الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقوي، فلم يفت المصنف تمثيل التخصيص في النفي كما ظنه الشارح، ولما كان إفادة التقديم التقوي محتاجا إلى توضيح قال:(فإنه أشد لنفي الكذب من لا تكذب) ولا خفاء أن صيغة التفضيل ليس على حقيقته؛ إذ لا يريد المثالان على نفي الكذب، وتوجيهه لا يخفى على الأفقه من الحمار، وللنظر الدقيق أن يقول:
نفي الكذب في الاستقبال، مع أنه مبطن الحال يفيد مبالغة فيه، ولما كان نفي الأشد به من لا تكذب أتم في الوهم من لا تكذب أنت، جعله مشبها به تنبيها على هذا التفاوت.
وقال (وكذا من لا تكذب أنت)، ولم يشتغل بهذا التوضيح في قسم الإثبات، مع أنهما سيان فيه لئلا يتباعد النفي عن الإثبات، إلا أنه يتجه أن كون التقديم للتقوية ليس أخفى من كون أنت لا تكذب أشد لنفي الكذب من التركيبين الآخرين حتى يتم توضيحه به، بل قد بين كونه أشد لنفي الكذب بكونه لتأكيد المحكم حيث قال:(لأن تأكيد المحكوم عليه) لا الحكم، وقولنا: أنت لا تكذب على الاحتمال لاحتمال أن يكون أنت الثاني مبتدأ، لا تأكيدا للمحكوم عليه، بل لحكم في الخبر، وفيه مخالفة لما ذكره الكشاف في تفسير قوله تعالى حكاية عن يوسف- عليه السلام: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (1) من أن تكريرهم للدلالة على أنهم خصوصا كافرون بالآخرة وأن غيرهم قوم مؤمنون بها، وهم الذين على ملة إبراهيم- عليه السلام ولتوكيد كفرهم بالجزاء هذا، وفي تخصيص بيان الفرق بأنت لا تكذب للتقوي تعريض للمفتاح، بأنه لا اشتباه بين لا تكذب أنت، وبين أنت تكذب للتخصيص، فبيانه الفرق بينهما لغو ينبغي أن يفرق بين لا تكذب أنت وأنت لا تكذب للتقوي؛ لأنه محل الاشتباه، ولا يدفعه ما ذكره الشارح المحقق أنه خص بيان الفرق بالتخصيص؛ لأنه أورده في بحث التخصيص.
[وإن بنى الفعل على منكر]
(وإن بني الفعل على منكر) أو ما في حكمه من الضمير الراجع إلى النكرة، فإذا قلت: ضربت رجلا وهو جاءني، كان قولك: وهو جاءني التخصيص جنس الرجل أو الرجل الواحد لا يقال: الأولى (أفاد) التقديم (تخصيص الجنس)،
(1) يوسف: 37.
أو العدد (أو) قوله: (الواحدة) لا يتناول: رجلان جاءني، فإنه التخصيص الجنس أو العدد، أي: رجلان جاءني لا رجل واحد؛ لأنا نقول: رجلان جاءني التخصيص العدد، ولا يحتمل تخصيص الجنس؛ لأن التثنية أو الجمع نص في العدد لا يحتمل التجريد عنه، بخلاف التنوين، فإنه كثيرا ما يجرد عن العدد، نعم إطلاق المنكر منكر، ومن موجبات ضعف الإطلاق: أن المصدر غير المرة لتخصيص الجنس دون الواحد والمراد بالجنس المفهوم الكلي حتى أن رجلا طويلا جنس صرح به الشيخ لكن ينبغي أن يعلم: أن قولك: رجل واحد جاءني لتخصيص الواحد دون الجنس؛ لأن الواحد لكونه نصّا في الوحدة لا يمكن تجريده عنها، ولو أريد بالتنوين التحقير، أو التقليل، أو التكثير يكون لقصر الجنس الحقير، أو القليل، أو الكثير دون الواحد (نحو رجل جاءني أي: لا امرأة أو لا رجلان) أو لا ثلاثة إلى غير ذلك، والأعذب في قصد قصر الجنس الرجل جاءني بالتعريف الجنسي (ووافقه السكاكي على ذلك) أي: على إفادة التقديم التخصيص والتقوي، لكن لم يجعل تقديما للتخصيص قطعا من غير أن يقصد به مجرد التقوي كما جعله الشيخ ما يلي حرف النفي كذلك، وجعل من التقديم ما هو لمجرد التقوى قطعا بخلاف الشيخ، فإنه ليس تقديم قطع فيه لمجرد التقوى عنده.
وإلى هذا التفاوت أشار بقوله: (إلا إنه قال) أي: لكنه قال: (التقديم يفيد الاختصاص إن جاز تقدير كونه في الأصل مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط، نحو: أنا قمت) قدمه على التقدير؛ لأن التقدير فرعه، ولم يقتصر على التقدير، مع أن التقدير لا ينفك عن الجواز لاحتمال أن يفارق تقدير التقديم الجواز، ولا يتوقف عليه، فصرح بالجواز تنبيها على أنه لا بد منه في التقدير أيضا، ولا يبعد أن يقال: المراد جواز التقدير بلا تكلف (وقدر) فقولك: ما أنا قلت يفيد التخصيص لو قدر أصله: ما قلت أنا، ويتجه عليه أنه حينئذ يبطل ما حكم به من عدم صحة: ما أنا قلت هذا، ولا غيري، وما أنا رأيت أحدا، وما أنا ضربت إلا زيدا؛ لأنه لو لم يقدر التأخير يكون غير مفيد للتخصيص فلا يلزم شيء من المفاسد فتأمل.
(وإلا) أي: إن لم يجز تقدير التأخير على أنه فاعل معنى فقط (فلا يفيد إلا تقوي الحكم جار كما مرّ) في نحو: أنا قمت (ولم يقدر)، ومن أمثال أنا قمت:
هو عرف، فإن هو في قولك عرف هو لا يحتمل كونه فاعلا لفظا (أو لم يجز نحو زيد قام) فإن زيدا لو قدر مؤخرا لكان فاعلا لفظا لا معنى فقط، وقال الشارح:
لم يجز تقديره مؤخرا؛ لأنه يلزم تقديم الفاعل لفظا وهو لا يجوز، والمراد بنحو:
زيد قام: ما يكون المسند إليه فيه مظهرا فإنه عند التأخير يصير فاعلا لفظا هذا كلامه، وفيه بحث؛ لأن «زيد قام» يوضع الظاهر موضع المضمر المسند إليه فيه مضمر، مع أنه لو أخر يكون فاعلا كما في: هو قام، فتقول: المراد بنحو: زيد قام أن يكون المسند إليه مظهرا معنى، وهذا ينافي ما سبق أن نحو زيد والفاعل مضمرا، وكذا: زيد ضربته، فإنه لو قدر مؤخرا أيضا لصار مفعولا معنى، وهذا ينافي ما سبق أن نحو: زيد ضربته، لا يفيد تقوي الحكم عنده؛ لأنه يفيد أنه يفيد التقوي، وقدم المصنف نقيض التقدير على نقيض الجواز على عكس ترتيب الجواز، والتقدير لنكتة دقيقة لا يتبصر بها إلا البصائر المحيطة بأخفى الضمائر، وهو أن النفي المستفاد من قوله: وإن لا يرجع أولا إلى التقدير الذي بمنزلة القيد للجواز.
(واستثنى) السكاكي (1)(المنكر) الصرف الذي ليس فيه شائبة التخصيص بقرينة قوله: لئلا ينتفي التخصيص، ولك أن تجعل صيغة التفضيل للمبالغة في النكارة، فتفيد بها صرافة النكارة، والاستثناء من حكم مستفاد من قوله: وإلا فلا يفيد إلا تقوي الحكم، أي: إن لم يجز تقدير كونه في الأصل مؤخرا على أنه فاعل معنى فقط بلا تكلف لا يفيد إلا تقوي الحكم إلا المنكر الصرف؛ فإنه لا يجوز تقدير كونه مؤخرا فقط بدون تكلف، وهو لا يفيد إلا التخصيص وهو أظهر، قال الشارح المحقق: إن المراد أنه أخرج السكاكي المنكر عن كونه فاعلا لفظا وجعله فاعلا معنى (بجعله من باب وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(2) أي: بجعل المسند في الأصل مسندا إلى ضمير مبهم، تفسيره: إبدال الظاهر منه،
(1) انظر المفتاح 119، 120.
(2)
الأنبياء: 3.
وإنما قال: (أي على القول بالإبدال من الضمير) إشارة إلى قول آخر فيه، وهو أن الواو في الفعل قد يكون علامة الجمع فقط كما في الصفة من غير أن يكون فاعلا، ولا يخفى ما فيه من وجوه البعد من قلة نظائر وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا والخلاف في كون الواو ضميرا أو تغيير الضمير من الإبهام إلى التعيين بالتقديم، فيلزم المخالفة الفاحشة بين الأصل المقدر وما عدل إليه، وإنما ارتكب هذه الأمور (لئلا ينتفي التخصيص) الذي شرط كون المبتدأ نكرة (إذ لا سبب له)، أي: لهذا التخصيص (سواه أي) سوى كونه في الأصل فاعلا معنى، فكما لا يحتاج فاعلية النكرة إلى مخصص سوى تقديم المسند لم يحتج هذا الابتداء إليه سوى تقديم المسند في الأصل، ولا يخفى أنه لا يحتاج المنكر الصرف على إطلاقه إلى الاستثناء؛ إذ بقرة تكلم وكوكب انقض الساعة إلى غير ذلك لا يحتاج إلى مخصص.
وقوله: (بخلاف المعرف) يفيد: أن للمعرف سببا للتخصيص سوى تقديم المسند في الأصل ولا يخفى فساده، فلذا جعل الشارح تقدير الكلام وإذا انتفى التخصيص لم يصح وقوعه مبتدأ؛ بخلاف المعرف فإنه يجوز وقوعه مبتدأ من غير هذا الاعتبار البعيد، ولا يخفى أنه بعيد، كما أن جعل الضمير لا سبب له إلى كونه مبتدأ بعيدا.
(ثم قال) لا تراخي بين هذا الكلام وما سبق في كلام السكاكي كما يفيده كلمة ثم (وشرطه) أي: شرط ارتكاب هذا الوجه البعيد في المنكر (أن لا يمنع من التخصيص مانع)، وهو انتفاء فائدة القصر من رد اعتقاد المخاطب في قيد الحكم مع تسليم أصله كما أشار إليه (بقوله: كقولك: رجل جاءني على ما مر) من أن معناه: لا امرأة، أو لا رجلان، ولا يخفى أن شرط مطلق التخصيص ذلك وهو بين مستغن عن البيان، وغاية التوجيه أن يقال: يكاد يتوهم أن التوجيه الضرورة في المنكر رفعت عنه شرط التخصيص فخصّه بالتعرض لإزاحة هذا التوهم (دون قولهم: شر أهر ذا ناب) فإنه فيه مانعا من التخصيص (إما على) التقدير (الأول) وهو تخصيص الجنس (فلامتناع أن يراد المهر شر لا خير) إذ المهر لا يكون إلا شرّا أو ظهور الخير للكلب لا يهره ولا يفزعه (وأما على) التقدير
(الثاني فلتبوئه عن مظان استعماله)(1) فإنه لا يستعمل لرد اعتقاد أن يكون المهر أكثر من شر واحد (وإذ قد صرح الأئمة بتخصيصه حيث تأولوه بما أهر ذا ناب إلا شر) لزم طلب وجه لتصريحهم، أو للتخصيص، وللتأويل.
وقال الشارح المحقق: لزم طلب وجه للجمع بين ما ذكرنا وبين ما فعلوه، فكأنه قال: وإذ قد صرح الأئمة لما ينافي ما ذكرناه لزم طلب وجه للجمع ليصح ما ذكرناه أو ما ذكروه للتعويل (فالوجه) بأحد الوجوه فتأمل. (تقطيع شأن الشر بتنكيره) بجعل التنكير للتعظيم والتهويل كما مر في تنكير المسند إليه، ونحن نقول بجعل المفضل عليه المحذوف في غاية العموم أي: شر من كل شيء، وبالجملة المعنى ما أهر ذا ناب إلا شر عظيم في الغاية، ويتجه أن النكرة حينئذ تخصصت بالوصف المستفاد من التنوين أو بالمفضل عليه المحذوف فلا حاجة إلى تقدير التأخير، بل لا يصح؛ لأنه لا يرتكب الاعتبار البعيد إلا في النكرة الصرفة على ما حقق.
وأجيب بأن التخصيص الذي صرح به الأئمة في تأويلهم هو التخصيص المستفاد من التقييد؛ إذ التقييد يفيد التخصيص عند السكاكي؛ لأنه يجعل: ما ضربت أكبر إخوتك إثباتا لضرب الأصغر، وفيه أنه لم يجعل النحاة شر أهر ذا ناب من قبيل: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وعلى ما ذكر يكون كلاهما تخصيصا بالوصف (وفيه) أي فيما قاله وفعله السكاكي (نظر إذ الفاعل اللفظي والمعنوي) الأولى الأسلم من النزاع الفاعل اللفظي والبدل والتأكيد (سواء في امتناع التقديم) ما بقيت على حالها، لأنه لا يتجه عليه، عليك ورحمة الله السّلام، وقوله:(ما بقيا على حالهما) قيد الامتناع أي سواء في امتناع المقيد بزمان بقائهما على حالهما لا التسوية حتى يحتاج إتمام الكلام إلى تقدير، وسواء في جواز التقديم إذ لم يبقيا على حالهما فتأمل.
والمناقشة في التسوية بدعوى أن التابع أولى بالامتناع؛ لأن فيه التقديم على العامل والمتبوع (فيجوز تقديم المعنوي دون اللفظي) ترجيح للمرجوح (لا تحكم) إذ التحكم هو الترجيح بلا مرجح لا يضر السكاكي بل ينفعه (ثم لائم انتفاء
(1) هو أن يكون لتخصيص الواحد. انظر الإيضاح ص 67.
التخصيص لولا تقدير التقديم لحصوله بغيره كما ذكر) يتجه على كلام السكاكي منعان أحدهما: على قوله: التقديم يفيد الاختصاص إن جاز تقدير كونه في الأصل مؤخرا على أنه فاعل فقط وقدر، لأنه يقال: لائم انتفاء التخصيص من غير تقدير التقديم إذ لا دليل على اعتبار التقديم للتخصيص، بل يحصل بلا تقدير تقديم كما ذكر منقولا عن الشيخ (1)، وكلام المتن يحتمل هذا المنع، وحينئذ معنى قوله: لحصوله بغيره لحصول بلا تقدير تقديم بإجراء غير مجرى لا يكون غير ما سوف على زمن أي لا ما سوف، ولا غير نظير، وثانيهما: على قوله: لئلا ينتفي التخصيص، وحينئذ معنى الكلام: لائم انتفاء التخصيص في صورة المنكر لولا تقدير التقديم لحصول التخصيص بغير التقدير من التخصيص بالوصف المستفاد من التنكير كما ذكر السكاكي، والإيضاح يفصح عن هذا المعنى، وهو أوفق بالعبارة وبالجملة الأوضح لولا تقديم التأخير، ولا ينجاب المنع الأول.
والجواب مطلقا عن هذا المنع الثاني أنك إن أردت منع انتفاء التخصيص في النكرة مطلقا لولا تقدير التأخير، فلم يدع أحد أن المسند إليه إذا كان نكرة لا يفيد التخصيص بدون تقدير التأخير، وإن أردت منع انتفاء التخصيص في نكرة من النكرات لولا تقدير التأخير، فالمنع مكابرة؛ لأن النكرة التي لم تخصص بشيء من المخصصات إذا قدمت ينتفي تخصيصه لولا تقدير التقديم (ثم لائم امتناع أن يراد المهر شر لا خير) وكيف لا، وقد قال الشيخ عبد القاهر: قدم شر؛ لأن المعنى الذي أهره من جنس الشر لا من جنس الخير، فجرى مجرى أن يقول رجل: جاءني يزيد؛ أنه: رجل لا امرأة، وربما يدفع هذا المنع بأن المتبادر من الشر الشر بالنسبة إلى الكلب، والإهرار: صوته عند تأذيه، وعجزه عما يؤذيه، فلا يشك عاقل أن مهره لا يكون خيرا بالنسبة إليه، وفيه نظر؛ لأنه يجوز أن يراد بالشر الشر بالنسبة إلى أهل الرجل، أو يراد بالإهرار مجرد جعله ذا صوت، وهناك منعان آخران: أحدهما: أن لا نسلم أن لا يصح قصد التخصيص لامتناع أن يراد: شر أهره لا خير، وامتناع أن يراد: شر أهره، لا شران؛ لاحتمال أن يراد: شر أهر ذا ناب لا غير، بأن يكون الحصر حقيقيّا،
(1) دلائل الإعجاز ص 94.
لا لرد اعتقاد، وثانيهما: أن هذا مثل يراد به عجز القوي البعيد عن العجز، فهو يصح أن يقع مبتدأ بلا تخصيص، لكون الحكم مفيدا بدون التخصيص، وبالجملة يرد أن: النزاع في مثال ذكر لتصوير مانع قصد التخصيص، وهو ليس من دأب المحصلين، (ثم قال) السكاكي (1) (ويقرب من هو قام زيد قائم في التقوى) يعني: في إفادة التقوي، ولو قال: ويقرب من زيد قام زيد قائم لم يحتج إلى قوله في التقوي؛ لأن (زيد قام) لا يحتمل إلا التقوي؛ بخلاف هو قام، فإنه يحتمل التخصيص أيضا قال السيد السند في شرح المفتاح: هو قائم يحتمل التخصيص على نحو. هو قام، ولو تم ما ذكره لكان في اختيار زيد قائم على هو قائم وجه وجيه، لكن فيه أنه كيف يحتمل التخصيص؟ ولا يمكن تقدير تأخيره على أنه فاعل معنى؛ إذ لا يعمل اسم الفاعل بدون الاعتماد (لتضمنه الضمير) علة لقال، وهو الأوفق بقوله:(وشبهه بالخالي عنه من جهة عدم تغيره في المتكلم والخطاب والغيبة) فتأمل. أو علة لقوله: يقرب، وهو أوفق بمقام النقل.
وقوله: وشبهه على صيغة الماضي من التفعيل هو المشهور، ويحتمل كونه مخففا مصدرا، فالأظهر: أنه عطف على لتضمنه، ويحتمل النصب على أنه مفعول معه، والرفع على أنه مبتدأ، والجملة حالية أي: والحال أن شبهه ثابت بالحالى، أو شبهه بالخالي عن الضمير ثابت من جهة التغير والضمير في تغيره للضمير، أي: من جهة عدم تغير الضمير في وقت تكلمه، وخطابه، وغيبته، وجعله الشارح لقائم، أي: لعدم تغير قائم في وقت تكلمه، كما هو الظاهر، ففيه مسامحة، أي: في وقت تكلم الضمير، والمراد: إما عدم التغير في الأحوال الثلاث فتقول: ومن جهة عدم التغير في التكلم كما في الفعل كان متكلم الماضي:
ضربت تارة وضربنا أخرى، ومتكلم المضارع: أضرب تارة ونضرب أخرى، وكذا في الخطاب والغيبة، وإما عدم التغير في واحد وأحد، وحينئذ تقول: ولعدم التغير في الأحوال الثلاث (ولهذا لم يحكم بأنه) أي: اسم الفاعل مع فاعله (جملة) أصلا، واحتيج في الحكم بكون اسم الفاعل الذي صلة اللام مع ضميره جملة إلى تأويله بالفعل، وادعاء أنه فعل في صورة الاسم، فقول الشارح المحقق:
(1) المفتاح ص 119.
إلا في صلة الموصول استثناء من غير حاجة، ومن قال: استثناؤه قاصر إذ اسم الفاعل الواقع بعد حرف الاستفهام، وحرف النفي الرافع للملفوظ أيضا من قبيل الجملة يعود إليه القصور؛ لأن الكلام في اسم الفاعل المتضمن للضمير، وأما ما لم يتضمن الضمير فجعل تابعا للمتضمن في الإفراد والإعراب، ولم يتعرض له المصنف كما تعرض له المفتاح حيث قال: واتبعه في حكم الإفراد نحو: زيد عارف أبوه، يعني: اتبع عارفا مع الضمير عارف أبوه في حكم الإفراد، وما في بعض نسخ الإيضاح معناه: اتبع عارف عرف في الإفراد سهو إذ لم يسق في المفتاح عرف.
وقال الشارح: إذ لا حاصل لهذا الكلام، فإن قلت: لم يحكم بكون اسم الفاعل مع فاعله جملة؛ لأنهم اشترطوا في الجملة الإسناد الأصلي، وهو إسناد الفعل، أو ما هو فعل في صورة الاسم، وإسناد المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، والظرف- أيضا- على ما قالوا على سبيل الشبه، وليس بجملة، وإن كان جعل الظرف غير جملة يخالف ما قالوا:
إن الخبر الظرف مقدر بالجملة في الأصح قلت: ما ذكره المفتاح توجيه لتخصيص الجملة بما يكون إسناده أصليّا، ولتأويلهم اسم الفاعل الذي هو صلة، والذي بعد حرف النفي، وألف الاستفهام بالفعل حتى يصح كونه مع فاعله جملة أو كلاما، فإن قلت الجملة ما يكون إسناده مما يصح السكوت عليه في الجملة، واسم الفاعل مع فاعله ليس كذلك أصلا.
قلت: اسم الفاعل كذلك في: أقائم زيد؟ وما قائم زيد، فعدم جعله مع الفاعل جملة، وجعل هاتين الصورتين مؤولتين بفعلتين لا بد له من وجه، وذلك الوجه ما ذكره في المفتاح (ولا عومل) قائم مع الضمير (معاملتها) أي:
الجملة (في البناء) الجملة إذا لم تقع في محل مفرد مبني لا إعراب له أصلا لا محلا، ولا لفظا، ولا تقديرا، وإذا وقع موقع مفرد فهو معرب محلا، واسم الفاعل مع فاعله معرب؛ إلا أنه أجرى إعرابه على جزئه الأول، لاشتغال جزئه الثاني بإعراب له من جهة اسم الفاعل، كما أجرى إعراب عبد الله علما على جزئه الأول؛ لاشتغال الجزء الثاني بإعراب اقتضاه الجزء الأول، فإن قلت: المعرب: