الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لشأنه) أي الخبر (نحو) قول الفرزدق [إن الذي سمك السماء] أي رفعها [بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول] يريد بيت الشرف والمجد (أو شأن غيره) أي الخبر (نحو كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) فإن فيه تعظيم شأن شعيب، وفي البيت أيضا تعظيم شأن غير الخبر، وهو البيت أو المتكلم، وفي الآية أيضا تعظيم شأن الخبر، كأنه قيل: خسروا خسرانا عظيما.
واعتبارات التعريف بالموصولية كثيرة جدّا، قال السكاكي: وفي هذه الاعتبارات كثرة فحم حول ذكائك.
[وبالإشارة]
(وبالإشارة) أي تعريف المسند إليه بإيراد اسم إشارة، والعبارة الواضحة بجعله اسم إشارة لأن استعمال اسم الإشارة بهذا المعنى لم يؤنس (لتمييزه أكمل تمييز) أي لتمييز المسند إليه أكمل تمييز، مما يمكن من المعارف التي يسعها المقام، وإلا فأكمل التمييز إنما يتصور بأعرف المعارف، وهو المضمر المتكلم، ثم العلم، ثم اسم الإشارة، على المذهب المنصور، ومن قال هو العلم كمن قال هو اسم الإشارة مذهبه المهجور، فلا يليق أن يبنى عليه هذا الحكم المذكور، والمصنف ترك ما لا بد منه وهو كون المقام صالحا لاسم الإشارة، لما عرفت غير مرة أن مثله مما يعرف من علم آخر، وهو المقام الذي يتأتى للمتكلم أن يحضره في ذهن السامع بالإشارة الحسية، المفسرة بإشارة الجوارح، وذلك بأن يكون المسند إليه مبصرا لهما، ويكون للمتكلم إشارة حسية، فاستعمال اسم الإشارة في كلامه تعالى سواء كان إلى المبصر أو غيره مجاز لتنزهه تعالى عن الإشارة بالجوارح، وكذا استعماله في غير المبصر، سواء كان مما يمكن أن يدرك بالبصر أو لا. ولكن يكون مدركا بالحس أو لا، بل مدركا بالعقل الصرف، فغير المبصر من المبصرات يحتاج إلى تنزيله منزلة المبصر، والمحسوس غير المبصر إلى تأويله بالمبصر، ثم بالمبصر بالفعل، والمعقول إلى تأويله بالمحسوس، ثم بالمبصر بالفعل، فما ذكره السيد السند أن غير المحسوس يحتاج إلى تأويلين: تنزيله منزلة المحسوس، ثم تنزيله منزلة المشاهد، وأما المحسوس غير المشاهد فيكفي فيه تأويل واحد؛ وهو أن يجعل بمنزلة المشاهد ليس بذاك.
وبالجملة استعمال اسم الإشارة في قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ
رَبِّهِمْ (1) من خلاف مقتضى الظاهر من وجهين فاعرفهما، وكذا في قوله [أولئك آبائي فجئني بمثلهم](2) فالبحث عنه خروج عن مقتضى الظاهر. (نحو قوله) أي ابن الرومي [هذا أبو الصقر فردا في محاسنه] جمع حسن، على خلاف القياس [من نسل شيبان بين الضال والسلم](3) النسل الولد، وشيبان بن ثعلبة أبو قبيلة، صار اسما للقبيلة، وما في البيت يحتملها، والضال والسلم شجران بالبادية، وكونه من نسل شيبان يعني كرماء العرب، وكونه بين الضال والسلم يعني من خلص العرب وفصحائهم، أو من أعزة الناس؛ لأن فقد العز في الحضر كما قيل، أو من سادات العرب التي لهم مرعى ومسكن لا ينازعهم الغير فيه، وإن كان داخلا في محاسنه، لكن ذكره، لأن المتبادر منه غير النسب والفصاحة وصيانة العز، ولم يتعرض لبيان الإعراب لأنه نوع من الإسهاب.
(أو التعريض بغباوة السامع) حتى كأنه لا يدرك غير المحسوس على ما قيل، أو حتى كأنه لا عقل له، وإنما قوته الإدراكية الحس كحيوانات العجم، لا لأنه لا يفهم ما لم يميز الشيء كمال تمييز حتى يجعله هذه النكتة من فروع قصد التمييز أكمل تمييز، كما في المفتاح، ويمكن التعريض باسم الإشارة لفطانة السامع إشارة إلى أنه يدرك كل شيء إدراك المحسوس، وبأن المشار إليه متعين غاية التعين، حتى كأنه محسوس لكل أحد.
(كقوله) أي الفرزدق [أولئك] يحتمل أن يكون للتعريض بتعين آبائه [آبائي فجئني بمثلهم] أي اذكر لي مثلهم من آبائك، ففيه تهكم يناسب هجاءه أو من فرق الناس، وهو المناسب لمقام مدح آبائه، قيل الأمر للتعجيز، نحو فَأْتُوا بِسُورَةٍ
(1) البقرة: 5.
(2)
البيت للفرزدق في ديوانه (1/ 418)، أساس البلاغة (جمع)، الإشارات والتنبيهات (184)، والتبيان للطيبي (157)، والمفتاح (98)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 60)، والإيضاح (46)، والتعريض بالغباوة ناشئ عن استعمال اسم الإشارة في آبائه وهم غائبون لموتهم.
(3)
البيت لابن الرومي، أبو الحسن بن علي بن العباس بن جريج الرومي، الشاعر العباسي الهجّاء، المتوفى سنة 283 هـ، وهو في مدح أبي الصقر الشيباني وزير المعتمد الخليفة العباسي، والضال:
شجر السدر البري، والسلم: شجر ذو شوك، وهما من أشجار البادية، وبذكرهما حقق مراده من مدح صاحبه وأهله بالبداوة، وأنه لم يفسدوا بالحضارة.
انظر البيت في الإيضاح (45)، والمفتاح (980)، والإشارات والتنبيهات، ولطائف التبيان (51).
مِنْ مِثْلِهِ (1) وجعل الكلام تهكما لا يحوج إلى جعله للتعجيز، كما لا يخفى على صاحب التميز، [إذا جمعتنا يا جرير] في هذا الخطاب البعيد أيضا قرينة غباوته، كأنه قيل: لا تعرف أنك المخاطب ما لم تناد، ولا تحسب قريبا لبلادتك، ولا تزال تعد بعيدا [المجامع] أي المجالس؛ أي مجلس كثير الحضار، من طوائف العرب، كأنه مجالس، وفيه إشارة إلى أنه بعيد عن الإنصاف، مكابر جدّا، حتى ولو لم يكن كثرة الشاهدين بالحق لادعى ما يشاء، ولا يفحمه الحق المبين الواضح البيضاء، وفي الأساس الجوامع لبيان لغة الجامعة بالأمر الذي يجتمع له الناس، وجعل المجامع مصدرا ميميّا بمعنى الفاعل بجمع الروايتين معنى تكلف بعيد وعنه غنى.
(أو بيان حاله في القرب) الرتبى (والبعد والتوسط) آخر التوسط، مع أن الظاهر حاله يقتضي التوسط، لما قيل: إنه يتحقق بعد تحقق الطرفين، أو لأنه ناقص في كل من القرب والبعد، ولا يخفى أن جعل القرب الرتبى وأخويه ذريعة للتعظيم، والتحقير أقرب، فلا يرد ما استصعب من أنه كيف يعد البيان بالمعنى اللغوي والإفادة بالدلالة الوضعية من الخواص والمزايا، حتى جعل هذا العديل للخواص توطئة لما بعده، ولم يحترز عن عدم مساعدة العبارة، واحتيج إلى دعوى أن القرب والبعد والتوسط ليس مما يقصد باسم الإشارة وضعا، بل من دقائق لا يحيط بها إلا نظر البليغ؛ لأنه يدور على مناسبة الألفاظ بحسب القلة والكثرة والتوسط. وقال الشارح المحقق: إن المعنى الوضعي قد يكون زائدا على أصل المراد؛ فإنه إذا كان المراد أصل الحكم على معين يمكن تصوره بطرق متعددة، فاختار اسم الإشارة لإفادة قربه يكون إيرادا له لزائد على أصل المراد، وهو القرب، ولولا هذا الاعتبار لا يشكل كثير من مباحث المعاني من الإضمار والعلمية والقصر، إلى غير ذلك، ورده السيد السند بأن جميع المعاني اللغوية تصير زائدة على أصل المراد بهذا الاعتبار وتكون الإفادة بالدلالات الوضعية من مباحث علم المعاني؛ مع أنهم صرّحوا بأن نظرهم في الزائد على المعنى الوضعي، ويمكن أن يجاب عن أصل الشبهة بأن الحكم بأنه قريب ليس داخلا في الموضوع له
(1) البقرة: 23.
(وإنما الداخل) فيه القرب على وجه هو قيد للذات وملحوظ معه إجمالا وما جعل داعيا إلى إيراد اسم الإشارة بيان أنه قريب وإفادة هذا الحكم إذا دعا المقام إليه، كما تقول لمن يخاطبك بما لا ترضى أن يسمعه غيرك: تسمع هذا، فالترديد بالتعبير عنه بهذا الإيماء إلى أنه قريب ليمتنع المتكلم عن التكلم، أو يقول المتكلم في ردك: لا يسمع أولئك فيعبر بأولئك للإشارة إلى أنه بعيد لا يسمع؛ ولمزيد توضيح هذا المقصود قال بيان حاله في القرب
…
إلخ. ولم يقل بيان القرب
…
إلخ.
فتأمل.
ولا يبعد أن يقال: المقصود منه التنبيه على أن غرض البليغ ربما يكون بيان المعنى الموضوع له إذا لم يكن مقام يقتضي أريد منه إما لقصور المخاطب أو لغير ذلك، وهذا مما ينفعك في كثير من مباحث المعاني من أشكاله وينجيك من صعوبته وإشكاله (كقولك: هذا أو ذلك أو ذاك زيد) أي: كقولك هذا زيد أو قولك ذلك زيد أو قولك ذاك زيد، فإن قلت: الظاهر العطف بالواو؛ لأن التمثيل بالثلاثة للنكت الثلاثة السابقة قلت: التمثيل نشر على ترتيب اللف، والمتعارف فيه العطف بكلمة أو واستطلع على وجهه إن شاء الله تعالى، ولك أن تجعله حكما واحدا مشتملا على الأمثلة الثلاثة مشتملا على الترديد (أو تحقيره بالقرب) أي: بسبب القرب إما بأن تريده للانتقال منه إلى التحقير فيكون من قبيل الكناية، وإما بأن تريد التحقير لعلاقة له بالقرب فيكون مجازا (نحو أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (1) أو تعظيمه بالبعد) تنزيلا لبعد درجته منزلة بعد المسافة (نحو الم ذلِكَ الْكِتابُ (2) أو تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) كأنه لم يذكر التعظيم بالقرب مع أنه يناسب التعظيم بأن ينزل قربه من ساحة الحضور والخطاب منزلة قرب المسافة، وأعرض عنه في الإيضاح أيضا لأنه لم يجده فيما بينهم، ويرده قوله تعالى رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا (3) وقوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (4) واعلم أن اسم الإشارة المستعملة في
(1) الأنبياء: 36.
(2)
البقرة: 1، 2.
(3)
آل عمران: 191.
(4)
الإسراء: 9.
غير الحاضر في المعيّن عينا كان أو معنى كضمير الغائب يحتاج إلى تقدم ذكر، صرح به الرضى (أو للتنبيه عند تعقيب المشار إليه بأوصاف) أي: عند إيراد أوصاف عقيب المشار إليه (على أنه) متعلق بالتنبيه أي: على أن المشار إليه (جدير بما يرد بعده) أي: بعد اسم الإشارة أو على أن المسند إليه جدير بما يرد بعده (من أجلها) أي: من أجل تلك الأوصاف، ولا يخفى أن التنبيه لا يتوقف على تعدد الأوصاف ولا على الكون عقيب المشار إليه؛ فإنه يصح أن يكون قبله، كأن تقول جاءني زيد الفاضل الكامل وهذا يستحق الإكرام، ولا على أن يكون ما هو جدير به، وأراد بعده فليكن قبله، كأن يقول: ويستحق الإكرام هذا، فالواضح أن يقال: أو التنبيه عند الإشارة إلى موصوف، على أن المشار إليه جدير بما أسند إليه من أجل كونه موصوفا.
ووجه التنبيه أنه يصير التعبير باسم الإشارة بمنزلة التعبير بقولنا: المتصف بهذه الصفات لأن إيراد اسم الإشارة لجعله كالمحسوس باعتبار التميز الحاصل بالاتصاف وتعليق الحكم بالمشتق يشعر بعلية مأخذه، فيدل تعليق الحكم بالمتصف على مدخلية الاتصاف، ويحتمل أن يكون إيراد اسم الإشارة بعد وصف المشار إليه لتفخيم الأوصاف أو تحقيره إلى أن عظمت الذات بسببها أو حقرت (نحو أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1) فإن أولئك الأول إشارة إلى الموصول المعقب بصلة الإيمان بالغيب وما عطف عليه، والموصول المعقب بالإيمان بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وفيه تنبيه على أن كونهم خليقين بأن يكونوا على هدى لأجل الاتصاف بهذه الأوصاف، وأولئك الثاني إشارة إلى أولئك المعقبين بتلك الأوصاف مع زيادة كونهم على هدى، وفيه تنبيه على أن استحقاقهم الفلاح والفوز عاجلا وآجلا لأجل ذلك الاتصاف، والشارح المحقق لم يفرق بين اسمي الإشارة فاتبع الفاروق فإنه أعدل؛ واتباع ما هو الأحق أفضل.
ومما جعله صاحب المفتاح داعيا إلى اسم الإشارة أن لا يكون لك أو لسامعك طريق سوى الإشارة ولم يلتفت إليه المصنف لبعد أن لا يمكن التعبير عن المحسوس للمتكلم والسامع بطريق آخر تعرفهما؛ إذ لا أقل من الذي في هذا المكان فتأمل.
(1) البقرة: 5.