الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظير قصة سعيد بن المسيب في رد الخليفة وقد خطب إليه ابنته، وإيثار عبد الرحمن بن حرملة (1) بها لدينه وعلمه: ما رواه الإمام أحمد في "الزهد"، ومن طريقه أبو نعيم، وغيرهما عن ثابت البناني قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته الدرداء، فرده، فقال رجل من جلساء يزيد: أصلحك الله! تأذن لي أن أتزوجها؟ قال: اعْزُبْ ويلك! قال: فائذن لي أصلحك الله! قال: نعم، قال: فخطبها، فأنكحها أبو الدرداء الرجل، فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فرده، وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه، قال: فقال أبو الدرداء: إني نظرت للدرداء ما ظنكم بالدرداء؛ إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها، أين دينها منها حينئذ؟ (2).
هكذا كان نظرهم لبناتهم ومولياتهم في اختيار الأكفاء، واعتبار الكفاءة في الدين بخلاف أهل زماننا.
وقد رغب علماؤهم إلا من شذ في مصاهرة أرباب الدولة أو التجار على ما هم عليه من الغرور، فكيف بغير العلماء؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون!
*
تَتِمَّةٌ:
قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
(1) تقدم أن عبد الرحمن هو راوي القصة، وأن زوج ابنة سعيد هو: كثير بن المطلب بن أبي وداعة. انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 234).
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 142)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 215).
{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32]؛ الخطاب في الآية للأولياء والسادة.
قال صاحب "الكشاف": فإن قلت: لم خص الصالحين؟ قلت: ليحصن دينهم، ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين من الأرقاء هم الذين مواليهم يشفقون عليهم، وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة، والمودة، فكانوا مظنة التوصية بشأنهم، والاهتمام بهم، وتقبل الوصية فيهم، وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك.
قال: أو أريد بالصَّلاح القيام بحقوق النكاح (1). انتهى.
قلتُ: وعلى هذا الوجه فالصلاح في الآية عام؛ يعني: إرادة النكاح للتحصن، وإقامة الحقوق، أما من يدعى إلى التزوج وهو يرغب عنه لما شربه قلبه من محبة السفاح، والميل إليه، والنكاح في الغالب لا يعفه، وهو حال أكثر الناس في هذا الزمان، فكم من إنسان زوج ابنه، أو غلامه ليعف، فلم يعف!
فإن قلتَ: لم خص الصالحين من الأرقاء، وعمم في أيامى الأحرار -جمع أيِّم؛ وهو من لا زوج له من ذكر أو أنثى-؟
قلتُ: لأن التحصين في حق المولى الحر ضروري أضر منه في حق المولى العبد، وصلاح الحر يعينه عليه النكاح، فقد يتزوج الفاسق فيعف، والحر يرجع إلى صيانة نسبه، وحفظ حسبه، والحياء من عشيرته،
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (3/ 240).
وأهل بلده، وأهل محلته ما لا يرجع إليه العبد.
ولقد قيل: [من مجزوء الكامل المرفل]
الْعَبْدُ يُردع بِالْعَصَا. . . وَالْحُرُّ تَكْفِيْهِ الْمَلامَةْ (1)
واعلم أن ما سبق من باب إرشاد الراغب من رجل أو امرأة في -تزوج الآخر إلى صلاح مطلوبه، وهذا إرشاد للأولياء إلى تزويج من في ولا يتهم إعفافاً لهم، وتحصيناً، وتحصيلاً للصَّلاح، وإن كان المزوج منحرفاً عنه.
وروى الطبراني في "معجمه الكبير" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَجَّ (2) شَيْطانُهُ يَقُوْلُ: يا وَيْلَهُ! عَصَمَ ابْنُ آدَمَ مِنِّيْ ثُلَثَيْ دِيْنِهِ"(3).
وفي "الأوسط" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدِ اسْتكمَلَ نِصْفَ الإيْمانِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِيْ النِّصْفِ الثَّانِيْ"(4).
(1) البيت ليزيد بن ربيعة الحميري. انظر: "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام (2/ 689)، و"البيان والتبيين" للجاحظ (ص: 409).
(2)
عج: صاح.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4475)، ولفظه: "أيما شاب تزوج في حداثة سنه
…
". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 253): وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك.
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7647)، قال الهيثمي في "مجمع=
وروى الأئمة الستة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ الشَّبابِ! مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الْباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ"(2).
* * *
=الزوائد" (4/ 252): رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين، وفيهما يزيد الرقاشي وجابر الجعفي، وكلاهما ضعيف، وقد وثقا.
(2)
رواه البخاري (4779)، ومسلم (1400)، وأبو داود (2046)، والترمذي (1081)، والنسائي (2239)، وابن ماجه (1845).