الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: [من السّريع]
إنّ الثمانين وبلّغتها (1)
أو عاطفة بتقدير المعطوف أي نعم المولى ونعم الوكيل حذف لانسياق الذهن إليه من قوله إنه ولي ذلك.
[مقدمة]
لما فرغنا عن شرح الديباجة حان أن نشرع في شرح المقصود، متوكلا على الفياض المحمود، متوصلا بتوفيقه لبيان مفصول المقاصد، موصول الفوائد، منقح عن الفضول، مقتصر على المحصول، موفر لموائد العوائد، مقدم للمقدمة خاتم بالخاتمة محيط بالفنون، فنون من بديع البيان لها كل أذن مفتون، سائلا متضرعا قائلا: أتمم كما أنعمت، وانفع به إذا أتممت.
اعلم أن المصنف رتب الكتاب على مقدمة وثلاثة فنون وخاتمة، كما سنبينه لك في الخاتمة، فخاتمة كتابه مناسبة لفاتحته في أنها ليست من المقاصد (2)، ووجه الضبط أن المذكور فيه إما أن لا يكون من المقاصد، فإن كان من حقه أن يتقدم على المقاصد فهو المقدمة، وإن كان من حقه أن يتأخر عنها لكونها تكملة لها متممة إياها فهي الخاتمة، وإما أن يكون من المقاصد، فإن كان للاحتراز عن الخطأ في تأدية المراد فهو الفن الأول، وإن كان للاحتراز عن التعقيد فهو الفن الثاني، وإلا فهو ما يعرف به وجوه التحسين، وهو الفن الثالث، يقال دليل الحصر الاستقرائي قابل للمنع يدفعه الاستقراء، فلا فائدة في الإتيان به، ويدفع بأن المنع يندفع عما سوى القسم الأخير، ويقتصر عليه، فلا يحتاج لدفع المنع إلا إلى استقراء القسم الأخير، ففيه فائدة تقليل مؤنة الاستقراء، وفيه نظر؛ والحق أن ما ذكر في صورة الدليل ليس لإثبات الحصر بل لتحصيل مفهومات ينضبط به كل قسم كما أشرنا إليه، نعم بعد بيان مفهومات الأقسام لا فائدة في إيراده أصلا، فمن وقع فيه لا دافع عنه، ولما وقع المقدمة في نظم كلامه مسندة كالخاتمة والأصل في المسند التنكير نكرها فقال:(مقدمة) بخلاف الفنون الثلاثة؛ فإنها وقعت
(1) صدر بيت لعوف بن ملحم الشيباني، في الإشارات والتنبيهات ص 163، والإيضاح ص 197، وعجز البيت: قد أحوجت سمعي إلى ترجمان.
(2)
هذا نص صريح على كون البديع عندهم ليس من مقاصد هذا العلم.
مسندا إليها، والأصل فيه التعريف، ومن وجوه تنكيرها أنها مقدمة مبهمة إذ ليست كمقدمة اشتهر إيرادها في أوائل كتب العلوم؛ فإنها شاعت لبيان الحاجة وتصوير العلم وبيان الموضوع وهذه اقتصرت على بيان الحاجة أو تلك لما يتوقف عليه علم؛ وهذه لما يتوقف عليه علوم ثلاثة، وأما ما قال الشارح المحقق إنه لما سبق ذكر الفنون الثلاثة في آخر المقدمة صارت معهودات في مقام ذكرها فصار المقام مقام التعريف بخلاف المقدمة فإنه لم يقع ذكر لها، ولا إشارة إليها، فلم يكن لتعريفها معنى، ففيه أن نكتة التنكير ليست انتفاء مقتضى التعريف؛ بل لكل من التعريف والتنكير مقتضيات ما لم يتحقق شيء منها لا يصح الإتيان به على انتفاء التعريف العهدي، لا يوجب عدم مقتض للتعريف، وقيل: تنوينها للتعظيم، وقيل للتقليل، ولعل وجه التعظيم أنها فاقت المقدمات في كونها مقدمة لعلوم ثلاثة، ووجه التقليل أنها مقتصرة على بيان الحاجة.
وبالجملة المقدمة في بيان الحاجة إلى العلوم الثلاثة، ولما كان متوقفا على معرفة مرجع بلاغة المتكلم- وكانت متوقفة على معرفتها المتوقفة على معرفة بلاغة الكلام المتوقفة على معرفة فصاحة الكلام المتوقفة على معرفة فصاحة المفرد، ومتوقفة على معرفة فصاحة المتكلّم؛ لأن كون مرجعها إلى تمييز الفصيح عن غيره مبني على أن فصاحة المتكلم تحصل بدونه، والفصاحة مما لا بد منها في البلاغة.
- صدّر (1) المقدمة بتصوير هذه المفهومات، وقدّم ما هو الموقوف عليه على الموقوف، إلا في تقديم فصاحة المتكلم على بلاغة الكلام فإن تقديمها عليها ليس لكونها الموقوف عليه لها، بل لإرادة بيان البلاغة بعد الفراغ عن الفصاحة. قد اشتهر أن المقدمة في عرف اللغة صارت اسما لطائفة متقدمة من الجيش، وهي في الأصل صفة من التقديم بمعنى التقدم، ولا يبعد أن يكون من التقديم المتعدي إما لأنها تقدم أنفسها لشجاعتها على بقية الجيش، أو لأنها تقدم بقية الجيش على أعدائها في الظفر، ثم نقلت إلى ما يتوقف الشروع عليها كرسم العلم وبيان موضوعه، والتصديق بالفائدة المترتبة المعتد بها بالنسبة إلى المشقة التي لا بد منها في تحصيل العلم، وبيان مرتبته وشرفه ووجه تسميته باسمه، إلى غير ذلك- فقد
(1) جواب لما.
أشكل ذلك على بعض المتأخرين واستصعبوه فمنهم من غيّر تعريف المقدمة إلى ما يتوقف عليه الشروع مطلقا، أو على وجه البصيرة، أو على وجه زيادة البصيرة، ومنهم من قال: لا يذكر في مقدمة العلم ما لا يتوقف عليه الشروع، وإنما يذكر في مقدمة الكتاب، وفرّق بينهما؛ فإن مقدمة العلم ما يتوقف عليه مسائله، ومقدمة الكتاب طائفة من الألفاظ قدمت أمام المقصود لدلالتها على ما ينفع في تحصيل المقصود، سواء كان مما يتوقف المقصود عليه فيكون مقدمة العلم، أو لا فيكون من معاني مقدمة الكتاب، من غير أن يكون مقدمة العلم، وأيد ذلك بأنه يغنيك معرفة مقدمة الكتاب عن مظنة أن قولهم المقدمة في بيان حد العلم والغرض منه وموضوعه من قبيل جعل الشيء ظرفا لنفسه، وعن تكلفات في دفعه، ونحن نقول لا حاجة إلى تغيير تعريف المقدمة؛ فإن كلّا مما يذكر في المقدمة مما يتوقف عليه شروع في العلم هو إما أصل الشروع، أو شروع على وجه البصيرة، أو شروع على وجه زيادة البصيرة، فيصدق على الكل ما يتوقف عليه شروع، ولحمل الشروع على ما هو في حمل المعنى المنكر مساغ كما في ادخل السوق.
وأورد على المسلك الثاني أن إثبات مقدمة الكتاب إثبات اصطلاح جديد لا نقل عليه في كلامهم، ولا هو مفهوم من إطلاقاتهم، ولا ضرورة يلتجئ إليه، وفيه أن ما هو بصدده لا يتوقف على إثبات اصطلاح؛ بل يكفي أن يكون المراد بالمقدمة طائفة من الألفاظ الدالة على ما له نفع فيما يأتي، ولا شبهة في هذه الإرادة، وهذا القائل لم يصرح بدعوى الاصطلاح، ولو كانت مصرحا بها أيضا ليس في المناقشة معه في ذلك منفعة؛ لأنه يكفيه مجرد الاستعمال في هذا المعنى.
نعم فيما عرف به هذا القائل مقدمة العلم إنه صادق على المبادئ التصورية والتصديقية وكأنه أراد ما يتوقف عليه الشروع في مسائله.
واعلم أن المقدمة كثيرا ما يطلق على ما يستحق التقدم على بقية الباب أو الفصل، فالأظهر أن يقال: المقدمة اسم لما يتوقف عليه المباحث الآتية: فإن كان المباحث الآتية العلم برمته فهو مقدمة العلم، وإن كان بقية الباب فهو مقدمة الباب.