الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبارة السكاكي؛ لأنه بعيد عن الاعتبار؛ إذ ليس منطلق مسند زيد حتى يجعل مسندا سببيّا، بل هو مسند الأب، وهو ليس مسندا سببيّا له، واختار في التمثيل: أبوه منطلق دون انطلق أبوه؛ لأن كمال مشاركة أبوه منطلق مع منطلق أبوه في المعنى يوهم أنه: كمنطلق أبوه ليس مسندا سببيّا فهو أحق بالتوضيح، وهذا مبني على زعم أن «زيد» منطلق أبوه ليس سببيّا، وقد عرفت ما هو الحق فلا يتجاوزه، وبعضهم بناء على اشتهار هذا الظن، ومتابعته له صرف كلام السكاكي عن ظاهره، ولم يجعل قوله: أو أن يكون المسند فعلا، فتتمة لتعريف المسند السببي، بل جعله نكتة أخرى لكون المسند جملة، وجعله عطفا على قوله: إذا كان المسند سببيّا إذ لو لم يصرف لزم جعل منطلق أبوه غير سببي، وانطلق أبوه سببيّا، وهذا تحكم لا يرضى به عاقل، فضلا عن السكاكي، والشارح المحقق حكم بأنه سهو، لا يخفى على من له معرفة بمساق الكلام؛ إذ لا وجه حينئذ لتغيير إذا كان بقوله، أو أن يكون مع أنه يوجب الالتباس، ولهذا القائل أن يقول: كلام المفتاح مشحون بالتعقيد، فلا مبالاة لارتكاب الوجه البعيد إذا كان هو المفيد للمعنى السديد، نعم، لو دفع التحكم لحق القول بأنه التوهم.
ومما يعجب أنه قال السيد السند: إنه لو كان مراد المفتاح ما ذكره لاحتاج في ضابطة أفراد المسند إلى قيد ثالث يخرج به، نحو: انطلق أبوه، في: زيد انطلق أبوه؛ لأن المسند هاهنا ليس فعليّا، كما تحققه، وليس المقصود من نفس التركيب تقوى الحكم، فلا بد من إخراجه بقيد آخر، وكيف لا وقد خرج انطلق أبوه عن ضابطة الإفراد بقوله: لكونه فعليّا، نعم، يحتاج المصنف إلى قيد آخر، ولا يضر شارح عبارة المفتاح احتياج المصنف.
[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]
(وأما كونه) ظاهر الضمير رجوعه إلى المسند، والأولى رجوعه إلى المسند المفرد؛ لأن الفعل والاسم من أقسامه، كما أن الجملة الاسمية والفعلية من أقسام الجملة، وقد قال: واسميتها وفعليتها، أي: الجملة، ولم يقل: واسميته وفعليته، أي: المسند فيما بعد (فعلا فللتقييد) أي: لتقييد طرف الإسناد، كما هو المشهور، وإن كان للتأمل فيه مجال؛ إذ يحتمل أن يكون بالزمان قيد النسبة، فإنه لا يتفاوت بيان الواقع بتقييد الإسناد، وبعيد الحدث والمصداق واحد،
والتفاوت في النظر والملاحظة، وكان الوجه أن يساعد تقييد النسبة، وكأنه دعاهم إلى جعله قيد الحدث: أن العدول من المصدر إلى الفعل لتقييد المصدر، فكما أن نسبة المفادة بهيئة الفعل قيد له، يناسب أن يكون الزمان- أيضا- قيدا له، ولقد وقع عبارة المصنف على وفق المصلحة، حيث لم يقيد التقييد (بأحد الأزمنة الثلاثة) وإنما لم يفصلها؛ لاشتهارها، وهي الماضي، والحال، والمستقبل على صيغة اسم الفاعل، كالماضي، أو اسم المفعول، وكلاهما المنقول الموافق للمعقول؛ لأن الزمان يستقبلك كما تستقبله، ومفهومات الثلاثة بديهة يعرفها كل واحد، وأوضحها المفتاح بقوله: والمراد: بالزمان الماضي: ما وجد قبل زمانك الذي أنت فيه، وبالمستقبل: ما يترقب وجوده، وبزمان الحال: أجزاء من الطرفين يعقب بعضها بعضا من غير فرط مهلة وتراخ، والحاكم في ذلك هو العرف لا غير هذا، وأراد بقوله: والحاكم بذلك: أن الحاكم بذلك البيان: هو العرف، فالعرف تعين الزمان الذي أنت فيه، وما هو قبله، وما هو بعده، وعدم فرط المهلة والتراخي، وتخصيصه بعدم فرط المهلة والتراخي، كما فعله السيد السند مما لا سند له، والمناقشة بأن في ذلك البيان: جعل الزمان الماضي في زمان قبل زمانك، فيلزم أن يكون للزمان زمان، وأن ترقب الشيء إنما يكون لشيء بعد زمان الترقب، فيلزم أن يكون لزمان المستقبل زمان، فمناقشة في تعريف هو للتنبيه على أنها واهية؛ إذ المراد بقبل مجرد التقديم، وبالترقب مجرد التأخير، كما لا يخفى، ولم يكتف بكون زمان الحال زمانا أنت فيه، وقال في بيانه: أجزاء من الطرفين، تنبيها على تحقيق حقيقة الزمان، وأن أجزاءه لا تجتمع، فبعض أجزاء الحال منتقض كالماضي، وبعضها مترقب كالمستقبل، ولولا العرف لم يكن لك زمان حال، والشارح عين الزمان الذي أنت فيه بزمان تكلمك، ولم يزد هذا البيان إلا تضييق دائرة الحال؛ إذ الحال لا يخص زمان التكلم، بل ربما يكون زمان فعل من أفعال أخر، ولما كان شأن البديهي أن لا يزيد التكلم فيه إلا التزلزل، رأينا صرف العنان عن كثير من الخواطر (على أخصر وجه)(1) احترز به عن، نحو: كان زيد منطلقا، وينبغي أن يؤخر عن
(1) نكتة الاختصار هى في الحقيقة مرجع البلاغة في هذا الغرض؛ لأن دلالة الفعل على الأزمنة الثلاثة بأصل وضعه، ووجه الاختصار بأن قولك:«قام زيد أو زيد قام» يفيد مع الاختصار معنى قولك: «زيد
…
-
قوله: (مع إفادة التجدد)(1) ليتعلق بإفادة التجدد، والتقييد على سبيل التنازع؛ إذ يمكن كل منهما بالاسم بضميمة القرينة، فترجيح الفعل بكل منهما على الاسم لا يتأتى، إلا لقصد الاختصار، فإن قلت: لا يرجح ذلك الفعل المضارع على الاسم؛ لأن تقييده بأحد الأزمنة يتوقف على القرينة لاشتراكه.
قلت: يحصل التقييد بدون القرينة بأحد الأزمنة بمقتضى الوضع لا محالة، وإنما يحتاج إلى القرينة لتعيين المراد، فإن قلت: فما الفائدة في الإيراد فعلا؟ ولا مندوحة عن القرينة إلا أن القرينة هنا لتعيين المراد، وفي الاسم للتقييد. قلت:
فائدته التدرج في التعيين، وذلك موجب لمزيد التقرر، بقي أنه لا يظهر منافاة التقييد بالقرينة العقلية. التقيد على أخصر وجه، إذ القرينة العقلية لم تعد من وموجبات الإطناب، وكيف لا وإيجاز الحذف لا يعقل بدون القرينة؟
فالصواب: فللتقييد بنفس المسند بأحد الأزمنة الثلاثة، وإنما يفيد الفعل التجدد؛ لأنه اعتبر في جعل الزمان جزء مفهومه: أن يكون الحدث حادثا بحدوثه، لأن الزمان المقارن بالحدث يوزن بذلك، فلم يهملوا في جعل الزمان جزءا لمفهوم الفعل هذا الإيذان، لا لأن مقارنة الزمان يستدعي الحدوث؛ إذ الصفات القديمة كلها مقارنة للزمان، ولهذا صح وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (2) فاستعمال الفعل في الأمور الثابتة، كعلم الله، ويعلم، مجاز، ووضع الفعل لمقارنة الحدث الزمان على وجه الحدوث كحدوثه، فالمراد بالتجدد: الحدوث، وأما التجدد بمعنى حدوثه شيئا فشيئا، كالزمان، وكثيرا ما يقصد بصيغة المضارع، فهو ليس معتبرا في مفهوم الفعل، وإنما يفهم من خصوص الحدث أو اقتضاء المقام. قال الشارح المحقق: أفاده الفعل التجدد؛ لأن التجدد من لوازم الزمان الذي هو جزء مفهوم الفعل، وتجدد الجزء يستلزم تجدد الكل، وأورد عليه السيد السند: أن التجدد الذي قصد بإيراد الفعل ليس تجدد الكل، بل تجدد
- حصل منه القيام في الزمن الماضي» ولكن هذا الاختصار لا يكاد يمتاز به بليغ غن غيره، والذي يدخل منه في معنى البلاغة دلالته على الاستمرار التجددي كما سيأتي.
(1)
المراد بالتجدد: حصول الشيء بعد عدمه، والفعل يدل عليه بأصل وضعه أيضا، وإنما تعرض لإفادته ذلك؛ لأن من الأسماء ما يشارك الفعل في الدلالة على أحد الأزمنة، كاسم الفاعل، فإنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال.
(2)
سورة النساء: 17.
الحدث، ولا يلزم من تجدد الكل تجدد كل جزء حتى يلزم ذلك؛ لأنه في علم الله مجموع المعنى متجدد لدخول الزمان في مفهومه، وليس العلم متجددا، ويمكن دفعه بأن مراده: أن تجدد جزء مفهوم اللفظ بحسب عرف الوضع يقتضي تجدد كل جزء، فيكون ما ذكره مجمل ما ذكرناه مفصلا على طبق ما فصله السيد السند.
ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن هذه النكتة إنما ترجح الفعل على الاسم فيما إذا لم يكن للفعل اسم يرادفه، وأما ما بعده وأمهل وأمثالهما فلا ترجح بهذه النكتة على الاسم؛ لأنه يغني هيهات ورويد وأمثالهما غناءهما، إلا أن يقال هذه الأسماء النحوية معدودة في هذا الفن في عداد الأفعال، يرشدك ما سيأتي من جعل رويد زيدا من أمثلة الأمر، ومن الدواعي إلى جعل المسند فعلا إنشاء المدح، أو الذم، أو التعجب، أو الدنو؛ لأن الموضوع لها أفعال (كقوله) أي: قول ظريف بن تميم العنبري (أو كلما) أي: كلما جئت عكاظ، وكلما (وردت عكاظ) متشوق للعرب كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون ويتفاخرون، وكان يقع فيه الوقائع (قبيلة بعثوا إلى عريفهم يتوسم)(1)، أي: يتفرس الوجوه ويتأملها لحدث منه ذلك التوسم شيئا فشيئا، ويصدر منه النظر لحظة فلحظة يعني: أن لكل قبلة على جناية فمتى وردوا عكاظ طلبني الكافل بأمرهم، ولا يخفى أن هذا المثال يستدعي: أن يراد بالتجدد التقصي شيئا فشيئا، على طبق الزمان لا مجرد الحدوث، لكن الغالب في الفعل قصد الأول، فهو النكتة الشائعة، ولذا حملنا عبارته عليه؛ لأنه الأنسب بالتعرض والبيان، وأيضا قوله: وأما كونه أسماء، فلإفادة عدمهما يقتضي إرادة التجدد بهذا المعنى إرادة عدم التجدد بمعنى التقصي شيئا فشيئا، لا يقتضي إيراد الاسم، فالمثال لا يطابق الممثل، وهذا الخبط إنما وقع من المصنف، والمفتاح لم يمثل بما هو صريح في قصد التجدد بهذا المعنى، ومما يقتضي كونه فعلا: أن المقام مقام طلب الفعل، نحو: ضرب، أو الترك، نحو:
لا تضرب، أو أنه لا بد من إدخال حرف الشرط على المسند، أو التخصيص،
(1) البيت لطريف بن تميم العنبري في الإشارات والتنبيهات ص 65 والإيضاح ص 95 ودلائل الإعجاز ص 176.