الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في زيارته عليه السلام
زيارة النبي صلى الله عليه وسلم من المستحبات
(1)
، بل يقرب من درجة الواجبات؛ لقوله عليه السلام:"من وجد سعةً ولم يزرني فقد جفاني"
(2)
، ولقوله عليه السلام:"من زار قبري وجبت له شفاعتي"
(3)
، ولقوله عليه السلام:"من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي"
(4)
.
فينبغي لمن أتى المدينة أن يستعدّ لزيارة النّبي عليه السلام، يأتيها بالسّكينة، والوقار، والهيبة، والإجلال؛ لأنّه محل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهبط الوحي، ونزول الملائكة
(5)
.
روي أنه عليه السلام قال: "كان ينزل كلّ يومٍ سبعون ألف ملك يحفّون بالقبر إلى يوم الساعة"
(6)
.
(1)
يُنظر: الاختيار 1/ 175، فتح القدير 3/ 179، المسلك المتقسط ص 707، مراقي الفلاح ص 282.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن أخرج ابن عدي في الكامل 8/ 248 بإسناده عن ابن عمر مرفوعاً:"من حج البيت فلم يزرني فقد جفاني". صححه ابن السّكن، والسبكي، وضعفه ابن الملقن، وقال ابن تيمية، وابن عبدالهادي:"ليس له أصل". يُنظر في الحكم على الحديث: مجموع فتاوى ابن تيمية 27/ 35، الصارم المنكي ص 74، البدر المنير 6/ 299، التلخيص الحبير 2/ 570.
(3)
رواه الدارقطني في سننه، [كتاب الحجّ، باب المواقيت]، (3/ 334:برقم 2695)، والبيهقي في شعب الإيمان، [كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة]، (6/ 51:برقم 3862) من حديث ابن عمر مرفوعاً. والحديث صحّحه الإشبيلي، وابن الملقن، وضعفه ابن القطان، والنووي، وابن تيمية. يُنظر في الحكم على الحديث: الأحكام الصغرى ص 467، بيان الوهم والإيهام 4/ 200، المجموع للنووي 8/ 272، مجموع فتاوى ابن تيمية 27/ 25، البدر المنير 6/ 296.
(4)
رواه الدارقطني في سننه، [كتاب الحجّ، باب المواقيت]، (3/ 333:برقم 2694) واللفظ له، والبيهقي في شعب الإيمان، [كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة]، (6/ 46:برقم 3855) من حديث حاطب بن أبي بلتعة مرفوعاً. والحديث ضعفه ابن الملقن، وابن حجر، وصححه الذهبي، وقال ابن تيمية:"لا أصل له". يُنظر في الحكم على الحديث: مجموع فتاوى ابن تيمية 24/ 357، تاريخ الإسلام 4/ 663، البدر المنير 6/ 293، التلخيص الحبير 2/ 568.
(5)
يُنظر: الاختيار 1/ 175، البحر العميق 4/ 2884، فتح القدير 3/ 179، مجمع الأنهر 1/ 322.
(6)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وهو منكرٌ لا شكّ مرفوعاً، لكن روى القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي بإسناده في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص 83، "أن كعباً دخل على عائشة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب:"ما من فجر يطلع إلا وينزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفاً، حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار، حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفونه". صححه الألباني في تحقيقه لكتاب الجهضمي المذكور ص 83.
وإذا دخل المدينة يقول: "اللهم ربّ السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين
(1)
، أسألك خير هذه البلدة، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّها، وشرّ ما فيها، وشرّ أهلها"
(2)
، اللهم هذا حرم رسولك، فاجعل دخولي فيه وقايةً لي من النار، وأماناً من العذاب، وسوء الحساب
(3)
.
ويغتسل قبل الدخول إن أمكنه، ويتطيّب، ويلبس أحسن ثيابه، ويدخلها متواضعاً
(4)
، ويقول:"بسم الله، وعلى ملّة رسول الله، ربّ أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً، اللهمّ صلّ على محمد، وعلى ال محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك"
(5)
. (ظ)
(6)
ثمّ يدخل المسجد ويقول:" اللهمّ صلّ على محمد، وعلى ال محمد، اللهمّ اجعلني اليوم من أوجه من توجّه إليك، وأقرب من تقرّب إليك، والحجُّ من دُعاك، وابتغي رضاك".
(1)
يُقال: ذرته الرياح إذا قلعته من أصله. يُنظر: غريب الحديث للحربي 1/ 254، مجمع بحار الأنوار 2/ 235.
(2)
هذا بعض دعاء دخول القرية، وليس خاصاً بالمدينة النبوية، وقد رواه النسائي في السنن الكبرى، [كتاب السير، الدعاء عند دخول القرية]، (8/ 117:برقم 8775) عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أبي جهم وقال كعب الأحبار: " والذي فلق البحر لموسى لإن صهيبا حدثني أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى قرية يريد دخولها، إلا قال حين يراها:«اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» . صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم. يُنظر في الحكم على الحديث: صحيح ابن خزيمة 4/ 150، صحيح ابن حبان 6/ 426، المستدرك 1/ 614.
(3)
يُنظر: فتاوى قاضيخان 1/ 280، الفتاوى الهندية 1/ 265.
(4)
لم أقف على وجهه؛ إلا ما ذكره في البحر العميق من إلحاق المدينة بمكة في هذا الحكم. يُنظر: الاختيار 1/ 175، البحر العميق 4/ 2896.
(5)
لم أقف على دعاء خاص بدخول المدينة، لا ما ذكره المؤلف، ولا غيره، وقد نبّه المؤلف في آخر هذا الفصل أن ما ذكره من الأدعية بعضها مرويةٌ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، ولم أقف على شيء من ذلك في هذا الباب، وعزاه في البحر العميق لبعض العلماء دون تسمية. يُنظر: البحر العميق 4/ 2896.
(6)
الفتاوى الظهيرية (77/أ).
ويصلّي عند منبره عليه السلام ركعتين، يقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن، أو حيث تيسّر
(1)
، فإذا أراد الموضع الذي كان رسول الله عليه السلام يصلي فيه الصلوات بالنّاس يأتي المنبر، وعن يساره تابوتٌ موضوعٌ، فيصلّي خلف التابوت، فذلك مقام رسول الله عليه السلام
(2)
.
فإذا صلّى ركعتين يقصد الروضةَ على سكينةٍ، ووقارٍ، وفراغ قلبٍ من أمور الدنيا، فيذهب إلى الموضع من وجه القبر، وفي ذلك الموضع رُخامةٌ بيضاءُ مركبةٌ في حائط القبر، فيكون فوق رأسه قنديلٌ كبيرٌ معلّقٌ، فإذا وقف هناك فقد وقف عند وجه رسول الله عليه السلام، ثمّ يقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا شفيع المذنبين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، جزاك الله عنّي أفضل ما جزى رسولاً عن أمّته، أشهد أنّك قد بلغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وأوضحت الحجّة، وجاهدت في سبيل الله حقّ جهاده، وقاتلت على دين الله حتى أتاك اليقين، وصلّى الله على روحك، وجسدك، وقبرك، صلاةً دائمةً قائمةً إلى يوم الدين، يا رسولَ الله: نحن وفدك، وزوّار قبرك، جئناك من بلاد شاسعة، ونواحٍ بعيدة، قاصدين قضاء حقك، والنظر إلى مآثرك، والاستشفاع بك إلى ربنا، فإنّ الخطايا [قد]
(3)
قصمت ظهورنا، والأوزار قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشّافع، المشفع، الموعود بالشفاعة، والمقام المحمود، وقد قال الله تعالى:{أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
(4)
، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا
(5)
، مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربّك، واسأله أن يميتنا على سنّتك، وأن يحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا
(1)
الظاهر أن مراده تحية المسجد.
(2)
هذا مرتبطٌ بما كان في زمنهم.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
سورة النساء، من الآية 64 ..
(5)
قال ابن عبدالهادي في الصارم المنكي ص 275: "ليس في الآية ما يدل على مشروعية إتيان قبره الشريف، ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم، ويتبين ذلك بالكلام على الآية وما أريد بها وسيقت له، وما فهمه منها أهل العلم بالتأويل من سلف الأمة وأئمتها، والآية سيقت لذم من تخلف عن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال حياته ليستغفر له، وحكم تعالى على من أبى هذا أنه من المنافقين".
بكأسك، الشفاعةَّ، الشفاعةَّ الشفاعةَّ يا رسول اللّه، ربنا اغفر لنا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللّهمّ اجعل نبيّنا يوم القيامة أقرب النبيين، وأعطه الدرجة، والوسيلة، والفضل، والفضيلة، وأوردنا حوضه، وارزقنا شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللّهم لا تجعل هذا آخر العهد من قبر نبيّنا عليه السلام، وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والإكرام".
ثم يقف عند وجهه مستدبر القبلة، ويصلّي عليه ما شاء، ويتحوّل قدر ذراعٍ حتى يحاذي رأس الصديق رضي الله عنه، ويقول: "السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار، جازاك الله عنا أفضل ما جازى إماماً عن أمة نبيه عليه السلام، أنت مهّدت الإسلام، ووصلت الأرحام، اللهم أمتنا على حبه، ولا تخيب سعينا في زيارته.
ثمّ يتحول حتى (يحاذي)
(1)
قبر عمر رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مُظهر الإسلام والمسلمين، جازاك الله عنّا خير الجزاء، أنت كفلت الأيتام، ووصلت الأرحام، وقوي بك الإسلام، وكنت للمسلمين إماماً"، ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: "السّلام عليكما يا ضجيعَي رسول الله، ورفيقيه، ووزيريه، ومُشيريه، جازاكما الله عنّا خير الجزاء، (ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة)، الآية (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) الآية
(2)
.
ويزيد في ذلك ما يشاء، وينقص، ويدعو بما يحضره من الدعاء، ثمّ يصلّي بين القبر والمنبر ركعتين، ويدعو بما شاء.
(1)
في (ب): يجاوز.
(2)
الدليل على إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهم ما روى ابن أبي شيبة في مصنفه، [كتاب الجنائز، باب من كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم]، (3/ 28:برقم 11793) عن ابن عمر، أنه كان إذا أراد أن يخرج دخل المسجد فصلى، ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«السلام عليكم يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه» ، ثم يأخذ وجهه وكان إذا قدم من سفر يفعل ذلك قبل أن يدخل منزله. صححه البوصيري، وابن حجر، والألباني. يُنظر في الحكم على الحديث: إتحاف الخيرة المهرة 3/ 259، المطالب العالية 2/ 69، تحقيق فضل الصلاة على النبي للجهضمي للألباني ص 81.
ويُنظر في فقه المسألة: يُنظر: الاختيار 1/ 176، فتح القدير 3/ 181، مراقي الفلاح ص 282، مجمع الأنهر 1/ 322.
ثمّ يأتي الروضة، وهي كالحوض المربع، وفيها يصلي إمام الموضع اليوم، ويُكثر من التسبيح، والدعاء، والثناء على الله تعالى، والاستغفار، ثمّ يأتي المنبر فيضع يده على الرُّمّانة
(1)
، ويسأل الله تعالى ما شاء، ثمّ يأتي الحنّانة
(2)
، ويسأل الله تعالى الرحمة
(3)
.
ثم أتى البقيع، وزار قبر حمزة، وقُبة العباس، وقُبة عثمان، وسائر المهاجرين والأنصار، وليس في هذه المواقف دعاءٌ معينٌ، فبأيّ دعاءٍ دعا جاز، وما ذكرنا من الأدعية بعضها مرويةٌ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، فالتبرّك بما يكون أقرب إلى القبول، وعليه بقراءة كتاب الله ما دام راكباً، وبالتسبيح ما دام عاملاً، وبالدعاء ما كان خالياً. (اخ)
(4)
(ظ)
(5)
(1)
المراد بالرمّانة هنا: موضع يد النبي صلى الله عليه وسلم ومقعده من المنبر، كما نص على ذلك ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 244.
(2)
قال في الاختيار 1/ 177: " ثم يأتي الأسطوانة الحنانة، وهي التي فيها بقية الجذع الذي حنّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر".
(3)
يمكن أن يستدل على التبرك بمسح ما مسّ جسد الرسول صلى الله عليه وسلم بما روى ابن أبي شيبة، (3/ 450:برقم 15881) عن يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: «رأيت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا» . وقال ابن تيمية في الاقتضاء 2/ 244: ("قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. قلت له: فالمنبر؟ فقال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه. قال أبو عبد الله: شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر: أنه مسح على المنبر. قال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة"
…
إلى أن قال ابن تيمية: " فأما اليوم فقد احترق المنبر، وما بقيت الرمانة، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة، فقد زال ما رخص فيه، لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره، إنما هو التمسح بمقعده").
ويُنظر: الاختيار 1/ 177، البحر العميق 5/ 2903، مراقي الفلاح ص 285، الفتاوى الهندية 1/ 266.
(4)
الاختيار 1/ 177.
(5)
الفتاوى الظهيرية (77/أ).
والحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد، وآله أجمعين.
تمّ الربع الأول من الكتاب، [بعون الملك الوهاب]
(1)
، [ويتلوه ربع المناكحات، والحمد لله حقّ حمده، والصلاة على محمد رسوله [
(2)
.
(1)
ساقطة من (ب) و (ج).
(2)
ساقطة من (أ).