الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره حتى يكاد يحكم بأن قوله: (أو الوصف)، ولك أن تجعله عدولا عنها.
(فلكون الفائدة أتم) أي: فلصيرورة الفائدة أتم.
وقد يكون التخصيص لتوقف الفائدة عليه، كما إذا كان المخاطب يعلم أن زيدا غلام، ولا يعرف أنه غلام عمرو، فتقول زيد غلام عمرو، ولا يبعد أن يقال: لم يتعرض له؛ لأنه ليس زائدا على أصل المراد.
(كما مر)(1) قيده المفتاح بقوله: في فصل تعريف المسند إليه، وأطلقه المصنف ليعود إلى ما هو أقرب من بحث تقييد الفعل؛ ولأنه لم يذكر شيئا في تعريف المسند إليه بخلاف المفتاح.
(وأما تركه) أي: ترك التخصيص (فظاهر مما سبق)(2) من ترك تقييد المسند لمانع عن تربية الفائدة، وكان الأخصر أن يقول: وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف، وتركه، فظاهر مما سبق.
[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]
(وأما تعريفه (3) فلإفادة السامع حكما) دفع في إثنائه بيان النكتة شبهة أنه لا فائدة في الحكم على الشيء بالمعرفة؛ لأنه من قبيل إفادة المعلوم، حيث أشار إلى أن المفاد بالكلام ليس المسند، بل حكما بين المسند والمسند إليه، فالإفادة لا تتوقف على الجهل بالمسند، بل تمتنع مع الجهل به، كما تمتنع مع الجهل بالمسند إليه، ولو كان الحكم أيضا معلوما يتأتى الإفادة للازم الحكم.
(1) من أن زيادة الخصوص توجب تمام الفائدة، وإنما ذكر الإضافة هنا مع الوصف لاتحادهما معه في ذلك الغرض، وقد ذكر السعد أن جعل معمولات المسند كالحال ونحوه من التقييد وجعل الإضافة والوصف من التخصيص إنما هو مجرد اصطلاح؛ لأنه لا فرق بينهما في ذلك، ولا يخفى أن أغراض الإضافة والوصف في المسند إليه تأتي هنا أيضا. ومن التخصيص قول الشاعر:
حمي الحديد عليهم فكأنّه
…
ومضان برق أو شعاع شموس
ومن التخصيص بالوصف قول الشاعر:
وكنت امرأ لا أسمح الدهر سبة
…
أسب بها إلا كشفت غطاءها
(2)
أي في ترك تقييد المسند من أنه يكون لمانع من تربية الفائدة، وذلك كقصد الإخفاء عن السامعين ونحو ذلك.
(3)
أخره هنا عن الكلام على التنكير وذكر بينهما للتخصيص بالإضافة والوصف، ولا يخفى أن أغراض الإضافة من أغراض التعريف، وأن أغراض الوصف من أغراض التوابع، وما كان أحسن لو رتب الكلام هنا كما رتبه في باب المسند إليه.
ولا خفاء في أن المقصود بالإفادة: الحكم بمعنى وقوع النسبة أو لا وقوعها، لا الإيقاع والانتزاع كما تفيده تعدية الحكم بقوله (على أمر معلوم له) ففيه مسامحة، والمراد متعلق حكم كذلك، وتقدير المفعول به، وجعل حكما مفعولا له لا يحضر به إلا بصر حديد وعن فهم المتعلم بعيد.
(بإحدى طرق التعريف) إذ لا يجتمع اثنان منها (بآخر) لو اكتفى به (أو مثله) لكفى.
قال الشارح: أشار بقوله (آخر) إلى وجوب مغايرة المسند والمسند إليه بحسب المفهوم، ولا ينتقض بنحو: أنا أبو النجم، وشعري شعري، فإن الخبر مؤول، فأبو النجم: بمعنى المشتهر الدائرة على الألسنة، وشعري شعري على ما ذكره الشارح بتقدير: شعري الآن مثل شعري السابق، وعلى ما يمكن أنه بمعنى الكامل؛ لأن إضافة الشعر إليه تشعر بالكمال، أو المعنى: كل شعر لي، مثل:
شعر آخر لي، يريد: أن أشعاري متماثلة غير متفاوتة، وهذا آية التمكن في الشعر، وعدم التلون، ولا كمال فوقه.
ولا بأس بالاتحاد في اللفظ، فتقول بمعنى: عين: تريد بالثاني: الينبوع، وتقول: هو هو، عند اختلاف المرجعين، ولا بالترادف عند اختلاف المقصودين، نحو: الليث الأسد، تريد بالأول ما وضع له هذا اللفظ، وبالثاني مفهوم الأسد بعينه.
ولو قال: على مفهوم بآخر لكان أحسن، حيث كان يشعر بأن المغايرة في المفهوم، لا في الخارج، والمراد بالمماثلة مجرد كونه معلوما بإحدى طرق التعريف، ولو تركه لكان أحسن؛ لاشتهار مماثلة المعرف بالمعرف في المماثلة في مرتبة التعريف، ولو حمل المماثلة على المماثلة في التحقق بأن يتحدا في الوجود لكان أفيد.
وقد أفاد أنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه اختيار الغير مذهب سيبويه، فإنه يجوز الإخبار بالمعرفة عن النكرة المتضمنة للاستفهام، أو أفعل التفضيل في جملة هي صفة نحو: مررت برجل أفضل منه أبوه، فإنه أفضل عنده مبتدأ، خبر عند غيره، وأفاد أيضا أنه: لا يجب ترجيح المسند إليه في
التعريف، أو مساواته مع المسند فيه كما يجب في المنعوت.
(أو لازم حكم كذلك)(1) أي: حكم موصوف بما ذكر، هذا هو المراد وفي صحة تشبيه كذلك خفاء، إذ هذا الحكم غير ما سبق، فالظاهر الأخصر، أو لازمه بذكر المضمر، وذلك إذا كان المخاطب عالما بالحكم.
ومما ينبغي أن يعلم: أن الإطلاق الذي يفيده هذا البيان ليس صحيحا؛ لأنه وإن كان لا منع من ترجيح واحد من المسند والمسند إليه على الآخر في مرتبة التعريف، لكن ليس لك أن تجعل أي المعرفتين شئت مسندا إليه، والآخر مسندا، بل له ضابطة ذكرها المفتاح ونقحها المصنف في الإيضاح فقال:
وتفسير هذا، أي: بيان ما ذكر في وجه تعريف المسند إليه أنه قد يكون الشيء صفتان من صفات التعريف، ويكون السامع عالما باتصافه بإحداهما دون الأخرى، فإذا أردت أن تخبره أنه متصف بالأخرى تعمد إلى اللفظ الدال على الأولى، وتجعله، وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية، وتجعله خبرا، فيفيد السامع ما كان بجهله من اتصافه بالثانية.
ثم قال: وإذا لم يعرف أن لزيد أخا أصلا، فلا يقال: أخوك زيد؛ لامتناع الحكم بالمعين على من لا يعرفه المخاطب أصلا، وإنما يقال ذلك إذا عرف المخاطب أن له أخا، وأريد تعيينه له هذا، فأفاد أنه كما لا يصح الإخبار بالمعرفة عن النكرة لا يصح بمعرفة مفيدة للتعين عن معرفة لا تدل على معين، بل تدل على مبهم، وإنما صوّره بالمضاف؛ لا لأنه لا يجرى في ذي اللام والموصول، بل لظهور أن المقصود أنه لا يخبر بمعين عن مبهم، وإن كان معرفة إذا لا حاصل له، لكن يمكن أن يخبر عن نفس الجنس أو الجنس المستغرق بالمعين مبالغة، وهذا الذي أراده حيث قال: وإن أردت تعيين جنس المنطلق، قلت: المنطلق زيد، هذه زبدة كلامه، وأوهم تقريره الشارح أنه جرى في ذلك على ما قيل: أن تعريف المسند إن كان بغير الإضافة تجب معلومية المسند إليه والمسند، وإن كان بها لا
(1) لا يقال: إنه يلزم من علم السامع بكل منهما أن يكون هذا إخبار بمعلوم له؛ لأن المراد أنه يعلم كلا منهما ويجهل إسناد أحدهما إلى الآخر، وإنما جعل الحكم في ذلك على أمر معلوم لوجوب تعريف المسند إليه عند تعريف المسند، ولهذا حكم بالقلب في قول القطامي السابق- ولا يك موقف منك الوداعا.
يجب إلا معلومية المسند إليه، مع أنه يأبى إطلاق الكتاب.
وهاهنا بحث، وهو أن الضابط لا يتناول: زيد أخوك، فإنه ليس هناك صفتان، وكأنه أراد بالصفتين ما يعم الاسم؛ لأنه كالصفة في التعيين، وأن الضابط قاصر؛ لأنه لم يفصل ما إذا عرف كلا من الصفتين للذات، ولم يعرف أن الذات متحددة فيهما؛ كما إذا عرف المخاطب أن له أخا، وعرف زيدا بعينه، ولم يعرف أن زيدا وأخاه متحدان، فتريد أن تفيد أن ذلك الاتحاد، فأنت حينئذ بالخيار، فاجعل أيهما شئت مسندا إليه.
ومن هذا القبيل قوله تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) فإنه قد عرف المخاطب موصوفين بصفات الكمال آنفا، وسمع أن جماعة هم المفلحون، فأفاد أنهما المتحدان، نعم، هنا يجب جعل (أولئك) مسندا إليه؛ ليفيد تعليق الحكم بالصفات، لا لأن الحكم بالاتحاد يقتضي ذلك، ولهذا مثله صاحب الكشاف يريد النائب لمن سمع أنه ناب أحد، فكان كالمستخير أنه من هو؟ يريد أنه يعرف زيدا بعينه وعمرو، أو لا يعرف أنه متحد مع أيهما، فتقول: زيد النائب، ولك أن تقول: النائب زيد، وليس تمثيله لمن عرف نائبا، وطالب لتعيينه، لا لاتحاد المعلومين حتى يقال: إن الواجب حينئذ النائب زيد، كما اعترض به الشارح المحقق عليه.
وقد أطنب السيد السند في الرد عليه، وأطال في الإثبات أن الواجب: زيد النائب، وقد عرفت أنه لا يجب شيء منهما.
ولك الخيار على أن لنا أن نرد على الشارح باختيار أن الواجب النائب زيد، ومراد الكشاف بقوله: زيد التائب النائب زيد، إلا أنه قدم الخبر تنبيها على أن تقديم المبتدأ فيما إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين لا يجب عند وجود القرينة على تعيين المبتدأ، وإن أطلق النحاة وجوب التقديم.
قال صاحب المفتاح بعد هذا الضابط: وإذا تأملت ما تلوناه عليك أعثرك على معنى قول النحويين: لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا معرفتين معا، بل أيهما قدمت فهو المبتدأ، واعترض عليه السيد السند بأن بحث النحويين ليس
(1) البقرة: 5.
مما يخص المتكلم البليغ، والوجوب لهذا يتعلق بنظر البليغ، فيجب أن يكون الوجوب الذي نظرهم فيه المعنى يستوي فيه البليغ وغيره، وهو التباس المحكوم عليه بالمحكوم به.
ونحن نقول: تقديم المبتدأ لهذا الغرض على الخبر يجب بعد دخول كان أيضا، والنحوي لا يوجبه، فعلم أن ليس نظر النحوي على هذا المعنى (نحو: زيد أخوك، وعمرو المنطلق باعتبار تعريف العهد أو الجنس) (1) جعله الشارح متعلقا بالمثال الثاني، وتوطئة لقوله: والثاني قد يفيد قصر الجنس كذلك، ولك أن تجعله متعلقا بهما؛ لأنه كما أن اللام تكون للعهد وللجنس كذلك الإضافة، لكن صرح الرضي بأن هذا العهد أصل وضع الإضافة، وإن كثر استعمالهما في غيره.
وقال السيد السند: إن الأصل في المعرف باللام أيضا ذلك (وعكسهما) عطف على ما أضيف إليه نحو أي، ونحو أخوك زيد، والمنطلق عمرو، وفيه مع تكثير الأمثلة التنبيه على قوله:(والثاني) أي: اعتبار تعريف الجنس أعم من أن يكون في المسند أو المسند إليه ورد لقوله: وقيل: الاسم متعين
…
إلخ إجمالا، وتوطئة لذكره.
(قد يفيد قصر الجنس (2) على شيء تحقيقا) قال الشارح: أي: قصرا محققا مطابقا للواقع، أو مبالغة فيه، وفيه: أن المبالغة ليست في القصر، بل في النسبة بواسطة القصر، وأنه لا يلزم في قصر التحقيقي أن يكون مطابقا للواقع، بل يكفي أن يكون على اعتقاد ظنّا كان أو جهلا، أو يقينا.
فالأولى جعل تحقيقا مفعولا له للقصر، أي: قصرا للتحقيق، وإفادة الواقع (نحو: زيد الأمير) مثل به للقصر تحقيقا؛ لأن وحدة الإمارة أقرب من وحدة الشجاعة (أو مبالغة) أي: للمبالغة، لا لإفادة الواقع، ثم في جعل تحقيقا أو مبالغة قيدا للقصر أنه يلزم أن يكون التحقيق والمبالغة مفادي تعريف الجنس،
(1) أي في المسند؛ لأن الكلام فيه، وإن كان التعريف بلام الجنس في المسند إليه يفيد القصر أيضا كما سيأتي.
(2)
أي قصره على المسند إليه.
وليس كذلك، أو ليس مفاده إلا القصر، وأما بناءه على المبالغة أو التحقيق، فمما يستفاد من المقام، ويمكن توجيهه بأن يراد بالإفادة: الإفادة بمعونة القرينة.
(لكماله فيه) في الإيضاح لكمال معناه في المحكوم عليه (1)، وهذا يفيد أنه جعل ضمير كماله للجنس وضمير فيه للشيء، ولو عكس لتم المقصود، لكن جعل الضميرين على ترتيب المرجعين أقرب إلى الفهم (نحو: عمرو الشجاع) والقصر الحقيقي أعم من أن يكون مبنيّا على الاستغراق الحقيقي أو العرفي، فزيد الأمير، يحتمل أن يراد به: كل أمير البلد، فيكون استغراقا عرفيا، فيفيد قصر إمارة البلد تحقيقا، وأن يراد به كل الأمير، فيفيد قصر الأمير مطلقا، لكنه كاذب.
ومثاله الصادق ما ذكره المفتاح على مذهب الاعتزال، أي: الله تعالى العالم الذات، أي: عالم بذاته، لا بالعلم، ومن قبيل: زيد الأمير، أنت الحبيب.
قال الشيخ: ليس معناه: أنك الكامل في المحبوبية، حتى أنه لا محبة في الدنيا إلا ما أنت به حبيب، كما في: أنت الشجاع، ولا أن أحدا لم يحب أحد مثل محبتي لك، حتى إن سائر المحبات في جنبها غير محبة، بل معناه: أن المحبة مني بجملتها مقصورة عليك، وليس لغيرك حظ في محبة شيء.
وسماه الشارح لدقته نكتة، وما وجه كونه نكتة إلا أنه مبني على الاستغراق العرفي، ولم يتنبه له السيد السند فقال بعد تقسيم الشارح الجنس إلى المطلق كما في الأمثلة المذكورة: والمقيد بوصف، أو حال، أو ظرف، أو مفعول أو غير ذلك، وليس ما ذكره الشيخ إلا الجنس المقيد؛ لأنه في تقدير: أن الحبيب لي، لا وجه لجعل ما ذكره الشيخ نكتة منفردة، بل هو من دواخل التقسيم، ولا يتجه ما ذكره؛ لأن كونه نكتة بناء على أنه جنس مطلق فيه دقة، وهو اعتبار الاستغراق العرفي.
نعم، زيد الأمير أيضا منه، وكأنه لم يتنبه له الشارح، وإنما قال: قد يفيد قصر الجنس؛ لأن إفادته قصر الجنس بمعونة اقتضاء المقام الاستغراق، وهو المقام
(1) فالأول قصر تحقيقي والثاني ادعائي، وتعريف المسند إليه بلام الجنس يفيد القصر كما سبق، ولكنه يفيد قصر المسند إليه على المسند، كقولك:«الأمير زيد» والشجاع عمرو، وتعريف المسند بالمسند بالعكس كما سبق، ولهذا لا يتفاوت المعنى فيهما من جهة القصر.
الخطابي دون الاستدلالي، فالمنطلق زيد يفيد القصر؛ لأنه بمعنى: كل منطلق زيد، فإذا كان كل منطلق زيدا، انحصر المنطلق في زيد، وكذا زيد المنطلق بمعنى: زيد كل منطلق، فإذا كان زيد كل منطلق، ينحصر المنطلق في زيد، يكشف عن ذلك كلام المفتاح.
وبهذا المعنى ما في الإيضاح حيث قال: ثم التعريف بلام الجنس قد لا يفيد قصر المعرف على ما حكم عليه به كقول الخنساء:
إذا قبح البكاء على قتيل
…
رأيت بكاءك الحسن الجميلا (1)
في مرثية أخيها صخر، فإنه ليس المقام طالب اعتبار رأيت بكاءك كل حسن جميل، بل تطلب إثبات الحسن الجميل له؛ إذ تكفل الشرط سلب الحسن عن كل ما عداه، والمراد بقتيل: كل قتيل، كقوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ* (2) ثم تعريف الخبر باللام يطلب نكتة لولا يفيد القصر؛ لئلا يلغو، بل لا يكون اختيارا للمرجوح، وهو تعريف الخبر إذ الأصل فيه التنكير، ومما يجعل نكتة، وحمل عليه الشارح البيت ما نقله عن الشيخ في قول حسان:
وإنّ سنام المجد من آل هاشم
…
بنو بنت محزوم ووالدك العبد (3)
من أن معنى التعريف فيه: أن يثبت العبودية له، ثم يجعله ظاهر الأمر فيها معروفا بها.
ولك أن تجعل النكتة، فيه أن تجعل الخبر لتفخيمه، أو خساسته نصب العين حاضرا في الأذهان.
وأما تعريف المسند إليه، فيستغنى عن أمر زائد على التعيين؛ لأن الأصل فيه التعريف، وربما تكلف الشارح بأن المعرف بلام الحقيقة أيضا يفيد القصر؛ لأنه يحكم باتحاد الجنس مع المسند، أو المسند إليه، واتحاد الجنس يوجب القصر؛
(1) انظر البيت في الإيضاح (105).
والخنساء هي: تماضر بنت عمرو بن الشريد الصحابية، الشاعرة البكّاءة على أخيها صخر.
(2)
الانفطار: 5، التكوير:14.
(3)
البيت في ديوانه (74) من قصيدة قالها يهجو أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
سنام المجد: أعلاه.
إذ لا يتجاوز أحد المتحدين الآخر، وأورد على نفسه: أن زيدا قائم أيضا حاكم باتحاد الجنس، فيفيد القصر.
ورد بأنه حاكم باتحاد الفرد دون الجنس، فليس اللازم إلا عدم التجاوز عن فرد ما من الجنس، فلا يلزم قصر الجنس، وزيفه السيد السند بأن مفهوم النكرة لو سلم أنه مفهوم فرد ما من الجنس، لا الجنس نفسه، فالاتحاد مع هذا المفهوم يستلزم حصر هذا المفهوم، وهو في قوة حصر الجنس، ويمكن دفعه بأن الحكم في المعرفة باتحاد الجنس الغير المقيد بالوحدة، فينصرف إلى اتحاد الطبيعة بخلاف النكرة، فإن الحكم فيه باتحاد الجنس الغير المقيد بالوحدة، فيفيد اتحاد حصته، فلا يفيد الحصر، ثم هذا القصر حقيقي، أو ادعائي، ولم يتبين أنه يكون لرد الخطأ، أو لدفع التردد كما هو شأن القصر الإضافي، وكأنه لم يوجد إلا لذلك.
قال الشارح المحقق: إنما خص حكم القصر بتعريف الجنس؛ لأن القصر يكون في الدائر بين العموم والخصوص، والعهد يفيد تساوي المبتدأ والخبر، فلا يصدق أحدهما بدون الآخر، ومثل هذا الاختصاص لا يقال له القصر في الاصطلاح، وفيه نظر، إذ المعهود يصح أن يكون نوعا، فنقول: زيد المنطلق، مريدا لنوع الفلاني من المنطلق، فلا يفيد التساوي مع المبتدأ، ويكون دائرا بين العموم والخصوص على أنه يتجه عليه ما ذكره السيد السند من أن هذا لا ينافي إلا قصر الأفراد، ولا يمنع قصر التعيين والقلب، ويمكن دفع ما ذكره بأن بناءه على أن القصر لتعريف المسند والمسند إليه لا يكون إلا حقيقيّا أو ادعائيا.
والأولى أن يقال: تخصيص القصر بتعريف الجنس؛ لأنه فرع قصد الاستغراق على ما يقتضيه بيان المفتاح.
(وقيل) قائله الإمام الرازي (الاسم متعين للابتداء) الأولى للإسناد إليه ليندرج فيه معمولات النواسخ، ويعم قوله للخبرية بظاهرها (لدلالته على الذات والصفة للخبرية لدلالتها على أمر نسبي) طالب للارتباط بالغير، فيستحق جعلها مربوطة لا مربوطا إليها، وفيه رد لقول النحاة: إن المعرفتين أيهما قدمت فهي مبتدأة دفعا للالتباس، بأنه لا التباس في معرفتين. إحداهما: اسم، والأخرى: صفة. ولتحقيق علماء هذا الفن أن أيتهما كانت معلومة فهي مبتدأة،
وأيتهما كانت كالمستخبرة فهي الخبر.
(ورد) هذا الحكم (بأن المعنى) إما كمرمى أو على المشهور (الشخص الذي له الصفة) لأن اللام موصولة، ومعناه: شخص تعين بالصلة، وفيه أنه لا يطرد في قولنا: الحسن زيد؛ بل لأنه الصفة المبتدأة لها موصوف مقدر لا محالة، أو مؤولة بذات لها صفة، وفيهما أن ذلك لا يدفع قول الإمام: إن الكون صفة قرينة على كونها خبرا، فلا يتعين المقدم أو المعلوم بالابتداء.
وقوله: (صاحب هذا الاسم) مما لا حاجة إليه؛ لأنه إذا جعل الصفة دالة على الذات لم يترجح كون لا اسم مبتدأ، فلا حاجة إلى جعل الاسم في معنى الصفة نعم.
لو اشترط في الخبر كونه مشتقا، أو مؤولا به، كما هو مذهب الكوفي احتيج إليه، لكنه غير صحيح، والصحيح ما عليه البصريون.
وقال الشارح: هذا التأويل باعتبار خصوص المثال لجعل المنطلق إشارة إلى الشخص بعينه، فلا يفيد حمل زيد عليه، فينبغي أن يكون المقصود بزيد تعين اسمه لمن لا يعرف اسمه.
والسيد السند قال: التأويل؛ لأن الخبر في الحقيقي لا يحمل كما صرح به المنطقيون، وعلى التقديرين، فقوله: صاحب هذا الاسم في خصوص هذا المثال لا يجرى في قولنا: المنطلق الإنسان، ولا مدخل له في الرد، ففيه خزازة، ولعل من قال: لا حاجة إليه، أراد نفي الحاجة إليه في الرد، لا إنه لا نفع له أصلا، إنما أول لصاحب هذا الاسم بتقدير هذا المضاف، لا بتأويل العلم بمسمى به كما هو المشتهر؛ لئلا يصير نكرة، فخرج عما نحن فيه من كون المسند والمسند إليه معرفتين.
(وأما كونه جملة)(1) المسند في الجملة الخبرية لا يكون إلا جملة خبرية، وهل يجب أن تكون خبرية مطلقة أو لا؟ اختلف فيه.
فكثير من النحاة ذهبوا إلى وجوبها اسما، واستدلوا عليه تارة بأن: الخبر هو
(1) هذا يقابل قوله فيما سبق «وأما إفراده» وقد وسط بينهما الأحوال السابقة لدخولها في حال الإفراد.
الذي يحتمل الصدق والكذب، وكأنهم أرادوا: أن النحاة نقلوا اسم الخبر مما يحتمل الصدق والكذب إلى ما هو مدار احتمالهما من طرفي الجملة، أي: المسند، فالخبر ليس اسما، إلا لمسند له مزيد مدخلية في ذلك الاحتمال، فهذا تمسك برعاية مناسبة الاسم، ومثله غير عزيز في العلوم العربية النقلية حتى الفقه، ولا يخفى على من له درية في النقليات.
وأما كونه غلطا من اشتراك لفظ الخبر بين المركب التام ومسند الجملة الاسمية، فبعيد جدّا، وإن ركن إليه الشارح المحقق والسيد السند حتى قال: لا خفاء فيما ذكره الشارح من أنه غلط من الاشتراك.
وتارة بأن: الخبر يجب أن يكون ثابتا للمبتدأ، والإنشاء ليس بثابت في نفسه، فلا يكون ثابتا لغيره، ورده الشارح بأن الخبر يجب أن يكون مسندا إلى غيره، والإسناد لا يقتضي الثبوت كما في: أزيد عندك؟
ولك أن ترده أيضا بأن الخبر قد يكون مسلوبا عن غيره، وما ليس بثابت لا يأتي سلبه عن غيره، وبأن الثابت لغيره لا يقتضي الثبوت في نفسه.
ألا ترى أن الأعمى ثابت لغيره، وليس ثابتا في نفسه؟
وأوّل السيد السند استدلالهم بأن المراد: أن الخبر يجب ملاحظة ثبوته لغيره سواء اعتقد أو شك فيه أو رفع، وما ليس بثابت في نفسه لا يمكن ملاحظة ثبوته لغيره، وزعم أنه تام، وفرع عليه: أنه يجب تأويل إنشاء وقع خبرا بالخبر.
ويرده أنا لا نسلم أن ما ليس بثابت لا يمكن ملاحظة ثبوته لغيره، بل كما يلاحظ الثبوت للتردد فيه، وللرفع يلاحظ للطلب، فيلاحظ ثبوت الضرب للمخاطب في: أضرب، ويطلب، فيلاحظ كذلك في: زيد أضربه، ومما يجتلي به صدق إمكان ملاحظة ثبوت الخبر للطلب قولنا: كن قائما، فإنك لاحظت ثبوت القائم للمخاطب للطلب، ولا ريبة في صحة أزيد عندك؟ فكذا في صحة:
زيد، هل أبوه قائم؟ فإنك تلاحظ بنسبة أبوه قائم إلى زيد وتشك فيه وتستفهم عنه.
وأما ما ذكره في توضيح عدم صحة جعل الإنشاء خبرا من الإنشاء والطلب قائم
بالمنشيء، فلا يكون حالا للمبتدأ إلا باعتبار تعلقه به أو استحقاقه له، فلا بد من ملاحظة هذه الحيثية معه، وملاحظة هذه الحيثية بجعله خبرا.
ففيه أولا: أنه يصح أن يكون المبتدأ نفس الطالب، كما في قولنا: أنا لأقتلن نفسي.
وثانيا: أن المربوط بالمبتدأ ليس الطلب، بل المطلوب؛ ليتعلق الطلب به بعد ربطه، وإن اقتضاء ملاحظة الحيثية صيرورته خبرا أول المسألة، فالحق: أن خبر المبتدأ يصح أن يكون إنشاء، وكذا إخبار النواسخ إلا الأفعال الناقصة وأفعال القلوب، (فللتقوّى)، وسبب التقوى بكون الخبر جملة على ما في المفتاح، وهو أن المبتدأ؛ لكونه مبتدأ يستدعي أن يسند إليه شيء، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يسند إلى ذلك المبتدأ صرفه ذلك المبتدأ إلى نفسه سواء كان خاليا عن الضمير أو متضمنا له، فينعقد بينهما حكم، ثم إذا كان متضمنا لضميره المعتد به بأن لا يكون الخبر معه متشابها بالخالي عنه كما مر، صرفه ذلك الضمير إلى المبتدأ ثانيا، فيكتسي الحكم قوة.
أقول: لو قال: هو أن المسند إليه لكونه مسندا إليه يستدعي أن يسند إليه شيء لكان أعم وأوضح، ثم المستفاد من كلامه أن السامع أولا يصرف الجملة الصالحة إلى المبتدأ مع قطع النظر عن إسناد فيه، وثانيا: يصرفه إليه باعتبار إسناد فيه. والأظهر: أنه يصرفه الضمير أولا؛ لأن كونه صالحا للصرف إليه بملاحظة الضمير، ثم يصرفه للمبتدأ إلى نفسه لكونه صالحا.
قال الشارح المحقق: فعلى ما ذكره المفتاح لا تقوى في زيد ضربته؛ لأن الضمير لم يصرفه إلى زيد ثانيا، وفيه بحث؛ لأن زيدا صرف ضربته إلى نفسه باعتبار أنه مضروب، فتكرر هذا الصرف بالضمير، ووجه التقوى على ما نقل عن دلائل الإعجاز: أن الاسم لا يؤتي معرى عن العوامل إلا لحديث قد يؤدي إسناده إليه، فإذا قلت: زيد، فقد أشعرت قلب السامع بأنك تريد الإخبار عنه، فهذا توطئة له وتقدمة للإعلام به، فإذا قلت: قام دخل في قلبه دخول المأنوس، وهذا أشد للثبوت، وأمنع عن الشبهة والشك، وبالجملة ليس الإعلام بالشيء بغتة مثل الإعلام به بعد التنبيه عليه والتقدمة، فإن ذلك يجري مجرى
تأكيد الإعلام في التقوى والأحكام، فيدخل فيه نحو: زيد مررت به، وزيد ضربته، وهذا مؤيد بحمل كلام السكاكي على ما يشمله كما فعلنا، لا على وجه يخرج كما وهمه الشارح.
لكن في قوله: هذا أمنع عن الشبهة والشك مدخول بأن التقدمة تشبه الملوح لجنس الخبر، فكما اعتبر تقديم الملوح موجبا للشك ينبغي أن يعتبر تقديم المبتدأ موجب له.
وقال السيد السند: لا تعويل على ما ذكره الشيخ؛ لأن هذا التقوى بعينه متحقق في كل خبر مؤخر، فلا يصلح لكونه داعيا إلى الجملة، ويمكن دفعه بأن ليس تعرية الاسم عن العامل إلا في الخبر الفعل؛ لأن التعرية تقتضي تحقق العامل، ولم يتحقق في: زيد إنسان، وزيد قائم ما يصلح للعمل في زيد حتى تكون في تقديمه عليه تعرية له عن العامل، بخلاف: زيد قام، فإنه في تقديم زيد تعرية له عن عمل قام، وإنما خص التقدمة والتوطئة بالتعرية؛ لأن فيه عدولا عن العامل الأقوى للتوطئة، وأما في: زيد قائم، فليس لزيد طريق ثبوت في الكلام، إلا بجعله مبتدأ حقه التقديم.
ونحن نقول: تقوية الحكم في الخبر الجملة؛ لأن الجملة ابية لا ترتبط بشيء إلا بمزيد اعتمال للسامع، فيتمكن في نفس للسامع لامتداد توجهه، واشتغاله بها بخلاف المفرد، لكنه يقتضي أن يكون في الجملة السببية أيضا تقوى الحكم.
ونحن نقول: لا نتحاشى عنه، فليكن لإيرادها جملة جهتان.
(أو لكونه سببيا كما مر)(1) أي: مثل مثال مر، حيث قال: المراد بالسببي مثل: زيد أبوه قائم، فقوله: كما مر حوالة المثال على سابق الكلام.
وفسره الشارح بقوله: من أن إفراده لكونه غير سببي مع عدم إفادة تقوى
(1) أي بيان كونه سببيا عند قوله: «وأما إفراده» وقيل: إن كل ما خبره جملة يفيد التقوي ولو كانت اسمية، وعلى هذا تكون الجملة المسببية مفيدة للتقوي أيضا، فيفيد قولك:«زيد أبوه منطلق» تقوي الحكم بخلاف «أبو زيد منطلق» ولا يرد على الحصر في الغرضين أن خبر ضمير الشأن جملة وليس للتقوي ولا للسببية، لأن جملة الخبر عن ضمير الشأن في حكم الى مفرد لتفسيرها له، وقيل: إنها تفيد التقوي لما فيها من البيان بعد الإبهام.
الحكم، ولا يخفى ما فيه من التعسف، ومن نكات إيراد المسند جملة كون المسند إليه ضمير شأن، وقصد التخصيص، نحو: أنا سعيت في حاجتك، ولا وصمة في إهمالهما إلا عدم استيفاء النكات، ولكن في إهمالهما في بيان نكتة الإفراد شدة الوصمة.
(واسميتها وفعليتها (1) وشرطيتها لما مر)؛ لأن جعل الجملة التي وقعت خبرا اسمية لما دعا إلى جعل مسندها اسما فلما جعل مسندها اسما صارت اسمية بالضرورة، فلا داعي إلى الاسمية، بل إلى جعل مسندها اسما، وهكذا فعليتها وشرطيتها، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام، فإنه من خصائص الخواص، لا كما يفهمه العوام من أن الاسمية، لإفادة عدم التجدد، وعدم التقييد بأحد الأزمنة والفعلية لإفادة التجدد، والتقييد بأحد الأزمنة، على أخصر وجه، وكونها شرطية للاعتبارات الحاصلة من اختلاف أدوات الشرط.
ولك أن تجعل ضمير اسميتها، ونظيريه إلى مطلق الجملة، فيحصل المقصود في ضمن حصول ما هو أعم.
وهكذا قوله: (وظرفيتها الاختصار الفعلية) ومقتضى الاختصار ترك الفعلية، والتحقيق: أنه ليس لظرفية الجملة نكتة داعية إليها بالذات، إنما تصير ظرفية بالضرورة، لما مر من دواعي حذف المسند، فتأمل.
ثم التحقيق الحقيق باختيار مهرة هذا الفن: أن ليس الخبر الظرف جملة إذ ليس فيه تقدير شيء فضلا عن الفعل، وإنما القول بالحذف لداع لفظي هو وجوب المتعلق للظرف من غير أن يدعو إليه رعاية المعنى، ففي التقدير ترك رعاية المعنى لمصلحة قواعد اللفظ، ولهذا تراهم يجعلون قوله:
فإنّك كالليل الذي هو مدركي (2)
(1) الضمير في قوله: «وفعليتها» يعود إلى الجملة الواقعة مسندا، فليس في هذا تكرار مع ما سبق؛ لأنه كان في الفعل الواقع مسندا، وهو لا مفرد جملة، وفي هذا إشارة إلى أن الجملة الاسمية إذا كان خبرها فعليا تفيد التجدد.
(2)
البيت للنابغة الذبياني في النعمان، وتمامه:
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
والبيت أورده القزويني في الإيضاح (177)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (166)
…
-
من المساواة، والمراد بالظرفية: المعنى المصدري، وجرى فيه على التجوز باستعمال الظرف فيما يشمل المنصوب بتقدير في، والجار والمجرور حقيقة المنصوب بتقدير في، صرح به الرضي ولو حملت على الحقيقة لقصرت عن تناول مثل: زيد في الدار، ولا يرضى به محصل.
والمراد بالضمير في قوله (إذ هي) أي: الظرفية، الجملة الظرفية، ففيه استخدام أو إرجاع إلى المفهوم بالالتزام.
(مقدرة بالفعل) الأولى مقدرة بالجملة، كما هو المشهور، وكأنه ظنها غير صحيحة، لما رأى أن ضمير الفعل انتقل إلى الظرف، ولذا صارت جملة ظرفية، فليس المقدر إلا الفعل، ومنشؤه عدم الفرق بين قولنا: مقدر بجملة، وقولنا:
المقدر جملة، فإن الموصول بالباء معناه: المؤولة بالجملة، ففرع عليه عدم شبهته لعدم صحة تقديره بالفعل؛ إذ الجملة لم تؤول بالفعل، بل قدر فيه الفعل، فالصحيح: أن المقدر فعل.
وإنما قال: (على الأصح) لأن تقدير الفعل مذهب جمهور النحاة، ومذهب البعض: أن المقدر اسم فاعل، فليس الخبر الظرف حينئذ جملة، فالمراد بقوله:
إذ هي ذات الجملة الظرفية، لا الجملة الظرفية المأخوذة بوصف كونها جملة، حتى يلزم كونها جملة ظرفية على غير الأصح أيضا هذا.
ولك أن تجعل المقدرة على صيغة اسم الفاعل، فتكون (هي) راجعة إلى الظرفية المذكورة صريحا، ويكون المعنى؛ إذ كون الجملة ظرفا سبب لتقدير الفعل، فعبر عن سبب التقدير باسم الفاعل، ومثله غير عزيز ولا مستبعد في تمييز.
(وأما تأخيره؛ فلأن ذكر المسند إليه أهم كما مر)(1)، أو لأن الأصل في المسند التأخير، أو لأن فيه ضميرا إلى المسند إليه، نحو: زيد في داره فإنه يسترجح على: في داه زيد.
- وفي الكلام إشارة إلى تشبيه النعمان بالسيل في اندفاعه وقوته بعد تشبيهه بالليل تشبيها يلاحظ في وجهه الرهبة والخوف مع ضرورة اللحاق الإدراك، والبيت من إحدى الاعتذاريات التي نبغ فيها النابغة.
(1)
أي في الكلام على تقديم المسند إليه، فأغراض تأخير المسند هي ما سبق من أغراض تقديم المسند إليه.
(وأما تقديمه، فلتخصيصه بالمسند إليه)(1) أي: قصر المسند إليه على المسند، وكان الظاهر أن يقول: فلكون ذكره أهم لم يفصل على طبق بيان تقديم المسند إليه، إلا أنه تفنن لطي ذكر العلة، ووضع علة العلة مكانه، ومن جهات التقديم اشتهار المسند إليه على ضمير، نحو: في الدار صاحبها، فإنه لا يجوز:
صاحبها في الدار، وكونه ظرفا، والمبتدأ نكرة محضة، وتضمنه الاستفهام مع إفراده، لا مطلقا، كما ذكره الشارح، وكونه خبرا عن (إن)، والمصنف لا يذكر أمثالها؛ لأنها مفروع عنها في النحو، وإن كان لذكرها في هذا العلم من حيث إنها مقتضى الحال مساغ، ويجمعها في هذا العلم اتباع الاستعمال الواجب (نحو: لا فيها) أي: في خمور الجنة (غول) في القاموس: الغول الصداع والسكر والمشقة (بخلاف خمور الدنيا).
يرد عليه: أنه إذا كان تقديم المسند في الآية للحصر يفيد نفي حصر الغول في خمور الجنة، لا نفي الغول عنها.
وأورد عليه أيضا: أن تقديم المسند يفيد القصر في خمور الجنة، والمسند ليس إياها، بل مجموع الظرف المركب من الجار وضمير خمور الجنة.
ويمكن دفع الثاني: بأن شدة اتصال الجار والمجرور سوغ إسناد ما للمجرور إلى المجموع حتى ساغ أنه يقال: الجار والمجرور في محل النصب، لكن الشارح المحقق لم يلتفت إليه؛ لأنه جواب جدلي، وأجاب عنه بما يندفع به الأول أيضا: بأن جعل النفي جزءا من المسند تارة ومن المسند إليه أخرى، فقال: المراد: أن الغول مقصور على الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا.
أو أن عدم الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا، ويرد على الثاني: أنه كيف جاز الفصل بين حرف النفي والغول مع التركيب بينهما بالمسند؟
وأورد عليه السيد السند أيضا أنه يقتضي جواز أن يكون النفي فيما أنا قلت جزءا من المسند، فلم يكن فرق بين: ما أنا قلت، وأنا ما قلت: وقد بالغ في
(1) الباء داخلة على المقصور، فيكون المسند إليه في ذلك مقصورا والمسند مقصورا عليه.
الفرق بينهما كما هو الحق. ويمكن أن ينازع فيه بأن جواز الفصل بالظرف مع اشتهار التوسع فيه بما لا يتوسع في غيره لا يقتضي جوازه بغيره.
ويرد على الوجهين: أن كون لا جزءا من أحد الطرفين خلاف ما تحكم به الفطرة السليمة، بل هو من قبيل الفصل بين لا لنفي الجنس واسمه بخبره، فلذا وجب الرفع والتكرير، وهذا كله بناء على قصر النظر على ظاهر ما ذكره الشارح المحقق. وتحقيقه: أن النفي إذا دخل على ما فيه قيد، فربما يرجع النفي إلى الأصل، ويصير القيد قيدا للنفي، وله غير نظير.
ألا ترى أنه جعل قوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (1) لاستمرار النفي، مع أن النفي دخل على المستمر، وقوله وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (2) جعل للمبالغة في نفي الظلم مع أنه دخل على ما يفيد المبالغة في الظلم.
فلعل الشارح جعل: (لا فِيها غَوْلٌ)(3) لتقييد النفي بالحصر الذي كان في مدخوله، وجعل مال حصر النفي في خمور الجنة أحد الأمرين: حصر عدم الغول فيها، أو حصر الغول في الانتفاء عنها.
وبهذا اندفع كل ما ألقيناه إليك من الواردات اندفاعا بينا، ويندفع ما ذكره السيد السند أيضا بأن: ما أنا قلت، وإن صار بهذا العمل في معنى: أنا ما قلت، لكنه تعارف استعماله في رد إثبات الغول لغير المتكلم، لا لرد إثبات نفي الغول لغيره، كما في صريح؛ أنا ما قلت، فلا ينهدم بهذا ما اعتنى بشأنه من الفرق بين: ما أنا قلت، وأنا ما قلت.
قال السيد السند: والحق في الجواب أن لا فيها غول نظير: ما أنا قلت، فإيلاء الظرف للنفي للنزاع في غول ثابت، وقع الخطأ أو الشك في محله فإذا نفي محلية خمور الآخرة له ثبت محلية ما يقابلها من خمور الدنيا، وأيده بشهادة من الكشاف، وأنت لا ترتب بعد ما مهدناه لك أن هذا غير خارج مما ذكره الشارح، قد مهدت بعون الله لك روضة، فلا تدعني من دعائك أيها الشارح؛
(1) البقرة: 8.
(2)
ق: 29.
(3)
الصافات: 47.
إذ قد تبقى في الدنيا، وأنا البارح الطالح لعل الله يبدل ببركة دعائك عملي الفاسد بالصالح.
فإن قلت قد جعل البعض قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ (1) من قصر الصفة على الموصوف، فهل جاء تقديم المسند لذلك؟ فيكون عبارة المتن محتملة للأمرين، بأن تكون الباء داخلة في صلة التخصيص على المقصور، أو المقصور عليه، قلت: قد سماه المصنف توهما من البعض، على أنه يحتمل أن ذلك البعض جعل اللام في لَكُمْ للاختصاص، فجعل معنى لَكُمْ دِينُكُمْ: دينكم مختص بكم، وجعل التقديم للاهتمام، لئلا يكون المعنى تخصيص الاختصاص، فاستفاد الاختصاص من اللام، وجعله لتخصيص الدين بصاحبه، وحكم بأنه قصر الصفة على الموصوف؛ لأن الدين صفة صاحبه، ولهذا لم يقدم الظرف في لا رَيْبَ فِيهِ (2) فيه: أنه لا مجال لتقديم الظرف في لا رَيْبَ فِيهِ لأنه يجب التكرير، ولم يقصد إلى متعدد في هذا النظم لينافي التكرير. إلا أن يقال:
قصده بلا ريب فيه: القراءة الغير المشهورة من رفع الريب، تجعل (لا) بمعنى (ليس)، إلا أن الناظر في الكشاف يحكم بأنه بنى الأمر على القراءة المشهورة.
(لئلا يفيد ثبوت الريب في سائر كتب الله) سواء جعل القصر حقيقيا، أو إضافيا، لا تقول: فليكن نفي الريب بالإضافة إلى كتاب السحر والشعوذة؛ لأنا نقول: التخصيص بهذا الكتاب من بين كتب الله بجعل النفس مبادرة إلى سائر الكتب، وهاهنا بحث شريف، وهو:
أنهم جعلوا معنى ذلك الكتاب: أنه الكتاب الكامل في الهداية، بحيث صار محل أن يحصر فيه الكتاب لتنزيل سائر الكتب معها منزلة العدم، وجعلوا لا ريب فيه تأكيدا للحكم السابق ونفيا لتوهم أنه مما يرمى به جذافا كما سيأتي في بحث الفصل والوصل، فمعنى لا ريب فيه أنه لا ريب فيه: باعتبار كماله في الهداية إلى هذه الدرجة، فإذا لم يكن سائر الكتب في درجته، فما المانع عن إفادة الريب فيها بهذا الاعتبار. ويمكن أن يدفع، بأنه لا ريب فيها بهذا الاعتبار أيضا، للجزم
(1) الكافرون: 6.
(2)
البقرة: 2.
بأنها بتلك المثابة، ولو كانت محل الريب لكان ذلك الكتاب أيضا محل الريب، فافهم.
(أو التنبيه من أول الأمر على أنه) أي: المسند (خبر لا نعت)(1) فالتقديم في الخبر والنكرة بمنزلة ضمير الفصل في الخبر المعرفة، هذا في مقام يمكن فيه أن يعرف الخبر من النعت بالتأمل وتتبع القرينة، وفي مقام لا يمكن أن يعرف فيه إلا بالتقديم، فالتقديم ليعلم أنه خبر، لا ليعلم من أول الأمر. ولك أن تقول: لفظ التنبيه مغن عن قوله: من أول الأمر؛ لأن التنبيه إنما يستعمل فيما يمكن المعرفة بدونه، والمراد بالخبر أعم من الخبر في الأصل، أو في الحال؛ ليشمل المفعول الثاني من باب علمت، وكان الأوضح؛ ليعلم أنه مسند، والتقديم لذلك التنبيه أنه ينفع مع أنه مع التقديم يحتمل الحال عن المبتدأ، لأن الحال عن المبتدأ لا يكثر، فلا يعارض احتمال الخبر، ولا يوجب الالتباس (كقوله) أي:
قول حسان في مدح أفضل من كل ملك وإنسان:
له همم لا منتهى لكبارها وهمّته
…
الصّغرى أجلّ من الدّهر (2)
أي: لا يسعه الدهر، ولا يخفى أن حسن النظام يقتضي جعل قوله: وهمته الصغرى
…
إلخ في سلك لا منتهى
…
إلخ، وخلوه عن ضميرهم يأباه إلا أن يقدر الضمير، أي: همته الصغرى منها، أي: من همته.
ولك أن تجعل من موجبات التقديم التحرز عن الفصل بين المبتدأ والخبر بالوصف سيما الطويل، وتجعل البيت منه، فإنه لو قيل: همم لا منتهى لكبارها له؛ لبعد الخبر عن المبتدأ.
قال الشارح: هذا التقديم إنما هو في الخبر الظرف، لأنه لو قدم غيره يلتبس الخبر بالمبتدأ، فيكون من قبيل الالتجاء من ورطة إلى أخرى، فلا يقدم في رجل قائم لدفع الالتباس بالصفة؛ لأنك لو قلت: قائم رجل لالتبس بالمبتدأ، ورجل بالبدل منه.
(1) لأن النعت لا يتقدم على المنعوت بخلاف الخبر على المبتدأ.
(2)
البيت أورده القزويني في الإيضاح (107)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (78).
والبيت قيل: إنه لحسان، والصحيح: أنه لبكر بن النطاح في أبي دلف العجلي.
وتوجيه ما ذكره: أنه قد يصح الإخبار عن النكرة المحضة، وذلك إن كان مفيدا، نحو: كوكب انفض الساعة، وإلا فكيف يتوهم كون قائم مبتدأ؟
(أو التفاؤل)؛ إذ لفظ الخبر مما يتفاءل به المخاطب، فيقدم اهتماما بالتفاؤل، أو لأن العادة التفاؤل أول ما يقرع السمع، فيقدم؛ لئلا يفوت التفاؤل به بوقوعه، لا في أول التكلم أو التطير (نحو: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (1).
(أو التشويق إلى ذكر المسند إليه كقوله) أي: قول محمد بن وهيب في المعتصم بالله المكنى بأبي إسحاق:
[ثلاثة تشرق الدنيا](2) فأعل تشرق [ببهجتها] والجملة صفة ثلاثة عبر عن نور الكوكبين بالبهجة أي الحسن تغليبا لحسن أبي إسحاق على نورهما ووسط ذكر أبي إسحاق إشعارا بما اشتهر من أن خير الأمور أوسطها:
شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر
إضافة الشمس إلى الضحى طالبة لتقييد القمر بكونه بدرا، إلا أنه فاته لضيق الشعر، واعتمد على أنه يتفطن الفطن بالتقييد من تقييد الشمس.
قال الشارح في شرح المفتاح: الأولى أن يكون التقدير: لنا ثلاثة ويكون شمس الضحى بدلا عن الثلاثة، ومن حق هذه النكتة تطويل الخبر وقد جاء بدونه كقوله:
وكالنّار الحياة فمن رماد
…
وآخرها وأوّلها دخان (3)
ومما جعله الساكي سبب التقديم أن يكون المراد من الجملة إفادة التجدد، فيقدم فيه المسند على المسند إليه، ولما كان زيد قام، يشارك قام زيد في إفادة التجدد كما صرح به، ومع ذلك لم يقدم على زيد، مع أنه المسند إليه لقام
(1) المسد: 1.
(2)
البيت أورده القزويني في الإيضاح (107)، والسكاكي في المفتاح (324)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (79).
(3)
البيت لأبي العلاء المعري، أورده القزويني في الإيضاح (108)، والسكاكي في المفتاح (324)، والجرجاني في الإشارات (78).
انظر: تعليق السكاكي- رحمه الله على البيت في المفتاح ص 119.
كضميره لاتحاد الضمير، والمرجع احتاج إلى تقييد المسند إليه بأن يكون فاعلا للمسند لا مبتدأ، إلا أنه أبى في بيان هذا التقييد بكلام مغلق، صار معترك الآراء، ولو نقلها لصارت فصولا، ولصار نقلها هاما سنح لي فيها أبوابا، وتعد كل ذلك فصولا، فتركتها؛ لأني أحب لأمثالها خمولا.
والأمر ما لم يلتفت إليها السيد السند ولم يتلبث في هذا الموقف وليقتد المتفطن في السلوك بمثل هذا السالك العارف.
فقال الشارح: إن المصنف ترك هذا المقتضى؛ لأن فيه خللا، وفيه أن خلل البيان لا يوجب ترك المقصود، ولا يقتضي إلا تبديله بالبيان المحمود.
فأقول: إنما تركه؛ لأن التقديم ليس لإفادة التجدد، بل لكون المسند إليه فاعلا، وذلك لا يخص بمقام التجدد، بل فاعل كل مسند يستلزم التأخر لاتباع الاستعمال الوارد، فهذا التقديم مما فرغ عنه في العلم الآخر، وقد عرفت أن دأب المصنف عدم التعرض له.
(تنبيه) أي: هذا تنبيه؛ إذ يذكر فيه ما لو لم يذكر لبلغه المتفطن بنفسه.
(كثير (1) مما ذكر في هذا الباب والذي قبله) يعني: أحوال المسند إليه (غير مختص بهما) ولو قال بكثير مما ذكر في المسند والمسند إليه لكان أخصر وأوضح، وأشار إلى أن ما ذكره في أحوال الإسناد لا يجري كثير منه في غيره، وقد أشار إلى ما يجري منه في غيره في باب أحوال الإسناد، حيث قال: غير مختص بالخبر، والمراد بما ذكر في هذا الباب والذي قبله ما ذكر في كل منهما، والمراد بقوله: غير مختص بهما غير مختص بشيء منهما، فيفيد جريان كثير مما ذكر في كل منهما في الآخر كما يفيد جريانه في غيرهما (كالذكر والحذف وغيرهما) من التعريف والتنكير وغير ذلك.
(والفطن إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما) قد نبه على أنه لا بد للقائس من الفطانة، وإتقان الأصل، لأنه إنما يتيسر بتلخيص لب ما هو المعتبر في الأصل، ولا يمكن ذلك بدون الإتقان والفطانة (لا يخفي عليه اعتباره في
(1) أما القليل منه فيختص بالبابين، كضمير الفصل وكون المسند فعلا، والذي لا يختص بهما لا يلزم أن يجري في كل ما عداهما، كالتعريف، فإنه لا يجري في الحال والتمييز.
غيرهما) (1) من المفاعيل والملحقات بها والمضاف إليه، وإنما قال: كثير؛ لأنه ربما يكون منها ما لا يجري في الغير كضمير الفصل، فإنه يختص بالمسند إليه وكالفعلية، فإنه يخص المسند، وقيل إنما قال ذلك؛ لأنه لو قال: وجميع ما ذكر لأفاد أن كلا مما ذكر يجري في كل غير، مع أن التعريف لا يجري في الحال، والتمييز، والتقديم في المضاف إليه.
قال الشارح المحقق: وهذا ليس بشيء، لأن قولنا: جميع ما ذكر في البابين غير مختص بهما لا يقتضي جريان شيء من المذكورات في كل ما يغاير البابين فضلا عن جريان كل منها فيه، إذ لا يكفي لعدم اختصاص بالبابين ثبوته في واحد مما يغايرهما، أقول: يريد ذلك القائل أن المصنف قصد أن كثيرا مما ذكر يجري في كل غير؛ لأنه اللائق بمقام التعليم، فاختار الكثير على الجميع لعدم صدق ما قصده في حق الجميع والله تعالى أعلم.
إلهي ندعوك بنهاية التضرع والابتهال، ونسألك دراية خير متعلقات الأفعال، وحذف عامة مفاعيلنا عن أنظارنا بقرائن الإخلاص في الأعمال والتوفيق لتوفيق الأهم فالأهم فيما أنعمت علينا من الآجال، ولعدم التعدي على طلب رضاك وتنزيله منزلة اللازم من الآمال.
***
(1) أي من المفعولات ونحوهما، وسيأتي بيان شيء من هذا في أحوال متعلقات الفعل.