الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالأولى أن يجعل الذات المذكورة بعدها مقصودة بالنسبة ويكتفي بما حصل به من الإيضاح وأن ليس قصد الإيضاح فى البدل كقصده فى عطف البيان (نحو قوم صديقك خالد) فخالد عطف بيان لو كان المقصود بالنسبة صديقك ولو قصد إلى النسبة إلى الخالد فيتأكد النسبة ويستقر مقره؛ لأن حق الذات أن يعبر باسمه لا بالصفة، وحق الصفة أن يجرى على الغير فخالد بدل، وعلى التقديرين يشعر النظم بأن الخالد علم فى كونه صديقك وتوجيهه عرفت، وكأن المصنف رجح احتمال كون الموصوف الجارى على الصفة عطف بيان فمثل به له.
قال ابن الحاجب: التمثيل للتوضيح فلا يحسن بما يحتمل الغير احتمالا يساوى احتمال المقصود فضلا عما يحتمل احتمالا راجحا فوضع البيان للإيضاح وأن يتفرع عليه فوائد أخر بخلاف غيره من الصفة والبدل، فإن وضعهما ليسا للإيضاح بل لأمر آخر، وأن يتفرع عليه الإيضاح ويقصد أحيانا وللتنبيه على مشاركة الوصف فى الإيضاح فى بعض الأحيان قال السكاكى فى بحث البيان: قوله علت كلمته:
لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ (1) من هذا القبيل فظن أنه جعل الاثنين والواحد عطف بيان، وقد عرفت أنهما صفتان للبيان، وقد طول الكلام فيه فى الشرح بما هو أجدر بالطرح، ومما خفى على الأنظار ولم يظفر لسان قلم بالإظهار ونسخت فيه الأذكار أن عطف البيان يصح أن يكون من غير المتكلم بمتبوعه فإن شأنه التوضيح والأكثر من توضيحك لكلام الغير، لكن العادة جرت بتصديره بحرف التفسير «أى» أى فتقول لتفسير قول من قال: جاء رجل أى:
زيد ولا اختصاص بعطف البيان هذا بالتابع بل هو فى كل لفظ شائع ذائع كالتأكيد اللفظى فتقول فى تفسير قلت أى ضربت ضربا شديدا هذا على ما هو الراجح المشهور فيما بين الجمهور، فإن خالفتهم فى ذلك وتبعت المفتاح والمستوفى وضع وديعتنا هذه فى بحث العطف بالحرف، فلا نزاع معك بعد حفظها فى الظرف.
[وأما الإبدال منه]
(وأما الإبدال منه) أى لإيراد البدل من المسند إليه فقد جعل المبدل منه مسندا إليه وأن ليس القصد إلى الإسناد إليه بل إلى البدل، وإنما أسند إليه
(1) سورة النحل: الآية (51).
صورة وليس هذا أول ما دل على أن المبدل منه مسندا إليه عندهم بل جعلهم البدل من أحوال المسند إليه أدل عليه، نعم اللائق بنظر الفن أن لا يوافق النحو ويجعل المبدل منه من أحوال المسند إليه؛ لأنه المذكور لإفادة ما يتعلق بالبدل ولجعل البدل مسندا إليه؛ لأنه الذى قصد الإسناد إليه، كما أن اللائق بنظرهم جعل التمييز عن النسبة من أحوال المسند إليه؛ لأنه لا تفاوت بين: طاب زيد علما، وطاب زيد علمه إلا بكون التمييز مخالفا لزيد فى الإعراب، والبدل يوافقه، وهذا أمر نحوى على نحو من نظر صاحب هذا الفن (فلزيادة التقرير) أى لزيادة تثبيت الحكم والمسند إليه فى ذهن السامع لاشتماله على تكرير الحكم والمسند إليه كما نفصله لك هناك فقد نبه بلفظ الزيادة على أنه يشارك التأكيد فى التقرير ويزيد عليه حيث تقرر الحكم بخلاف التأكيد، فإنه لتأكيد المسند إليه دون الحكم كما سيجىء فى بحث تقديم المسند إليه ثم الأنسب بأكثر أخواته جعل الزيادة متعدية مضافة إلى المفعول لا لازمة إلى الفاعل، تأمل.
وقال الشارح: أشار إلى أن المقصود من ذكره الإسناد إليه والتقرير زيادة يقصد بالتبع بخلاف التأكيد فإن المقصود منه نفس التقرير وهذا إنما يتم لو جعل التقرير فائدة البدل، أما لو جعل فائدة المبدل منه وذكر البدل بعد المبدل منه فلا إذ ليس التقرير حاصلا بالتبع بل جعل المسند إليه بدلا لزيادة التقرير الحاصلة بالمبدل منه وليس ذكر المبدل منه إلا بزيادة التقرير، وكيف لا والمقصود بالذكر هو البدل، وإنما ذكر المبدل منه تبعا له فعلى هذا لا ينبغى جعل البدل للإيضاح وإلا لكان ذكره لمصلحة المبدل منه وكيف يقصد به إيضاح المبدل منه وهو مطروح عند ذكر البدل ولا قصد إليه فحينئذ ظهر وجه ترك الإيضاح مع التقرير مع أنه ذكر فى المفتاح وإن ذكره فى الإيضاح لقصد استيفاء ما ذكر وإلا لتوثيقه، ولذا لم يقل فى عطف البيان لزيادة الإيضاح كما فى المفتاح ترجيحا لإيضاحه على إيضاح البدل، لأن الغرض منه الإيضاح لا غير بخلاف البدل فهو راسخ فى الإيضاح ولما اقتصر على التقرير قدم بدل الكل ثم بدل البعض على ترتيب ظهور التقرير فإنه لكمال ظهور التكرير فى الأولى أظهر فيه ولاشتمال الكل على البعض صريحا بخلاف الاشتمال الملابس على الملابس قد يكون أظهر فى الثانى من الثالث
بخلاف السكاكى فإنه عكس الترتيب؛ لأن الإيضاح فى الأقسام الثلاثة على العكس التقرير، لأن إبهام المبدل منه فى الاشتمال أكثر منه فى البعض لأن دلالة الكل على الجزء أوضح من دلالة الملابس على الملابس ثم الإبدال منه أو زيادة التقرير (نحو جاءنى أخوك زيد) أو جاءنى زيد أخوك، والتقرير فى الأول أكمل وكذا كلما كان المبدل منه المجمل والبدل المعين؛ فلذلك اختاره وهو إشارة إلى بدل الكل من الكل وهو بدل يستأنف فيه الإسناد إلى المسند إليه الحقيقى الذى قصد بالمبدل منه فيجب فيهما اتحاده أى: البدل والمبدل منه سواء اتحد مفهوما هما أو تغايرا هذا هو المراد بقول ابن الحاجب: مدلوله مدلول الأول، والشائع الواقع في كلام البلغاء: ما يغاير مفهومه مفهوم المبدل منه.
وأما اتحاد المفهوم فإنما يتحقق على مذهب البصريين حيث جعلوا: ضربتك إياك ضربته إياه بدلا لا تأكيدا، والكوفيون يجعلونهما تأكيدين كما يجعل الكل بك أنت وبه هو وضربت أنت تأكيدات، ووافقهم صاحب التسهيل وجعل نجم الأئمة الفرق تحكما، ومن فوائد بدل الكل البينة: ما يقصد فى جاء أخوك زيد من تقوية التبشير، وفى أخوك زيد يستحق الإكرام من المبالغة فى حث المخاطب على الإكرام، وأعط المسكين زيدا من أحداث الترحم على زيد فى نفس المأمور، وهكذا ما لا يخفى على الفطن من الأمور اللائقة ولك أن تجعل الكل تحت زيادة التقرير لجعل التقرير شاملا لتقرير الغرض المسوق له الكلام (وجاء القوم أكثرهم) فى بدل البعض والتقرير فيه باعتبار أن المبدل منه مشتمل على البدل إجمالا أما فى المثال المذكور فظاهر؛ لأن مجىء القوم يستدعى مجىء الأكثر، وأما فى نحو قطع زيد يده فلظهور أن المقطوع ليس نفس زيد بل شىء منه فاليد مشعور به إجمالا أو ذكر المبدل منه، كما أنه فى سلب زيد ثوبه الثوب مشعور به إجمالا حين ذكر زيد لظهور أن ليس المسلوب نفسه، ولا فرق فى الاشتمال على هذا الوجه بين بدل البعض والاشتمال، فجعل بدل البعض مما يشتمل عليه المتبوع شمولا ظاهرا وجعل بدل الاشتمال مما يحتاج إلى بيان اشتمال المتبوع عليه كما زعم الشارح غير ظاهر.
ومما لا ينبغى أن يفوت الفطن إن جاءنى القوم أكثرهم أو بعضهم إنما ينال
المرتبة العليا إذا كان مجىء ذلك البعض بمنزلة مجىء الكل، وكذا قطع زيد يده إنما ينال تلك المرتبة إذا كان قطع يده كالاستئصال له لمزيد حاجة له إلى اليد لأنه كان ممن يكثر عمل اليد وتضييع بدونه. وبما ذكرنا ظهر أن ما ذكره من المثال له رجحان على الأمثال وزيد اتصال بالقسم الأول من الأبدال فكان جديرا بالاختيار وراجحا فى مقام الاعتبار (وسلب عمرو ثوبه) فى بدل الاشتمال وبيان التقرير فيه مشتمل عليه لظهور أن القصد ليس إلى نفسه بل إلى أمر من أموره؛ ولذا قيل يجب أن يكون المبدل منه فيه مقتضيا لذكر البدل ومشوقا إليه فنحو جاءنى زيد حماره ليس بدل اشتمال كما ذكره بعض النحاة إن كان هذا الواجب واجبا فى تحقيق بدل الاشتمال وغير معتبر عند البليغ لو كان واجبا فى كونه معتبرا عند البليغ فيجزم الشارح بأنه بدل غلط لا اشتمال كما ذكره بعض النحاة بعيدا عن الجزم.
ومما لا ينبغى أن يراعى فى سلب زيد ثوبه أن يكون سلب ثوبه بمنزلة سلب نفسه لكثرة تأثير فى سلبه إما لكمال فقره أو غيره وسكت عن بدل الغلط؛ لأنه ليس من أحوال المسند إليه؛ لأنه ذكر المبدل منه سهوا بطريق سبق اللسان أو للنسيان إما قصدا أو ادعاء كما فى قولك: البدر الشمس هذا، فهو ليس بمسند إليه فى قصد المتكلم لا صورة ولا حقيقة بل لم يقصد إليه أصلا أو ترك بالمرة فى وقت ذكر البدل، فاعرفه فإنه بديع دقيق وكأنه لهذا أمر المفتاح بالتأمل فى معرفة وجه ترك بدل الغلط لأن معرفة ما قيل من أن وجه السكوت أنه لا يقع فى كلام البليغ لا يستدعى تأملا بل تتبعا على أنه لا يتم؛ لأن بدل الغلط نوعان: ما هو لسبق اللسان أو النسيان، وما هو لدعوى أحدهما وإبهام أنه ذكر غلطا نحو بدر شمس جاءنى، فإنك وإن عمدت إلى بدر ترى أنه سبق به لسانك وإلا لا يصح أن يجعل «بدر» مشبها به له، والثانى يقع فى كلام البلغاء وهو معتمد الشعراء وشرطه الترقى من الأدنى إلى الأعلى وهو أبلغ من العطف ببل، ويسمى غلط بدل.
اعلم أن التثنية والجمع وما يجرى مجراه يقابلان المذكور بطريق العطف، فرب مقام يرجح العطف عليهما ورب مقام يرجح واحدا منهما عليه، فالبليغ فى بيان المتعدد لا يخرج عن ترجيح الإجمال بأحدهما على التفصيل بالعطف وعن ترجيح