن خالد بن أبي عمران قال: جبريل أمين الله على رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي ترفع من أعمال الناس، وإسرافيل كمنزلة الحاجب (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والبيهقي
(1) في "أ": "نبتت".
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 811).
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 812). قال الذهبي في "العلو"(ص: 90): وإسناده لين، لأن الأحوص ليس بمعتمد.
(4)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 810).
في "البعث"، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل (1) عن يساره (2).
وروى أبو الشيخ عن وهب بن مُنبِّه قال: إن أدنى الملائكة من الله جبريل، ثم ميكائيل، فإذا ذكر عبداً بأحسن عمله قال: فلان ابن فلان عمل كذا وكذا من طاعتي، صلواتي عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل عليهما السلام: ما أحدث ربنا؟ فيقول: فلان ابن فلان ذكر بأحسن عمله فصلى عليه، صلوات الله عليه، ثم سأل ميكائيل من يراه من أهل السماء، فيقول: ماذا أحدث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان ابن فلان بأحسن عمله، فصلى عليه، صلوات الله عليه، فلا تزال تقع من سماء إلى سماء حتى تقع على الأرض.
فإذا ذكر عبد بأسوأ عمله قال: عبدي فلان ابن فلان عمل كذا وكذا من معصيتي، فلعنتي عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل عليهما السلام: ماذا أحدث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان ابن فلان بأسوء عمله، فعليه لعنة الله، فلا تزال تقع من سماء إلى سماء حتى تقع إلى الأرض (3).
(1) في "أ" و"ت": "وإسرافيل"، والمثبت من مصادر التخريج.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 9)، وأبو الشيخ في "العظمة"(3/ 809)، والحاكم في "المستدرك"(3049)، وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 230) إلى البيهقي في "البعث والنشور"، ورواه أيضاً أبو داود (3999).
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 503).
قلت: وفي معناه حديث أبي هريرة المتقدم.
ويدخل هذا الأثر في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، وفي تفسير قوله تعالى:{سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
وروى الحكيم الترمذي، عن زيد بن رُفَيع رضي الله تعالى عنه قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل عليهما السلام وهو يستاك، فناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل السواك، فقال جبريل:"كَبِّرْ". قال الترمذي: أي: ناول ميكائيل؛ فإنه أكبر (1).
قلت: لعل معناه: أقْدَم؛ ففيه إشارة إلى أن خلق ميكائيل قبل خلق جبريل، وليس معناه أنه أفضل وأكرم لما سبق أن جبريل أكرم الملائكة، وأقربهم إلى الله.
وروى الإمام أحمد في "الزهد"، عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغمي عليه ورأسه في حجرها، فجعلت تمسح وجهه، وتدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال:"لا، بَلْ أَسْاَلُ اللهَ الرَّفِيْقَ الأَعْلَىْ مَعَ جِبْرِيْلَ وَمِيْكائِيْلَ وَإِسْرافِيْلَ عليهم السلام"(2).
وروى الحاكم وصححه، عن أبي المَلِيح، عن أبيه - وهو أسامة
(1) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 71)، وقد تقدم.
(2)
ورواه أيضاً ابن حبان في"صحيحه"(6591). قلت: وأصل الحديث في البخاري (4172)، ومسلم (2191).
ابن عمير الهذلي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر، فصلى قريباً منه، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، قال: فسمعته يقول: "اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيْلَ، وَمِيْكائِيْلَ، وإسْرافِيْلَ، وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم! أَعُوْذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، ثلاث مرات"(1).
وأخرجه ابن السُّنِّي، ولفظه:"ثم سمعته يقول وهو جالس .. "(2).
وفي إضافة الرب عز وجل إلى هؤلاء - وإن كان رب كل شيء - إشارة إلى تعظيم شأنهم. قال بعض العارفين: ولهذا الذكر خصوصية في هذا الوقت في حياة القلوب؛ فإن جبريل صاحب الوحي، وبه حياة الطائعين، وميكائيل صاحب المطر والنبات، وبهما حياة الأرض ومن فيها، وإسرافيل صاحب اللوح المحفوظ والنفخ في الصور، وبه حياة الخلق، ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل من أحيا الله به القلوب والإسلام، وإذا حيي قلب عبد فقد نجا من النار.
وروى ابن عساكر عن معاوية بن قُرَّة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: "ما أَحْسَنَ ما أَثْنَىْ عَلَيْكَ رَبُّكَ: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(6610)، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير" (520). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 219): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه عباد بن سعيد، قال الذهبي: عباد بن سعيد عن مبشر لا شيء، قلت: قد زكاه ابن حبان في "الثقات".
(2)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 94).
ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير: 20، 21] فَما كانَتْ قُوَّتُكَ؟ وَما كانَتْ أَمانَتُكَ؟ " قال: "أما قوتي فإني بعثت إلى مدائن لوط، وهي أربع مدائن، وفي كل مدينة أربع مئة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب، ثم هويت بهم، فقلبتهن، وأما أمانتي فلم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره" (1).
وروى عَبد بن حُميد عن أبي مِجْلَز في قوله تعالى: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93]؛ قال: إن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وكان رجلاً بطيشاً، فلقي ملكاً فعالجه فصرعه الملك، ثم ضرب فخذه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميَني اسماً، فسماه إسرائيل، فلم يزل يوجعه ذلك العرق حتى حرمه من كل دابة (2).
وفي قوله تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]: قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة أجنحة، وبعضهم له أربعة أجنحة. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (3).
وقال ابن جريح: للملائكة الأجنحة من اثنين إلى اثني عشر.
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(50/ 325).
(2)
كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 153) إلى عبد بن حميد.
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(22/ 114)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3170).
قال: وأصحاب الموازين أجنحتهم عشرة عشرة.
قال: وأجنحة الملائكة زغبة.
ولجبريل عليه السلام ستة أجنحة؛ جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وجناحان على عينه، وجناحان منهم من يقول: على ظهره، ومنهم من يقول: متسرول بهما. رواه ابن المنذر (1).
وقوله: "زغبة": جمع أزغب، والزغب - بالفتح -: صغار الشعر والريش، ولينه. قاله في "القاموس"(2).
وروى الطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله؛ إن العبد المسلم إذا قال: "سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله" قبض عليهن ملك، فضمهن تحت جناحه، ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن، ثم قرأ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10](3).
وروى الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" عن وهب بن مُنَبِّه
(1) وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 4) إلى ابن المنذر.
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 121)(مادة: زغب).
(3)
تقدم تخريجه عن الطبراني والحاكم، ورواه البيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 211).
قال: الروح ملك من الملائكة له عشرة آلاف جناح، ما بين كل جناحين منها ما بين المشرق والمغرب، له ألف وجه لكل وجه ألف لسان، وشفتان وعينان يسبحون الله تعالى (1).
وروى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85]؛ قال: هو ملك واحد له عشرة آلاف جناح؛ جناحان منها ما بين المشرق والمغرب، له ألف وجه؛ لكل وجه لسان وعينان وشفتان يسبحان الله إلى يوم القيامة (2).
وروى هؤلاء، والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، ولكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان منها سبعون ألف لغة، يسبح الله بتلك اللغات كلها، يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة (3).
وروى ابن الأنباري في كتاب "الأضداد" عن مجاهد قال: الروح
(1) وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 400) إلى الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق". ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 866).
(2)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 332) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 869).
(3)
تقدم تخريجه. قال ابن كثير في "التفسير"(3/ 62): وهذا أثر غريب عجيب.
خلق من الملائكة لا يراهم الملائكة كما لا ترون أنتم الملائكة، والروح خلق يستأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحد من خلقه، وهو قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85].
وروى البيهقي في "الأسماء والصفات" عن ابن عباس في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85]؛ قال: الروح ملك (1).
وروى هو، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه قال: هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً (2).
وروى ابن المنذر، وأبو الشيخ عن مقاتل بن حيان قال: الروح أشرف الملائكة، وأقربهم من الرب، وهو صاحب الوحي (3).
وروى عبد بن حميد، وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38]؛ قال: جبريل عليه السلام (4).
(1) رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 319).
(2)
رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 318) بلفظ آخر، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3396)، وأبو الشيخ في "العظمة"(3/ 871)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 400) إلى ابن المنذر.
(3)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 400) إلى ابن المنذر، ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 875).
(4)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 400) إلى عبد بن حميد، ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 873).
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن جبريل يوم القيامة لقائم بين يدي الجبار ترعد فَرائصُه فرقاً من عذاب الله، يقول:"سبحانك لا إله إلا أنت، ما عبدناك حق عبادتك"؛ إن ما بين منكبه كما بين المشرق والمغرب، أما سمعت الله يقول:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38](1) ..
ومما يرجح أن الروح جبريل قولُه تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193]؛ فإنه جبريل باتفاق المفسرين.
بل روى أبو الشيخ في "العظمة" عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال:"الرُّوْحُ الأَمِيْنُ جِبْرِيْلُ، رَأَيْتُ لَهُ سِتَّ مِئَةِ جَناحٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ قَدْ نشًرَها مِثْلَ ريْشِ الطَّواوِيْسِ"(2).
وفي "كتاب الترمذي" وحسنه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام مرتين؛ مرة عند سِدرة المنتهى، ومرة عند جياد؛ له ست مئة جناح قد سدَّ الأفق (3).
بل في "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9] قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 790).
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 801).
(3)
رواه الترمذي (3278).
جبريل له ست مئة جناح (1).
وروى الإِمام أحمد، والطبراني، وآخرون عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ست مئة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم (2).
وما سبق عن ابن جريج: أن لجبريل ستة أجنحة، لعله أراد أصول أجنحته، أو عبر عن كل مئة جناح منها بجناح.
وروى البيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا كانَ لَيْلَةُ القَدْرِ نزَلَ جِبْرِيْلُ عليه السلام فِيْ كَبْكَبَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُصَلُّوْنَ عَلَىْ كُلِّ عَبْدٍ قائِمٍ"(3)، الحديث.
وهو يصلح لتفسير قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
(1) رواه البخاري (3060)، ومسلم (174).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 395)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 644) إلى الطبراني، وحسن ابن كثير إسناد الإِمام أحمد في "التفسير"(4/ 252).
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(3717) وقال: قال أحمد: تفرد به محمَّد بن عبد العزيز هذا، عن أصرم بن حوشب قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/ 437) في ترجمة أصرم بن حوشب: قال يحيى: كذاب خبيث، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك، وقال الدارقطني: منكر الحديث.
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4] قال الحسن في قوله: {سَلَامٌ هِيَ} [القدر: 5]: إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله تعالى والرحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر. رواه ابن المنذر (1).
وذهب جماعة إلى أن الروح غير الملائكة.
وقال عكرمة في قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38]؛ قال: الروح أعظم خلقا من الملائكة، ولا ينزل ملك إلا ومعه روح. رواه عبد بن حُميد، وابن المنذر (2).
وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: "سُبُّوْحٌ قُدُّوْسٌ، رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوْحِ"(3).
وروى أبو الشيخ في كتاب "الثواب" عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثِرْ مِنْ أَنْ تَقُوْلَ: سُبْحانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوْسِ، رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوْحِ"(4).
• • •
(1) وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 570) إلى ابن المنذر.
(2)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 400) إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(3)
رواه مسلم (487)، وأبو داود (872)، والنسائي (1048).
(4)
كذا عزاه العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 312) إلى أبي الشيخ في "الثواب"، ورواه أيضًا ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص: 595).