الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسم الاسم، واسم الفاعل مع فاعله ليس باسم، فلا يكون له إعراب. قلت:
المعرب هو الاسم، أو ما نزل منزلة الاسم نحو: قائمة وبصري، فإن قلت: اسم الفاعل لو لم يكن معربا بإعراب نفسه، ويكون معربا بإعراب استحقه المجموع المركب منه، ومن فاعله لكان اسما مركبا مع الغير، ولم يكن معربا قلت: مطلق التركيب لا يوجب إعراب الاسم، بل تركيب يستدعي حصول معنى فيه يقتضي الإعراب، فإن قلت: البناء لا يخص الجملة حتى يوجب عدم جعل اسم الفاعل مع فاعله جملة عدم جعله مبنيّا، قلت: فرق بين جعله مبنيّا وبين جعله كالجملة في البناء الذي يستفاد من المعامل معه معاملة الجملة في البناء هو الثاني دون الأول، لا يقال: كيف يحكم بأنه لم يجعل اسم الفاعل مع فاعله مبنيّا؟ لم لا يجوز أن يكون مبنيّا، ويكون الإعراب الذي أجري على الجزء إعرابا استحقه الكل محلا؟ وإذا جاز إجراء الإعراب المحلي لمبني على كلمة مقارنة له، كما في لام الموصول وصلته لجوازه على جزء المركب أولى، قلت: لم يجعل النحاة اسم الفاعل مع فاعله مبنيّا، وذلك معلوم من علم النحو.
والمراد بعدم المعاملة: عدم معاملة النحاة دون العرب حتى يقبل ذلك المنع، ولا يذهب عليك: أن جعل زيد قائم مشتملا على التقوي يقتضي أن يقال في مقام الإخبار عن قيام زيد، ويخص بمقام جواب السائل، كزيد قام، ويكذبه ما نقله المفتاح عن أبي العباس في جواب الكندي حين قال: إني أجد في كلام العرب حشوا. يقولون: عبد الله قائم، وإن عبد الله قائم، وإن عبد الله لقائم، والمعنى واحد من أنه قائم قال: بل المعاني مختلفة، فعبد الله قائم إخبار عن قيامه، وإن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وإن عبد الله لقائم جواب عن إنكار منكر، فالحق: أنهم لم يلتقوا إلى التقوي في زيد قائم أصلا، وجعلوه
[ومما نرى تقديمه كاللازم]
كزيد إنسان مطلقا (ومما نرى) على صيغة المتكلم المعروف، أو الغائب المجهول (تقديمه كاللازم)، أي: مما يعلم معاشر علماء المعاني لا مما يظن تقديمه كاللازم لقوة مقتضى التقديم فيقدم أبدا؛ لأن لا يليق أن يترك البليغ ما هو كاللازم لقوة، وإن ليس لازما؛ لأن الأعون على المراد ليس لازما لا يجوز للعاقل تركه (لفظ مثل وغير) وشبه ومماثل ومغاير، إلا أن الشائع في الاستعمال مثل وغير، فلذا
اختارهما، لكن فرق بين مثل ومماثل في الكناية عن الحكم على المضاف إليه بالحكم المذكور، فإنه يلزم من الحكم على المضاف إليه الحكم على المثل بطريق الأولى؛ لأن المثل هو الأدني، وفي المماثل يلزم الحكم على المضاف إليه؛ لا لأنه الأولى، بل لأنهما متساويان في منشأ الحكم؛ لأن المماثل هو المشارك المساوي بخلاف المثل، فإنه الأدنى الملحق (نحو مثلك لا يبخل، وغيرك لا يجود بمعنى: أنت لا تبخل) بجعل نفي البخل عن المثل كناية عن نفي البخل عنك؛ لأنه إذا لم يبخل من هو على صفة لك هي فيك أكمل منها فيه، فلا محالة أنت لا تبخل (وأنت تجود)؛ لأنه إذا انتفى الجود الموجود في محل عن غيرك مطلقا، فأنت تجود لا محالة، بل المستفاد أنك تجود على الكمال مستمرّا في الحال والاستقبال، فإنه إذا انتفى الجود عن غيرك مع استمراره على الكمال، فلا محالة أنت محله على الانفراد والاستقلال (من غير إرادة تعريض بغير المخاطب)، أي: غير مراد به التعريض بغير المخاطب، بأن يراد بالمثل إنسان غير المخاطب مماثل له، وبالغير غير المخاطب مماثلا كان أو لم يكن، وما ذكره الشارح: أنه يراد بغيرك غير مماثل له لا يظهر وجهه، وقوله: من غير
…
إلخ، حال من النحو المضاف إلى المثالين، ولفظ من زائدة في الإثبات؛ لتضمنه النفي؛ لأنه في قوة لا من إرادة تعريض بغير المخاطب، ونظيره: ضربتني من غير جرم، أي: غير ذي جرم، وهذا أظهر مما قالوا برمتهم في توجيهه: أن الغير بمعنى لا، أي: ضربا ناشئا من عدم جرم، وهو كناية عن ضرب لم ينشأ عن جرم، وينبغي أن يحمل الإرادة على القصد بالذات، وإلا فالكناية لا تستلزم نفي إرادة الحقيقة، والأولى حذف التعريض والاكتفاء بقوله: من غير إرادة غير المخاطب إذ إرادة غير المخاطب يمنع كون التقديم كاللازم سواء كان في الكلام تعريض لغير المخاطب، وحكم عليه من عرض الكلام لا على وجه الاستقامة على ما هو معنى التعريض اصطلاحا، أو لم يكن، ولهذا ترى السيد السند احتاج إلى حمل التعريض على الدلالة الخفية، وجعله لنفي أن تريد بمثلك لا يبخل: نفي البخل عن شخص معين مشتهر بالمماثلة، فيجعل لفظ مثل كناية عن هذا الشخص المعين، فلخفاء دلالة الكناية ذكر لفظ التعريض، ولا يخفى ما فيه لشمول قوله: من غير إرادة تعريض بغير
المخاطب، حينئذ قولنا: مثلك لا يبخل في معنى فلان لا يبخل، بأن تريد بمثلك فلانا على وجه الاستقامة دون الكناية؛ لأن الإضافة العهدية تفيده من غير كناية، وفي معنى: مثلك مطلقا لا تبخل، فإنك تريد فيه غير المخاطب من غير دلالة خفية فينبغي أن يجعل قوله: من غير إرادة التعريض بغير المخاطب إشارة إلى أن التقديم لا يلزم في شيء من هذه الصور، ولا يخص بما خصه السيد السند، وغاية التوجيه: أنه أراد الدلالة الخفية، وفيه على أن مثلك لا يبخل اشتهر في معنى: أنت لا تبخل، إلى أن صار دلالته على غير المخاطب بوجه من الوجوه خفية وبما ذكرنا ظهر أن قوله من غير إرادة تعريض بغير المخاطب تأكيد لقوله بمعنى: أنت لا تبخل، لا قيد ثان حتى لو كان مع إرادة المخاطب تعريض بغير المخاطب لم يكن التقديم كاللازم على ما وهم. كيف؟ .
وقوله: (لكونه أعون على المراد بهما) يقتضي لزوم التقديم في الكل.
والظاهر أن أعون من العون، وإن كان استعمال الإعانة أشهر فإن قلت: لا إعانة للتأخير على المراد فكيف يصح قوله: أعون؟ قلت: كأنه أراد لكونه مثل وغير مع التقديم أعون على المراد بهما منهما مع التأخير، فإن قلت: إن كان المخاطب منكرا أو مترددا، فتقديمهما واجب أو حسن، وإن كان خاليا تقديمهما غير جائز، فكيف صح الحكم بلزوم التقديم؟ قلت: كأنه أريد: أن التقديم ليس لقصد تقوية الحكم للرد، بل لكونه أعون على ما هو المراد من لفظ مثل، وغير من إيراد الحكم على وجه أبلغ، لا للرد، فإن كون الحكم أبلغ ليس للرد، إذ لم يقل أحد: أن قولنا: جاءني أسد للرد على المخاطب على أنك سمعت عن الشيخ وغيره: أن التأكيد ربما يكون لفوائد أخر غير رد الإنكار وإزالة التردد، وإن تكلمنا فيه، ولا يذهب عليك أن هذا الحكم لا ينبغي أن يخص بلفظ مثل وغير ولا بالكناية، بل يجرى في المجاز أيضا، فترى تقديم المسند إليه في: أنت تقدم رجلا، وتؤخر أخرى كاللازم؛ لكونه أعون على المراد، وهو إيراد الحكم على وجه أبلغ، إذ المجاز أبلغ من الحقيقة.
(قيل: وقد يقدم)(1) المسند إليه، وذلك إذا كان المسند إليه مقارنا بما
(1) القائل هو بدر الدين ابن مالك في المصباح ص 15.
يفيد شمول القصد لجميع أفراده كلفظ كل وما يجري مجراه، وكان المحكوم به منفيّا وكان بحيث لو قدم صار المبتدأ فاعلا بخلاف قولك: كل إنسان لم يقم أبوه، فإنه لا يفوت فيه العموم لو قيل: لم يقم أبوه كل إنسان، وعند النحاة هذا التقديم بخوف التباس المبتدأ بالفاعل حتى إنه يجب في: زيد لم يقم أيضا وإن لا يفوت العموم في قولك: لم يقم زيد، ومما لتضمنه هذا المفعول أنه قد يقدم؛ لأنه لا يدل على العموم كما في: إنسان لم يقم بخلاف: لم يقم إنسان، فإنه يدل على العموم ويستفاد منه نكتتان للتأخير: إحداهما: الدلالة على العموم والأخرى:
الاحتراز عنها، ولا يخفى أن هذا التقديم ليس داخلا تحت الأصل الذي هو الأهمية المفسر وجهها بالدلالة على العموم، بل الدلالة على العموم بذاتها يستدعي التقديم؛ لأنها حاصلة من نفس التقديم، ولا يخفى أن دلالة التقديم على العموم يترتب على الحقيقة، فيصح أن يكون عرضا منه كما يفيده قوله:(لأنه دال على العموم) أي: شمول الحكم لجميع أفراد المسند إليه، وليس المراد بالعموم ما يوصف به اللفظ حتى يشكل جعل التقديم دالا عليه، على أنه إذا كان اللفظ دائرا بين كونه عاما وغير عام، فلا بأس بأن يجعل شيئا دالا على عمومه، ويتوسل بعمومه إلى شمول الحكم؛ لأن الأعذب جعل التقديم دليلا على شمول الحكم مستلزما بعموم اللفظ.
ووجه دلالة التقديم على العموم أنه بالتقديم يكون الحكم موجبا، فيشمل الكل وثبوت النفي لكل واحد عمومه وشموله (بخلاف ما لو أخر) أي: بخلاف التأخير على أن «ما» مصدرية (نحو لم يقم كل إنسان) فإنه يصير الحكم سالبا، ويكون رفعا للإيجاب الكلي، فلا يفيد شمول النفي (فإنه يفيد نفي الحكم) أي:
المحكوم به (عن جملة الأفراد) أي: عن جميع الأفراد (لا عن كل فرد)، وإنما قال بخلاف التأخير، لأنه لو كان العموم متحققا في كل من صورتي التقديم والتأخير لا يصح التقديم؛ لكونه دالا على العموم كما في كل إنسان قام، وقام كل إنسان، لكن الحاجة إليه لدفع الوهم، ونظرا لتحقيق لا يلتفت إليه؛ لأنه إذا ساوى التقديم والتأخير في العموم فلا دلالة لشيء منهما عليه، فلا يتصور فيه التقديم للدلالة على التعميم، ونحن لا نعرف فائدة لكلمة (لو) في قوله ما لو أخر
بل لا يقدر على تصحيحه، وتعيين جواب له، وكان الأصح بخلاف التأخير، وبما بينا من الوجه السديد والسبيل الرشيد استغنيت عن سلوك المسلك البعيد الذي دلك عليه هذا القائل بقوله:(وذلك) أي: كون التقديم مخالفا للتأخير على هذا الوجه اعتبره البلغاء بشهادة الاستعمال (لئلا يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس) فهذا بيان الداعي إلى الاستعمال، لا إتمام الدعوى بالاستدلال، حتى يرد أن إثبات المنقول بمحض المعقول بعيد عن القبول، ومن البين أن التقديم في: كل إنسان لم يقم، يشتمل على تكرير الإسناد فيفيد التقوية لا محالة، فلا بد لجعل النكتة فيه إفادة العموم دون تأكيد الحكم من سبب، وذلك السبب أن تقوية الحكم تأكيد وإفادة العموم تأسيس، وترجيح التأكيد على التأسيس كترجيح الخسيس على النفيس، فلا تظن بالبليغ، ولولا منافاة ما يتبع هذا الكلام للحمل على هذا المرام لحملته عليه، ومع ذلك أكاد أجترئ بأن ما يعقبه بيان له من غير صاحبه بما لا يرضى به، وليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام، ولقد بين ترجيح التأكيد على التأسيس لولا التقديم للتعميم والتأخير لا للتعميم؛ لقوله:(لأن الموجبة المهملة)، وهي ما لم يشتمل على ما يفيد كون المحكوم عليه بعض الأفراد أو كله (المعدولة المحمولة)، وهي ما جعل النفي جزأ من مفهومه (في قوة السالبة الجزئية)، وهي التي ذكر فيها ما يدل على أن السلب عن البعض، وهو قسمان: ما يدل على السلب عن الجملة المستلزمة للسلب عن البعض، وسوره ليس كل، وما يدل على السلب عن البعض المستلزمة للسلب عن الجملة، وسوره ليس بعض، وبعض ليس، فالسالبة الجزئية مطلقا لا يقتضي السلب عن الجملة، بل ما كانت مشتملة على رفع الإيجاب الكلي، فلذا وصف السالبة الجزئية مطلقا بقوله:(المستلزمة نفي الحكم عن الجملة)، ولم يقل المقتضية نفي الحكم عن الجملة بخلاف السالبة الكلية، فإن مطلقها صريحة في نفي الحكم عن كل فرد، فلذا يصفها بالاقتضاء.
وقد بعد عن المرام الشارح المحقق في هذا المقام فقال في بيان الاستلزام: لأن صدق السالبة الجزئية إما بانتفاء الحكم عن كل فرد، أو عن البعض فقط ويستلزم التقديرين الانتفاء عن الجملة؛ لأن الكلام في مفهوم القضية دون مناط صدقها؛
لأنهم مدار التأكيد والتأسيس، ثم بنى عليه استعمال الاستلزام والاقتضاء، وغفل عن أن قولنا: لم يقم كل إنسان سالبة جزئية يصدق في حقها: أن صدقها إما بالسلب عن كل فرد وإما بالسلب عن بعض فقط دون بعض، مع أنها مقتضية للنفي عن الجملة كاقتضاء السالبة الكلية النفي عن كل فرد، وقال السيد السند: إن الواضح أن يقال: لأن مفهوم السالبة الجزئية صريحا نفي الحكم عن البعض، وذلك مغاير لنفي الحكم عن الجملة، لكن يستلزمه كما ذكره الشارح، ولا يخفى ما فيه أيضا؛ لأن صريح قولنا: لم يقم كل إنسان، نفي الحكم عن الجملة مع أنها سالبة جزئية بلا مسامحة، وكأنه اشتباه للسلب الجزئي بالسالبة الجزئية، لأن السلب الجزئي ما يفيد السلب عن البعض، والسالبة الجزئية قضية تفيد السلب عن البعض، إما بمفهومها الصريح، أو بطريق الاستلزام، وهاهنا إنكار مليحة اختفت عن أنظار الفحول، واستقبلتني بالقبول فأبرزتها لبصائر القلوب وأبصار العقول- حفظها الله عن الحاسد المتعصب الجهول- أوليها: إن القوة شاعت في هذا المقام من كتب الميزان في معنى التلازم، فلذا احتاج الشارح المحقق إلى تقييد السالبة الجزئية بوجود الموضوع؛ لئلا ينافي ما حقق به في موضعه أن السالبة المحصلة أعم من الموجبة المعدولة، ولا يخفى أن ما هو بصدده لا يتوقف على دعوى استلزام سالبة المعدولة، بل يكفي فيه استلزام الموجبة المعدولة السلب، فالأولى أن يكون التسامح باستعمال القوة في الاستلزام، وثانيتها: أن الأولى أن يقال: لأن الموجبة المهملة المعدولة المحمول يستلزم إثبات النفي للبعض، فلو لم يفد الكل العموم لزم ترجيح التأكيد على التأسيس، وثالثتها: أن إفادة التقديم العموم لا يخص الجملة الخبرية، فإنه يجرى في قولنا: الكل إنسان ما لم يقم ولم يقم كل إنسان فليس الدليل واردا على الدعوى (دون كل فرد).
وإذا ثبت أن إنسانا لم يقم معناه: نفى القيام عن جملة الإفراد لا عن كل فرد، فلو كان كل إنسان لم يقم كذلك، كان كل تأكيدا لا تأسيسا فيلزم ترجيح التأكيد المرجوح على التأسيس الراجح، فثبت العموم (والسالبة المهملة في قوة السالبة المقتضية النفي عن كل فرد) يريد السالبة المهملة التي موضوعها نكرة بدليل قوله:
(لورود موضوعها في سياق النفي)؛ لأن الورود في سياق النفي يفيد العموم إذا