الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف، ولا يبعد أن يكون صاحب المفتاح مشيرا إلى تزييفه حيث قال:
وعلامة الفصاحة الراجعة إلى اللفظ أن يكون اللفظ جاريا
…
إلخ، وبما ذكرنا اندفع عن المصنف ما اعترض به عليه خطيب مصر (1) أنه لا مدخل للرأي في تعيين مفهومات الألفاظ، فكيف يصح منه تعريفها بما لم يجد في كلام الناس؟ ولم يحتج إلى ما أجاب به المصنف: إني أردت بالناس المعهودين من صاحب المفتاح وعبد القاهر (2) ونظائرهما من المهرة المشهورين، واندفع أيضا أن تعريف الفصاحة بالخلوص مسامحة لأن الخلوص لا يصح حمله على كون اللفظ جاريا
…
إلخ، كما هو الواضح المبين المستغنى عن البيان، وبينه الشارح المحقق بكون الفصاحة وجودية، وكون الخلوص عدمية، وتعقبه السيد السند بأن حمل العدمي على الوجود غير ممتنع، كما في قولك السواد لا بياض، لكن التعقب مما لا يضر، لأنه نزاع في إيضاح البديهي، ووجه الدفع أن المصنف اعتبر في مفهوم الفصاحة ما هو أحق بالاعتبار، فخالفهم في كون مفهومه وجوديا، وكيف لا وهو أنسب بالمعنى الذي في أصل اللغة من قولهم فصح اللبن إذا ذهب لباؤه وخلص عن رغوته، وفصح الأعجمي إذا خلصت لغته عن اللكنة؟ ! (فالفصاحة) الكائنة أو كائنة (في المفرد خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس) اللغوي وهو ما ثبت من الواضع لا ما جعله الصرفيون قاعدة فأبى يأبى مخالف للقياس الصرفي موافق للقياس اللغوي، وإنما جعل مرجع معرفة المطابقة للقياس التصريف لأنه يعرف منه ثبوته من الواضع، إما باندراجه في القانون، وإما باستثنائه من القانون، وبيان شذوذه عقيب بيان القانون
[فالتنافر]
(فالتنافر) وصف في الكلمة توجب ثقلها على اللسان سواء كان لتنافر نفس الحروف أو لتنافر كيفيات الحروف، أولهما «فقالن» بالتقاء الساكنين، مشتمل على تنافر الحروف من حيث كيفياتها، نعم هو داخل في مخالفة القياس أيضا (نحو) وصف مستشزر في قول امرئ القيس:[من الطويل]
(1) خطيب مصر: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني الشافعي، ولد سنة 666 هـ، وتوفي في جمادى الأولى بدمشق سنة 739 هـ.
(2)
عبد القاهر الجرجاني: هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني واضع أسس البلاغة ن توفي عام 749 هـ.
غدائره مستشزرات إلى العلا
…
تضلّ العقاص في مثنىّ ومرسل (1)
عقيب قوله: [من الطويل]
وفرع يزين المتن أسود فاحم
…
أثيث كقنو النّخلة المتعثكل
أي: رب فرع يزين المتن أسود فاحم بين السواد أثيث كثير كقنو النخلة، هو للنخلة كالعنقود للكرم المتعثكل، بكسر الكاف وفتحها أي ذو عثاكيل، والعثكال كقرطاس: القنو غدائره أي ذوائبه جمع غديرة مستشزرات أي مرتفعات من استشزر أي ارتفع، أو مرفوعات من استشزره أي رفعه إلى العلى، جمع العليا تأنيث الأعلى يريد به أعالي شعرات الرأس، والعقاص جمع عقيصة أو عقصة بكسر العين وسكون القاف، وهي الخصلة المجموعة من الشعر على هيئة الرمانة، والمثنى المفتول والمرسل خلاف المثنى، والعقيصة لا خلاف المثنى كما في الشرح، يريد وصف شعره بالكثرة والطول جدّا، حتى انقسم إلى أقسام، وغابت عقاص في مثنى منه ومرسل، وحتى احتاج إلى رفعه إلى العلى، وسيجيء أن مرجع معرفة تنافر الكلمات والحروف هو الحسن، لكن لا اعتماد على كل حسن بل الحاكم النافذ الحكم حسن العربي الذي له سليقة الفصاحة، أو كاسب الذوق السليم، من ممارسة التكلم بالفصيح، والتحفظ عن التكلم بغير الفصيح، وليس التنافر لكمال تباعد الحروف بحسب المخارج، وإلا لكان مرجعه إلى علم المخارج، ولا لقربه كذلك لذلك، ولا لاختلاف الحروف في الأوصاف من الجهر والهمس إلى غير ذلك، وإلا لكان المرجع ضبط أقسام الحروف، وإياك أن تذهب إلى شيء منها إذ الكل مبني على الغفلة عن تعيين مرجع التنافر، وعن كثير من المركبات الفصيحة الملتئمة من المتباعدات، نحو علم وفرح، والملتئمة من المتقاربات نحو جيش وشجى، وعن أنه لا تفاوت بين مستشرف ومستشزر مع تنافر أحدهما، وخلوص الآخر، ومن مال إلى أن اجتماع المقاربات المخارج سبب للتنافر لزمه عدم فصاحة أَلَمْ أَعْهَدْ (2) فاجترأ، والتزم، فوقع في تصحيحه
(1) البيتان لامرئ القيس في ديوانه ص 115، ولسان العرب (شزر)، (عقص) والتبيان للطيبي (2/ 496) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي.
(2)
سورة يس، الآية (60) وهي أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.