الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله الذي خص بهذا العلم قوما هم به قائمون، وجعلهم حفظة لكتابه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
فلما جزم الله تعالى بحفظ كتابه من عوادي الدهر ونوازله، تبين لأولي الألباب حفظه تعالى لهذه الطائفة ما بقي كتابه أبد الدهر.
فلا يخلو عصر من مجدد للبلاغة معيد لرونقها يجلو عنها ما علاها من غبرة الأخلاط، ولكنة الاختلاط.
ولقد مرّت البلاغة بعصور مزهرة فاح عبيرها وشذاها في كتب الأوائل، ولا زلنا نتنسم إلى اليوم نسيمها، ونعطر رسائلنا بعرفها وأريجها.
والبلاغة وإن تعددت مناهج الناس في دراستها، واختلفت وتباينت مسالكهم إليها؛ فإن لها في النهاية غاية واحدة، وهي الوقوف على وجوه جمال التعبير، ومعرفة أسرار الجمل والتراكيب.
لقد مرّت البلاغة العربية في مسيرتها بأطوار شتى اختلفت فيها دروب السالكين ومناهجهم وإن اتحد القصد- كما بينا- فتفاوتت تلك المناهج بين الذاتية والموضوعية وبين الأدبية والتجريدية، والكلامية والمنطقية، وبين الإيجاز والإطناب، الإيجاز الذي قد يصل إلى حدّ التعقيد، ويتسم بجفاف المادة، وقلّة الشواهد، وندرة التحليل، والإطناب الذى يبالغ في الشرح والإفصاح والإكثار من الشواهد والتحليلات كما رأينا عند ابن الأثير والعلوي على سبيل المثال.
كما تنوعت بين الميل إلى التجريد والتقعيد الشديد أو قل: التعقيد كما رأينا عند ابن قدامة وابن سنان والرازي وغيرهم.
وبين إرسال القول على عواهنه وإرخاء الزمام لخواطر العقل، وسوانح الفكر كما رأينا في مصنفات الأقدمين.
ومنهم من سلك طريقة وسطا بين العناية بالتحليل ورونق التعبير، وحلاوة
المنطق، وفصاحة التعبير وبين التقعيد والتجريد كما فعل عبد القاهر في كتابه أسرار البلاغة، غير أنه قد اضطرب الزمام في يده في دلائل الإعجاز لانشغاله بالرد على متكلمة زمانه والسابقين عليه.
وبعد هذه المقدمة أقول:
إن لكل مرحلة إذا طبيعتها من حيث منهج التأليف سواء في علوم البلاغة أو غيرها من العلوم، وإنه لمن الظلم الواضح البين أن نحاكم مؤلفات القرن الثامن الهجري وما بعده- حيث شروح التلخيص والمفتاح على كثرتها- إلى المناهج الحديثة في الدرس البلاغي، فلكل عصر طبيعته ومنهجه.
وينبغي ألا يصدنا ذلك عن الاهتمام بتحقيق تلك المصادر وتنقيحها وإعادة طبعها ونشرها على الوجه العلمي اللائق بها، حيث تبدو أهميتها في كونها حلقة من حلقات التراث البلاغي الذي إن فقدنا حلقة منه انقطع إسناده إلينا.
وكما ينبغي على راوي الحديث أن يثبت سلسلة الإسناد بكل رواتها دون نظر إلى حالهم من حيث العدالة أو التجريح، فكذلك تقتضي الأمانة العلمية إظهار التراث البلاغي بكل حلقاته كما هي بما فيها من ضعف أو قوة.
وأخيرا نقول: إن هذه المؤلفات قد أثرت تأثيرا كبيرا في الإنتاج اللاحق بها، ولا يمكن تفسير ذلك الإنتاج وفهمه على وجه الصواب، إلا بعد الاصطبار على تلك المصنفات ومحاولة فهمها واستيعابها مهما لقي الباحث في سبيل ذلك من معاناة، وبذل من جهد.
ولذا فنحن نقدم لدارس البلاغة كتاب الأطول في ثوب قشيب يليق بجلالته، وبما ترك من تأثير كبير في التأليف البلاغي بعده، وبما أثاره من مباحث وقضايا عديدة في التراث البلاغي.
ولقد ذاع صيت العصام صاحب هذا الكتاب بمصنفه هذا، وبلغت شهرته الآفاق، فحريّ بنا أن نقف على ما فيه حتى تكتمل لدينا حلقات تراثنا البلاغي، وحتى يتصل إلينا إسناده على حقيقته من قوة أو ضعف.
هذا، وقد حاولنا جهدنا في ضبط الكتاب على نسخه القديمة العتيقة، مع مراجعة بعض نسخه المخطوطة بدار الكتب المصرية.
كما قمنا بتفقيره ووضع علامات الترقيم حيث جاءت طبعاته السابقة خلوا من تلك العلامات تماما، فاختلط شعره بنثره، ومتنه بشرحه، وامتلأ بالتصحيفات والأخطاء، فحاولنا إصلاح ذلك ما أمكن، كذلك فقد اعتنينا بتخريج شواهده القرآنية والحديثية والشعرية.
ووضعنا كتاب التلخيص في بدايته كالفهرس والمفتاح للوصول إلى المبتغى من شرحه، وذلك لصعوبة وصول القارئ إلى بغيته من شرح ما يبتغى من متنه لتداخل بعضه ببعض.
هذا، والله نسأل أن يغفر لنا زلاتنا، وأن يجزل لنا المثوبة، وأن ينفع به من شاء من عباده، إنه تعالى هو نعم المولى ونعم النصير.
وكتبه/ عبد الحميد هنداوي مدرس البلاغة والنقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة الجيزة في 9/ 10/ 1421 هـ