الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنه هجر الأصل، فإن قلت مما يجوز للشاعر فك الإدغام وهو جائز بشرط الاضطرار اتفاقا، وعند ابن جني من غير اضطرار أيضا، قلت: الضرائر مقيسة وغير مقيسة، وفك الإدغام غير مقيس، فلعل الشعر ليس من العرب العرباء، بل ممن ليس له الفك فيما لم يسمع، وقوله: ربّا بالألف، يريد به يا ربي، فيا محذوف، والألف بدل عن الياء أي فاقبل الحمد.
[قيل ومن الكراهة في السمع]
(قيل) فصاحة المفرد خلوصه عما ذكر (ومن الكراهة في السمع) هكذا قدره الشارح، فإن قلت قد سبق أن تعريف الفصاحة والبلاغة على هذا الوجه مما لم يجده في كلام الناس إنما أخذه من اعتباراتهم وإطلاقاتهم، ولو كان فصاحة المفرد معرفا بهذا التعريف لم يكن أخذ تعريفه على هذا الوجه من اعتباراتهم وإطلاقاتهم، بل كان تنقيحا لتعريف وجد في كلامهم بحذف ما هو مستدرك منه! ! قلت: لعل القائل من معاصريه، ويدعي وجوب زيادة قيد على تعريف استخرجه، والأنسب بهذا أن لا يقدر ما قدره الشارح، بل بجعل قوله: ومن الكراهة في السمع معطوفا على ما في التعريف- أعني من تنافر الحروف- عطف تلقين، ومعنى الكراهة في السمع: أن يتبرأ السمع كما يتبرأ عن سماع الأصوات المنكرة، وإنما يجب اشتراط الفصاحة بالخلوص عنها لأن اللفظ من قبيل الأصوات، والأصوات منها ما يستلذ النفس سماعه، ومنها ما يستكرهه، كذا ذكره الشارح، وفيه نظر؛ لأن اللفظ يجوز أن يكون من الأصوات التي لا يستكرهها أبدا، ويجوز أن يكون نظر المتن هذا المنع، أي لا نسلم أن اللفظ يجري فيه استكراه السمع، ويمكن أن يكون هذا ملخص ما قيل في بيان النظر أن الكراهة في السمع راجعة إلى النغم، فكم من لفظ فصيح يستكره في السمع إذا أدى بنغم غير متناسبة، وكم من لفظ غير فصيح يستلذ إذا أدى بنغم متناسبة، وصوت طيب؛ هذا وما ذكره الشارح في دفعه من دعوى بداهة استكراه جرشي دون النفس غير مسموع، إنما المقطوع به رد السامع أحدهما دون الآخر، مع احتمال أن يكون ذلك الرد لوصمة ثقله على اللسان، وما نقل عنه في حواشي الشرح من قوله:
يعني سلمنا أن للنغم مدخلا في ذلك لكن لا نسلم أنها المرجع، بحيث لا يكون لنفس اللفظ مدخل أصلا مقابلة المنع بالمنع، نحو كراهة الجرشي، كالزمكي
مرادف النفس، في قول أبي الطيب في مدح سيف الدولة أبي الحسن علي:
([كريم الجرشّى شريف النّسب]) أوله: [مبارك الاسم أغرّ اللّقب](1) قال الشارح: وصف اسمه بالبركة لموافقته اسم أمير المؤمنين علي- رضي الله عنه هذا وحينئذ لا اختصاص له بالاسم، بل الكنية أيضا كذلك، إلا أنه خصه بالاسم ضيق الشعر، ولا بعد أن يجعل البركة لموافقته اسم الله تعالى، فيختص الاسم، والأبلغ أن يكون قصده إلى أنه مبارك الاسم لاكتساب اسمه البركة من ذاته، وأغر اللقب يراد به مشهور اللقب، يعني لقب بسيف الدولة لاشتهاره بهذا الوصف لا للتفاؤل والتمدح، والأغر أبيض الجبهة من الخيل، استعير لكل واضح معروف.
(وفيه نظر) قال الشارح المحقق: لأنها داخلة تحت الغرابة المفسرة بالوحشية، لظهور أن الجرشي إما من قبيل تكأكأتم وافرنقعوا (2)، أو الجحيش والطلخم، يريد أن الخلوص عن الغرابة يستلزم الخلوص عن الكراهة في السمع، إذ الكراهة في السمع يستلزم عدم استعمال الفصحاء له، فيكون غريبا، إما غير ثقيل على اللسان، أو ثقيلا، لا يقال جعل تكأكأتم وافرنقعوا غير كريه على الذوق ينافي ما نقل عن بعض البلغاء أنه لما قال عيسى بن عمر النحوي (3): ما لكم تكأكأتم على تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني- قال: دعوه فإن شيطانه يتكلم معه بالهندية؛ لأن إطلاق الهندية عليه يدل على كراهته على الذوق، لأنا نقول يحتمل أن يكون قصده إلى خفاء الدلالة دون الكراهة على الذوق. وأورد عليه أن الغرابة كما تشمل كراهة السمع تشمل تنافر الحروف، ومخالفة القياس؛ إذ الظاهر أن يكونا بمعزل عن استعمال الفصحاء، ويمكن دفع ذكر تنافر الحروف مع اندراجه تحت الغرابة بأن إغناء الغرابة عنه إغناء المتأخر عن المتقدم، ولا وصمة فيه، بخلاف إغناء الغرابة عن قيد الكراهة في السمع؛ فإنه من قبيل إغناء
(1) البيت من قصيدة لأبي الطيب المتنبي في مدح سيف الدولة الحمداني، وهو في شرح التبيان للعكبري (1/ 74)، والإيضاح (5).
(2)
في اللسان: «افرنقعوا عني: أي انكشفوا وتنحوا وتفرقوا» .
(3)
عيسى بن عمر الثقفي بالولاء، أبو سليمان: من أئمة اللغة، وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء، وأول من هذّب النحو ورتبه. ت: 149 هـ، انظر الأعلام 5/ 106، سير أعلام النبلاء 7/ 200.
المتقدم عن المتأخر، وهو قبيح.
وأما ذكر الخلوص عن مخالفة القياس فمشكل؛ إلا أن يقال: لا خفاء في مزيد توضيح يتعلق بذكر الخلوص عن مخالفة القياس، فلا بأس بإراده، وإنما النزاع في وجوب اشتراط الخلوص عن الكراهة في السمع، ومنهم من جعل وجه النظر أن الكراهة إن أدت إلى الثقل فقد دخل تحت التنافر، وإلا فلا يخل بالفصاحة. وقال الشارح ضعفه ظاهره لأن عدم التأدي إلى الثقل لا ينافي الإخلال بالفصاحة ويجوز أن يكون الألفاظ الكريهة في السمع مما يحترز الفصحاء عن استعمالها، فلا تكون فصيحة، ويمكن أن يقال ملخص هذا الوجه أن الكراهة في السمع لو كانت مع الثقل تكون داخلة تحت التنافر، وإلا فلا نسلم استلزامه الإخلال بالفصاحة إذ لم يجد في إطلاقاتهم واعتباراتهم اشتراط الفصاحة بالخلوص عن كراهة السامع، ولا يخفى أنه لا يدفع منع إخلال الكراهة بالفصاحة جواز كونها مخلة، ومنهم من وجه النظر بأن ما ذكره القائل بوجوب ذكر، ومن الكراهة في السمع في بيانه فيه نظر، لأن كون اللفظ من قبيل الأصوات فاسد؛ بل هو كيفية الصوت كما عرف في موضعه، وقال الشارح ضعفه ظاهر لأن كلام المتن يدل على أن نفس الاشتراط منظور فيه، مع أن جعل اللفظ من قبيل الأصوات شائع في اختيارهم، حتى قالوا: اللفظ: صوت يعتمد مخارج الحروف، ولك أن تقول ملخص كلامه أن وجوب زيادة هذا القيد ممنوع لأن تعلق كراهة السمع باللفظ ممنوع، إلا أنه بين أن هذا المنع راجع إلى بيان هذا القائل؛ لأن المقدمة المثبتة إذا منعت يرجع منعها إلى دليلها، فاندفع ما ذكره من أن ظاهر كلام المتن أن نفس الاشتراط منظور فيه. وأما ما ذكره من أن مختار الأدباء أن اللفظ صوت، ووجوب الاشتراط مبني عليه، فدفعه أن للمصنف أن ينازع في الوجوب بناء على ضعف المبني، ومنهم من قال: إن مثل ذلك واقع في التنزيل، كلفظ ضِيزى (1) ودُسُرٍ (2) ونحو ذلك. قال الشارح: وفيه أيضا بحث؛ لأنه قد تعرض لأسباب الإخلال بالفصاحة ما يمنع
(1) النجم: 22.
(2)
القمر: 13.