المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أحوال متعلقات الفعل) - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: ‌(أحوال متعلقات الفعل)

(أحوال متعلقات الفعل)

(1)

على صيغة اسم المفعول على ما في الرضى، وكأنه في عرف العربية مختص بما سوى الفاعل، ولهذا قال: تلبسه دون تعلقه؛ لأن الفاعل كالمفعول من الملابسات، لا من المتعلقات، والمراد به: جميع أحوال متعلقات الفعل، لأن وضع الباب لها، إلا أنه اختصر على ذكر البعض للاستغناء عن ذكر الباقي فيما سبق في غير هذا الباب لظهور جريانه فيه؛ كما نبه عليه، وتفسيره ببعض أحوال المتعلقات حيث لم يذكر إلا البعض كما ذكره الشارح المحقق، وهم، وكيف لا، ولو لم يكن المراد جميع الأحوال لم ينحصر الفن في الأبواب الثمانية؛ والبعض الذي يفصل هنا لا يقتصر على ما أشير إليه إجمالا، كما وهمه الشارح، إذ لم يذكر في السابق الحذف كتنزيل المتعدي منزلة اللازم (الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل)(2) التركيب من قبيل زيد قائما كعمر وقاعدا، وفي مثله يتقدم الحال على العامل المعنوي، فقوله: مع المفعول حال من ضمير في قوله: كالفعل والعامل فيه الكاف؛ لتضمنه معنى التشبيه، وقوله: مع الفاعل حال من الفعل، والعامل فيه معنى الفعل أيضا أعني: الكاف، والأصل: الفعل والمفعول قيد، ودخول مع شائع على المتبوع، وكأنه أشار إلى أن كلا ما فيه قيد، تنوط فائدته على القيد فكان القيد هو الأصل في نظر البليغ، وإن سمى فضلة في علم آخر (في أن الغرض من ذكره معه) أي: ذكر الفعل مع واحد منهما على طبق السابق، أو ذكر واحد منهما مع الفعل، قال الشارح في شرحه:

هذا هو الحق يعرف بالتأمل، وأوضحه السيد السند بوجوه ثلاثة:

أحدها: أن الكلام في أحوال متعلقات الفعل من ذكرها وحذفها وغيرهما، لا في أحوال الفعل، وفيه أن هذه توطئة لحال متعلقات الفعل، لا بيان

(1) يلحق بالفعل ما في معناه كاسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما.

(2)

يريد بهذا أن يمهد للكلام على المفعول به. وقد ذكر في هذا الباب ثلاثة أحوال لمتعلقات الفعل: أولهما:

حذف المفعول به، ومثله في ذلك باقي المتعلقات من المفعولات والحال والتمييز وغيرها. وثانيها: تقديم المفعول ونحوه من المتعلقات على الفعل. وثالثها: تقديم بعض معمولات الفعل على بعض. وقد ترك الكلام على غير هذه الأحوال الثلاثة اكتفاء بما ذكره في التنبيه الواقع في آخر القول في أحوال المسند، فقد ذكر فيه أن أمرها يجري في غير المسند إليه والمسند كما يجري فيهما.

ص: 511

حالها.

وثانيها: أن كل واحد من الفاعل والمفعول قيد للفعل دون العكس، والقيد أحق بالمعية من الأصل، وفيه أن الفاعل والفعل ظرفا النسبة، وليس شيء منهما أصلا للآخر على أنك عرفت استحقاق الفعل للمعية، وثالثها: أن قوله: فإذا لم يذكر متعلق بالمفعول دون الفعل، وفيه أنه محتمل كما لا يخفى، وكأنه تنبه الشارح لاحتمال الكلام للوجهين، فسوى بينهما في المختصر، ونحن اقتفيناه على هذا الأثر، والمراد بذكره معه أعم من الذكر لفظا أو تقديرا؛ لأنه كون الغرض إفادة التلبس لا يخص الذكر لفظا، والأولى من جمعه معه (إفادة تلبسه به) نفيا أو إثباتا (لا إفادة وقوعه) نفيا أو إثباتا (مطلقا) أي من غير بيان تلبسه بالفاعل أو المفعول، كذا فسره الشارح المحقق، وحينئذ قوله: لا إفادة وقوعه مطلقا عار من الفائدة إذا كل أحد يعلم أنه مع ذكر شيء منهما لا يكون الغرض إفادة الوقوع فقط من غير تلبس بالفاعل، فالأوجه أن قوله مطلقا تأكيد للنفي، أي: لا إفادة وقوعه أصلا إذ مناط الإفادة هو القيد، والأصل مع القيد مسلم مفروغ عنه، لكن قوله: مطلقا فيما بعد، يؤيد ما ذكره الشارح، ولا يخفى أن الغرض من ذكر الفاعل والمفعول لا ينحصر في إفادة التلبس، بل يتوقف فهم معنى الفعل عليهما، أما الفاعل فبين، وأما المفول به، فلشهادة تعريف المتعدي له، وهذا الكلام توطئة لبحث حذف المفعول به، كما نبه عليه بقوله:(فإذا لم يذكر معه) أي: لم يذكرا واحد منهما مع الفعل، أو لم يذكر الفعل مع واحد منهما، والوجه هو الثاني؛ لأن الأول يشعر بترك المفعول، وذكر الفعل الثاني يفيد ترك المفعول، وذكر الفعل بلا خفاء (فإن كان الغرض إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا) فيكون ما لم يذكر مفعولا به، وترك ما إذا كان المذكور غير الفاعل، فإنه قد تقرر في النحو أمره من أنه لا يقدر الفاعل، بل ينوب المفعول منابه، وتغير صفة الفعل على أنه من أحوال المسند إليه، واعلم أن شرح هذا المقام على هذا الوجه من خصائصنا، والشارح جعل ضمير ذكره إلى كل واحد منهما، ولا يخفى أنه ليس قدرا مشتركا بين المشبه والمشبه به، بل القدر المشترك واحد منهما، وأنه ليس الغرض من الذكر مع كل منهما إفادة التلبس بكل منهما؛ بل بواحد منهما، وجعل ضمير فإذا لم يذكر إلى المفعول به، وهو خلاف السوق، والمراد بالإطلاق

ص: 512

نظرا إلى الإطلاق السابق على ما فسره الشارح أن لا يتقيد بالمفعول به، لكن فسره المصنف في الإيضاح بالإطلاق عن المفعول عاما كان أو خاصا، والإطلاق عن عموم نفس الفعل بإرادة جميع أفراده، وعن خصوصه بإرادة بعض أفراده، وفيه أن التنزيل منزلة اللازم لا يتوقف على الإطلاق بهذا المعنى، فإن لك أن تقول:

فلان يعطي كل إعطاء أو إعطاء كذا (نزل منزلة اللازم) لم يقل: جعل لازما؛ لأنه في معنى المتعدى، لأن يعطي بمعنى: يفعل الإعطاء، إلا أنه لما كان المفعول داخلا في معناه لم يحتج إلى ذكر مفعول، فصار كاللازم في أنه لا يطلب منصوبا (لأن المقدر) بواسطة القرينة (كالمذكور) في أن الغرض من الفعل إفادة تلبسه به، لا وقوع مفهومه مطلقا (وهو ضربان) أي: المنزل منزلة اللازم نوعان (لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقا كناية عنه) أي: عن ذلك الفعل (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه) أي: على ذلك المفعول (قرينة) ولا بد للمعنى المكني أيضا من قرينة، ولو جعل ضمير عليه راجعا إلى الفعل المتعلق بمفعول مخصوص لم يفت بيان قرينه، لكن يلزم خلو الجملة عن ضمير موصوفها، أي: مفعول مخصوص إلا أن يجعل حالا بعد حال عن قوله عنه بتقدير قد، والاقتصار على الكناية يشعر بنفي صحة التجوز، ولم يقم عليه دليل، ولا دليل على نفي جعله كناية عن فعل متعلق بمفعول عام، فتقول: فلان يعطي بمعنى يعطي كل أحد، لأن العطاء إذا صدر عن مثله لا يخص أحدا، وقوله تعالى:

وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (1) يحتمله؛ لأنه بمعنى توجد منه الدعوة، ودعوته ملزومة لدعوة كل أحد لتقرر عموم لفظه (أولا) يجعل كذلك (الثاني) كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (2) مثال للإثبات والنفي على ترتيبهما، وقدمه على الأول لتقدم عدم الجعل على الجعل، والحقيقة على الكناية، ولشرف شاهده، ولاستتباعه ذكر كلام السكاكي في معرفته مزيد دقة النظر، وقد فاز بها المصنف، فله مزيد اهتمام بذكره، وقال الشارح:

لأنه أكثر وقوعا قال (السكاكي)(3) مخالفا لعبد القاهر حيث لم يعترف إلا بكونه

(1) يونس: 25.

(2)

الزمر: 9.

(3)

المفتاح ص 116، 123.

ص: 513

لمجرد إثبات الفعل، أو نفيه، ولم يقل بإفادة التعميم على ما في الإيضاح، وليس هذا كلام السكاكي بعينه، بل هو مما استنبطه المصنف مما ذكره لحسن ظن به، وخرج من عبارته بنقصان مدلوله؛ إذ عبارته أو القصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابا في نحو: فلان يعطي إلى معنى: يفعل الإعطاء، ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق، وحمل المصنف الطريق المذكور على ما ذكره في بحث لام الاستغراق من أن كون الحكم استغراقا أو غير استغراق إلى مقتضى المقام، فإذا كان خطابيا مثل: المؤمن عز كريم، والمنافق خب لئم، حمل المعرف باللام مفردا كان، أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما تعود إلى ترجيح أحد المتساويين، ولا يخفى أن كلام السكاكي يفيد اختصاص التنزيل بمقام التعميم للادعاء والمبالغة، ورأى المصنف أنه قد يكون لمجرد إفادة الثبوت أو النفي كما في هذه الآية، وقد يكون لإفادة العموم على الحقيقة من دون قصد المبالغة والادعاء فغيره إلى قوله (ثم) يعني: بعد كون الغرض مجرد الإثبات أو النفي (إن كان المقام خطابيا) بالفتح، كما نقل بعض تلامذة الشارح المحقق ممن يوثق به؛ لأنه منسوب إلى الخطابة بالفتح مصدر خطب، أي: أنشأ الخطبة سمى الظني خطابيا؛ لأن الخطب معاون الظنون والإقناعات (لا استدلاليا)(1) يطلب فيه اليقين (أفاد ذلك) أي: الثبوت أو النفي مطلقا، لا كون الغرض ثبوته للفاعل، أو نفيه عنه مطلقا كما في الشرح، فافهم (مع التعميم دفعا للتحكم) أي:

الترجيح بلا مرجح في الحمل، أو في الإرادة، فإن قلت: لم يتعرض لمقام هو غير الخطابي واليقيني من الجدليات والجهليات، قلت: حق ذلك، ويستدعي أن يحمل الاستدلالي على ما يستدل عليه، لا على ما يطلب فيه اليقين، كما زعم الشارح، لكنه لا يقابل الخطابي الذي يستدل عليه بالخطابة، ويحتاج إلى تكلف إرادة استدلال غير الخطابة، وتقديره أنه لا يخص إفادة التعميم بالمقام الخطابي، فإنه ربما يقتضي البرهان التعميم، نحو: خلق الله، فإنه في تقدير يفعل الخلق، ويوجد هذه الحقيقة، والبرهان دل على أنه يفعل كل خلق، فيحمل في ذلك المقام البرهاني على التعميم، والإشكال لا يخلو عن صعوبة، لكنه ذلل بعون

(1) المقام الخطابي هو الذي يكتفي بالظن كالمدح والفخر ونحوهما، والاستدلالي هو الذي يطلب فيه اليقين.

ص: 514

الله، وهو أن المقام الخطابي ما يكتفي فيه بالظن من كلام المخاطب، ويقنع بظن أنه أفاد، والمقام الاستدلالي ما يطلب فيه ما إفادة المخاطب بلا شبهة سواء كان المفاد مما يمكن أن يقام عليه البرهان، أو يكون من الظنون، فتأمل، ووجه إفادة التنزيل العموم في المقام الخطابي أن يعطي في معنى: يفعل الإعطاء، فهو مما يتضمن معرفا باللام بدعوة المقام الخطابي إلى الاستغراق، فيحمل عليه إما استغراق المفرد، فيكون بمعنى: كل إعطاء، وإما استغراق الجميع؛ لأن المصدر يستوي فيه المفرد والجمع، فيكون بمعنى جميع الإعطاءات، وقال الشارح العلامة:

الطريق المذكور هو ما ذكر من كون اللام للاستغراق مفيدا للمبالغة في آخر بحث لام الاستغراق، حيث قال: إن حاتم الجواد يفيد الانحصار مبالغة لعدم مطابقة حقيقة الانحصار، وله وجهه إلا أنه قال في بيانه: إن معنى قولنا: فلان يعطي هو لا غيره، يوجد حقيقة الإعطاء، لا غيرها.

وقال الشارح: هذه فرية بلا مرية؛ لأنه وأن يفيد محصل يعطي، وهو يفعل كل إعطاء أنه يعطي لا غيره، لكن لا أمر يقتضي قوله: لا غيرها، ويمكن دفعه بأنه استفاد قوله: لا غيرها من قصد الاستمرار من المضارع، فإذا استمر إعطاؤه، فلا فعل له غيره، ولا يخفي أن هذا الحصر مما يزيد في المبالغة في الإعطاء، وهاهنا بحث أورده الشارح المحقق وهو أن إفادة التقسيم ينافي كون الغرض إفادة الثبوت أو النفي مطلقا بمعنى فسره الشارح به، وأجاب بأن المفاد أعم من الغرض والمقصود، ورده السيد السند بأن الخارج عن القصد لا يعد من الخواص، ولا يعتد به، وهو مندفع بأن ما لا يعتد به ما لا يتعلق به الغرض أصلا، لا ما لا يكون غرضنا من حاق الكلام، ونظير ذلك ما قد سبق أن كون المسند إليه موصولا يكون للإيماء إلى وجه بناء الخبر، ثم أنه ربما يجعل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم لشأنه، والتعميم من المعاني الغرضية الغير المنافية لعدم الغرضية من نفس الكلام، وكذلك الاستغراق، فإن المعرف مستعمل في الماهية المعينة، واعتبار الفرد مدلول القرينة، على أن لك أن تريد بإفادة التعميم بأن ما يفيده من الثبوت المطلق، أو النفي المطلق في قوة العام، وبمنزلته، ولا ينفك عنه، ومثل هذا لا يرد بأنه ليس إفادة يعتد بها، إذ لم يجعل التعميم من الدواعي إلى التنزيل، بل جعل الداعي إليه في قوة التعميم، وكشف عن حال

ص: 515

ذلك الداعي مزيد كشف فتأمل، ثم تحمل فنجمل.

وأجاب عنه في شرح المفتاح، وجعله أظهر بأن التعميم مدلول الفعل بمعونة المقام الخطابي، وفيه أنه حينئذ يكون كناية عن ثبوت الفعل العام، فيناسب جمعه مع الضرب الثاني.

(والأول)(1) من الضربين (كقول البحتري) أبو عبادة الشاعر وهذه النسبة إلى البحتر- بالضم- أبو حي من طي لا جدي بن تدول ابن بحتر؛ لأنه شاعر جاهلي (في المعتز بالله) أعلى صيغة اسم الفاعل يقال: اعتز لفلان عد نفسه عزيزة، أي من عزز الله أو على صيغة المفعول أي: المعزز بإعزاز الله إياه والثاني أنسب [شجو] أي: حزن [حسّاده وغيظ عداه] جمع عدو [أن يرى مبصر ويسمع واع](2) الأصح الوقوف على المنقوص بلا إعادة ما حذف بسبب التنوين ولهذا لا تكتب الياء في قاض على الأصح (أي: يكون ذو رؤية وذو سمع، فيدرك) بالبصر (محاسنه) وبالسمع (أخباره الظاهرة الدالة على استحقاقه الإمامة دون غيره) ممن لم يتصف بها (فلا تجدوا إلى منازعته الإمامة) مفعول ثان للمنازعة (سبيلا) مفعول الوجدان الأولى ترك هذا التفريع، فإن الحاسد يغيظ ويحزن بمجرد سماع كمالات المحسود، وإن كان بعد موته.

والحاصل أنه نزل يرى ويسمع منزلة اللازم، واستغنى به عن تقدير المفعول، ليدل به على أن العام يستلزم المتعلق منه بهذا الخاص، فلا حاجة إلى تقييده به في إفادته، ولو قدر المفعول لفات هذا القصد الذي فيه من المبالغة في المدح ما لا يحصى كما لا يخفى، وقد ضمن الشاعر كلامه أنهم يغيظون من أن يكون لهم بصر وسمع، ويتمنون عماهم وصممهم؛ لئلا يدركوا محاسنه، وإن محاسنه، وإن كانت أمورا معنوية صارت في الظهور مما لا يخفى على الإبصار، ويتعلق به الإبصار، ونحن نقول: قد يجعل الفعل المنزل كناية عن متعلق بأكثر من مخصوص، والأحسن أن يجعل البيت منه، أي: أن يكون ذو رؤية فيدرك

(1) أي من الضرب الأول، وهو الذي يجعل الفعل فيه مطلقا، كناية عن الفعل، متعلقا بمفعول مخصوص.

(2)

البيت في الإيضاح ص 110، وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص 81 وفي التلخيص ص 34 بتحقيقنا.

ص: 516

محاسنه، وأخباره المذكورة، ويدرك ضدها لهم وهاهنا إشكال قوي لم يسمع ممن سبق فيه روى، وهو أنه إذا جعل كناية عن المتعلق بمخصوص، خرج عن أن يكون الغرض منه إثباته أو نفيه مطلقا، نعم، لو لم يجعل كناية، وجعل معنى معرضا للاستقام (وإلا) عطف للشرطية على الشرطية التي وقعت جزاء لقوله:

فإن لم يذكر معه، وقوله: وإلا لتقدير انتفاء ما ذكر في شرط المعطوف عليه، إن لم يكن الغرض إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا، وذلك إما بأن يعتبر تعلقه بمفعول أو يعتبر في الفعل عموم أو خصوص على ما يقتضيه ما نقل من تفسير الإطلاق من المصنف، وحينئذ لا يترتب عليه قوله (وجب التقدير) أي:

تقدير المفعول به؛ لأن الخصوص المذكور ليس بالتقييد بالمفعول به، وهذا مما يقتضي أن لا يعتبر في الإطلاق إلا الإطلاق من المفعول به، واعتبر الشارح في هذا الشرط محذوفا، وهو: بل قصد تعلقه بمفعول (بحسب القرائن)(1) أي:

بسبب القرائن، وجمع القرائن نظرا إلى المواد، أو المراد بعض القرائن، اختاره على قوله بحسب القرينة إشارة إلى كثرة القرائن، كما صرح بها في بحث الإيجاز حيث قال: وأولته، أي: الحذف كثيرة وفصل بعضها، ولا يخفى أن الأحق بكونه مقام التفصيل أول مقام احتيج فيه إليه، وقيد الحذف هنا بحسب القرائن، ولم يقيد حذف المسند إليه والمسند، مع أن الجميع سواء فيه إشارة إلى أن الحاجة إلى رعاية القرينة هنا أشد، إذ الكلام يتم بدون متعلق الفعل، فلا يمكن المخاطب لفهمه ما لم يضطره الفاهم إليه بخلاف المسند والمسند إليه، فإنه لا يعرض عن فهم شيء منهما، وإن عجز يسأل المتكلم وعبر عن الحذف في مقام الإيجاب بالتقدير، وفي بيان مقام النكتة بالحذف؛ لأن التقدير الحذف مع النية، والواجب هو النية، لا الإسقاط، والداعي إلى النكتة الحذف، لا النية، فناسب في الأول عبارة دالة على النية؛ لينصرف إليها الوجوب، وفي الثاني ما يخلو عن النية لتعليق النكتة بما هو خلاف الأصل من الترك، والفرق بين مقام التنزيل التقدير، من نفائس أمر النظير والتدبير، حتى يمتحن به الفحول، وترجح فيه بعض العقول، على بعض العقول، ومما رجح فيه المصنف الشيخ عبد القاهر والزمخشري على المفتاح، وعكس الأمر الشارح المحقق في قوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ

(1) يشير بهذا إلى أن حذف المفعول لا بد فيه من قرينة تدل عليه.

ص: 517