الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيت وقصد الحزن بالسكب قرينة واضحة على المقصود؛ فلا خلل في الانتقال.
قال المصنف: والكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما يكون الانتقال فيه من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه، من خاف اللفظ، ويتجه عليه أنه يلزم أن لا يكون الكلام الخالي عن المعنى الثاني فصيحا لأنه ليس له الخلوص عن التعقيد المعنوي، ودفعه الشارح لأنه ببيان القسم من الكلام الخالي من التعقيد المعنوي خص البيان به لأن الكلام الخالي عن المعنى الثاني بمنزلة الساقط عن درجة الاعتبار عند البلغاء، كما ستعرفه في بحث بلاغة الكلام، وفيه أن الكلام الخالي عن المجاز والكناية إذا روعي فيه المطابقة لمقتضى الحال ليس ساقطا عن درجة الاعتبار، إلا أن يقال هو ساقط باعتبار الدلالة على المعنى وإن كان معتبرا من حيث رعاية مقتضيات الأحوال.
وبعد يتجه أن ما يأتي في بحث بلاغة الكلام سقوط ما ليس له معنى ثان بمعنى مقتضى الحال لا باعتبار الكون مجازا وحقيقة، ونحن نقول خص البيان بالخالي عن التعقيد مما استعمل في المعنى المجازي لأنه المحتاج إلى البيان والتوضيح؛ وأما الخلو عن التعقيد المعنوي لعدم معنى ثان فواضح لا حاجة له إلى بيان.
[قيل ومن كثرة التكرار]
(قيل ومن كثرة التكرار) قد سبق مباحث يهمك التذكار ليغنيك عن التكرار. والتكرار، بالكسر أو الفتح، والأول اسم، والثاني مصدر، في القاموس: التكرير والتكرار والتكرة إعادة الشيء مرة بعد أخرى، وهذا يقتضي أن يتوقف التكرار على التثليث ليتحقق الإعادة مرة بعد أخرى، والاستعمال لا يساعده، أو ليستعمل التكرار إذا ثنى الشيء فالمنقح ما ذكره الشارح المحقق إنه ذكر الشيء مرة بعد أخرى، وما يقال إنه مجموع الذكرين لا الذكر الثاني وهم؛ إذا الكر الرجوع، والتكرير الإرجاع، والمراد بالكثرة ما يقابل الوحدة بقرينة ما ذكر من المثال؛ فإن فيه تثليث الذكر ولا يتحقق به ذكر الشيء مرة بعد أخرى إلا مرتين، وقد يناقش فيه بأنه يتحقق ذكر الشيء مرة بعد أخرى ثلاثا ثالثها ذكر الثالث بعد الأول، ويرده أنه إذا ذكر الشيء ثلاث مرات يقال أعيد مرتين، ولا يقال أعيد ثلاثا، ويكذب القائل فتأمل.
(وتتابع الإضافات) نقل المصنف عن الشيخ عبد القاهر أنه قال الصاحب:
إياك والإضافات المتداخلة؛ فإنها لا تحسن، وذكر أنها تستعمل في الهجاء كقوله (شعر):
يا علىّ بن حمزة بن عماره
…
أنت والله ثلجة في خياره (1)
ويتضح منه أن المراد بالإضافات ما فوق الواحد، وأن التتابع لا ينافي وقوع غير المضاف بين المضافين، ولو قال المصنف: ومن كثرة التكرار والإضافة لكان أوضح وأخصر.
(كقوله) أي أبي الطيب: [ويسعدني في غمرة بعد غمرة] يريد بالغمرة الشدة استعيرت عما يغمرك من الماء [سبوح] فعول بمعنى فاعل من السبح، السباحة بعد اشتهار استعارتهما لشدة عدو الفرس مع حسن جريها بحيث لا يتعب راكبها، كأنه يجري في الماء، يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولا يخفى حسن ذكر السبوح بعد التعبير عن الإسعاد في شدة بعد شدة، بالإسعاد في غمرة بعد غمرة [لها] صفة سبوح [منها] متعلق بقوله لها أو متنازع له في الفاعل، وهذا أحسن وأدق مما قيل من أنها حال من شواهد [عليها] متعلق ب «شواهد» [شواهد](2) فاعل له، لاعتماده على الموصوف والضمائر كلها لسبوح والمعنى:
سبوح لها من نفسها علامات شاهدة عليها تشهد بنجابتها، فإن قلت: الشهادة على الشيء شهادة مضرة فكيف صح استعماله في الشهادة بنجابة الفرس؟ قلت لا أضر على الفرس من الشاهد بنجابتها، يوقعها في المعارك والمحارب والمهالك.
(وقوله) أي ابن بابك [حمامة](3) طير بري لا يألف البيوت، أو كل ذي
(1) البيت أورده الجرجاني في دلائل الإعجاز (104)، والقزويني في الإيضاح (9)، ولعلي بن حمزة المهجو في هذا البيت ترجمة في الجزء الخامس من معجم الأدباء لياقوت، وقوله:«ثلجة في خياره» فيه قلب والأصل: «خيارة في ثلجة» .
(2)
البيت في ديوانه من قصيدة قالها لما أراد سيف الدولة قصد خرشنة فعاقة الثلج، والسبوح: أي فرس حسن الجري لا تتعب راكبها، كأنها تجري في الماء، وتسعدني بمعنى تعييني، والغمرة: الشدة.
والشاهد في كثرة الضمائر وتكرارها، انظر البيت في الإشارات والتنبيهات (13)، وشرح التبيان (1/ 187)، والتبيان للطيبي، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، والإيضاح (8).
(3)
البيت في الإيضاح (9)، والإرشادات والتنبيهات (13)، والتبيان للطيبي (2/ 528).
وجرعا: مقصور جرعاء، ولها معان كثيرة أنسبها لبقية البيت أنها: الكثيب جانب منه رمل وجانب منه حجارة، وحومة الشيء: معظمه، والجندل: أرض ذات حجارة، والسجع: هدير الحمام
…
-
طوق يقع على الذكر والأنثى، وللجنس حمام [جرعى] مؤنث الأجرع، مخفف جرعاء، وهي الكثيب جانب منه رمل وجانب حجارة [حومة] البحر والرمل والغيال، وغيرها معظمها [الجندل] بالفتح وكسر الدال وبضم الجيم وفتح النون، وكسر الدال، الموضع يجتمع فيه الحجارة، فيجب أن يجعل الجندل مكسور الدال لا مفتوحها، وإن اشتهر تصحيفه، حتى قيل المراد به الأرض ذات الحجارة، بأن أطلق اسم الحال على المحل، ومنهم من جعله مكسور الدال مخفف جندل بفتحتين وكسر الدال، حيث أثبته الصحاح بمعنى موضع ذي حجارة، وجعل إسكان النون للضرورة، وفيه أن الحذف المقيس للضرورة مختلف، وهو بعدم صرف المنصرف ومتفق، وهو بالترخيم صرح به التسهيل، ففيه إضافة حمامة إلى جرعى المضافة إلى حومة المضافة إلى الجندل [اسجعي] أي رددي صوتك والسجع ترديد الحمامة صوتها، تمامه [فأنت بمرأى من سعاد ومسمع] أي بحيث تراك سعاد وتسمع كلامك، على ما في الصحاح والقاموس:
إلا أن الكتابين أثبتاه هكذا هو منى مرأ ومسمع بدون الياء، وزاد القاموس:
وينصب، فمن شرحه بأنك بحيث ترين سعاد وتسمعين كلامها لم يعرف الاستعمال، وأما قول الشارح المحقق: إنه خلاف المعقول أيضا فلا يتم، وإن وجه بأن الأمر بالسجع إنما يناسب لإسماع سعاد، وذلك إنما يكون إذا كان سعاد بحيث تسمع صوتها، لا لأن الحمامة إذا كانت بحيث تسمع صوت سعاد، فسعاد أيضا بحيث تسمع صوتها، لأن صوت الحمامة ليس كصوت الإنسان في الارتفاع، بل لأن الأمر بالصوت لا ينحصر في داعي الإسماع، بل من دواعيه النشاط والسرور، كالبلابل تترنم بمشاهدة الورد. ويرجح هذا الداعي عدم الاكتفاء بمسمع وضم مرأى إليه.
(وفيه نظر) لأنه قال الشيخ: لا شك في ثقل تتابع الإضافات في الأكثر، لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف، كقول ابن المعتز:
وظلّت تدير الكاس أيدى جآذر
…
عتاق دنانير الوجوه ملاح (1)
- والشاهد في: إضافة حمامة إلى جرعا، وجرعا إلى حومة، وحومة إلى الجندل.
(1)
البيت في ديوانه، باب الشراب، والبيت في الإيضاح (10)، ويروى «تدير الراح أيدي جآذر» -