المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مبحث كلمة كل] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: ‌[مبحث كلمة كل]

[مبحث كلمة كل]

كان الوارد نكرة، وقد بلغ ذلك من الإشهار إلى أن استغنى الورود عن التقييد بالنكرة، ولك أن تجعل اللام للوقت، وتجعل قوله هذا تقييدا للحكم، لا تعليلا، فيندفع- أيضا- أنه لا وجه لتعليل هذا الحكم، وعدم تعليل كون الموجبة المهملة المعدولة في قوة السالبة الجزئية، ووجهه الشارح المحقق، بأنه يحتاج هنا إلى التعليل؛ لأن هذه الدعوى منافية لما تقرر في محله أن المهملة في قوة الجزئية، وفيه نظر؛ لأن الحكم بأن كل مهملة في قوة الجزئية لا ينافي أن بعض المهملة في قوة الكلية، ولا بد من تخصيص المقدمة الكلية الحاكمة بأن النكرة الواردة في سياق النفي تفيد العموم بما سوى نكرة عامة قبل ورودها في سياق النفي، وإلا لتناقض حكمه بأن لم يقم كل إنسان لنفي الحكم عن الجملة دون كل فرد (وفيه نظر)؛ لأنه على تقدير أن يكون كل إنسان لم يقم لإفادة النفي عن الجملة، ولم يقم كل إنسان لإفادة النفي عن كل فرد، لا يلزم أن يكون شيء منهما تأكيدا لا تأسيسا؛ لأن التأكيد (1) الإعادة بلفظ ما أفيد بلفظ آخر، وهناك لم يكن إفادة معنى مرتين بلفظين؛ (لأن النفي عن الجملة في الصورة الأولى) أي: الموجبة المهملة المعدولة (وعن كل فرد في الثانية) أي: السالبة المهملة (إنما إفادة الإسناد إلى ما أضيف إليه كل، وقد زال ذلك بالإسناد إليها، فيكون تأسيسا لا تأكيدا كما كان قبل دخول كل كذلك) هكذا أوضح الشارح هذا المقام.

وفيه أنه لو كان التأكيد ما ذكره لم يصح أنه يؤكد التقديم في: أنا سعيت تارة بوحدي، وتارة مرة بلا غيري فالصحيح: أن التأكيد إعادة ما أفيد بشيء بمفيد آخر، وفيما ذكره المصنف بحيث؛ لأن المسند إليه عند التحقيق: ما أضيف إليه كل، وكل لبيان أفراد المسند إليه، ولذا لا يوصف، بل المضاف إليه فالنفي عن الجملة أو عن كل فرد لا يستفاد إلا من الإسناد إلى ما أضيف إليه، وأيضا لا يجرى ما ذكره لو وضع لام الاستغراق موضع كل؛ لأن المفيد للنفي في الصورتين الإسناد إلى أمر واحد، فاللام لتأكيد ما يفيده الإسناد وتقريره، فإن قلت: هذا الجواب ينافي الجواب الذي بعده؛ لأن مقتضاه: أن كلا على هذا التقدير في

(1) يقصد هنا بالتأكيد: التأكيد الخاص الذي يتعلق بعلوم البيان ويقال له: التكرير.

ص: 397

الصورتين تأسيس لا تأكيد، ومقتضى قوله:(ولأن الثانية) أي: السالبة المهملة، نحو: لم يقم الإنسان (إذا أفادت النفي عن كل فرد فقد أفادت عن الجملة فإذا حملت) كل (على الثاني لا يكون تأسيسا) إن كلا إذا أفادت ما أفاده التركيب قبل دخوله تأكيد: قلت: الجواب الثاني مبني على تسليم أن كلا تأكيد، ففي هذا الجواب تسليم ما منع في الأول وقد نبه عليه المصنف في الإيضاح حيث قال: وإن سلمنا أن يسمى توكيدا يعني: لو اصطلح على تفسير التوكيد بما يفيد معنى يحصل بدونه، ولا مسامحة فيه، فالثانية بعد الحمل على ما حملت لا يكون تأسيسا، بل تأكيدا، ولا يكون فيه ترجيح التأسيس على التأكيد، بل ترجيح تأكيد على تأكيد، ولا يخفى أنه يمكن أن يناقش حينئذ- أيضا- بأن ما هو المشهور: أن التأسيس خير من التأكيد بالمعنى الاصطلاحي (1)، ولهذا أوضح بأن الإفادة خير من الإعادة، وأما كون التأكيد بهذا المعنى خيرا من التأسيس المقابل له فغير بين ولا مبين، وكيف ولا يتحاشى أحد من استعمال بعض الإنسان لم يقم، ولم يقم بعض الإنسان مع أنه يفيد فائدتهما مع الإنسان لم يقم، ولم يقم الإنسان؟ وأجاب الشارح عما ذكره المصنف بأن إفادة النفي في الجملة في ضمن إفادة النفي عن كل فرد خلاف بعض مع الثبوت لبعض، وكل إفادته على الوجه المحتمل؛ لأن يكون في ضمن النفي عن كل فرد، وفي ضمن النفي عن بعض مع الثبوت لبعض، والكل يفيد الثاني، والمفاد قبل الكل هو الأول فيكون تأسيسا وفيه ضعف؛ لأن: لم يقم كل إنسان لنفي الشمول مع بقاء أصل الفعل كما سيجيء.

فالجواب الصحيح: أن النفي عن الجملة مع كل بأن يكون منفيّا عن البعض ثابتا لبعض، وهذا المعنى غير النفي عن الجملة بأن يكون منفيّا عن كل فرد كما كان قبل كل ومنهم من أجاب بأنه إذا حمل الكل على الثاني يكون تأسيسا؛ لأن دلالة: لم يقم إنسان عليه بالالتزام، ودلالة: لم يقم كل إنسان بالمطابقة، ويكفي في التأسيس اختلاف الدلالتين، ورده الشارح بأنه يلزم حينئذ أن لا يكون كل إنسان لم يقم على تقدير جعله للنفي عن جملة الإفراد تأكيدا، لأن

(1) يريد بالتأسيس إفادة معنى جديد، والتأكيد خلافه.

ص: 398

دلالة قولنا: إنسان لم يقم بطريق الالتزام، وهو ظاهر، ولا يخفى عليك أن دلالة كل إنسان لم يقم أيضا على النفي عن الجملة بطريق الالتزام؛ لأنه لإثبات عدم القيام للكل، ويلزمه النفي وإن دلالة: لم يقم إنسان على النفي عن جميع الأفراد- أيضا- عند المستدل بطريق الالتزام؛ لأنه في قوة الكلية، فلو كان: لم يقم كل إنسان، بعموم النفي لم يكن تأكيدا، ولك أن تمنع بطلان ترجيح التأكيد على التأسيس؛ لأن استعمال كل في التأكيد أكثر، فالأصل فيه كونه للتأكيد، وأن تدفعه بأنه لا اشتباه في أن الإفادة خير من الإعادة، وذلك يقتضي بطلان ترجيح التأكيد على التأسيس فلا تسمع المنع ما لم يعارض هذه المقدمة أمرا لا اشتباه فيه، وكون كل في التأكيد أكثر إنما يسلم إذا أضيف إلى الضمير، فإنه لا يكون إلا تأكيدا أو مبتدأ، وبعد ثبوته لا يقاوم تلك المقدمة؛ لأن في اعتباره ترجيح جانب اللفظ، وفي اعتبار هذه المقدمة ترجيح جانب المعنى، وإذ دار الأمر بين رعاية المعنى وبين رعاية اللفظ يراعى المعنى؛ (ولأن النكرة المنفية إذا عمت كان قولنا: لم يقم إنسان سالبة كلية لا مهملة)، ولا في قوة الكلية، فإن قلت: هذا لا يضر هذا القائل فيما هو بصدده من ترجيح التأكيد على التأسيس، بل ينفعه؛ لأن كونه سالبة كلية أقوى في إثبات مطلوبه من كونه في قوتها قلت: نظر المصنف لم يقتصر على تزييف دليله، بل عم ذلك، وخطأه في الاصطلاح، ومقصوده: التنبيه على فساد جعله مهملة لئلا يتخذ قوله مذهبا، ومنشأ غلط ما شاع في كتب الميزان من تعيين الأسوار وعدم اطلاعه على التحقيق الذي ذكره الشيخ في الإشارات من أن كل ما يدل على كمية الأفراد فهو سور حتى اللام والتنوين، وبهذا أظهر أن قصر النظر على تخطئة القائل في السالبة المهملة من قصور النظر إذ جعل: إنسان لم يقم- أيضا- مهملة خطأ، ولما كان ما ذكره من الدعوى صدقا، وكان المناقشة مع القائل فيما ذكره من التوجيه أراد أن ينبه على ذلك دفعا؛ لتوهم بطلان الدعوى من تزييف التوجيه فأتي عقيبه بكلام الشيخ.

قال في الإيضاح في هذا المقام: اعلم أن ما ذكره هذا القائل من كون كل في النفي مفيدة للعموم تارة، وغير مفيدة أخرى مشهور، وقد تعرض له الشيخ

ص: 399

عبد القاهر وغيره هذا (وقال عبد القاهر: إن كانت)(1) كلمة (كل داخلة في حيز النفي) دخول الشيء في حيز النفي: أن يتعلق النفي بثبوت الشيء له، أو بثبوته لشيء، أو يتعلق شيء به، أو بتعلقه بشيء، ولما كان يتوهم أن الداخل في حيز النفي ما دخل عليه أداته دفع ذلك الوهم بالتعميم فقال:(بأن أخرت عن أداته)، أي: بلا فاصلة سواء كانت معمولة لها أو لا، ولا يخفى أن يناسب هذا الفن حرف النفي، وأداة النفي لغة أرباب الميزان، وكأنه أراد آلة النفي واختيارها على حرف النفي ليشمل ليس بلا خفاء (نحو) قول أبي الطيب:

ما كل ما يتمنّى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن (2)

فكل في هذا المثال معمول للنفي على لغة دون لغة وكونه مثالا للمعمول للفعل المنفي أظهر من كونه مثالا لما أخرت عن الأداة بلا فصل؛ لأنه من مواقع اختيار النصب في كل (أو) كانت (معمولة للفعل المنفي) أو شبهه نحو: ما أنا ضارب كل رجل (نحو: ما جاء القوم كلهم) قال الشارح المحقق قدم التأكيد؛ لأن كلا أصل فيه، ولا يخفى أن التابع أن يكون التأكيد أصلا فيه دون العكس (أو ما جاء كل القوم) لم يقل: وما جاء كلهم تنبيها على أن الكل المضاف إلى الضمير لا يكون إلا تأكيدا (أو لم آخذ كل الدراهم أو كل الدراهم لم آخذ) وغير «ما» إلى «لم» لأن معمول ما لا يتقدم عليه (توجه النفي إلى الشمول خاصة، وأفاد الكلام ثبوت الفعل، أو الوصف لبعض) قال الشارح المحقق:

ولو قال ثبوت الحكم ليشمل ما إذا كان الخبر جامدا، نحو: ما كل سوداء ثمرة لكان أحسن.

قلت: وليشمل، نحو: ما كل القوم كاتبا أبوه، أو يكتب أبوه، فإنه ليس فيه ثبوت الفعل، أو الوصف لبعض، بل لمتعلق بعض، وقلت: لا بد أن يقال: أو ثبوت البعض لشيء ليشمل، نحو: ليس القوم كل العلماء، ولا يخفى بعد ذلك: أن هذه الكلية منقوضة بقولنا: ما زال كل إنسان متنفسا وبأخواته؛ لأنها لا تفيد ثبوت الفعل لبعض، بل ثبوت أمر آخر وراء الفعل للكل، وأنه يرد

(1) دلائل الإعجاز ص 186.

(2)

سبق تخريجه.

ص: 400

أنه إن أريد بكونه معمولا للفعل النفي أن يكون معمولا لفعل دخل عليه النفي يخرج عنه، نحو: ليس كل إنسان ناجيا، ولو أريد أن يكون معمولا لفعل يدل على النفي لدخل فيه، نحو: انتفى كل إنسان (أو تعلقه) أي: الفعل أو الوصف (به) أي: ببعض، أورد عليه الشارح المحقق بعد نقله عن الشيخ:

المبالغة في أن النفي للعموم خاصة مع بقاء الأصل في بعض مواد تخلف من كلام الله عز وجل نحو: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ (1) ونحو: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (2) وقوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (3) فقال: والحق أن هذا الحكم أكثري لا كلى. قلت: يمكن أن يعتذر عن تلك المواد، بأن نفي المحبة كناية عن البغض، والنهي عن الإطاعة كناية عن الأمر بالاجتناب والمضادة، فكلمة كل: ليست معمولة للفعل المنفي فيها، ولا يخفى أن هذا التحقيق من الشيخ ليس بخصوص كل، بل هو مبين على ما حققه غير مرة أن النفي إذا دخل على كلام فيه قيد يتوجه إلى القيد، ويثبت الأصل.

والتحقيق أن هذا أكثري لا كلي، ولا يبعد أن يقال: مراد الشيخ: أن مقتضى ورود النفي أن ينصرف إلى القيد، حتى لا يستفاد منه إلا ذلك، كما أن مقتضى وضع اللفظ لمعنى أن لا يفهم منه إلا ذلك المعنى، وذلك لا ينافي أن يفرض أمر يخرجه عن مقتضاه، ويعمل به ما لا يرضاه، ولا يخفى: أن البعضية قيد في الكلام كالعموم المستفاد من كل عام، ومقتضى ذلك أن يفيد: ما جاءني بعض القوم، ثبوت الحكم للكل لرجوع النفي إلى البعضية، مع أنه ليس كذلك.

والفرق من مواهب الأنظار الدقيقة ولا ضنة بك إن كنت أهلا له، فنقول: قد شاع استعمال البعض في البعضية المطلقة المجامعة للكل أكثر من شيوع الوحدة في الوحدة المطلقة المجامعة للكثرة، فكما أن: ما جاءني رجل، يجامع عموم النفي، فكذلك: ما جاءني بعض القوم فلذا لا يفيد مجيء الكل (وإلا) أي: وإن لم يكن كلمة كل داخلة في حيز أداة النفي، بأن لا يكون في الكلام نفي، نحو: كل إنسان قام، أو قام كل إنسان، أو كان؛ لكن لم يدخل كل في حيزه (عم) لكلام

(1) الحديد: 23.

(2)

البقرة: 276.

(3)

القلم: 10.

ص: 401

ما أحاطت كل به من الإفراد، ولما كان العموم في المثبت واضحا، اقتصر على بيانه في الكلام المنفي فقال:(كقول النبي- عليه السلام لما قال له ذو اليدين) - وهو الخرباق السلمي (1) - ويقال له: ذو الشمالين- أيضا- ولعلهم أشاروا بذلك إلى ضعفهما، أو إلى قلة غايتهما، ويقال له: الأضبط، وهو الذي يعمل بيديه، كذا في شروح المصابيح، وفي الشرح أن قوله: وإلا بمعنى: وإن لم يكن كلمة كل داخلة في حيز النفي، ويكون في الكلام نفي ومعنى قوله: عم عم النفي، وما ذكرنا أشمل، وما ذكره أظهر (أقصرت الصلاة) فاعل قصرت (أم نسيت يا رسول الله) مقول قول ذي اليدين ومقول قول النبي- عليه السلام (كل ذلك لم يكن) (2) أي: لم يثبت القصر ولا النسيان، وفيه إشكال، وهو أنه: كيف صدر عن معدن الصدق ما لم يطابق؟ حتى قيل: مراده صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن في اعتقادي، فيكون صادقا، ولا يخفى أنه يتجه أنه كيف يظن به صلى الله عليه وسلم الاعتقاد الغير مطابق فيما ليس؟ فلا بد أن يلتزم أنه لا بعد في وقوع الاعتقاد الغير المطابق أو القول الغير المطابق فيما ليس هو من الأمور الدينية، ولا يبعد أن يقال: النسيان ليس منه صلى الله عليه وسلم، بل أنساه ربه، ولذا أمرنا بأن: لا نقول:

نسيت، بل نسّيت على صيغة المجهول من التفعيل، ولا يخفى أن هذا الترديد مبني على عدم الفرق بين السهو والنسيان، وإلا ينبغي أن يقال: أقصرت الصلاة؟ أم نسيت؟ أم سهوت؟ وقوله: (وعليه) لا فائدة فيه، والظاهر، وقول أبي النجم:

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (3)

(1) هو الخرباق أو العرباض بن عمرو الصحابي الجليل، وسمي ذو اليدين، قيل لطول كان في يديه، وقيل أضبط، أعني يعمل بكلتا يديه، فهو أعسر أيسر. انظر الإيضاح ص 73.

(2)

أخرجه البخاري في الصلاة، ومسلم في المساجد وأحمد في المسند (23412).

(3)

البيت في الإيضاح (73)، والمصباح (144)، وأسرار البلاغة (2/ 260)، والمفتاح (393)، والإشارات والتنبيهات (25)، دلائل الإعجاز (278)، خزانة الأدب (1/ 359)، نهاية الإيجاز (182)، شرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 53)، والأغاني (23/ 36)، ، ويقول عبد القاهر في تعليقه على البيت: «إنه أراد أنها تدعي عليه ذنبا لم يصنع منه شيئا البتة لا قليلا ولا كثيرا، ولا بعضا ولا كلّا، والنصب يمنع من هذا المعنى ويقتضي أن يكون قد أتى المذنب بالذنب الذي ادعته بعضه وذلك أنا

وجدنا إعمال الفعل في «كل» والفعل منفي لا يصلح أن يكون إلا حيث

-

ص: 402

برفع كله، لئلا يكون معموله للفعل المنفي، ويفيد عموم النفي إذ المعنى على:

أني لم أفعل شيئا من الذنوب، لا أني لم أصنع جميعها قال المصنف: المعتمد في إثبات المطلوب الحديث وشعر أبي النجم، أما الاحتجاج بالحديث، فمن وجهين:

أحدهما: أن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما على الإبهام، فجوابه: إما بالتعيين، أو بنفي كل منهما، وثانيهما: ما روى أنه لما قال صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن، قال ذو اليدين: بعض ذلك قد كان، والإيجاب الجزئي نقيضه السلب الكلي هذا، وما في المصابيح: قد كان بعض ذلك، فأقبل على الناس، فقال: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فيقدم، فصلى، والذي أرى أنه: يصح الجواب بإثبات كل منهما أيضا، لأن الجواب ينفي كل منهما تخطئة في اعتقاد ثبوت أحدهما، وليشاركه الجواب بإثبات كل منهما في التخطئة في هذا الاعتقاد، وهذا كلام وقع في البين، فلنرجع إلى ما كنا فيه، ثم قال: وبقول أبي النجم يعني: وأما الاحتجاج بقوله؛ ما أشار إليه الشيخ عبد القاهر، وهو أن الشاعر فصيح، والفصيح السابع في مثل قوله: نصب كل، وليس فيه ما يكسر به وزنا، وسياق كلامه أنه لم يأت بشيء مما ادعت عليه هذه المرأة، فلو كان النصب مفيدا لذلك، والرفع غير مفيد لم يعدل عن النصب إلى الرفع من غير ضرورة، هذا وفيه بحث؛ لأنه إن أراد بالمطلوب عدم إفادة الداخل في حيز النفي العموم، وإفادة غير الداخل، فالحديث لا نفي في إثباته، على أن نظم دليله، لا يبطل كون كليهما مفيدا، وإن أراد الثانية فقط؛ لكفاه أن يقول: فلو لم يكن الرفع مفيدا لذلك لم يرفعه، ولا دخل لحديث النصب فيما هو بصدده، واعترض الشارح المحقق عليه بما توجيهه منع الشرطية القائلة، فلو كان النصب إلى آخر بسند أنه لا مجال هنا للنصب إذ الكل المضاف إلى الضمير لا يعدو التأكيد إلى غير المبتدأ وقال نظير هذا الاستدلال استدلال سيبويه على أن حذف الضمير المنصوب عن خبر الجملة للمبتدأ جائز في السعة بقول الشاعر:

[ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا]

حيث حذف الضمير عن خبر المبتدأ، مع أنه لا ضرورة؛ إذ لو نصبت كلهن

- يراد أن بعضا كان وبعضا لم يكن». راجع دلائل الإعجاز (278).

ص: 403