المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[والبلاغة في الكلام] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: ‌[والبلاغة في الكلام]

إلا معنى واحدا، ولم يقل مفرد فصيح أو كلام فصيح ليعم إذ لا بد من العموم، أو المراد بالمقصود كل مقصود فلو خص الفصيح بالمفرد لوجب في الفصاحة ملكة الاقتدار على التعبير عن كل مقصود، كلامي المفرد بالمفرد، وهو محال، ولو خص بالكلام لوجب فيها ملكة الاقتدار على التعبير عن مقصود مفرد بكلام، وهو محال، ولا يخفى أن عموم المفرد والمركب موقوف على تكلف استعمال الفصيح في معنييه، كما جوزه البعض، أو استعمال ما يطلق عليه الفصيح، ويقال له عموم الاشتراك، وبعد في وصف لفظ به خفاء أما على الأول؛ فلأنه يصير المآل بلفظ موصوف بمعنيي الفصيح، وهو باطل؛ والصحيح بلفظ موصوف بأحد معنى الفصيح، وهو لا يستفاد من استعمال الفصيح في معنييه، وأما على الثاني فلأنه يصير المآل بلفظ هو ما يطلق عليه الفصيح، ولا يخفى أن اللفظ ليس ما يطلق عليه الفصيح، بل مفهوم يصدق على اللفظ، ووجوب عموم المعبر به المفرد والمركب، كما يقتضي أن يقال بلفظ فصيح دون مفرد، أو كلام فصيح يقتضي أن يقال بلفظ فصيح دون لفظ بليغ، إذ البليغ لا يعم المفرد، نعم عدم وجوب ملكة الاقتدار على البلاغة في الفصاحة أيضا يقتضي أن لا يقال بلفظ بليغ.

فقول الشارح: وقول بعضهم ولأن يعم المفرد والمركب، قال بلفظ فصيح دون كلام فصيح، أو لفظ بليغ- سهو ظاهر، لا يقال يصدق التعريف على الحياة والإدراك ونحوهما مما يتوقف عليه الاقتدار المذكور، لأنا نقول ليس شيء منها سببا بل شرطا، أو ليس سببا قريبا بل بعيدا، والباء ظاهر في السبب القريب.

[والبلاغة في الكلام]

(والبلاغة (1) في الكلام مطابقته) أي مطابقة صفته (لمقتضى الحال) فإن مقتضى الحال خصوصيات، وصفات قائمة بالكلام، فالكلام لا يطابقه بل يشتمل عليه، والخصوصية من حيث إنها حال الكلام ومرتبطة به مطابق لها من حيث إنها مقتضى الحال، فالمطابق والمطابق متغايران اعتبارا على نحو مطابقة نسبة الكلام للواقع، وعلى هذا النحو قول المصنف في تعريف المعاني: علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال أي يطابق صفة اللفظ مقتضى الحال، هذا هو المطابق لعبارات القوم، حيث يجعلون الحذف والذكر

(1) انظر المفتاح بتحقيقنا ص 526، الصناعتين ص 15.

ص: 184

إلى غير ذلك معللة بالأحوال، ولما هو الأليق بالاعتبار؛ لأن الحال عند التحقيق لا يقتضي إلا الخصوصيات دون الكلام المشتمل عليها، والشارح أراد المحافظة على ظاهر مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فوقع في الحكم بأن مقتضى الحال هو الكلام الكلي، والمطابق هو الكلام الجزئي، ومطابقة الجزئي للكلي على عكس اعتبار الميزانيين من مطابقة الكلي للجزئي، فعدل عما هو ظاهر المنقول، وعما هو المعقول، وارتكب كلفة مطابقة الجزئي للكلي، مع أن المحمول بالطبع هو الكلي، واللائق اعتبار مطابقته للجزئي.

(مع فصاحته) قيل خالف في هذا القيد السكاكي فقيل إنه لا يشترط شيئا من فصاحة الكلام في البلاغة، وليس رجوع البلاغة إلى البيان لاشتراطها بالخلو عن التعقيد المعنوي؛ بل لمعرفة أنواع المجاز والكناية وعلاقاتها، لئلا يخرج فيها عن اعتبارات اللغة، وقيل إنه لا يشترط في البلاغة من الفصاحة سوى الخلوص عن التعقيد المعنوي.

(وهو) أي مقتضى الحال (مختلف فإن مقامات الكلام متفاوتة) كان الظاهر أن يقول فإن الأحوال متفاوتة، إلا أنه نبه على ترادف الحال والمقام، قال الشارح المحقق: الحال والمقام متقاربا المفهوم، والتغاير بينهما اعتباري، فإن الأمر الداعي مقام باعتبار توهم كونه محلا لورود الكلام فيه على خصوصية ما، وحال باعتبار توهم كونه زمانا له، ولا يخفى أن وجه التسمية لا يكون داخلا في مفهوم اللفظ، حتى يحكم بتعدد المفهوم بالاعتبار، ولذا حكمنا بالترادف، ثم الظاهر أنه سمى مقاما لأنه كما أن تفاوت مراتب الرجال تثبت بالمقامات كذلك تفاوت مراتب الكلام بالأحوال، وسمي حالا لأنه مما يتغير ويتبدل، كالحال الذي عليه الإنسان، فإن قلت يتجه على ما ذكره الشارح أن تفاوت المقامات لا يستدعي تفاوت مقتضيات الأحوال لجواز أن لا تتفاوت الأحوال، ويكون تفاوت المقامات باعتبار ما اعتبر فيه! ! قلت: المراد أن ذات مقامات الكلام متفاوتة، ومما فرق بين الحال والمقام أن المقام يضاف إلى المقتضى فيقال: مقام التأكيد والحال إلى المقتضى فيقال حال الإنكار، ثم المقصود من هذا الكلام يحتمل أن يكون وصية المتكلم بالاحتياط في تطبيق الكلام على مقتضى الحال فإنه

ص: 185

في معرض الاختلال؛ لاختلافها باختلاف الأحوال، وأن يكون بيان وجه كون المقتضيات مختلفة، وعدم اعتبارها على نحو واحد، يعني إنما جعل خصوصيات الكلام مختلفة لإنها لإفادة الأحوال، ولا بد للأمور المختلفة من دوال مختلفة، لتستفاد منها، وهذا كما سمعت من علماء النحو، إنما وضعت الإعراب مختلفة ليدل على المعاني المعتورة على المعرب، وعلى الاحتمالين لا ينبغي لك أن تنازع معه بأن الأحوال المتكثرة كثيرا ما يجتمع على مقتضى كما ترى من اجتماع الإفراد والنوعية والتعظيم والتحقير والتنكير والتقليل، على التنكير إلى غير ذلك، وبأن المقتضيين قد يكونان لمحال واحد كالتنكير واسم الإشارة، فإنهما يكونان لتعظيم أو تحقير، وذلك لأن ما ذكرت لهما نظيران هو الاشتراك والترادف، وكلاهما على خلاف طبيعة قانون الوضع، فخلاف الظاهر لا يسعه أن يورد نقصا على دعوى انتفاء تحقق ما هو الظاهر، فكن معنا ولا تفارقنا إن لم تحرم عن المشاعر.

(فمقام كل) شروع في بيان اختلاف المقامات، وقال الشارح المحقق: وفيه إشارة إجمالية إلى ضبط بديع للمقتضيات، حيث فصل فيها بين ما يخص أجزاء الجملة، وما يخص الجملتين فصاعدا، وما لا يخص شيئا منها، والثاني مقام الفصل والوصل، والثالث مقام الإيجاز وخلافه، والأول ما عداهما، أقول مع تقديم ما هو الأصل والتصريح به، وتأخير ما هو الفرع وبيانه إجمالا فيما أجمل، ألا ترى أن التنكير مثلا أصل، والتعريف فرعه؟ ! وكذا الفصل لكن المناسب حينئذ أن يقول: ومقام المساواة يباين مقام خلافه، ويمكن أن يعتذر بأنه لما كان في سلوك طريق الإيجاز دعا اهتمامه بالإيجاز إلى ذكره، ولا يذهب عليك أن ضبطه لأكثر المقتضيات لا بجميعها، فإن من المقتضيات ما يخص بنفس الجملة، كالتعبير عن الخبر بالإنشاء وبالعكس، ومنها ما يخص لجزئي الجملتين كإعادة اسم ما استؤنف عنه، نحو: أحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان، وإن الذكر والحذف المذكورين في الفصل الأول لا يخص بأجزاء الجملة، بل يعم الجملة والجملتين فصاعدا فمقام كل (من التنكير) أي شيء كان المنكر من أجزاء الجملة (و) كذا (الإطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه) ظاهره مقام خلاف كل، وليس لنا مقام هو بخلاف كل، وهذه شبهة صعبت على المهرة، وغاية ما

ص: 186

ذكر في دفعها ما اصطاده جواد قلم السيد السند فاض عليه المغفرة من الأحد الصمد طول الأبد إلى الأبد، أن هذا إجمال لتفصيل جميل إذ المقصود فيه أن مقام التنكير يباين مقام خلافه إلى آخر الكلام، إلا أنه أجمل طلبا للاختصار فوقع الخلل في الإضمار، فالمقصود صحيح واضح، والعبارة مختلفة لا تصح فمن يناقش في المراد بشأنه الاعتداد، ومن يذب عن العبارة الفساد فهو في خرط القتاد، ونحن نقول لما تعارف هذا الإجمال في إفادة التفصيل، وشاع في محاورات البلغاء وأرباب التحصيل فالبيان أيضا بيان جميل.

(ومقام الفصل يباين مقام الوصل ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه) صرح بخلاف الفصل بخلاف غيره حفظا لحسن موازنة الوصل للفصل، وطلبا للاختصار بقدر الإمكان، فتأمل. وينبغي أن يحمل قوله: ومقام الفصل يباين مقام الوصل على أن مقام كل فصل يباين مقام كل وصل، ليكون مشيرا إلى تفاوت مراتب الفصول والوصول، ويحمل قوله: ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه على أن مقام كل إيجاز يباين مقام كل مخالف له، لذلك فيكون على طبق ما في المفتاح، ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام، فإن لكل من الإيجاز والإطناب لكونهما نسبيين حدودا ومراتب متفاوتة، ومقام كل يباين مقام الآخر.

(و) كذا (خطاب الذكي) أي كذا مقام ما يخاطب الذكي (مع) مقام (خطاب الغبي) أي ما يخاطب به الغبي، وهذا أيضا لا يخص بأجزاء الجملة، ولا بالجملتين فصاعدا، وإنما فصل عما سبق لأن التفاوت فيه نشأ من قبل الخطاب لا من قبل نفس الكلام، والمراد بالذكي الذكي بالإضافة إلى غيره، وكذا المراد بالغبي، فيندرج فيه تفاوت مراتب الذكاء والغباوة. في القاموس الذكاء:

سرعة الفطنة، والغباوة: عدم الفطنة، هذا فالمقابل للغبي هو الفطن، إلا أنه أراد به الفطن، واختاره لمزيد مناسبة لفظية بينه وبين الغبي، فلذا لم يقل مع خلافه.

(ولكل كلمة مع صاحبتها) منصوب بالظرف المتقدم (مقام) مبتدأ خبره الظرف المتقدم، قدم للحصر: أي المقام لها لا لكلمة يشاركها في أصل المعنى، فليس للبليغ أن يختار تلك الكلمة مع صاحبتها ما لم يدعيه إليها هذا المقام، بخلاف

ص: 187

كلمة لا يشاركها في أصل المعنى؛ فإن اختيارها عليها ليس لاقتضاء المقام بل لتوقف معنى قصد إفادته عليها، ومن غفل أشكل عليه وجه تقييد الكلمة زاعما أن المقام ليس لكلمة لا يشاركها أيضا، فاعتذر بأن هذا القسم أولى بالتعرض فخص بالتعرض، واعتمد في معرفة المتروك على المقايسة، ولا يخفى أن مقام كل كلمة مع صاحبتها شديد الاتصال مع ما سبق على مقام خطاب الذكي شاك عن فصل مقام خطاب الذكي، بينه وبين ما سبق إذ كل مقام بالنسبة إلى نفس الكلام، بخلاف مقام الذكي فإنه حاصل بالنظر إلى المخاطب إلا أنه سلك المصنف طريق الترقي فقال في بيان تفاوت المقام: إنه بلغ إلى أنه يتفاوت مقام كلمة، ومقام ما يشاركها في أصل المعنى، قال الشارح: المراد بصاحبتها كلمة أخرى صحبتها لكن أعم من الكلمة حقيقة، أو حكما ليندرج فيها مقام المسند إليه، مع المسند الذي هو جملة اسمية أو فعلية أو ظرفية أو شرطية. هذا ولا يخفى عليك أنه يجب تعميم الكلمة أيضا، ليندرج فيه مقام للمسند الذي هي جملة مع المسند إليه، وليندرج فيه (تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه)(1) وبعد لا يفي هذا التعميم لاندراج كل ما هو من هذا القبيل من المقام لخروج مقام جملة مع جملة ليس لشيء منهما محل الإعراب، فلا بد من الحكم بأنه ترك للمقايسة، فلك أن تستغنى عن تعميم الكلمة بالمقايسة، ولا يتوهم قاصر أن صاحبة الكلمة ما جاورتها إذ هي ما ارتبطت بها وتعلقت بها نوع تعلق مثلا مرفوعة، في قوله تعالى فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (2) لها مع الموضوعة مقام ليس للمرتفعة معها، لا مع الأكواب، فنقول: يكفي للإتيان بالكلمة أن يقتضيها مقام لها مع صاحبه، وإن لم يكن مقام يقتضيها مع عدة من صواحب أخرى؛ بل تستوي هي وما يشاركها في أصل المعنى، مع تلك الصواحب، وبعد ضبط مقتضيات الأحوال إجمالا ليعين على ضبطه بعد الشروع في الفن تفصيلا، ويمكن في النفس فصل تمكن رغب في ضبطها ببيان شرفها وعظم منفعتها فقال:(وارتفاع شأن الكلام في الحسن) المعهود المعتبر عند عظماء العرب (والقبول) عندهم فإن العهد في هذا الفن ينساق

(1) رواه الأصمعي: «تسمع بالمعيدي لا أن تراه» وقائلة النعمان بن المنذر في خبر له مع رجل من بني تميم يقال له ضمرة، كان يغير على أرض النعمان، وانظر جمهرة الأمثال 1/ 215.

(2)

الغاشية: 13، 14.

ص: 188

إليه وإن كان للكلام أقسام حسن وقبول، سواه فحسن الكلام عند من هو طالب انكشاف الشيء على ما هو عليه بصدقه وقبوله بحسبه، وعند من هو مطمح نظره النشأة الباقية ينفعه في النشأة الباقية.

(بمطابقته للاعتبار المناسب) للمقام كما يشهد به قول المفتاح، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول وانحطاطه بحسب مصادفة المقام لما يليق به، وكأنه قال المصنف:(وانحطاطه بعدمها) إصلاحا لكلامه، حيث أورد عليه أن الانحطاط ليس بالمطابقة، وأجيب بأن في كلامه حذفا والتقدير بحسب مصادفة المقام لما يليق به، وعدم مصادفته له، فأبرز في كلامه ليكون صالحا ما قدر في كلام المفتاح لإصلاحه، وأورد عليه أن أصل الحسن والقبول بالمطابقة لارتفاعه، وعدم الحسن والقبول رأسا بعدمها، لا الانحطاط فيهما، ونحن ندفع الثاني بأن المراد الانحطاط عن الحسن والقبول، لا الانحطاط فيهما، حتى يقتضي ثبوت الحسن والقبول في غير المطابق، ومن التزم أن الحسن والقبول يجوز أن يحصلا بالفصاحة عند المصنف فيندفع الأول، أيضا غفل عما سيحكم المصنف من أن غير المطابق للاعتبار المناسب يلتحق بأصوات الحيوانات، ونقول في دفع الأول أن الارتفاع في الحسن والقبول كثبوتهما بالمطابقة، إلا أنه بمطابقة أرفع يعلم ذلك بمعرفة أن أصلهما بالمطابقة فيكون الارتفاع بمطابقة أرفع، وتلك المعرفة من الحكم بالانحطاط عن درجة الحسن والقبول بعدمها، والمراد بالكلام الكلام الفصيح، على ما ذهب إليه الشارح، متمسكا بأنه إشارة إلى ما سبق، وفيه أن السابق- صريحا- هو الكلام المطلق حيث قال: والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، وفي ضمن تعريف البلاغة الكلام الفصيح المطابق، ففي رد الكلام إلى الفصيح دون المطلق أو الفصيح البليغ خفاء، ونحن نصرفه إلى الكلام البليغ، ولا مانع عنه بعد شرح قوله: وانحطاطه على ما سبق، والمراد بالحسن الذاتي لأنه الكامل المعتد به، فينصرف إليه فلا يرد أنه قد يرتفع في الحسن والقبول بالمحسنات البديعية. بقي هاهنا بحث لا بد منه، وهو أنه كيف يريد مطابقة كلام على كلام حتى يرتفع؟ فإن اكتفى في البلاغة بالمطابقة لبعض مقتضيات الأحوال حتى يكون الكلام بليغا إذا روعى فيه حال وإن فاتت أحوال كثيرة،

ص: 189