الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
واعلم أن العبد الطائع مهما أطاع الله تعالى ورسوله في أصل الإيمان، وتأدية الفرائض مع ملاحظة القلب بالإخلاص والصدق والتنزه عن المعاصي، فإنه يكون مع هؤلاء المنعم عليهم، وهذا منطوق الآية.
ويؤيده ما رواه الإِمام أحمد، والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما"، والبيهقي عن عمرو بن مُرَّة الجُهَني رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل من قُضَاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان، وقمته، وآتيت الزكاة، فممن أنا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ ماتَ عَلَىْ هَذا كانَ مَعَ النَّبِيِّيْنَ وَالصّدِّيْقِيْنَ وَالشّهَداءِ يَوْمَ الْقِيامَةِ هَكَذا - ونصب أصبعيه - ما لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ"(1).
ثم إن العبد كلما كان لله تعالى أطوع كان إلى هؤلاء الطوائف أقرب، وفيهم أدخل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبَكمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2212)، وابن حبان في "صحيحه"(3438)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3617).
مِنِّيْ مَجْلِسا يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ " قالوا: نعم، قال: "أَحْسَنكُمْ أَخْلاقًا". رواه الإِمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (1).
وإنما كان كذلك؛ لأن حسن الخلق يجمع الطَّاعات، ولأنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وقال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فلا يكون من اقتصر على تأدية الفرائض في القرب من هؤلاء المنعم عليهم كمن زاد على ذلك جملة من الطاعات ومحاسن الخصال، وكلما أكثر من النوافل وحسن الخلق، كلَّما توغل في أوصافهم ودخل في جملتهم، وبقدر انتظامه في سلكهم وسلوكه في طريقهم، يكون قربه من مولاه تعالى، كما في الحديث الصحيح: أن الله تعالى يقول: "وَما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَب إِلَيَّ مِمَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلا يَزالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتَّىْ أُحِبَّهُ"(2).
وقد قلت: [من الرجز]
اقْرُبْ إِلَىْ اللهِ بِقَدْرِ طاقَتِكْ
…
فَقُرْبُهُ مِنْكَ بِقَدْرِ طاعَتِكْ
بِقُرْبِهِ تَصْحَبُ أَنْبِيَاءَهُ
…
وَالصَّالِحِيْنَ لِقِيَامِ ساعَتِكْ
***
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 217)، وابن حبان في "صحيحه"(485)، وأصل الحديث عند البخاري (3366).
(2)
رواه البخاري (6137).